• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

السقوط

السقوط
الحسين جنوي


تاريخ الإضافة: 12/3/2012 ميلادي - 18/4/1433 هجري

الزيارات: 5818

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كثيرةٌ هي الأشياء التي تسقطُ كلَّ يوم، بل في كلِّ ثانية، بعضُها يكونُ مصيره الانكسارَ، ومنه ما يُلازمه الاندِحار؛ لأنَّ الأشياء لا تسقُط كلُّها بنفس السرعة، ولا في نفس المكان، ولكنَّ أكبرَ مصيبةٍ هي أنْ تَسقُط حضارة وأمَّة؛ إذًا درسُنا اليومَ سيكونُ حول سُقوط الأندلس.

 

تنفَّس التلاميذ الصعداء بعدَما عرَفُوا موضوع الدرس، فقد كان تمهيدًا يُوحِي بأنَّه درسٌ في مادَّة الفيزياء؛ لأنَّ هذا المعلِّم يدرس جميع المواد في هذه القرية النائية.

 

بدأ المعلِّم درسَ التاريخ بنُشوءِ الدولة الإسلاميَّة في الأندلس، وازدهارِها الاقتصادي والعِلمي والعمراني... والتفوُّق الذي كانت تعرفُه مقارنةً بباقي الدول الأوربيَّة التي كانت ترزَحُ تحتَ ظُلمة الجهل والهمجيَّة البدائيَّة - بشكلٍ سطحي، كما هي عادَةُ الدُّروس، ليتوقَّف عند بداية السُّقوط الكارثي للأندلس.

 

• الحصَّة الثانية سندرسُ سببَ سُقوط الأندلس، بهذه العبارة ختَم المعلِّم حصَّتَه الأولى، وقبلَ مُغادَرته الفصلَ كتَب على السبورة الإعدادَ القبليَّ: كيف سقطت الأندلس؟


خرَج صغيرُنا وكلُّ همِّه كيف سقطت الأندلس، لم يكن يعرفُ شيئًا عنها؛ لأنَّه لم يستوعبْ كلامَ المعلِّم الذي كان يتدفَّق بالمعلومات، طرَق باب المنزل طرقات قويَّة متتالية كادَ معها قلب أمِّه المسكينة أنْ يطيرَ من الخوف، مباشرةً بعد أنْ فتحت الباب طرَح عليها نفسَ السؤال الذي كان يُكرِّرُه على مَدار الطريق، لم تفهمْ أمُّه شيئًا، ولا عَمَّ يتحدَّث، بل لم تستطعْ حتى النُّطق بها؛ ممَّا جعَلَه يتبسَّمُ من كيفيَّة نُطقها، تركَتْه ورجعتْ للمطبخ وهي تُتَمتِمُ بكلماتٍ لم يفهَمْها.

 

اتَّجه نحو والدِه الذي كان مسمَّرًا أمامَ التلفاز، مشدودًا للمباراة المصيريَّة بين العملاقين الإسبانيَّيْن؛ برشلونة وريال مدريد، فعندما يكونُ اللقاءُ بينهما يتوقَّف كلُّ شيءٍ في القرية، سألَهُ الصغير:

• أبي، كيف سقطَتِ الأندلس؟

• مَن هذه الأندلس؟

• إنها دولةٌ قديمة درَسْناها اليوم في مادَّة التاريخ.

• قال الأب ممتعضًا: التاريخ ليس فيه غيرُ السُّقوط، الكلُّ يسقط.

 

لم يبقَ له من أملٍ سوى جدِّه الذي لم يعدْ له في الحياة سوى تلاوة القُرآن، وذِكر الكريم الرحمن، تقدَّم نحوَه وسأله:

• جدِّي، كيف سقطت الأندلس؟


نظَر الشيخ المتهدِّم مليًّا إلى حفيدِه وهو يُقلِّب السُّبحة بين أنامِلِه، وقال له:

• أتتذكَّر آخِر مرَّة سقطتَ فيها؟

• أجل، قبلَ يومين؟

• وكيف سقطتَ؟


• وضَعُوا لوحةً إشهاريَّة بالطريق المؤدِّي للمدرسة، وكانت بها صُوَرٌ جميلة؛ فتعلَّق بصري بها، ولم أُدركْ أنَّني انحرَفتُ عن الطريق حتى سقطتُ.

 

• قال الجدُّ: هكذا سقطت هي كذلك، لم تكن تمشي باعتدالٍ، فانحرَفَتْ عن الطريق الصحيح، فسقطت.

 

كانت فرحة الصَّغير لا تُوصَف؛ لأنَّه عرَف كيف سقَطت الأندلس، وطبَع قُبلات حارَّة على رأس الجد، وراحَ يخبرُ أمَّه وأباه بكيفيَّة سُقوط الأندلس، وبأنَّه سيَنال محبَّةَ المعلِّم؛ لأنَّه أتى بالجواب الشافي.

 

عندما دخَل المعلِّمُ الفصل كان الكلُّ يتهيَّأ للإجابة وأوَّلهم صغيرنا، ولم يكد المعلِّم يطرَحُ السؤال حتى قفَز الصَّغير من مكانه رافعًا إصبعه المتجمِّدة من البرد، لم يكن أمامَ المعلِّمِ إلا أنْ يُفسِحَ له المجال للإجابة، عندها قال الصَّغير بصوتٍ مُرتفِع: سقطتِ الأندلس لأنها لم تكنْ تمشي معتدلةً.

 

انطلقَتْ موجاتُ ضحكٍ صاخبةٍ من زُمَلائه، وكذلك المعلِّم الذي لم يتمالكْ نفسه، ولكنَّه استدرَكَ وهو يُسكتُ التلاميذ ويربت على كتف صغيرِنا:

 

حسن جدًّا، إجابةٌ صحيحة، ولكنَّها ليست تاريخيَّة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- شكر
لبنى - maroc imintanout 21-02-2015 02:51 PM

أشكرك جدا ياأاستاد مواضيع جد رائعة وتستحق الشكر
من تلميدتك المخلصة لبنى

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة