• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الوصية (قصة قصيرة)

الوصية (قصة قصيرة)
بسام الطعان


تاريخ الإضافة: 19/3/2012 ميلادي - 25/4/1433 هجري

الزيارات: 19411

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الوصـية

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

أقول - والعهدة على الألْسِنة والعيون -: كان الليل هادئًا، والقمر يُوزِّع نوره وجماله على البيوت المُهيَّأة للسَّمر والحكايات، ورُبَّما القُبَل الطويلة، وكانت الطيور بعضها نائمة وبعضها تَصطنع  النوم، بعضها شبعة وبعضها جائعة، وكان رجل يعود إلى القرية بعد زيارة إلى أضواء المدينة وهو مُحمَّل بالهدايا، ويَحلم بأن يُبادل الشوق بالأحضان، ويحوِّل الليل كله إلى ملعب للعناق، وشاهَد ذئبًا في حديقة بيته، يَلتحف الأسود ويُهرول باتجاه العَتمة، وفتَحت الزوجة المُسلحة  بمفاتنها عينيها، فطارَت منهما طيور المفاجأة إلى فضاءات مفتوحة، وانهمَر الخوف من مسامِّها  كوابلٍ من المطر فوق بريّة مليئة بالحجارة، وكانت النافذة المُطلة على الحديقة مفتوحة، وبرُفقة الشكِّ الذي ملأه تمامًا حتى الحنجرة، اقترَب من النافذة، فشمَّ رائحة الذئب تفوح منها، بل من البيت كلِّه, عندئذ صرَخ الليل، جفَلت الطيور، ارتمَت الشبعة في أحضان الجائعة، بكى السرير، وَلْوَلت الجدران، وأعلَنت الدنيا عن حكاية جديدة.

 

هل كان الذئب ينهش لَحمه ويحوِّل نقاءَه إلى ماءٍ عَكِرٍ؟ أم أنه أرادَ أن يَسرق شيئًا من أملاكه الكثيرة؟

 

ويا له صليل السيوف الذي هزَم أفكاره، ويا له الزمن العاري الذي يُريد أن يَسخر منه ويَزرع العار في دروبه التي أضْحَت وَعِرة!

 

وأنْكَرت الزوجة الموشومة بالخوف معرفتها بالذئب، أو حتى رؤيته وهي تُطأطِئ رأسها حينًا، وحيناً تنتظر السكاكين أو الأسلحة، ولأنه طوال حياته لا يفعل شيئًا قبل أن يُفكر آلاف المرات، لَم يستعمل الأسلحة، بل لَم يتفوَّه بكلمةٍ واحدة، دخَل إلى غرفة أولاده الثلاثة،  فوجَدهم يَسبحون في الغطيط، ويحلمون بالهدايا المنتظرة.

 

كم هو مؤلِم هذا الشك الجاثم في الصدر! هذا النصل المغروز في القلب، إنه يَمضغ الصمت ولا يعلم كيف يصحو؟ وكيف ينام؟ مع كل صحوة يتحالف مع الهمس، يُجالس شياطين  سلاحها الخراب والعذاب، يُحاورها وتُحاوره، ويظلُّ الحزن يأخذه من تيه إلى تيهٍ، ثم يُلقي به في حقول البكاء.

 

كم حمَلها مثل طفلة وبادَلها القُبَل! كم نصَب رُوحه أرجوحة لها! وكم أطَعمها عناقيد العناق، وأضاءَ عَتْم لياليها!

 

أيَّامًا، لا، بل شهورًا لَم يستطع أن يقرِّب المسافات، أو يخرج من مَنفاه الاختياري، أو ينظر إليها نظرة يتيمة، وبعد أن نامَ على الجمر طويلاً، وصادَق الظنون، وقابَل ألفًا وثمانمائة وواحدًا وعشرين إبليسًا، جاء الخلاص على طبقٍ من فرحٍ، حينئذ تحوَّل الليل إلى نهار، والجمر إلى صوف، والصوف إلى مُروج للنسيان.

 

دفَن مع زوجته سنوات الهم، لكنَّ القهر ظلَّ يُعرِّش في حناياه، وظلَّ وحشًا على شكل سؤالٍ  يُسكن في رأسه صداعًا لا ينتهي، أيُّ سؤال هذا؟ سؤال رافَقه إلى أن جاء يوم الخلاص، وكان ذلك بعد خمسة عشر عامًا من رؤيته للذئب.

 

ما إن قُرئت الوصيَّة، حتى انفتَحت الأفواه وتساءَلت الألْسِنة:

"ما هذه الوصيَّة الغريبة؟! كيف لأبٍ أن يزرع الفتنة بين أبنائه؟ يا له من رجلٍ غريب الأطوار!

 

أحمد يَرث ولا يَرث، مسعد يَرث ولا يَرث، محمود يَرث ولا يَرث.

 

هذه كانت وصيَّة الأب.

 

كاد الإخوة الثلاثة يَمتطون مراكب الجنون وهم يَدورون حول بعضهم البعض، وكان كلُّ واحد منهم يُريد أن يَحصل على ما فكَّر فيه.

 

انتهَت المعركة الكلاميَّة التي دامَت أيَّامًا، فاجتمَع الثلاثة - وهم مِن أمرهم في حيرة وخوفٍ وقلقٍ - للتشاوُر فيما هم فاعلون، وبعد أخْذ وردٍّ، أجمَعوا على رأي عمَدوا إلى تنفيذه في الحال.

 

قرَأ شيخ القرية الوصية مرَّات عدة، وبَقِي صامتًا, مُطرق الرأس، كأنه قد سقَط في امتحان صعبٍ، أصعب من الوصول إلى القمر، وحين فَشِل في حلِّ اللغز، طلَب منهم أن يأتوا إليه في مساء الغد.

 

في المساء جمَع الشيخ مِن حوله بعضَ رجال القرية؛ ليكونوا شهودًا على ما سيحصل، وما إن وصَل الثلاثة وأخَذوا مكانًا لهم، حتى الْتَفَت الشيخ إلى الابن الكبير وقال بلهجة صارمة:

 

اذهَب يا أحمد وافتَح قبر أبيك، وستَجد تحت رأسه ورقةً، وعندما تقرَأها ستَعرف سببَ كتابته هذه الوصيَّة.

 

انتفَض أحمد وأصابته رِعْدة:

ماذا تقول يا شيخ؟! لو ملَّكتني العالَم كلَّه، فلن أفتَح قبر أبي.

 

اذهَب أنت يا مسعد، قالها الشيخ بهدوءٍ.

 

انتفَض الآخر وقال: إنه سيتنازل عن حصَّته، ولن يَفعل ما يطلب منه.

 

سأذهَب أنا وأفتَحه، نعم، سأفتَح القبر، ماذا في ذلك؟ قالها محمود وهو يهمُّ بالخروج.

 

اجْلِس، صرَخ به الشيخ، ثم الْتَفَت إلى مَن حوله:

حين كتَب الأب وصيَّته، لَم يكن يَعرف مَنْ مِن هؤلاء من أولاده ومِن لحمه ودمه.    وارتفَعت الأصوات مُتعجِّبة، وكان صوت محمود يرتفع بشكل غريبٍ ويحتجُّ ويُهدِّد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- الخيانة
فوزي السامرائي - العراق 16-05-2015 11:24 AM

الخيانة فاجعة بألوانها أي خيانة كانت، قصة لعلها مستوحاة من حكاية سبقت الإطلالة المحمدية، ولكنها في كل زمان ومكان، ولكن عزائي أن أسلوب الكاتب كان رائعا أشبه بانتفاضة شاعرخيال خصب ومشاعرتسابق بعضها وأحسب أن بمقدوره أن يكتب قصة طويلة وتكون شيقة وأتمنى ذلك.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة