• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

رائحة النهار الأسود

رائحة النهار الأسود
عايض محمد عيبان


تاريخ الإضافة: 19/11/2011 ميلادي - 22/12/1432 هجري

الزيارات: 5374

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مرَّ على سيفٍ الحُلواني زمنٌ بعيد، وهو في حُجرتِه التي ورِثها من أبيه في شارِع الستِّين، وعلى سجيتِه الصادِقة التي يتَّصف بها أهلُه، يدرس دواوين العربِ نقدًا وتقويمًا، فما راق له فيها إلاَّ ديوان ذِي الرُّمَّة خاصَّةً بعدَ وقوع قصيدته البائيَّة في نفْسه، وهو في نُزهةٍ بريَّة - مع زوجته وابنه الوحيد، بعدَ أن حصَل على درجةِ (الماجستير) - في مطعم دوار بأحدِ فنادق العاصمة، مع أنَّ ذا الرُّمَّة كان سببَ طردِه مِن الجامعة التي يُدرِّس فيها بعدَ محاضرة للدكتور أحمد سعيد على مسرحِ الجامعةِ بعنوان: "رائد الشعر العربي"، وكانتِ النتيجةُ معروفةً مسبقًا؛ رائد الشِّعر العربي امرؤ القيس ولا نِقاش؛ لأنَّ هذا مذهبُ الجامعة؟! وحين أذِن مديرُ الجلسة بمداخلةِ أحد القاعدين في المقاعِد الأولى تفاجأ الجميعُ أنَّه صوتُ سيفٍ الحُلواني، فتَمطَّطتْ أطرافُ عيون الحاضرين تختلس صورةَ انتفاخ أنوفِ بعضهم اعتراضًا على جلوسه في أوَّل المقاعدِ المحجوزة دائمًا للشخصيات الكبرى، وتَتقطَّبُ الحواجبُ لتعصرَ بينها سؤالاً مصيريًّا: كيف له أن يُداخِل؟! ثم تتدلَّى رُؤوسهم إلى الأسفل بعدَ أن دَبّتْ فيهم قشعريرةُ (أصبح مِن المحسوبين)! لكن سرعان ما شَعُروا بقماشٍ أسودَ يلتفُّ حولَ أعناقهم تفوح منه رائحةُ النهار الأسود؛ ليقتلَ سوءَ الظنِّ القابِع في أعماقِهم تُجاهَه، فيسيح بُعبع المجاملات على أرضيةِ المسرح؛ حين قال:

 

• امرؤ القيس شاعرٌ فحلٌ، ومِن الطبقة الشعريَّة الأولى، لكن أن يكون هو الرائدَ مطلقًا، أظنُّ أنَّ هذا الكلامَ قدْ تجرَّد مِن ملابسِ البحْثِ العِلمي.

 

• أَفْهَم أنَّك تُخالِف مذهبَ الجامعة وتُخالِف رأيي الشخصي!

 

• مدير الجِلسة لحظةً لحظةً، أرجوك يا دكتور، دَعِ الدكتور سيفًا يُكمِل مداخلتَه ولا تقاطعْه.

 

• تفضَّل، لكن هذه المداخلة.......

 

• أرجوك يا دكتور، للمرَّة الثانية، وبعد رجاء مَن أَذِن لي بالمداخلة! هذا رأيُك كما قُلْت، ويَنبغي أن نَعي أنَّ هناك آراءً أخرى لا يَحقُّ لأحدٍ مصادرتها، ومع ذلك فإنَّ أحدًا لم يلزم الناس برأيه عندما رَأَى خلافَ ما يَرَوْن، وما أراه أنا شخصيًّا بعدَ دِراستي المستفيضة للشِّعر العربي أنَّ ذا الرُّمَّة يستحقُّ أن يكونَ رائدَ الشِّعر العربي، وهذا ما ذهبتُ إليه في رِسالة الدكتوراه التي تشرفتُ فيها بمناقشتِك لي، والآن نحن نعيش عصرًا متغيِّرًا، لعلَّنا نُسهِم فيه بدفعِ عجلة الحوار في ربيع أخذ يتبدَّى لمجتمعِنا العربي؛ وقدْ آن لكلٍّ مِنَّا أن يَصدَح برأيه شجاعًا لا يَهاب من سوط أحد.

 

• شكرًا، شكرًا، يا حضرةَ السكرتي! أَخرِجْ هذا الشخصَ مِن هنا!

 

• كلاَّ! لن أَخرُجَ دون ذنبٍ وأنا الدكتور سيف، لو سمحت!

 

• ضرَب الدكتورُ بيدِه اليُمنَى على الطاولة غير مبالٍ بمدير الجلسة والحاضرين، قدِ احمرَّ وجهُه وهو يُحرِّك الكرفتة يمينًا وشمالاً، وبصوتٍ عابس: أي ذنبٍ جنيتَه أكبر مِن هذا؟!

 

ارتفعتْ جلبةٌ سوداء غطَّتِ المكان وأَخرَستْ مديرَ الجلسة وهو يُحاول تَقريبَ الرُّؤى؛ لتبرق بتشابُك الأيادي؛ لإخراجِ الدكتور سيف مدفوعًا إلى الوراءِ، حاول استعادةَ توازنِه وهو يَتذكَّر نصيحةَ زوجتِه: "لا تُصادِم أحدًا، دَعْنا وُلقمة عيشِنا"، يتذكَّر كلماتِ ابنِه محمَّد غَداة ذَهابِه للجامعة: "بابا، لازم تشتري لي بلاي ستيشن مع راتبِ الشهر هذا".

 

تمنَّى لو كان حفَّارًا يعمل نهارَه صامتًا إلاَّ عندما يتسلَّل النَّصَبُ إلى جسدِه فينطق بأهازيج تُرطِّب ما يَلْهَثُ مِن جسده، أو مِثل هؤلاء الدكاترة الذين يُخرِجونه من المسرح وهم يخنقون أصواتَ ضمائرِهم ويُظهِرون غيرَ ما يُبطنون؛ كي يُحقِّق لزوجته لقمةَ العيش ولابنه محمد (البلاي ستيشن).

 

أَثْقَل الندمُ أطرافَ الدكتور سيف في تلك اللَّحْظة، لكنَّه بإصرارِه استعادَ توازنه عندَما أقسم ضميرُه ألاَّ ينطقَ إلا بما يَعتقِد، وإنْ حصَل ما حصَل، فأنشدَ بصوتٍ لطَم وجهَ الجامعة في وجنتِها المخدوعة:

 

اجْعَلُوهَا عَدْلاً وَلاَ تَجْعَلُوهَا
مَيْلَةً مِنْكُمُ عَلَيَّ وَحِيدَا

إِنَّمَا الحَقُّ وَالْحِوَارُ تَوَارَى
وَأَتَى دُونَهَا المِرَاءُ سَعِيدَا

أَيَّ ذَنْبٍ جَنَيْتُهُ غَيْرَ قَوْلِي
كَانَ ذُو الرُّمَّةِ العَظِيمُ مَجِيدَا

 

انتشر الخبرُ في الجامِعة، وفي شارِع الستين، لكنَّ أبياتَه طَرقَتْ كلَّ مسامع البلد وتَربَّعت في قلوبهم.

 

يعود الدكتور سيفٌ إلى حُجرتِه قد مدَّتْ جناحيها في شارِع الستين، وارتفعتْ أدوارًا تَتسامَق، وزوجتُه تنتظره لتحتضنَه بعينيها، وهي تَمْسَح براحتيها ما علاَ ثوبَها مِن عملِ النهار الحار، وابنُه يُربِّتُ على كتفِه بضحكاتِه المتقطِّعة، وضميره يَفتْحُ له أبوابَ الحياة الحقيقيَّة، ورائحة النهار الأسود تُصفِّي حساباتِها هنالك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة