• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

لمسات رهف (قصة قصيرة)

لمسات رهف (قصة قصيرة)
أم حسان الحلو


تاريخ الإضافة: 1/1/2013 ميلادي - 18/2/1434 هجري

الزيارات: 7901

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لمسات رهف


ما يربو على ألف فتاة، يقفْنَ دامعاتٍ باكيات، شاكيات متألمات، وبأيديهن باقاتُ ورد جميلة، وأكاليلُ زاهرةٌ يانعة، وهدايا وعطور وبطاقات.

 

ربما شككتُ يومًا بقدرة طالباتي على التمييز بين الصواب والخطأ؛ لكني لم أشكَّ يومًا بعدم مقدرتهن على التمييز بين الفرح والألم كشكِّي في هذه الساعة! هكذا أخبرت السيدة مجيدة "مديرة مدرسة الرياحين الثانوية" معلماتها، فأجابتْها إحداهن:

يبدو أن طالباتِنا بحاجة إلى إجازة حداد.

وقالت أخرى: أو إلى حفلة وداع.

 

ابتسمت السيدة مجيدة وقالت:

وما الذي مزج حاجتَهن لفرح الحفل، مع حاجتهن لزمن الحداد؟

فأجابت أخرى: هذا ما خبَّأه قرار نقل الآنسة (رهف) من مدرستنا.

 

التفتتِ السيدة مجيدة نحو الآنسة رهف، ونظرتْ إليها نظرات محبة حزينة، وقالت مداعبة:

من فضلك يا عزيزتي، يا "حبيبة الجماهير"، هدِّئي من روع طالباتك.

 

ابتسمت الآنسة رهف، وقامت برشاقة، وسارت خطوات قاصدةً "موقع إذاعة المدرسة"، وقبل أن تُمسك بمكبر الصوت، امتدتْ يد السيدة مجيدة، فأخذت المكبر، ووقفتْ منتصبةَ القامة أمام طالباتها، ثم ركزتْ نظرها صوبهن، آملة منهن أن ينضبطن كعادتهن كل صباح؛ لكنهن لم يأبهن للموقف؛ لأنهن غارقات في همومهن، فحدثتْ نفسها قائلة:

مصيبتي ليست أقل من مصيبتهن، إنما يجب علي أن أضبط الأمر.

 

فرفعت صوتها، تريد أن تصدر للطالبات بعض الأوامر، لكن صوتها تحشرج وترجرج؛ مما ضاعف انفعالَ الطالبات، ثم تقدَّمتِ الآنسة رهف، بوجهها القمري، واستجمعتْ قواها، واستطاعت أن تقول عبارة يتيمة:

الفراق يا بنياتي من سنن الحياة، ثم اختنق صوتها وغاب، وكان صباحًا حزينًا كسيفًا؛ إذ عجزتْ جميع المدرسات عن جعل الطالبات يصغين السمع لحديثهن، وأشارت عقارب الساعة إلى أنه قد أزف الرحيل يا رهف، فهيا لوداع طالباتك المحبات الحبيبات.

 

كانت كلما صافحتْ إحداهن تذكَّرتْ أفكارها، وأهدافها، ومستواها العلمي، وأمنياتها، و..و.. ثم حاولت أن توصي الوصية المناسبة للطالبة المناسبة، وكانت كلماتها القليلة الرقيقة العميقة المختلطة بدموعها، تزيد من أسف طالباتها على فراقها، وحرصهن على تنفيذ وصاياها، وكانت كلُّ واحدة تقول لنفسها أمرًا، فمِن قائلة: ستصبح مدرستُنا بعدك جدرانًا صماء خاوية، وأخرى: لا أدري كيف سأحبُّ المدرسة بعد فراقك؟!


ثم أقبلت الطالبة (رجاء)، التي بدتْ منفعلة أشد الانفعال، وهي لا تكاد تقوى على المشي؛ لشدة ما أحزن الآنسةَ رهف بكاءُ رجاء ونحيبها وتوجعها، وبيدٍ أرجفها الحزن، وهدَّها البكاء، قدمتْ رجاء بطاقةً دامعة للآنسة رهف كتبت عليها:

معلمتي الحبيبة، أستاذتي الفاضلة، وقدوتي الوقور:

سلام عليك كلما بدا كوكب، سلامٌ خالص صادق من قلبٍ أمسى لك محبًّا، ولم يكن من قبل كذلك، فقد كانت الطالبات تحبُّك، وكنت أخشاك، وكنَّ يقبلْنَ عليك، وكنت أعرض عنك، وكن مجتهدات مثابرات، وكنت مهملة.

 

كنت كلما رأيتك أتوقع أن أسمع منك تجريحًا أو تأنيبًا؛ لأني كنت أحاول استفزازك بكل الأساليب؛ لإقناعك باليأس من إصلاحي؛ لكن شيئًا مما كنت أتوقع لم يحدث منك، لا تصريحًا ولا تلميحًا؛ لأنك كنت تعلمين وتعملين، وتنظرين وتعطفين، وترحمين من قمة عليائك.

 

وكنت أنهل من فيض الطمأنينة عندما كنت تشرقين علينا كشمس الصباح الوادعة، بابتسامة واثقة مشرقة، تبدِّد هموم القلب، وتضيء عتمة الليل، والله لم أكن بحاجة إلى صدقةٍ أكبر من حاجتي إلى هذه الصدقة، التي أشار إليها الحديث الشريف: ((تبسُّمك في وجه أخيك صدقة))؛ بل إنني لم أدرك مغزى ومعنى هذا الحديث الشريف إلا من خلال بسمتِكِ الصباحية المشرقة، التي كانت صدقة مضاعفة على أهل المدرسة جميعًا.

 

في البدء كنت أسمع منك الآية أو الحديث، فلا أكترث لذلك؛ إنما سلوكك هو الذي غرس مبادئك في قلوبنا.

 

ومرَّت الأيام، وربما مر عام عندما بدأ شعوري بالحياء منك يتنامى ويزداد، فأصبحت أقوم بعمل (أي عمل) دون أن يخطر ببالي نظرة أحد، سوى نظرتك الثاقبة.

 

وأصبحتُ أخشى أن تصطاديني في نظراتك، أو تغتالني كلماتك، وحدث ما كنت أخشاه يوم أن ضبطتِني خلف المدرسة وبيدي سيجارة وكتاب، ومعي جماعة من الطالبات نقهقه ونتحدث عن... كانت معالجتك رقيقة، وكلماتك دقيقة؛ مما زادني خجلاً من نفسي، واحتقارًا لها، وأقسمت أن أجاهد نفسي؛ كي لا أعود إلى ما كنت عليه.

 

لقد كان لكلماتك أثرٌ سحْري؛ لأنكِ ملأتِ فراغ قلبي ووقتي، حدَّثتِني عن الله، وعن الحياء منه، فحللتِ عقدة قصتي قبل أن أعقد حياتي ولم أكن أعقل، فلقد كنت أوشك على الغرق؛ لأني ربما كنت حية تسعى، وكان هو ثعبان مبين، وحين امتدتْ يدك الطاهرة آخذةً بيدي إلى الله، أحييتِني بعد موات، وأنعشتني بعد هلاك.

 

لقد أحببتُك وأحببت الخير فيك، فأحببت الخير كله، ولزمتُ الدعاء المأثور: اللهم ارزقنا حبَّك، وحبَّ من يحبك، وحبَّ كل عمل يوصلنا إلى حبِّك.

 

فارتفعت وترفعت آملة "بالفرش المرفوعة" عند أصدق القائلين.

 

وبعد رحلتي معك أدركت أنني كنت أجري بعيدة عن السعادة؛ ظنًّا مني أنني أغرف من بحارها، وأعزف على أجمل أوتارها، وكان لذلك بعض المظاهر:

• كنت أظن أن سعادتي تتحقق باتِّباع خطوط "الموضة"، ولما سكنتِ قلبي أيقنتُ أن سعادتي تكمن في اتباع أوامر الله، وبارتداء الزي الإسلامي الأصيل، وكنت أبحث عن سعادتي بسماع الأغاني الهابطة، ومحاولة تقليد أصوات أصحابها، فقد كانت أحلامي محدودة مقصورة بأن أصبح مغنية، أو ممثلةً شهيرة، ولما سمعتُ آيات الله من فمك الطاهر، أيقنتُ أن سعادتي لن تكون إلا بعد تدبر آيات الله، وتفهمها، والتغني بها.

 

•وكنت أبحث عن سعادتي بجلوسي الساعات تلو الساعات؛ كي ألتهم ما تعرضه الشاشة الصغيرة، ولما تجلتْ قدوتُك الناصعة أمام ناظري، تلاشتْ وتطايرت تلك الصورُ الداكنة التي كنتُ أحلم بها، وأراها الآن "كوابيس الماضي".

 

معلمتي الحبيبة:

يشهد الله أن أيامك معنا أحيتْ قلوب الكثيرات منا، ومَن مثلُك - يا غاليتي - يستطيع أن يغرس في صحراء القلوب والأفكار بذورَ ربيعٍ أخضرَ يانعٍ؟!

 

بارك الله خطواتك أينما حللتِ، وحيثما رحلتِ، وعزاؤنا الدعاء الذي كنتِ تردِّدينه على مسامعنا: اللهم ارحم جهلنا في لطيف تدبيرك.

 

أخيرًا، أستاذتي الكريمة:

اسمحي لي أن أطبع قبلة على يدك الطاهرة؛ اعترافًا بعلمك الجليل، وعطائك الجزيل.

المحبة التي لن تنساك: طالبتك/ رجاء.

 

طوت الآنسة رهف الرسالةَ بين أناملها، ثم رفعتْ يديها داعية:

اللهم تقبَّل منا صالح أعمالنا، وتجاوز عن سيِّئها، يا أرحم الراحمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- جميل
حلا - فلسطين 08-06-2013 03:12 PM

ما أروع المعلم حين يدرك أن وظيفته ليست تقتصر على نقل المعلومات ,بل هي رسالة سامية جداً ...

حفظ الله معلماتنا ..كم لهنّ علينا من الفضل

قصة جميلة ..زادك الله من فضله وبارك فيكِ

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة