• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

ملامح إسلامية في شعر د. عبدالرحمن العشماوي

ملامح إسلامية في شعر د. عبدالرحمن العشماوي
ياسر محمود محمد بدر


تاريخ الإضافة: 23/1/2012 ميلادي - 28/2/1433 هجري

الزيارات: 41499

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملامح إسلامية في شعر

الدكتور / عبدالرحمن صالح العشماوي

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

الشاعر الدكتور عبدالرحمن صالح العشماوي صوتٌ شعري متميِّز، يَنْطلق من المملكة العربيَّة السعودية، فيهزُّ مشاعر محبِّي الشِّعر الأصيل في شتَّى أرجاء وطَنِنا العربي، وهو شاعرٌ غزير الإنتاج، لا يَشُوب قصائدَه ذلك الضَّعفُ الفنِّي الذي كثيرًا ما يعتَوِر الإنتاج الشِّعري لدى كثيرٍ من الشعراء المعروفين بغزارة إنتاجهم، والدَّارس لأشعار العشماوي، لا بد أن يتوقَّف أمام سِمَة تتَّسِم بها أغلبُ قصائده، إن لَم تكن جميعًا، وهي تلك المنطَلَقات الإسلامية التي تنبَثِق منها أفكارُه الشعريَّة، ورُؤاه الأدبيَّة، على الرغم من تنوُّع موضوعاتها، أو ما يُسمَّى بالأغراض الشعريَّة، ولعلَّ "العشماوي" قد عبَّر عن ذلك حين قال في قصيدته: "حيرة" من ديوان: "صراع مع النفس" ص/ 19:

إِنْ يَكُنْ فِي الْجَهْلِ مَوْتٌ شَرِسٌ
فَكِتَابُ اللهِ أَحْيَا أُمَمَا
تُشْرِقُ الآمَالُ فِي آيَاتِهِ
وَيَنَالُ الشِّعْرُ مِنْهُ الحِكََمَا

 

إذًا فمِن كتاب الله ومن أنوار شريعته الغرَّاء يَستمِدُّ شِعرُ العشماوي حِكَمَه وأفكاره ورؤاه، وذلك على الرغم من تنوُّع أفكارِ القصائد ومُحتواها الموضوعي.

 

فلدى العشماوي كثيرٌ من القصائد الدينيَّة البحتة، التي هي في غير حاجةٍ إلى الكشف عن سَمْتِها الإسلامي من ذلك قصيدته: "إلهي" من ديوان: "حوار فوق شراع الزَّمن"، التي يبتَهِلُ فيها إلى الله - عزَّ وجلَّ - قائلاً في بعض أبياتها:

إِذَا مَا ذَكَرْتُكَ يَا خَالِقِي
رَأَيْتُ الْمُنَى قِبَلِي تَرْكُضُ
إِلَهِي وَأَعْمَارُنَا فِي يَدَيْكَ
فَتُفْسِحُ إِنْ شِئْتَ أَوْ تَقْبِضُ
أَجِرْنَا - إِلَهِي - مِنَ النَّائِبَاتِ
فَإِنَّا بِغَيْرِكَ لاَ نَنْهَضُ
إِلَهِي عَلَيْنَا ذُنُوبٌ عِرَاضٌ
وَعَفْوُكَ - يَا خَالِقِي - أَعْرَضُ

 

ومن ذلك أيضًا قصيدته: "صِراعٌ مع النَّفس"، من ديوان: "صراع مع النفس" ص/ 68، التي يقول فيها:

إِيهِ يَا نَفْسُ قَدْ لَهَوْتِ كَثِيرًا
آنَ أَنْ تَطْلُبِي الْهُدَى وَالرَّشَادَا
طَالَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ الأَخْذُ وَالرَّدْ
دُ فَهَلاَّ أَبْدَيْتِ لِي اسْتِعْدَادَا
كُلُّنَا مُخْطِئُونَ، لَكِنْ عَلَيْنَا
أَنْ نَرُومَ الْهُدَى وَنَبْغِي السَّدَادَا
رَبِّ يَا مَنْ إِلَيْكَ يُهْرَعُ قَلْبِي
لَسْتُ أَبْغِي إِلاَّ عَلَيْكَ اعْتِمَادَا

 

وهي وقفة للشاعر مع نفسه، يُجاهدها، ويصارع همومها؛ كي يقودها إلى طريق الرشاد، مستعينًا بالله، معتمِدًا على عونه، ومن ذلك أيضًا قوله في قصيدة: "تحليقة روح" من ديوان: "صراع مع النفس" ص/ 70 متضرِّعًا مبتهلاً لله:

رَبَّاهُ عَفْوًا لَيْسَ يَقْتُلُ لَوْعَتِي إِلاَّ البَوَاحْ

إِنِّي لَجَأْتُ إِلَيْكَ يَا رَبِّي لِأَطْلُبَكَ السَّمَاحْ

فَاغْفِرْ ذُنُوبِي وَاجْعَلِ السَّعْيَ الْحَثِيثَ إِلَى نَجَاحْ

 

فتلك نَماذج من قصائد عديدة ذات طابع ديني بحت، تَزْخر بها دواوينُ العشماوي، لا تحتاج إلى تَحْليل للكشف عن سَمْتِهَا الإسلامي، بيد أنَّ هذا السَّمْت - كما قُلنا من قبل - لا يقتصر على هذا النَّوع من القصائد، فالطابع الإسلاميُّ يمتدُّ ليشمل قصائدَ العشماوي الأخرى، ويبدو وميضُه في قصائده العاطفيَّة والوجدانية، فشاعِرُنا إنسان لا يتَجاهل عاطفة، ولا يخنقها، غير أنَّه لا يُطْلِق لها العنان لتجمح، وتقوده إلى عصيان خالقه، وإنَّما يقود هذه العواطف، ويوجِّهها، ويسيطر على النَّوازع والرَّغبات لِيُهذِّبَها ويَسمُوَ بِها، ويتجلَّى ذلك واضِحًا في قوله في قصيدته: "قراءة في وجه الصَّمت" من ديوان: "إلى حوَّاء" ص/ 193 معبِّرًا عن نظرته للحب:

حُبٌّ فَإِنْ مَسَّتْهُ كَفُّ الْخَنَا
فَقَدْ غَدَا ضَرْبًا مِنَ الْعَهْرِ
وَهَلْ يَكُونُ الْحُبُّ ذَا قِيمَةٍ
إِذَا خَلاَ مِنْ لَذَّةِ الطُّهْرِ

 

وحينما يُناجي الشاعرُ الحبيبةَ في قصيدته التصويريَّة الجميلة: "بعض أوراقي" من ديوان "إلى حواء" ص/ 181 قائلاً:

قُولِي لِعَيْنَيْكِ أَنِّي فِي مُحِيطِهِمَا
سَيَّرْتُ مَرْكَبَ أَحْلاَمِي وَأَشْوَاقِي
يَا نَبْتَةً فِي رِيَاضِ الْحُبِّ سَامِقَةً
أَبْرَمْتِ فِي ظِلِّهَا عَهْدِي وَمِيثَاقِي

 

فهذه المُناجاة العاطفيَّة تُهذِّبُها نظرةٌ إسلاميَّة سامية؛ إذْ يقول الشاعر بعد البيت السابق!

لاَ تَحْسَبِي أَنَّ حُبِّي سَوْفَ يَجْعَلُنِي
أُقِرُّ نَفْسِي عَلَى عِصْيَانِ خَلاَّقِي

 

وهو حينما يشرح للحبيبة مبدِيًا مدى حبِّه في قصيدته: "قطعة من ذاتي" من ديوان: "إلى حوَّاء" ص/ 177 فيقول:

مِنْ أَيْنَ جِئْتِ قَصَائِدِي مُخْضَلَّةً
شَوْقًا وَقَلْبِي وَارِفُ الْخَلَجَاتِ
أَوْغَلْتُ فِي كُلِّ القُلُوبِ فَلَمْ أَجِدْ
قَلْبًا كَقَلْبِكِ صَادِقَ الزَّفَرَاتِ

 

فهو لا يَنساق للشَّوق، بل يقوده، ويقف في وجهه، ويسمو به؛ حتَّى لا يقع في هوَّة النَّزوات؛ إذْ يقول الشَّاعر في قصيدته الجميلة التصويرِ المتماسكة البِنَاء:

وَوَقَفْتُ فِي وَجْهِ اشْتِيَاقِي صَامِدًا
أَحْمِي حِمَى نَفْسِي مِنَ النَّزَوَاتِ

 

ولا تَخْلو قصيدة عاطفيَّة للعشماوي من هذا المنظور، ولا يُمكِنُنا أن نَجِد في أشعاره الوجدانيَّة غزَلاً خارجًا أو مشاعر دونيَّة، أو وصفًا مجرَّدًا مثيرًا للغرائز، لا يَحِيد عنه؛ فالحُبُّ عنده حبٌّ طاهر عفيف نقي مشرق كضوء الفجر، كما يقول في قصيدته: "الأمل الذي احترق" من ديوان "إلى حواء" ص / 117:

حُبِّيَ الطَّاهِرُ أَسْمَى هَدَفًا
فَأَعِيذِيهِ بِرَبِّ الفَلَقِ
أُشْهِدُ اللهَ عَلَى عِفَّتِهِ
وَعَلَى الطُّهْرِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ
لاَ تَظُنِّي أَنَّ حُبِّي كَالْهَوَى
لَيْسَ ضَوْءُ الفَجْرِ مِثْلَ الغَسَقِ

 

وقد يتوهَّم القارئ - للوهلة الأولى - أن تصويرًا حسِّيًّا لمفاتن المرأة وردَ في بعض قصائد العشماوي من شأنه أن ينأى بها عن المنظور الإسلاميِّ.

 

كما في قوله مستهلاًّ قصيدته: "ضدَّان يا أختاه" في ديوان "إلى حواء" ص/ 79:

هَذِي العُيُونُ وَذَلِكَ القَدُّ
وَالشِّيحُ وَالرَّيْحَانُ وَالنِّدُّ
هَذِي الْمَفَاتِنُ فِي تَنَاسُقِهَا
ذِكْرَى تَلُوحُ وَعَبْرَةٌ تَبْدُو
سُبْحَانَ مَنْ أَعْطَى.. أَرَى جَسَدًا
إِغْرَاؤُهُ لِلنَّفْسِ يَحْتَدُّ
عَيْنَانِ مَا رَنَتَا إِلَى رَجُلٍ
إِلاَّ رَأَيْتَ قُوَاهُ تَنْهَدُّ

 

غير أن القارئ لا يلبث أن يَكْتشف المنظور الإسلامي للقصيدة من خلال الحوار الشِّعري الذي تم بين صاحبة هذه الصورة الجميلة وبين الشاعر، الذي يُحاورها، فيعرف أنَّها عربيَّة مسلِمة، فيُبادرها:

مِنْ أَيْنَ هَذَا الزِّيُّ؟ مَا عَرَفَتْ
أَرْضُ الْحِجَازِ وَلاَ رَأَتْ نَجْدُ
هَذَا التَّبَدُّلُ يَا مُحَدِّثَتِي
سَهْمٌ مِنَ الإِلْحَادِ مُرْتَدُّ

 

فتثور وتحتدُّ بدعوى حرِّيتها وثقتها بالنفس، فيجيبها ناصحًا:

فَأَجَبْتُهَا وَالْحُزْنُ يَعْصِفُ بِي
أَخْشَى بِأَنْ يَتَنَاثَرَ العِقْدُ
ضِدَّانِ يَا أُخْتَاهُ مَا اجْتَمَعَا
دِينُ الْهُدَى وَالفِسْقُ وَالصَّدُّ


وهنا يتجلَّى للقارئ أنَّ الرسم التصويريَّ للمفاتن لم يكن من قبيل الغزل، ولا يَرمي إلى استثارة، وإنَّما يرسم الشاعر ما يستنكره رسمًا يتطلَّبه البناءُ الفنِّي للقصيدة الدراميَّة الحوارية المتنامية، وفيما يتعلَّق بقصائد الوطنيَّة؛ فإنَّها تكشف عن تفاعُلِه القويِّ مع قضايا وطنه وأمَّتِه الإسلاميَّة، وقد يصل هذا التفاعل في أحيانٍ كثيرة إلى النَّقْد القاسي، غير أنَّه في نهاية الأمر نقْد بنَّاء؛ فقد يَصْدر من مُخْلِص مجدٍّ تَصْهره آلامُ أمَّتِه، ويئِنُّ من جراحها، وهو بقدر ما يتألَّم مِن تَمزُّقها وتفرُّق صُفوفها وضياع حقوقها، فإنَّه يحلم معها بِغدٍ مشرق، تتَّحِد فيه الصُّفوف وتستردُّ فيه الحقوق، ويكرس أشعاره لحثِّها على النهوض من كَبْوتِها وعلى وحدة راية القرآن الكريم تعيد الأمجاد، يقول العشماويُّ في قصيدته: "رمضان والجرح والأمل" من ديوان "قصائد إلى لبنان" ص/ 39:

كُنْتُ فِيمَا مَضَى أَقُولُ لَكَ القُدْ
سُ تُعَانِي وَتَشْتَكِي لُبْنَانُ
فَيَلُوحُ الأَسَى عَلَى وَجْهِكَ الغَضْ
ضِ وَتَشْقَى بِدَمْعِهَا الأَجْفَانُ
لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا أَقُولُ وَقَدْ أَسْ
رَفَ قَوْمِي وَضَاعَتِ الْجُولاَنُ
مَزَّقَتْ أُمَّتِي الْخِلاَفَاتُ حَتَّى
صَارَ يَلْهُو بِأَمْرِهَا الشَّيْطَانُ

 

ويشخِّص الشاعرُ أسباب البلاء الذي حلَّ بأمته الإسلاميَّة في قصيدته: "يا خجلة التاريخ" من ديوان "قصائد إلى لبنان" ص / 31، موضِّحًا أنَّ العلاج يَكْمُن في الرُّجوع إلى الله والتمسُّك بحبله، والبعد عن الخلف والضغائن:

يَا رَبِّ مَا حَلَّ البَلاَءُ بِنَا
إِلاَّ بِإِعْرَاضٍ وَعِصْيَانِ
نَرْنُو إِلَيْكَ وَفِي ضَمَائِرِنَا
آثَارُ أَحْقَادٍ وَأَضْغَانِ
لَنْ يَنْزِعَ الْمَأْسَاةَ مِنْ وَطَنِي
إِلاَّ اجْتِمَاعٌ حَوْلَ قُرْآنِ

 

ويؤكِّد الشاعرُ على هذا المعنى في أكثرَ مِن قصيدة؛ من ذلك قولُه في قصيدة: "في مهبِّ الريح" من ديوان "قصائد لبنان" ص/ 17:

تَا اللهِ مَا نَزَلَتْ بِالعُرْبِ نَازِلَةٌ
إِلاَّ وَتَفْرِيطُهُمْ فِي دِينِهِمْ سَبَبُ
أَعَزَّهُمْ رَبُّهُمْ بِالدِّينِ لَوْ طَلَبُوا
فِي غَيْرِهِ العِزَّ مَا فَازُوا وَلاَ غَلَبُوا

 

غير أنَّ آلام الشاعر الناجمةَ عن واقعِ أمَّتِه المرير لَم تجعل نظرته للغدِ نظرةَ يائسٍ محبط، إنَّ الأمَل في تخطِّي الصعاب، والبرء من الجراح قائمٌ رغم الأحزان، يقول الشاعر في قصيدته: "على ربوع عرفات" من ديوان "صراع من النَّفس" ص / 93:

(عَرَفَاتُ) وَالأَبْصَارُ خَاشِعَةٌ
للهِ تَرْجُو كَاشِفَ الكَرْبِ
وَالْمُسْلِمُونَ أَتَوْكَ يَغْمُرُهُمْ
إِيمَانُهُمْ يَدْعُونَ (يَا رَبِّي)
قُولِي لَهُمْ (عَرَفَاتُ): لاَ تَهِنُوا
كُونُوا لِلَيْلِ اليَأْسِ كَالشُّهْبِ

 

فلا شك أنَّ ذلك النِّداء المُفعَم بالأمل الصادر للمسلمين: "لا تَهِنُوا، كونوا لِلَيل اليأس كالشُّهب" إنَّما هو نابع من نفس الشاعر، معبِّر عن تطلعه لغد مشرِق؛ فهو أملٌ منير يبثُّه (لعرفات) عن طريق التَّشخيص الفنِّي.

 

ومن تأمُّلات الشاعر الفكريَّة، وتفاعله الاجتماعيِّ نرى الحكمةَ ملتَحِمة في نسيج العمل الشِّعري، مشعَّة بنور الإسلام الحنيف كدليلٍ على فطرة الشاعر السليمة، وإيمانه العميق، ويبدو ذلك في نَماذج عديدة من شعره، نشير هنا إلى بعضها في قصيدة: "أختي" من ديوان "إلى حواء" ص/ 105:

حُرِّيَّةُ الإِنْسَانِ أَنْ
لاَ يَسْتَبِدَّ بِهِ هَوَاهُ
يَرْقَى بِصِدْقِ يَقِينِهِ
وَتَسِيرُ ثَابِتَةً خُطَاهُ
أُخْتَاهُ لُوذِي بِالَّذِي
مَا خَابَ يَوْمًا مَنْ دَعَاهُ
وَتَمَسَّكِي بِهُدَاهُ فَالْ
إِشْرَاقُ يَا أُخْتِي هُدَاهُ

 

وقوله أيضًا في قصيدة: "تاريخ عشق" من ديوان "حوار فوق شراع الزمن" ص/ 37:

مَا خَسِرْنَا وَلاَ تَحَكَّمَ فِينَا
أَهْلُ بَغْيٍ وَنَحْنُ أَهْلُ رَشَادِ
مَسْلَكُ الْخَيْرِ يَسْتَقِرُّ بِهِ الرَّبْ
عُ وَدَرْبُ الضَّلاَلِ دَرْبُ كَسَادِ

 

وقوله أيضًا في قصيدة: "سفر إلى هناء" من ديوان "إلى حواء" ص / 87:

قَدْ يَصِيرُ الظَّلاَمُ فَجْرًا وَلَكِنْ
عِنْدَ مَنْ يَجْتَلِي طَرِيقَ الضِّيَاءِ
إِنَّ مَنْ حَدَّدَ الطَّرِيقَ جَدِيرٌ
بِنَجَاحٍ فِي دَرْبِهِ وَارْتِقَاءِ

 

ولأنَّ حُكم الشِّعر ورؤاه تُستَمدُّ عند العشماوي من كتاب الله وأنوار شريعته الغرَّاء، ولأنَّ الشعر عنده ذو رسالة سامية تحدِّد مَعالمها قيم الإسلام الحنيف، فقد كان من الطبيعيِّ أن ينجم عن ذلك بعضُ الخصائص الفنيَّة التي تميِّز شعره، فمن ناحيةٍ نَستطيع بسهولة أن نتبيَّن تأثُّر الشاعر بالقرآن الكريم والسُّنة المطهرة لفظًا ومعنًى، ودواوين العشماوي زاخرةٌ بالأمثلة العديدة الدالَّة على ذلك؛ نُؤْثِر منها ما يلي:

شَرَعْتَ لَنَا مَنْهَجًا عَادِلاً
بِهِ هِمَمُ النَّاسِ تُسْتَنْهَضُ
تَسَاوَى بِهِ النَّاسُ فِي أَصْلِهِمْ
فَمَا يَفْضُلُ الأَسْوَدَ الأَبْيَضُ
تَفَاضُلُهُمْ بِالتُّقَى وَالنُّهَى
بِهَا يُقْبَلُ الْمَرْءُ أَوْ يُرْفَضُ

(من قصيدة: "إلهي" من ديوان "حوار فوق شراع الزمن" ص/7 ).

 

وقوله موجِّهًا حديثَه للمُلْحِدين وأعداء الإسلام:

تُرِيدُونَ بِالإِسْلاَمِ أَنْ تُطْفِئُوا الْهُدَى
فَذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَطِعْ غَيْرُكُمْ قَبْلاَ

(من قصيدة: "الصَّحوة الكبرى" من ديوان "حوار فوق شِراع الزمن" ص/ 7)

 

وغير ذلك من الأمثلة والاستِشْهادات الَّتي يزخر بها شعر العشماوي، ويتَّضِح فيها تأثُّره بالقرآن الكريم والسنَّة المطهرة معنى ولفظًا.

 

ومن ناحية أخرى نلمح ظاهرةً هامَّة في شعر العشماوي، ناجمةً كما قلنا عن المنطلقات الإسلاميَّة التي ينبَثِق منها شِعرُه، وهي وضوح الرُّؤية، وصدق الشُّعور، وشفافية التَّعبير، ونَبْذ أيِّ صورة من صور الإبهام والتعقيد، سواء في هوَّة النَّظْم - في أغلب أشعاره - فنحن بصدد شاعرٍ مطبوع يَمْزج بطريقة عفويَّة غير مفتعَلةٍ بين المضمون الفكريِّ وفَنِّية التعبير بغير تَسطُّحٍ مِن شأنه أن يُطيح بالمستوى الفنِّي للقصائد؛ فإذا كُنَّا لا نَجِد بيتًا واحدًا في شِعْر العشماوي نتعثَّر - ولو قليلاً - في فهمه، فإننا في الوقت نفسه نلمح كثيرًا من الصُّوَر ذات المستوى الفنِّي الراقي تنأى بأشعاره عن تسَطُّح التقرير، وتكسبها قوَّة وتأثيرًا وجدانيًّا ممتعًا.

 

والحديث في هذا المَجال طويل، ويقتضي دراسة مستفيضة، غير أنَّنا سنتوقَّف بالضرورة أمام بعض النماذج التي تؤكِّد هذه الظاهرة، والَّتي سنَلْمح فيها العديد من الصور الشعرية البسيطة والمركبة، بطريقة فنيَّة لا يشوبها أدنى افتعال، ولا جهد عقلاني مجرَّد، وسنرى أنَّ هذه الصور تَجِيء متناسقةً فيما بينها، ومنسجمة مع الأفكار التي تشكِّل جوهر القصائد، ولْنَتأمَّل ذلك في قول العشماويِّ - مخاطبا أمَّه:

فُؤَادُكِ يَا أُمَّاهُ نَبْعٌ مِنَ الرِّضَا
سَقَيْتُ بِهِ نَفْسِي وَبَارَكْتُهُ أَلْفَا
أَرَى تَحْتَ رِجْلَيْكِ الْجِنَانَ وَقَدْ غَدَتْ
حَصَى الأَرْضِ فِي عَيْنِي بِهَا ذَهَبًا صِرْفَا
إِذَا كَانَ مَوْجُ العُمْرِ يُضْمِرُ لِي أَذًى
فَعَيْنَاكِ صَارَا بِالدُّعَاءِ لِيَ الْمَرْفَا

(من قصيدة: "نبع من الرضا" من ديوان "إلى حوَّاء" ص / 151)

 

فهنا يعبِّر العشماويُّ عن مشاعره نحو أمِّه - مبيِّنًا فضلها عليه، ومكانتَها بقلبه - تعبيرًا مؤثِّرًا من شأنه أن يَترك أثرًا بالِغًا في الوجدان.

 

وجدير بالذِّكْر - قبل أن ننتهي من الإشارة إلى هذه الظاهرة الفنيَّة في شعر العشماوي - أن نلفت الأنظار إلى أمرٍ متعلِّق بها، وهو أنَّ الشكل العموديَّ الذي يكتب العشماويُّ أغلب قصائده على منواله، الذي شملَ كلَّ القصائد التي أشَرْنا إليها في هذه الدراسة - لَم يدفعه إلى الوقوع فيما يقع فيه بعض الشُّعراء العموديِّين من تقليديَّة التعبير أو جفاف في اللُّغة أو افتعال واستكراه للقوافي، وإن كان قد أدَّى في حالات قليلة إلى الإخلال بالوحدة البنائيَّة الموضوعية لبعض القصائد، ولعلَّها قصائده الأولى.

 

وأخيرًا نقول: إنَّ هذا الإنتاج الشعريَّ المضيء للشاعر الدكتور عبدالرحمن صالح العشماوي تتجلَّى أهميته في أنه قد جاء في وقت فُجِعْنا فيه بشعراء عربٍ ومسلمين - من واقع هويَّتِهم الشخصية - تصطبِغُ أشعارهم المنفِّرةُ بصبغةِ التغريب القاتمة، وتفوح منها رائحةٌ مريبة نابعة من أفكارِهم المُهجَّنة بأفكار أعداء العروبة والإسلام من المستشرقين، وأولئك الذين يُجاهرون بأنَّهم مُخرِّبون للُّغة العربيَّة، حاقدون على التُّراث الإسلامي، غير مُدرِكين أنَّ زبَدَهم سوف يذهب جُفاء، وما ينفع الناس سيَمْكث في الأرض.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
4- شاعر الصحوة صدر الشعر الحديث
وارفة الظلال - المملكة العربية السعودية 02-02-2014 07:15 PM

الحرف يبدأ من عينيه رحلته
كل اللغات بلا عينيه تندثر

يستحق شاعر الصحوة مكان الثريا هو وقصائده وحسبنا به نبراس هدى نسير على وهج قصائده هو مدرسه ومعلم فذ وشهم همام يستحق الشكر وجزيل الإمتنان على ما قدم ويقدم لكل قضايا العالم العربي فهو لسان كل قضية في عصرنا الحالي
بارك الله فيه وفي فرائد نظمه

3- ملك الشعر والشعراء
فاطمه محمد إدريس - السعودية 02-02-2014 10:48 AM

الحمد لله وكفى وسلام على نبيه الذي اصطفى
أحمده تعالى أن أكرمنا بهذا العصر الجاف برجل المشاعر الذي يسقي القلوب برؤية صادقة عن واقع نحياه ونتغافل عنه
الحمد لله أن أرانا عملاقا يتكلم عن ديننا العظيم ليريه للعالم بعد غياب هويتنا
الحمدلله رب العالمين أنه يسمعنا بلسان عربي مبين بلغة القرآن الكريم
على لسان عاشق القدس ماتنشرح به الصدور وتعلو الهمة
بجد يعجز لساني عن تعبير مابداخلي
وتتبعثر حروفي خجلا أمام ملك الكلمه وأخاف أن لا أعطيه حقه
أسأل الله أن يجزيه عن المسلمين خيرا
أسأل الله أن يزيده من فضله ويطيل عمره ويحسن عمله ويحفظه ويرعاه ويحقق له ما يتمناه
شكرا ﻹعطاءنا الفرصه للكلام

2- العشماوي
فوضى مشاعر - الأرض 14-12-2012 04:24 PM

أشكركم على هذا الكلام الذي أنا احتاجه فلدي بحث
أعانكم الله..

1- بشأن عنوان المادة
عائشة الحكمي 23-01-2012 05:56 PM

كل الأمنيات الطيبات للأخ الناقد/ ياسر محمود محمد بدر بالتوفيق والسداد.

رغم اكتناز المادة وجمالها النقدي إلا أني لا أتفق مع عنوانها "ملامح إسلامية في شعر د. العشماوي"، ففي هذا العنوان إيحاء بأن بقية الشعر خلو من هذا الطابع الإسلاميّ الذي يميز شاعر الأمة الإسلامية، وأحد أبرز شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث!

أقترح استبدال "الاتجاه الإسلامي في شعر د. العشماوي" بـ"ملامح إسلامية"، في مقاربة للعنوان الذي اختاره الدكتور العشماوي لرسالة الماجستير المعنونة بـ: "الاتجاه الإسلامي في آثار علي أحمد باكثير القصصية والمسرحية" مع شهرة الأديب باكثير بأنه أحد رواد الأدب الإسلامي في العصر الحديث.

وفقكم الله.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة