• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

دعاء جوف الليل (قصة قصيرة)

دعاء جوف الليل
محمود إبراهيم بدوي


تاريخ الإضافة: 3/11/2011 ميلادي - 6/12/1432 هجري

الزيارات: 28980

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دعاء جوف الليل

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب "الألوكة" الثانية)

 

تكدست الأوراقُ و(الدوسيهات) والملفات أمام عم أحمد، كما تكدست في رأسِه الأفكارُ تزاحمُ بعضها بعضًا، تكاد تقفزُ من مكانها، فيضع يدَه على رأسِه لتهدأ، ويتنفس نفَسًا عميقًا ممزوجًا برائحةِ القهوة التي اعتاد على شربِها كلَّما أصابه أرق أو جثمت على قلبِه الهموم، عم أحمد رجل خمري البشرة، على مشارفِ الخمسين، يعملُ في الصَّباحِ كاتبًا في مصلحةٍ حكومية، وفي المساء نجارًا، تلمحُ في يديه أثرَ الجروحِ التي خلَّفها قطعُ منشار أو انفلاتُ مسمار، وخشونة تستشعر ملمسَها كلَّما صافحته، يعولُ أربعَ بناتٍ وأمَّهن، ووالدته سيدةٌ مُسنَّة تسكنُ معه ليرعاها، وليس لها أبناء غيره.

 

بعد انتهاءِ العمل اعتاد على ركوبِ الأتوبيس مسافةً يقطعها في نصفِ ساعة للوصول إلى منزله، كم كان يعشق هذه نصف الساعة ليحرِّرَ بعضًا من أفكارِه! ويفضفض مع نفسِه عمَّا يجيشُ في صدرِه.

 

كم أحملُ همَّ هذه الزيارة، كلَّما زارتنا أخت زوجتي وزوجها الثري وأبناؤهم أتكبَّدُ ربع راتبي على الضيافةِ؛ حلوى، وعصائر، وأحيانًا (ساندويتشات) إن طالت الجلسة إلى العشاءِ، وجريرة هذه الزيارة قضاء باقي الشهرِ على الخبزِ والفول، وما يقهرني أكثر تلك الابنةُ المدللة التي لا تستريحُ إلا إن كادَتْ ابنتي سلمى.

 

ونحن الآن في الإجازةِ الصيفية، والمدينة كأنَّ كرةً من النار تلفُّها، وتلفظ حرارةَ جوفِها في البيوت والشوارع، وسؤال كلِّ عام سيتكرَّرُ، وككل عام لن أجدَ له إجابة.

 

عاد عم أحمد إلى منزلِه قاطعًا حبلَ أفكاره، وفي المساء حضرت أختُ زوجتِه وأسرتها، مرَّ الوقت سريعًا، ومرَّت الزيارةُ على خيرٍ، إلا من بعضِ المشاكسات بين سلمى وابنة خالتِها هيفاء، وما أن غادر الضيوفُ حتى هرعت سلمى إلى والدِها تسأله: يا أبي، متى نذهبُ إلى الشاطئ؟ هيفاء أخبرتني أنَّهم سيذهبون إلى الشَّاطئ بعد أسبوعين، وقالت في سخريةٍ: وأنتم طبعًا لن تذهبوا مثل كلِّ عام، احمرَّ وجهُ الوالد وانتفخت أوداجُه، ثم كظم غيظَه وقال: إن شاء الله سنذهبُ يا سلمى، الوقت تأخَّرَ الآن اذهبي إلى فراشِك، تحسَّر عم أحمد على قلةِ ذات يدِه، وعدم قدرته على تلبية رغبةِ ابنته، ولكنه كان يحمد اللهَ، ودومًا يردِّدُ: نحن أحسن من غيرِنا، بات من ليلتِه وقلبه يبكي، دعا ووافقتْ دعوتُه الثلثَ الأخير من الليل: "اللهمَّ إني أسألك الهدى والتُّقى والعفافَ والغِنى".

 

مرَّ أسبوعان، وفي صبيحةِ اليوم التالي استيقظ عم أحمد؛ ليمارسَ روتينَه اليومي الذي لم يتغير قرابةَ العشرين عامًا، وعلى غيرِ العادة رنَّ جرسُ الباب، تعجَّب عم أحمد قائلاً: من سيأتينا في هذا الوقتِ الباكر، فتح البابَ فوجد رجلاً يحملُ له خطابًا، وقَّع على استلامِ الرسالة وانصرف الرجل، جلس عم أحمد على أقربِ كرسي والهواجس تدورُ في خاطرِه؛ يتساءل في حيرةٍ: يا ترى ماذا تحملُ هذه الرسالة؟ تردَّدَ كثيرًا في فتحِ الرسالة؛ يخشى أن تطالعَ عينُه خبرًا سيئًا، أو مكروهًا حدث لبعض أقاربِه، أو فصلاً من وظيفتِه، ثم أخيرًا قطع الشَّكَّ باليقين وفتح الرسالة، تسمَّر عم أحمد أمام كلمات الرسالة، وألجمت المفاجأةُ فاه ولم ينبس ببنت شفة، مفاجأة لم تكن في الحسبانِ، ولم تخطر يومًا على بالِه.

 

أرهق الذاكرة ليعودَ إلى الوراء أربعين عامًا؛ كان حينها طفلاً في التاسعةِ من عمره، وعم أبيه في الخامسةِ والعشرين، عندما قرَّر الهجرةَ إلى إيطاليا ومكث فيها فترةً طويلة، علموا حينها أنه تزوَّجَ من امرأةٍ إيطالية أمٍّ لابنتين، اختارها لديها أطفال؛ لأنَّه كان لا يُنجب، ثم انقطعت أخبارُه إلى أن استلم عم أحمد هذه الرسالة، لتخبره بنبأ وفاتِه، وأنه ترك له وصيةً بثلثِ أملاكه، طوى الرسالة واختلطت في نفسِه المشاعر، لم يعلم حينها أيحزنُ على وفاةِ عمِّ أبيه، أم يفرح بتلك الثروةِ التي هبطت عليه من حيث لا يحتسبُ، أم يتعجَّبُ من طولِ فترة انقطاع عم أبيه عن التواصلِ معهم، ورغم ذلك لم ينس أرحامَه.

 

ترحَّم على عم أبيه ودعا له بالمغفرة، ثم استسلم لأفراحِه، مرَّت فترة استوعب فيها الخبر واستجمع هدوءه، ثم دوى صوتُه في المنزلِ ليوقظَ أهل بيته، نهضت البناتُ من فراشهنَّ، واستيقظت زوجتُه ووالدته، التفَّت الأسرةُ حوله يتساءلون ماذا حدث، انفرجت أساريرُ عم أحمد قائلاً: استعدوا لهذه المفاجأة، في هذه اللحظةِ وقبل أن ينطقَ رنَّ جرسُ التليفون، أسرعت سلمى لتردَّ على الهاتف:

 

- سلمى: اهدئي يا هيفاء، لا أستطيعُ أن أفهمَ كلماتِك من كثرةِ بكائك.

 

- هيفاء: لن نذهبَ إلى الشاطئ هذا العام يا سلمى.

 

- سلمى: لماذا لن تذهبوا إلى الشَّاطئِ هذا العام يا هيفاء؟

 

عم أحمد سمع الخبرَ وتعجَّب مردِّدًا: سبحان الله! سبحان الله!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- تذكرة
sidiya - Mauritania 28-02-2016 12:38 PM

قصة جميلة نرجو لك التوفيق وليس لنا إلا أن نقول لك قول الله عز وجل : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا )

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة