• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

عين العبد (قصة قصيرة)

عين العبد (قصة قصيرة)
مشير عبدالحليم عبدالله


تاريخ الإضافة: 21/3/2012 ميلادي - 28/4/1433 هجري

الزيارات: 5342

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ظهَر فجأة أمام عيني، لا أدري هل أسْقَطته السماء؟ أو انشقَّت عنه الأرض؟ أو أنَّ موكبه الصاخب الغريب الذي اقتَحم رَتابة المشهد في الشارع المُزدحم، هو الذي صنَع مفاجأة اللقاء؟

 

كان يجري شبه عارٍ، تُطارده سُخريات الأطفال وحِجارتهم، بينما بدا هو غير مُكترثٍ لِما حوله، كأنما يُطارد هدفًا خفيًّا، لا تراه إلاَّ في عينَيه المُتطلعَتين إلى الأمام، وخُطواته السريعة، وعصاه العَوجاء، التي يُلَوِّح بها في الهواء حوله بين الحين والآخر في محاولات عبثيَّة؛ لإبعاد ذلك الضجيج الطفولي عن رأسه، والخروج من تلك الدائرة المُغلقة، بينما كانت عيون المارَّة وألْسِنتهم تُصوِّب خناجرها نحوه - كلٌّ على طريقته - كانت بعض النِّسوة يَصْطنِعْنَ الخجل الشديد، في حين أنَّ وجوههم المُنكَّسة في الأرض تَشي بضحكة سخرية فاضحةٍ، وتقمَّص أحد المُشاهدين دورَ المسؤول الحازم، حين قال بصوت مسموعٍ: لا أفهمُ، لماذا تترك الشرطة هؤلاء في الشوارع؟! إنها مهزلة!

 

واكتفى البعض الآخر بالحَوْقلة ومَصمصة الشفتين، وضَرْب الكفِّ بالكف.

 

كان الأغرب في هذا المشهد أنني لَم أجد في تلك الوجوه الساخرة والحانقة والمُندهشة، مَن يُشفق على هذا الجسد العاري الذي أدْمته حجارة الأطفال، وأنْهَكته تلك المُطاردة الصعبة، وجمَّده برد الشتاء في هذه الساعة المُبكِّرة من اليوم.

 

عَجِبتُ من نفسي ساعتها، واتَّهمتُ حيادها المَشبوه الذي لا يَصِح معه أن تتَّهم هؤلاء بالتقصير حيال هذا المسكين، لكنَّ الموقف في مُجمله كان مُربكًا لشخصٍ مثلي، كان أشبه بالوقوف أمام لوحة سيرياليَّة، لا أعرف هل أتصبَّر لأَفكَّ شفرة رموزها؟ أو أحطهمالأُريح مَن بعدي من عناء التفكير؟!

 

وبدا الأمر في حاجة إلى رجلٍ غير عادي يُدير دَفَّة الحدَث، الذي غاص تدريجيًّا في رَتابة الصور في الشارع المُزدحم، وكان هذا الرجل هو (الأستاذ أيوب)، هكذا سَمِعت صبيَّ المقهى يُناديه حين أبصَره يَعدو نحو جموع الناس، ويَقتحم الصفوف بجسده الضخم، وقامَته المَهيبة، حتى وصَل إلى ذلك المسكين، وكانت بعض النظرات الحادَّة من وجهه المُتجهِّم كافيةً لتَصرف عنه حجارة الأطفال وعيون المشاهدين، فانصرَف الجميع إلى شؤونهم، وعاد الشارع إلى سيرته الأولى، وقادَني إعجابي بـ(الأستاذ أيوب) إلى المقهى؛ حيث رأيتُه يُساعد المسكين العاري على النهوض، ويُدثِّره بعباءَته السوداء الواسعة، ولَمَّا اطْمَأَنَّ بهما المجلسُ، سأله في إشفاقٍ أبوي: لماذا لا تَستر نفسك يا بُني؟!

 

فانتفَض من مجلسه وألقى العباءَة السوداء على الأرض، وارتَدى عباءة الفيلسوف والولي المُلهَم، وقال في صوت جَهْوَري أوقَف المارَّة من جديد: عيون الربِّ ستَّارة، وعين العبد غدَّارة!

 

ثم فرَّ يجري خفيفًا، وهو يُردِّد تلك العبارة، كأنما لَم يُصبه حجرٌ واحد في معركته الأولى، وكنت أنا على الكرسي المجاور و(الأستاذ أيوب)، نُتابع ما حدَث بابتسامة ودهشةٍ طويلة، قطَعها رنين هاتفه المحمول، ولَم أسمع من مكالمته إلاَّ سؤاله الغاضب: كيف يتأخَّر المعاش أسبوعًا آخر؟! وأعقبَ المكالمة شرودٌ حزين، أنهاه (أستاذ أيوب) بدفع حساب كوبٍ من الشاي، لَم يَشرب سوى نصفه من خمسة جنيهات أظنُّها هي كل ما في جيبه، وانصرَف ناسيًا عباءَته السوداء على الأرض؛ حيث ألقاها (الفيلسوف العاري)، فالْتَقَطْتُها مسرعًا خلفه أُعطيه إيَّاها، فشكَرني بكلمة واحدةٍ، وأعطاني ظهره ماشيًا يُردِّد في حسرةٍ تَشوبها السخرية: "عيون الربِّ ستَّارة، وعين العبد غدَّارة"!

 

تمـت.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة