• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

المفتاح

المفتاح
د. فاطمة مفلح العبداللات


تاريخ الإضافة: 8/12/2011 ميلادي - 12/1/1433 هجري

الزيارات: 4912

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من بعيدٍ تراءتْ له تجمعاتُ الرِّمال والحجارة، وأغصان الأشجارِ كانت موزعةً بطريقةٍ عشوائية، كانت الأمطارُ قد جرفت كلَّ شيء تستطيعُ حمله، أمسك بمقبضِ شاحنته بقوةٍ عندما وصل إلى ذلك المنحدر؛ منحدرِ الوادي الأبيض.

 

واصل قيادةَ الشاحنة بحذر، في الوقتِ الذي بدأت فيه السَّماءُ تمطرُ بصمت، رفع بصرَه بثباتٍ إلى الغيومِ الدَّاكنة، وأغمض عينيه وأخذ شهيقًا ثم أخرج آهًا وترددت دمعةٌ في عينيه، ليته كان في بيتِه وبين أولادِه اليوم؛ إنه يوم العيد!

 

لقد أحضر لكلٍّ منهم شيئًا جديدًا، ما كان يستطيعُ ذلك لولا عمله المتواصل ليلَ نهار، ذلك الجهد المضني الذي أثار استغرابَ مرؤوسيه، كان يفرغُ حمولتَه من الغاز، ويعودُ أدراجه في مدة قياسية، سُجلت لتكون قياسًا مقدِّرًا للمسافات.

 

مد يدَه وعيناه مركزتان على الطَّريقِ ليفتحَ كيسًا ملأته زوجتُه له بالحلوى، اصطدمت يدُه بغطاءٍ قطني يبدو مهترئًا، إنه آخر شيء أهدته له والدتُه قبل موتِها، كان ذلك قبل سبع سنوات، مرَّ بيدِه فوقه ببطء، وكأنه يخشى أن يوقظَه.

 

أخيرًا وصلت يدُه إلى الحلوى، تناول قطعةً وبحركة سريعة كانت تهوى بين أسنانِه وتذوب، رفع حاجبيه مستشعرًا لذةً في أكلِها، وعلت وجهَه ابتسامةٌ متذكِّرًا فيها أطفالَه السُّعداء بطعمِ هذه الحلوى.

 

وتخيَّل كلاًّ منهم بملابسِه الجديدة وتوقَّف ذهنُه عند صورةِ طفلته الصغيرة؛ تلك الحورية الهاربة من الجنَّةِ، إنها تحبُّ اللونَ الأحمر، لقد اشترى لها ملابس حمراء من رأسِها إلى أخمصِ قدمها، لا بد أنها تطيرُ الآن في كلِّ غرفِ المنزل، بل في كلِّ أرجاء الحي، وارتجت الشَّاحنةُ فاهتزَّ جسمُه وارتجف وكأنه نائم قد أوقظ من حلمٍ جميل، لقد مرَّت العجلاتُ فوق أحد الأحجار.

 

هزَّ رأسَه يمنةً ويسرة، مستغربًا مرورَه فوق ذلك الحجر بسلام!

 

ترك تأنيبَ نفسِه على عدم رؤيته لذلك الحجر الكبير، وواصل قيادةَ شاحنته بحذر، وبدأ النعاسُ يداعبه وهو يجاهدُ بضعفٍ في مقاومته، انحرف بشاحنتِه بجانبِ الطَّريق، إنها ثماني ساعات في القيادةِ لهذا اليوم تكفي لأخذِ قيلولة بسيطة الآن، وأخرج وسادةً صلبة من تحتِ مقعدِ القيادة وطواها في يسرٍ وكأنه يطوي كتابًا، جذب الغطاءَ ليغطِّي جسمَه وقد التصقت يداه برجليه في حركة آلية؛ كجنينٍ في رحم مطمئن، وأخذه النوم إلى عالمه فتراءت له في الحلمِ ابنتُه المحبوبة وهي تبكي، فأفاق مذعورًا تلفَّتَ حوله كغريبٍ، وأحسَّ بألَمٍ في جنبه، إنه لم يتحرك قدر بوصة أثناء نومِه، وما هي إلا دقائق حتى اعتدل في جلستِه مستعدًّا لقيادةِ مركبته من جديد، وحبات المطر تطرقُ على الواجهةِ الزُّجاجية مستأذنة للدُّخول، سمع همسًا يدورُ في قلبِه، يؤنِّبه: ماذا لو بقي في بيتِه في يوم العيد؟ وماذا يعني كون الأجر مضاعفًا أمام سعادتِه بأولادِه؟!

 

نظر بعمقٍ إلى حباتِ المطر وقال هامسًا: إنني في منتصفِ الطَّريقِ الآن، وماذا يجدي التأنيب الآن؟!


طوى غطاءه وامتدَّتْ يدُه للوسادةِ عندما لمح مفتاحًا، أعاد النَّظرةَ بسرعة ليتأكد، نعم إنه مفتاح صيوانه الخاص، لقد وضع فيه ملابسَ أولادِه جميعهم، ونسي أن يعطيه لزوجتِه ليلة العيد.

 

أمسك المفتاحَ بقوةٍ وأخذ يضغطُ عليه، آه لو يختفي هذا المفتاح الآن ويظهرُ في مكانٍ آخر.

 

اتَّكأ برأسِه على مقود الشاحنة، وبصمت بدأت دموعُه تنساب، مرَّتْ لحظاتٌ لا يدري مدتَها، رفع بعدَها رأسَه ببطء، مطلقًا العنان لخيالِه ليتصوَّرَ وضعَ بيته الآن، أغمض عينيه في أسف، مسح دموعَه وقد همس مخاطبًا ذلك الخيالَ البعيد: كله من أجلكم!

 

وأدار مفتاحَ شاحنتِه ومضى في طريقِه، سار بضعة كيلو مترات، أحسَّ بعدها بميلانِ الشَّاحنةِ إلى النَّاحية اليسرى، أوقفها جانبًا ونزل متفحصًا، فإذا إحدى العجلات قد استراحت بعد أن أخرجت آهة، خرجت معها كميةُ الهواء منها، نفث هو الآخر آهة أخرى، وكأنَّه يبادُلها الشعورَ بالهمِّ والحزن، ربت عليها قائلاً: حتى أنت؟ والآن؟ وفي هذا الوقت؟!

 

وبدأ عمليةَ استبدالها بأخرى، تدفقتِ الدِّماءُ إلى وجهه، ويداه أصبحتا حمراوين، وهو يعملُ بكلِّ قوته، وأوهم نفسَه أنه في سباقٍ مع أحدِ زملائه في سرعةِ تركيبها؟ ولم يعد يشعر بالبردِ ولا بقطراتِ المطر وقد غطَّتْ أنحاءَ شعرِه وكلَّ وجهه وثيابه، بدت قسماتُ وجهه كمغتربٍ عاد إلى وطنِه ووجد نفسَه غريبًا، وما أن أنهى عملَه حتى جلسَ على الأرضِ غير مبالٍ بالوحلِ والطِّين، أمسكت يداه بركبتيه ووضع رأسَه بينهما؛ وحبات المطر تواصلُ غسلَها لوجهه وثيابه.

 

نهض فجأة وتوجَّه إلى شاحنتِه واستدار بها لطريقِ العودة دون أن يفرغَ حمولتَه من الغاز، كان هدفه محددًا، قسمات وجهه ثابتة، عيناه لا تتحركان، ثابتتان في النقطةِ نفسِها.

 

في الطَّريقِ المتجدد سار وبأقصى سرعةٍ ليصلَ قبل الغروب، ولكن ما كاد يرى البيوت التي يقعُ بيته بينها حتى كان الليلُ قد وضع عباءته عليها منذ وقتٍ ليس بالقليل.

 

دلف إلى بيتِه بخفة، ألقى نظرةً سريعة فيه، لم يتناه إلى سمعه شيء يشعرُه بحركةٍ ما، واصل تقدمَه بخطواتٍ حذرة، حتى إذا وصل إلى غرفةِ أولاده، أدخل رأسَه بلهفةٍ، نظر إلى وجوهِهم، ثيابهم القديمة، تجمعهم حول بعضهم طلبًا للدفء.

 

توقَّفَ عند وجهِ الحورية، أحسَّ بآثارِ دموعٍ على وجهِها، لكن ما هذا الذي بيدِها؟ اقترب أكثر، أمسك بيدِها وفتحها بلطفٍ ليجدَ مفتاحًا، إنه مفتاح لعبتها! لا بد...، لا بد أنها حاولت فتحَ الصيوان به! طأطأ رأسَه بأسفٍ ومضى إلى صيوانه، نظر إلى المفتاحِ وبثقةٍ فتح الصيوان وأخرجَ الثِّيابَ الجديدة، ودخل ثانية إلى غرفةِ أولادِه ووضع بجوارِ كلٍّ منهم ما يخصُّه من ثيابِ العيد.

 

ووقف يتأملُهم بنظرةٍ واحدة، وكأنه حاول أن يضمَّهم بعينيه أو يخبئهم فيهما.

 

استدار ببطء عائدًا لشاحنته، لكنه وبحركةٍ سريعة دخل إلى غرفته، ووضع مفتاحَ صيوانِه بيد حوريتِه، وخرج مسرعًا لشاحنتِه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة