• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

العجوز المتكئة على الأمل

عبدالكريم علي جامع فايد


تاريخ الإضافة: 31/8/2013 ميلادي - 24/10/1434 هجري

الزيارات: 8299

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العجوز المتكئة على الأمل


في صفحةِ الأرض المبسوطة، وبين أنغام العصافير التي تحاكي أوزانَ الشعر العربي الأصيل ترقُد بهدوء، يغازل النهرُ أطرافَها على استحياء وهي تتمايلُ في حركتها كأغصان النخيل الشامخة تداعبُها نسماتُ الفجرِ الباردة.

 

في منزلها الشاهد على بساطة أهل القرية، وشق بابها المصنوع من الخشب، تتسرب منه أشعة الشمس، تقوم إلى ابنها الباسم للحياة المتدفق بالأمل، تربض في وجهه السعادة؛ لتنطلق مع الصباح تجوب أرجاء القرية، لتعود منهكة في المساء تلقي بنفسها في مرابضها التي يغمرها حبًّا وحنانًا، وهي تستند على عكاز الأمل إن دهمتها سحابات الهموم، وتحلِّق حالمة بمستقبل أفضل وغدٍ مشرق لنبتتها اليافعة.

 

أرسلت ابنها وهو مفعم بالحياة، تجري بين جنباته ذكريات الطفولة وحنان أمه الذي لا يُعادِلُه حنان، وخوفها الشديد عليه في ليلة ممطرة، لقد أرسلته إلى الحياة، أطلقت له العِنان ليعدو منشدًا سمو الأخلاق.

 

ليبحث في أرض الله الفسيحة يأكُلُ من طيباتها، ويسعى في خدمة الناس.

 

وأتحفته بعِقدها الثمين: اذهَبْ يا بني، لا أريدك أن تبقى حبيسَ هذه البلدة، اذهَبْ وتعلم من الحياة؛ فهي مدرسة النجاح، صقال النفوس، ومورد الشموخ، واعمَل، انطلق بتوفيق الله، وتسلَّح بالعزيمة والإصرار وحب الحياة، ليس من أجل الأكل والشُّرب، بل من أجل العملِ والإصلاح، كبلسم الشفاء للجروح، ويحفظ الجميع طيب الأثر.

 

لا تجعَلْ حياتَك مقصورةً على اللهو واللعب، والمأكل والمشرب، لا تكُنْ ذاتيَّ النزعة، فكما تأخذ وكما يعطيك الله ربُّ العباد أعطِ عبيده الفقراء والمحتاجين، كنْ عونًا للناس يحملهم بصدره وحنانه قبل ظهره وماله، فما كل الحاجات تُسَد بالأموال، ولا كل جوع يسدُّه الطحين، ولا كل ظامئ ترويه شبم القراح، دافِعْ عن المظلوم، وأشفِقْ على الظالم، ولا تكن جبارًا في الأرض.

 

انطلق هذا الابن وهو يضربُ على عقله هذا العِقد الثَّمين الذي لا يليق إلا بجِيدٍ كريم، ينفق لؤلؤَه ولا يحتكره، فيسعى وقد أشرقت الدنيا في عينيه، وكأن الفضاء بأجرامه وكواكبه، والأرض بدوابها وهوامها قد انطلقت معه في مهمة الحياة.

 

وانطلقت دموعُ العجوز التي أخفتها وراء حجابها المسدل على وجهها كما تكون الياقوتة الثمينة، لكن الابن قد أحس بها، كيف لا وهي أمُّه التي ربَّته، فأقبَل يقبِّل يديها ورأسها وهي تقول: اذهب فإني أعلمُ أنك حتمًا ستعود.

 

ومضى ابنُها في أرض الله عاملًا داعيًا وقد انقطعت الأخبارُ عن بلدته، وعن أمه الحبيبة التي ترتسم له في وجه القمر كلما اكتمل، وتتناقص يومًا في إثرِ يومٍ كالدهر يطوي كلَّ يوم أحدَ بنيه، ويتذكَّر دعاءَها له وهو يدخل البيت في وقت متأخر من الليل، وترغيبَها له في ابنة عمِّه لتقَرَّ عينُها ببنيه وهو يشاغِلُها عن الموضوع.

 

أما أمُّه فقد مرت عليها الأيامُ والشهور، وهي تعمل في الأرض، وتقبِّل جلباب ابنها صباح مساء، تنام على فراشه لتنعَمَ به في حِضنها.

 

لقد كبِرت العجوز، وبدأ ظهرُها في الانحناء، وانتشرت التجاعيد بوجهها، كأرض يَبابٍ انقطع عنها الحياة. ذات ليلة استيقظت من نومها بعد العشاء على رسول يحمل كتابًا من ابنها.


أمسكت الكتاب وقبَّلته وضمَّته إليها وتقول: لماذا تأخَّرتَ عليَّ يا حبيبي؟

لقد كتَب لها في الرسالة عن سفره وكدحه في الأرض، وقصصًا حدثت معه، ولعله لاقى ما لاقاه ابن فضلان في رحلته إلى أرض الصقالبة، وانتصار المقاتل العربي على أكلة لحوم الموتى، وتصلها الرسالة تبرق بمقدم فارسها عما قريب.

 

أجهشت العجوزُ بالبكاء؛ وغدت من الصباح إلى شاطئ النهر تنتظر حتى المساء قدوم ابنها، لكنه لم يأتِ، فعادت أدراجها كشعلة وحيدة تعصف بها رياح الشتاء الباردة، وهي تقوم بلا فائدة تنتظر جذوة الصباح لتخمد المعركة التي تأكل أطرافها.

 

وتُحارِب أشباح القنوط بمشعل الأمل الذي أرسله ابنُها، تعود كل صباح ثم ترجع خائبة مع الطيور العائدة لأوكارها، لكنها لا تجدُ وَكْرَها إلا غياهب الأحزان.

 

لقد استحالت خواءً يعبث به الرياح، وأقحمت الشفقة قلوب أهل الحي من منظرها، فأنينُها يُزلزل سكون القرية البعيدة عن ضجيج المدنية الصاخب.

 

وفي مساء ثقيل ثقل المتاع على القارب المسكين في عرض البحر يرسله طعامًا للأسماك الساغبة، بدا من بعيدٍ للعجوز - رغم بصرها المضمحل - اضمحلالُ الهلال في ليالي السرار، ورويدًا رويدًا يقترب القارب الملعون.

 

وإذا بها تخرُّ ساقطة على الجسد المسجَّى.

سقطت تشتمُّ الدمَ تبحث عن ريح المسك.

 

ها هو ذا قد عاد كما كنتُ واثقة بحكمة العجائز، وقد أنجز ما بعثتِه لأجله، مات مدافعًا عن عجوز خلفها الدهر بلا مجنةٍ تقيها عادية السفهاء.

 

وعمود الأمل الذي نصبته في صدرها واتكأت عليه يخرُّ صريعًا من هول الصاعقة.

 

ولسانها: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويجري الدمعُ دون أن توقفه السدودُ؛ فالليلة فيضانُ الأحزان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
7- تحياتي
عبد الكريم فايد - السودان 07-09-2013 06:42 PM

سلمك الله صديقي أحمد عبد الحفيظ ، والتحية للأخوين أبي نهاد وأبي يوسف وأشكر لطفكم وتشجيعكم لأخيكم ..

6- قلم متألق
أبو يوسف - اليمن 05-09-2013 02:12 PM

أحسنت أستاذ عبدالكريم على هذا الطرح القيم والمفيد .. فقد تضمن الكثير من الحكم البالغة
والعبر الرائعة والمواعظ الحسنة.. فباركم الله فيكم, ويعطيكم الف عافية.
تقبل تحيتي وتقديري

5- قصة رائعة
أبو هناد - مصر 04-09-2013 05:28 PM

قصة رائعة تجتذب الأعين لقراءتها وتجبر العقل على الاستمتاع بما فيها من جمال العبارة وروعة التعبير.

زدت تألقا

4- سلمت
أحمد عبدالحفيظ - السودان 01-09-2013 09:56 PM

أسلوب جميل ورائع في كتابه هذه القصه وهذا ما عرفته عنك حفظك الله أخي عبدالكريم

3- شهادة أعتز بها
عبد الكريم فايد - السودان 31-08-2013 11:03 PM

أن يقول الأستاذ الكريم / محمود توفيق : قلم قادر على رسم الحالة ، غير متورط في الترهل ، يمتلك لغة وافرة حكيمة .. دمت متألقا ..
فإن قلمي هنا يعجز -و لا تسعفه الحروف - أن يُترجم ما بالنفس ..
أشكرك أستاذنا الكريم ..

2- قلم ننتظر منه الكثير
محمود توفيق حسين - السعودية 31-08-2013 07:05 PM

قلم قادر على رسم الحالة ، غير متورط في الترهل ، يمتلك لغة وافرة حكيمة .. دمت متألقا

1- شكر ..
عبد الكريم فايد - السودان 31-08-2013 05:47 PM

لقد مرت عليّ اللحظات منذ أرسلت هذه المشاركة إلى هذه الشبكة القيّمة بلهفة المترقب ، أنتظر اللحظة التي أحظى فيها بكرم هيئة التحرير و إجازتهم لها ..
و لقد سُررتُ بنشرها .. فلكم أبعث التحايا و الشكر الجزيل .. بارك الله فيكم و وفقكم إلى ما يُحب و يرضى ..

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة