• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

نساء الفراولة (قصة قصيرة)

نساء الفراولة (قصة قصيرة)
صباح نوري الضامن


تاريخ الإضافة: 23/1/2012 ميلادي - 29/2/1433 هجري

الزيارات: 10565

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نساء الفراولة

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

كم بتُّ أكره الفراولة! ما الذي جعَلَني أشتريها من السُّوق؟

رغم أنَّها جميلةُ المنظر، حمراءُ طازجة، كأنَّها من قلب الأرض تنبض، كل خفقة تحكي قصَّة من قطفها، وجعلها بين أيدي المترفين أمثالي، إلاَّ أني الآن لا أحتمل تحدِّيَها بلونها الصَّارخ لي وهي التي أوقفَتْ آلافًا من النِّساء في طوابير و(أرتال)، كلُّهن يحمل وثيقة سفَرِه.

 

أمسك بثمرة الفراولة، أقطفها من صندوقٍ أمامي، ولكنِّي لا أُلقي بها في حِجر غيري، بل أضغط عليها ليسيل دمها الأحمر على ورقي الأبيض بخطوط ذِكْرَى تُعيدني لشهورٍ مضَت، حيث قرَّرت أن أمتشق حُسامي الذي يختبئ في جبِّ صَمْتي، وأخوض غمارَ الحادثات؛ لأعود بهنَّ، وتعود معي كرامتهن، وتعود معي "أمُّ وسيلة، وأم لافي، وأم عبدو، وأم رائقة، وأم.. وأم.. وأم"... يَعُدْن معي عبر نقاطي وحروفي، ولا أدري إن كنتُ سأنجح.

 

أمَّهات وقَفْن في يومٍ قائظ في صفٍّ طويل، يحمِلْن وثائق سفرهن وتَحْمِلهن أحلامهن ويتدافعن لِتَضرب امرأةٌ كتفَ أخرى صارخة:

• كيف تأخذين دَوري؟ لقد بِعتُ كلَّ ما لديَّ من أجل هذه الوثيقة، وهذه التأشيرة، ولهذا العمل؟ وببساطةٍ تُريدين أخْذَ دَوري!!

 

• لا تقلقي، كلُّكن ستَذْهبْن؛ فمَن سيَجِد مثلكنَّ!

 

• أتسخَرين مني؟

 

• لست أنا يا أُخيَّتِي مَن يسخر منك، لست أنا.

 

تنظر إليها بوجهها الذي يذكِّرني بأمِّي وأختي، وكل مَن يقبِّل جبينُه سجادةَ وطنه، وتسير بثوبِها الأبيض الجميل المزركَش بتطريزٍ شعبي باهر، يَشِي بأصالةٍ ستفقد هناك في حقول الفراولة.

 

تَنْظر بتشوُّش، ويُخرِجها صوته الأجشُّ من حيرتها وهو يناديها، يقف وراء منضدَةٍ صغيرة، وأمامه كومةٌ من وثائق السَّفر بأسماء أمَّهات سُمْر، لفَحَتْهنَّ شمس الوطن.

 

• تعالَيْ أنت ما اسمُك؟

 

• أم وسيلة.

 

• عمرك؟

 

• أربعون.

 

• لكِ أولاد؟

 

• ياسمين وأحمد.

 

وتهمس واحدة: لو لَم يكن لها ولد، فلَن تذهب؛ لا يأخذون إلاَّ مَن لها ولد حتَّى لا تُهاجر..

 

أنفاسي تتَدافع، تكتم آهتي، تَخْنق دمعتي، تُرسِلها في يومٍ بائس لقلمي اليائس، لحلمٍ مفقود، لأمٍّ باعت كلَّ ما تملك، لِم؟ لِمَ يا أمَّ وسيلة؟

 

• من أجل ياسمين وأحمد، يجب أن يتعلَّما في أفضل المدارس، ويتلَقَّيا أفضل علاج، أخوهما عُمر مات من قلَّة الدواء والعناية.

 

مات عمر يا قلمي، وأنت لا زلتَ في مخبَئك تتدفَّأ على كلمات خدرة، توقظ النائمين فقط في مساحة المُتاحات.

 

استيقظ يا نائم، استيقِظْ يا قلمي، وانظر لأمَّهاتنا، كلُّهن فوق الأربعين يَنْحين، وقد كُنَّ مصدر العزة لنا، ينحين لاقتطاف ثَمر الفراولة في حَقْل أجنبي رَكِبْن للوصول إليه في قارب العوز، محشوراتٍ في أمكنة ضيِّقة، كأنَّها جحور!

 

آه كم أحزنني منظرهن! أسوقُ عبيد الآن لأمَّهاتنا؟ ما بال الفقر يَطْرق بشدَّةٍ فضاءاتنا؛ ليجبر حرائرنا أن يَنْحنين؛ لِيَقطفْن الفراولة في حقول الأجانب!

 

يُسَقْن يا قلمي، يُسَقن تحت سقف حلمٍ يَدُغدِغُهن؛ أنَّ المال - واليورو على وجه الخصوص - سيكون في جيوبهن:

• سأبني بيتًا عوضًا عن جُحْر الطِّين الذي نعيش فيه.

 

وتلك أخرى:

• سأشتري لزوجي سيَّارة يعمل بها؛ لنأكل ولا نمدَّ أيدينا للناس.

 

وأخرى:

• سأضعها في مشروع حتَّى أستفيد عندما أكبر، فلا تقاعُد ولا ضمان ولا مصدر لنا لو كبرنا ومرضْنا...

 

وهكذا، ولكن هل تحقَّقت الأحلام؟ لا، لَم يَعُدن باليورو، بل بغيره، عُدْن بِقَهْر وتحطُّم وانكسار، فقد تقلَّص اليورو من مصروفات واقتطاعات تأمينات لا يَثِقن بها.

 

وما عاد معهنَّ إلا يدٌ مُنهَكة، وحلمٌ اغتِيل في ساحات الأحلام المزيَّفة.

 

هناك كنَّ.. وكأنِّي أجلس في وسطهنَّ أقبل قلوبهنَّ الطاهرة التوَّاقة لعيشة هنيَّة رضيَّة، يتنقَّلْن كفَراشات، لا لَسْن فراشاتٍ بل نَحْلات عاملات، يعملن صبحًا حيث تُقبل الشمسُ الأرض الطيبة، وتُخْرِج خيرات الله، ويَسْكبْن عرَقهنَّ في الليل حزنًا أنَّهن في مكان آخَر بقمَر آخَر، ورائحة طينٍ أُخرى.

 

كلهنَّ هناك، ودمعات في أيديهنَّ كسبحة في يدٍ متعَبة مختبئة في جيوب كتمانهنَّ، مسَحْنَها يوم مرَّ الفقر في ذاكرتهن؛ لِيَقهر بَوْحهنَّ وشكواهن.

 

كلُّهن نسوة الفراولة، عاملات يُقَدْن تحت حلم العمل، آلاف من العاملات يُعِدْن قصَّة رحلة العبيد إلى دول الشُّقر، إنَّ توصيفهن بعاملات يُقَنِّعُ قبْحَ الكلمة، إنَّه عصر العبيد الجديد بقالَبٍ آخَر.

 

يجلِسْن في لحظاتٍ قليلة يَحْكين همومهن، كيف أتَيْن من أجل لقمةٍ وعيشة هنيَّة يقطفن الفراولة في بلدٍ غير بلدهن؛ لأنَّ اليورو الآن يتكلَّم بصوت باذخ في مجتمعهن، أتَيْن وتعبن، وانحنَيْن، ولَم يَعُدن لأوطانهن إلاَّ بدراهم معدودة، وقلوبٍ مشروخة.

 

أتراك يا قلمي ستَكْتب عنهنَّ! أم تخشى أن تخدش نقاءً مزيَّفًا أنَّنا بخير، أنَّهن أمهاتنا في عرض قارَّة سمراء أصبَحْن خادماتٍ لحقول القارَّة الشقراء يقطفن الفراولة.

 

إنَّهن أمهاتنا يخرُجْن من بيوتهن؛ لِيَعمَلْن في عالَم آخَر؛ فقط حتَّى يأكلن خبزًا، ويأكل غيرهنَّ الفراولة!!

 

ستقف أيُّها القلم في يومٍ قائظ مرَّة أخرى تَخرج من جُبِّك حيث رُميتَ، وعاد إخوتك لورقهم يكذبون.

 

أكله الذِّئب بزعمهم؛ ولكنه الآن يقتل الذِّئب القابع بين سطوره له يترصَّد.

 

ولن يخشى أن يَحْكي قصة حمراء يوم انحنَتْ نساؤنا في حقول الغرب؛ لتقطف الفراولة، فتسيل دماء العزَّة في شقوق جفاف النخوة، والبعد عن الفطرة، ومَوْت الضَّمائر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة