• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / مع الكُتاب


علامة باركود

إنزال مظلّي في سماء دمشق

محمد سعيد المولوي

المصدر: مجلة الأدب الإسلامي/ العدد الثاني والخمسون، ص104-105، تنشر باتفاق خاص مع مجلة الأدب الإسلامي

تاريخ الإضافة: 13/2/2007 ميلادي - 25/1/1428 هجري

الزيارات: 7120

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
حين كنا في السنة الأخيرة من الدراسة الثانوية كانت أكبر طموحات كثير من الشباب الانتساب إلى الكلية العسكرية أو الكلية الجوية. فقد كان منظر طلاب الضباط وهم يرتدون ملابسهم العسكرية مزينينها بالأشرطة ساترين أكفهم بقفازات بيضاء، متجمعين حول نادي الضباط أو متجولين في شارع "الصالحية" وقاماتهم منتصبة تعلوهم مظاهر الرجولة تسحر نفوسنا وتأسر قلوبنا.

لذا ما إن ظهرت نتائج امتحانات الدراسة الثانوية وأعلنت الدولة رغبتها في تنظيم مسابقة لمن يرغب من الشباب في إحدى الكليات الحربية أو الجوية أو البحرية حتى بادرت إلى التقدم إلى امتحان القبول في الكلية الجوية.

كان الامتحان الطبي صعبًا ودقيقًا وقد جزت مراحله كلها حتى إذا وصلت إلى امتحان العيون وصلاحيتها كانت الصدمة التي حطمت آمالي فبعد أن أنهى الطبيب فحصي التفت إليّ وقال بكل هزء: "رح يا بني لو كنت راكبًا طيارة لهوّرت ووقعت على الأرض".

وخرجت كسير الخاطر محزونًا لأتجه إلى طبيب عيون خاص، وهناك تأكدت أن الرجل لم يتجن علي فقد كان محقًا، وكانت عيناي تعادل قوة عين واحدة فهما مصابتان بالشرس "الانحراف" ولابد من وضع نظارة حتى تستقيم الرؤيا.

اشتريت النظارة وأنا لها كاره، ففيها توضعت خيبة آمالي وعلى زجاجها تكسر مستقبلي المنشود، وحين وضعتها أمام عيني وحاولت السير كان لزامًا علي أن أقع نحو الأرض أكثر من مرة، ولا سيما إذا كنت سأنزل من الرصيف، فقد كان الرصيف يرتفع أو ينخفض مستواه حسبما يروق للنظارة أن تتكرم علي.

استقرت كراهية النظارة في قلبي، وكم تمنيت أن أتخلص منها فلم أستطع، بل على العكس من ذلك فقد كانت تترسخ أكثر فأكثر، فكلما تقدمت في السن تقدمت هي تطالب بمزيد من درجات العدسات، حتى جاء يوم أصبحت لا أقدر أن أسير أو أقرأ بدونها. ولست أدري ماذا كان شعور والدي رحمه الله حين كنت أقف للصلاة والنظارة على أنفي فيقول لي: اخلع النظارة وصلِ لأن النظارة تمنع من حسن السجود. وكنت أجيبه وكيف سأستطيع أن أقرأ في الصلاة.. ثم أضحك.

سارت الأيام وجاءت حرب رمضان وكان أخي يؤدي الخدمة الإلزامية الثابتة وقد زودوه ببندقية رشاشة، ووجد خلسة من الوقت فأتى البيت يطمئن علينا. ولم يمض زمن طويل على مجيئه حتى أشرقت السماء بأضواء كاشفة كالمصابيح من السماء وانقلب إلى ما يشبه النهار، وقال أخي: لقد ألقيت قنابل ضوئية خشية إنزال مظلي. وقد تكون هذه القنابل قد ألقاها العدو ليبين لأفراده المظليين أين سيهبطون.

وأسرعت إلى الشرفة ونظرت إلى السماء فإذا هي مليئة بالمظلات وهي تلمع، وصحت: يخرب بيتهم لقد صنعوها.. وجاء أخي وقال: ما بالك..؟! قلت: انظر إلى السماء.. فهذا إنزال مظلي! وراح ينظر إلى السماء بينما دخلت الغرفة مسرعًا، وأحضرت بندقيته وجثوت في الشرفة على ركبتي وأخذت وضع الاستعداد لإطلاق النار.

وقال أخي مستغربًا: أخي أين المظليون؟
قلت: انظر إلى السماء ألا ترى.. وكانت الرؤية قد تأكدت عندي إذ خلعت النظارة.

كانت المظلات في شكلها الأهليجي، ولونها الأبيض اللامع، وتحركها يمنة ويسرة لا تدع لي شكًّا.. وسألت أخي: ما رأيك أن ننتظر حتى يصبح المظليون قريبين، ثم نطلق النار. واعترض أخي وقال: إياك أن تطلق الرصاص فليس هناك مظليون.. قلت له: ما بك ألا ترى.. قال: من الذي لا يرى؟! انظر إلى السماء لا يوجد شيء، لكن كلامه لم يقنعني فقد كنت أرى المظلات وهي تتأرجح وتلمع بألوانها البيضاء.. قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله. أتريدني أن أشك بما أرى بعيني.. دعني.. بينما تتحقق أن هناك إنزالاً مظليًا فإن المظليين سيكونون قد تمكنوا من الأرض..

ونحن الآن نستطيع أن نصطادهم وهم في الجو.. وأسرع أخي إلى الداخل ثم عاد وبيده منظار مقرب وراح ينظر في السماء ثم قدم لي المنظار، وقال لي: خذ انظر وتأكد! ونظرت بالمنظار إلى السماء فإذا المظلات قد أصبحت قريبة لكني لم أستطع أن أدقق النظر أكثر لأن النظارة لم تكن على أنفي.. ووضعت النظارة ونظرت إلى السماء.. يالله! أين ذهب المظليون؟! لقد كانت السماء خالية.. واحترت ولعب بي الشك، فأنا ومنذ خمس دقائق أرى المظلات هابطة.. والآن بواسطة المنظار المقرب كنت أرى المظلات، وتحول منظري إلى صورة مضحكة، فحين أضع النظارة تغيب المظلات وحين أنزعها تمتلئ السماء بالمظلات!! ووجدتني أضحك.. لقد كنت أضحك من نفسي، إذ تبين لي أني عندما كنت أنزع النظارة يلعب الانحراف دوره فتصبح النجوم اللامعة بقعًا بيضاوية لامعة مهتزة، فأظنها مظلات، وعندما كنت أضع النظارة كانت تصح الرؤية فلا أرى سوى النجوم وتغيب عني المظلات. ونظرت إلى أخي وأنا أضحك!! نحمد الله أننا لم نطلق النار إذ كنا أحدثنا ذعرًا في الحي والناس في غنى عنه.

وسبب ذلك كله هي النظارات، فمنذ اليوم الذي وضعناها على آنافنا أصبنا بانفصام.....




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة