• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الحاج ناصر العربي (قصة قصيرة)

الحاج ناصر العربي
محمد بعيطيش


تاريخ الإضافة: 2/1/2012 ميلادي - 7/2/1433 هجري

الزيارات: 8115

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحاج ناصر العربي

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

ضخامته توحي أنْ لا فُرجة تسَعُه ضمن تلك المتاحة في الصُّفوف الأولى، لكنَّه يتخطَّى الرِّقاب في ثقة، يتكلَّم في لغةٍ مفقودة المعاني وكأنه يدعو بالويل والثُّبور لكلِّ القوم، كل مَن في طريقه مَلْعونون، مَنْزوعةٌ منهم برَكةُ الوجود في المسجد؛ لأنَّه لا مكان يسَعُه في المسجد، تثاقلَتْ خطواته، فلم يقدر على التَّبْكير، وقد سبقَه الناس، وشغَلوا الصُّفوف الأولى منذ الصبيحة، وتعالت أصواتهم بالتِّلاوة، وذابَتْ بفعلها صنوف الاستقبال الحافلة التي ألِفَها منهم في غير يوم الجمعة.

 

لا أحد ينتبه لِقُدومه؛ الناس تأسرهم قصَّة أهل الكهف، ويأجوج ومأجوج، لا وقت لأنْ يَلتفتوا لهذه الجثَّة الهائلة.

 

زفيرٌ يَأخذ في التَّعاظُم كلَّما تقدَّم أكثر، إنَّه نَهمُه الكبير في انتقاد الوضع، المكان غير مرتَّب في نظره، وإن كان قد أخذَ حُلَّته في هذا اليوم العظيم.

 

إنَّ الحاج "ناصر" يمرُّ بأزمة خانقة، سحبَتْ منه الثِّقة، ولَم يعد رئيسًا لجمعيَّة المسجد، لقد فعَلَها مجموعةٌ من الشباب المثقَّفين، قرَّروا القطيعة مع الحاج "ناصر"؛ لأنَّه رفَض قدوم الإمام الشابِّ إلى المسجد، وأصرَّ على بقاء الشيخ "محمود".

 

لقد ملَّ هؤلاء خُطبَه المتكرِّرة، لم يتعدَّ الحديث عن الوضوء مذْ عرَفوه، إنَّه حبيسُ جلفتي كتابه الأصفر الذي أصبح باليًا كقِطْعة قماش.

 

• إنه زمن الذَّراري (الصِّغار).

 

هكذا قال الحاج ناصر، وراح يُحَوقل في غضبٍ شديد.

 

أكثر ما يغضبه عدَمُ اكتراث الشباب بِدَرس الإمام؛ فمنهم مَن يقرأ كتيبًا للأذكار، ومنهم مَن يرتِّل القرآن، وحتَّى من يحدِّث صاحبه عن خُطَب ذاك الشيخ... كلهم مَشْغلون عن الدرس، ينتظرون صعود الإمام المنبر.

 

يصرُّ الحاج "ناصر" على متابعة الشيخ "محمود"؛ نِكايةً في هؤلاء الشباب، ويتحسَّر لما يسمع المواعظ، ويُبدي تأثُّرًا بِها، ويُخفي كلَّ ما به من سأمٍ من الخُطبة التي يسمعها من الحجَّة للحجة مائة مرَّة.

 

• إيه... كنَّا في زماننا إذا تنهَّد الشيخ، أيقنَّا أنَّ صاعقة ستحلُّ بالديار، أما اليوم فكلام (سي محمود) صار لا يُعجب هؤلاء الذراري!

 

قالها عند باب المسجد، لمَّا همَّ بالخروج، ردَّدها في صوت عالٍ:

• لا حول ولا قوة إلا بالله، يا ستَّار استُر، يا لطيف الطف.

 

واستقبَلَه وجهُ صديقه (سي علي) بصوته المألوف عند جميع روَّاد المسجد، ساخِرًا من الوضع برمته:

• هذا زمَنُ (صلِّ وارفَعْ حذاءك) يا سي ناصر.

 

مضَتْ أيام ولا أثر للشيخ ناصر في المسجد، افتقده (سي علي) بشدَّة، وأحسَّ بِوَحدةٍ وسط هذا التَّجديد المتواصل في المسجد، كل شيء يتغيَّر في غياب الحاج ناصر، تساءل في غربةٍ تكتسح عقله وجسده:

• أسبوع بحاله؟ ماذا حلَّ بك يا ناصر؟

 

• تراه يرتاد مسجدًا آخَر؟

 

أمسك بيد أحد جيران الحاج "ناصر":

• ألَم تر عمَّك الحاجَّ هذه الأيام؟

 

• زرتُه في بيته أوَّلَ مِن أمسلدقائق، إنَّه طريحُ الفراش، الحمَّى تكاد تأخذه، يغيب أكثر الوقت عن الوعي.

 

• آه، يا حبيبِي ناصر، أخشى أن أبقى وحيدًا مع كلِّ هذه الوجوه الغريبة، لا عيش إلاَّ عيشٌ مع أمثالك.

 

تتسارع خطوات (سي علي) وهو يقصد بيت صديقه "ناصر"، يضرب عصاه على الأرض وكأنه يأمرها؛ أنْ تَقارَبِي أيتها الأرض، ويضرب كفَّه على ركبته وهو يتهاوى إليها كأنَّه يقع.

 

• لن تترك المسجد هكذا، أعرفك يا عزيزي (ناصر)، لم تفعلها يومًا، فكيف وأنت في هذه السِّن؟

 

جمعٌ غفير عند بيت الحاج "ناصر"، كراسيّ على الرصيف في طابور يمتدُّ حتى آخِر البناية، وسيارات تتزاحم، وأولادٌ يقفزون هنا وهناك، ولا أحد يهتمُّ لشأنهم.

 

تثاقلَتْ خطوات (سي علي)، وأحسَّ بفورةٍ تغمر جسده، فاتَّكأ على عصاه، وتَهاوت كلُّ أحلامه وآماله بلقاءِ آخِر رفاقه:

• صدَقْتَ يا سي ناصر، صدقت، ها قد مضيتَ كما وعدت.

 

تقدم (سي علي) نحو الجمع، وأحسَّ بِغُربة شديدة؛ فقد كان يأخذ في التَّصريح بأنه سيِّد الجلسة على بُعد أمتار، كان يَرفع عصاه عاليًا ويقول:

• أين الغداء يا مجانين، والله لستم أبناء سي ناصر.

 

مُخاطِبًا أبناء صديقه الراحل.

 

ثم يبتسم له ويقول:

• كبرنا، وأتمنَّى أن أسبقك يا عزيزي ناصر.

 

فيردُّ عليه سي ناصر في ثقة:

• ما زلت صغيرًا يا علي، نحن السابقون وأنتم اللاَّحقون.

 

دارت في مخيلة (سي علي) كلُّ هذه الأحاديث، ثم طلب رؤية المرحوم؛ علَّه يرتوي من رؤيته.

 

انكبَّ (سي علي) باكيًا، وانزاح ثوبُ الشيخ الكبير الصابر، وتعالى بُكاءٌ كبكاء الطِّفل اليتيم:

• خدَعتَني، خدعتني، مضيتَ قبلي وتركتني وحيدًا، لطالما كنتُ رفيقَك، لطالما كنت كذلك، أتَذْكُر يومَ زُرنا البيت، أتذكر؟ كنَّا رفيقَيْن دائمًا، فلِمَ خدعتني؟

 

فيعلو صوتٌ يُردِّد: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

يأخذ (سي علي) نفَسًا عميقًا، ويردِّد خلفه:

• إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

ثم يقبِّل المرحوم، ويتَراجع إلى الحائط، وقد خارَتْ قُواه تمامًا.

 

شباب المسجد يحملون الفقيد، ويُسارعون الخطوات إلى المقبرة، ولا قُدرة لكبار السنِّ أمثال (سي علي) على المشي هكذا.

 

• آه يا سي ناصر، حتى الجنائز، تغيَّرَت!

 

• أنتم السابقون ونحن اللاحقون، أنتم السابقون ونحن اللاحقون.

 

ينبِّه الشيخ "محمود" الجَمْع:

• ادعوا للحاج ناصر بالمغفرة، ادعوا له بالتثبيت، إنَّ أخاكم يُسأل.

 

ويَنصرف الناس فُرادى وجماعات، ويَبقى (سي علي) عند قبر المرحوم:

• رَحِمَك الله، وغفرَ لك، رحمك الله.

 

في خطبة الجمعة، طلب الشيخ "محمودٌ" من جموع المصلِّين الدعاء للحاج "ناصر" بالرحمة والمغفرة، وتسرَّبَت لسي علي - الذي اغتال فراقُ الحاج ناصر لذَّةَ سماع الخطبة فيه أفكارٌ متناحرة:

• قام هذا المسجد على يديك، بنيتَه حُجرة، حجرة، ولن يتذكَّرك كلُّ هؤلاء بعد اليوم، أمَا أنا فكلَّما ضاقت بي الدنيا، سأترحَّم عليك يا سي ناصر.

 

• إن الله يجزي بالحسنة عشرَ أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، ولن يخيِّبك الله.

 

• رحمك الله، رحمك الله.

 

بعد شهر، برقيَّة من إدارة الشؤون الدينيَّة:

بناءً على اجتماع اللجنة المكلَّفة بتنظيم المساجد والمدارس القرآنيَّة لولاية.....، بتاريخ....... يُسمَّى مسجد حي النَّصر بـ: بمسجد المرحوم الحاج ناصر العربي، وتُكلَّف جمعيَّةُ المسجد بتنفيذ القرار في أقرب الآجال.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة