• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

عام تحت الحصار.. مذكرات أسير

رغدة صالح أبو عمر


تاريخ الإضافة: 2/11/2008 ميلادي - 3/11/1429 هجري

الزيارات: 7845

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
تساقطت أوراق الخريف المنكسرة بإيقاع مُنتظم خاضعة لقانون الحياة، فَرشت الأرض بكيانها المُتمزق الذي كَتَبَتْ عليه الأيامُ ألفَ قصَّة، وألف أغنية من أغاني الناي الحزين، جمعت أحرفها حرفًا حرفًا، وسكنت حزنها لحظة بلحظة، تساقطت، ملأت الأجواء، ونثرت دموعها حبَّات لؤلؤ بين جُدران تلك الشجرة، تلك الأرض، وعلى وجنة تلك الشقراء التي أتعبها الانتظار، وأخذت الرياح تداعب خصلات شعرها النحاسي، وتلك الأوراق المكتسبة للون الشمس تستلقي على وجنتها، وتغفو على أوراق رسالة من أخيها كُتب فيها:

"في هذه الزنزانة تعلمت لغة الجدران، لغة وطء الأقدام، لغة صفير الرِّياح وألوان الألم، وبين زواياها المعتمة صُرفت ليالي عُمري الأليم، بلا أنيس أو خليل، لقد سئمتُ برودة تلك الجُدران الجبارة، ومللْتُ أنغام العويل ورقصات الموت، وغطَّت الثُّلوج قلبي الذي أبعدت عنه قُضبان الحديد ضوءَ الشَّمس، خيوط الحب أو حتَّى طعم النَّبض الأخير لأوراق الخريف البرتقالية".


الرسالة الثانية
"أيقظني ذات مساء زائرٌ غريب، كان يحلُّ عليَّ دونما علمٍ منِّي بقدومه، إنَّه سنا القمر، يحلُّ في ذلك الليل الألْيَل، يتخطى شعاعه كلَّ الجدران، ويذيب شتَّى القيود، منحني الدفء - يا أُخيَّتي - بعدما ظَنَنْت أنِّي قد نسيت طعمه، فوجدت فيه حُزني وخوفي، عفويَّتي وتكلفي، قوَّتي حين ضعفي، جُنوني وحيرتي، أرسل إلَيَّ ببصمات لم أصلْ إلى فهم معانيها، لكنَّها منحتني إحساسًا مبهمًا يشبه الحرية، يجعلني متشبثًا به تشبث الطفل بأُُمه، خائفًا منه أن تفقده نفسي، وخائفًا عليه من نفسي.
 
ذلك الضَّيف الكريم الفقير، قد وهبني ما لم أعلم، دونما علم منه رُبَّما، أو بعلم أخفته السَّحابة المعتكفة لكبد السماء، ذلك السَّنا أعادني للحياة، وأنار أمامي طريقَ الأمل الشائك بالألم، وفتح أعيني العمياء على من حولي، ربَّما أيضًا دون أن يعلم، لكنَّه فعل، وهذا يكفيني؛ حتَّى أتعلق به وأحبُّه، مؤمنًا بأنَّ الشرَّ لا يلد الخير أو يعير جناحه لغريب؛ فيجعله محلقًا إلى جوزاء السماء".


الرسالة الثالثة
طَلَى الظَّلام أطرافَ المكان، ورَسَم بلونه الرَّمادي القاتم أشباحًا سوداء، ونَسَج بخيوطه البَيْضاء أصداء أصوات السجَّان، وسكنت الأحياء منتظرةً لوجه الشمس، أمَّا أنا فبقيت منتظرًا لِسَنا القمر أن يأتي، وانتظرت حتَّى تعبت الانتظار، لكنَّه لم يأتِ، ويبدو أنَّ السحاب رفيقَ عمره الطويل قد أيقظت نارُ الغَيْرة فيه حبًّا قد غاب عنه، ودفعني إلى حربٍ غير عادلة، دافعت فيها عن فكرة بلا بُرهان.
 
طريق بلا هدف، بل هو ملك لا أملكه، وتراكم السَّحاب، وتراكم حتَّى أطبق على صدري، وغاب عنِّي سنا القمر الذي أحببت لياليَ طويلة، عدت فيها وحيدًا مع صمتي وزنزانتي وظمئي، لا أدري أظلمتني تلك اللَّيالي الخريفيَّة الباردة، أم أنِّي ظلمت نفسي، تَحدَّيتُ ذلك السَّحاب ولم أرَ فيه غيْر حاجب لسنا القَمَر، مطبق عليه، مسيطر عليه سيطَرَة ظالم على غافل، جمعت بينهم الأقدار في رِحلةٍ كوْنيَّة روتينية واحدة، لم أقرأ في عيْنَيْه سوى حبِّ السُّلطة، وما ملأ مُخيلتي - كلَّما نظرت إلى وجهه الشَّاحب الجبَّار - سوى ذكريات أليمة، عاشها قَمَري تحت ظلِّه، وإن كُنت أجْهلُها.

تلك كانت عُدَّتي: حبٌّ عظيم وبعض الظُّنون، أمَّا السحاب فقد واجهني بما لا أُطيق، إنَّه حبُّ من أحببت، أعْتَرفُ بهزيمتي يا أُخيَّتي؛ فقد أيقظتني من غفلتي، وأعادتني لِتُرِيَني الجزء المفقود من الصورة، عجبًا لأمرِ هذه الدُّنيا، حتَّى السحاب في سُجُون الأعداء يَحرم الأسير ضوء القمر.

أعادني ذلك الظُّلم الذي أحسَسْت إلى حوارٍ دار بيني وبين السجَّان:
- أنت، إنَّ تلك الأسماء التي ستنطقها قد تخفف من حُكمك.

- إنَّ قيود الخيانة التي تصِفُ أشدُّ شيكة من تلك التي أدميتم بها معصمي.

- لكنْ عُقوبتك لن تقْتصِر على تلك الأساور الحديدية، بل هي الموت، أتعلمُ ما الموت، أم أنَّك لا تملك ما تحيا لأجله؟

- إنَّ الموت وجهٌ آخر من وجوه الحياة، يخلَعُ نقابه مرَّةً واحدةً في حياة أحدنا، وإنَّ تلك الملامح المجهولة هي من أشعل مَشاعر الخوف منه، ذلك ما أدعوه بالجبن، ومن نشأ على أرض سَقَتْها دماءُ الشهداء لا يمكن أن ينبت جبانًا، إنَّ من شرب من ماء وطني لا يُمكن أن ينبت جبانًا.

- جيِّد أنت في استخدام لُعبة الكلمات؛ لإخفاء خوف عظيمٍ استعبد أجزاءك، ونَشَر على وجهك كالصحف اليومية.

- أخشى أنَّك لم تستطع قراءةَ تلك الصُّحف المنشورة، فكلُّ ما كُتب فيها ما هو إلاَّ الشَّوق، الشوق للحرِّية ومروجها الواسعة، الشوق لأشجار حَقْلِنا تَكْتسي في كلِّ فصلٍ حلَّةً جديدة، وشوقي لحمل البندقية.

- أستطيع القول بأنَّك لست نادمًا على قتلك لصديقي.

- أنا لم أعرف خلال رِحْلتي في هذه الحياة طعمًا للنَّدم، ذلك الطعم المُرُّ الذي يعيدُ الإنسان ألف عامٍ إلى الوراء، ويُريه المُستقبل سديمًا أسود في سَدَفٍ أسود، وإنِّي وإن عدت لفعلتُ الشيء ذاته، فما كنت إلاَّ مدافعًا عن أرضي، وأهلي، وعرضي".


الرسالة الرابعة
"لقد اقترب يوم الحرية، اليوم الذي ستحرر فيه رُوحي عن حُدُود ذلك الجسد المأسور، هم لا يعلمون - يا أُخيتي - بأنَّ ذلك الحبل الغليظ الذي يدعونه بالمشنقة ما هو إلاَّ ثُقب في جُدرانهم الموصدة، يعيدُ أجسادنا إلى أرضٍ عشقناها، ويطلقُ روحَنا؛ لتطأ الثُّريَّا، ولست أدري، لعلِّي إذا ما أصبت عَنانَ السماء، صرت قريبًا من ذلك السنا، وإلى الأبد.

لا تخافي يا أخُيَّتي؛ فقد اقترب يوم اللِّقاء، فضُمِّي يديَّ حين ألقاك؛ فإنِّي بشوقٍ إليك، ولا تبخلي عليَّ بنظراتك الحنونة، ادفنيني بالقُرب من زوجتي، وامنحي ابني البُندقيَّة".

وأغلقت كتاب مُذكراته باكية، والسماء... وجفَّفَت الأيَّام الحبر والدَّم على الأوراق، وأعلنت بداية فصل الشتاء.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- الموت ارحم من عذاب السجان
HiTMaN47 - الاردن 11-04-2009 03:47 PM

نعم هذا هو عنوان التعليق " الموت ارحم من عذاب السجان"
فالموت فوز ،اما السجان فلا شيء يقنعه بمقاومة شعب يريد الحرية التي يدفع ثمنها باهظا ،بينما تراها شعوب اخرى بشيء عادي واقل من عادي

واختم ببيت شعر كتبته لاجل هذه الكلمات الذهبية:

فلن يكتب على صدر الحر حرا ولكن للحرية رجال
ينقشون على صدر الحرية لن يطول ظلم السجان

1- الرحيل الاخير
الشهد - السعودية 02-11-2008 03:10 PM
أختي رغدة سلمت يداك ولا اخفيك انني أستهوي قراءة هذا النوع لا أعرف هل للألم سبب في ذلك لكني بجد أعشق قلم ينثر آهات ومكنونات القلب فكلماتك أرجعت لذاكرتي روايات الكاتب نجيب الكيلاني وبالأخص رواية ليل وقضبان مع التحفظ عن بعض المشاهد وانما قصدته قصة سجين اسمه فارس حكم عليه بالأبدية
القصة تصف آلامه واحزانه وضيقه
أي حياة تلك التي عاشها فارس
وأي نهاية كانت تنتظره
كم كانت الحياة تقسو عليه من يوم لآخر
الوصف وطريقة الأسلوب والسرد للألم لذلك السجين كانت شديده القرب منها

تحياتي وسأنتظر نزف يراعك
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة