• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

ثمرة مرة (قصة قصيرة)

ثمرة مرة
نوف عائض الثبيتي


تاريخ الإضافة: 1/11/2011 ميلادي - 4/12/1432 هجري

الزيارات: 10246

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ثمرة مرة

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

دخلتُ من البابِ الخارجي بثقة، استوقفتني حارسةُ الأمن وفتَّشتْ حقيبتي، وأطالت النَّظرَ في هاتفي المحمول، ثم سألتني عن بطاقةِ الدعوة لتسمحَ لي بدخول القاعة، أبرزتُها ويدي ترتعشُ، ودمعةٌ تغالبُ كبريائي تودُّ السقوط، حزني الذي أحسن الالتصاقَ بجدرانِ حقيبتي بدأ يتسلَّلُ ويخترقُ المسام.

 

دفعتُ البابَ الكبير الآخر، أقدامي لم تطأ مكانًا كهذا منذ زمن، الوحشة تتأبطُ ذراعي وندخل معًا، استقبلتنا الزغاريدُ من آخر ممرٍّ طويل فيه الحسناواتُ يطوين العباءات ويُلقِين على الجمالِ نظرةَ اطمئنان، حسرتُ عن شعري وسحبتُه على عباءتي واكتفيتُ به، أريد أن تدركَ النساءُ وجهَ الشبه بيننا بعد أن أبعدتني إلى مكانٍ قصي ولَمَّا أنهي صرخةَ احتجاجي الأولى.

 

ولأنه صديقُ المسكر، ولأنها تزوَّجتْهُ رغم أنفِها، كان عليهما أن يفترقا وزواجهما لم يكمل سنتَه الأولى، ولأنَّ الخيبات لا تترك أحدًا فقد أنجبا ثمرةً مرَّة تقاذفاها، وهي ما زالت في أغلالِ الطهرِ مغمضةَ العين، اقتحمتُ القاعةَ بأقدامٍ ترتجف، سأراها لأولِ مرة؛ إنسانًا من لحمٍ ودم لا صورة مجعدة، لها خمس وعشرون سنة، أجلتُ نظري بين المقاعدِ الأمامية وبين المقاعدِ في آخر القاعةِ، والحيرةُ تغلِّف أفكاري، لو اتخذتُ مكانًا قريبًا من البابِ لأصابني الصممُ من إزعاجِ هذه المغنِّية ذات الصوت الحاد، ولو جلستُ في آخر المكان فلن أدرك تفاصيلَ حنانها وخطوطِ آمالها وعطر أمومتها، دفعتني امرأةٌ من الخلفِ وأمرتني بالابتعادِ عن الباب، تكتَّل الحزن واعتضد حقدي الذي اندفع من جحيمِ أعماقي الموجوعة، وأسرعا بي إلى آخر المكان، لم أعتدِ المقاعدَ الأمامية، وهل يعتادها المنبوذون أمثالي؟! وجدتُ طاولةً قصيَّة في الزاوية، كان الغبارُ يستريحُ على وجهِها الزجاجي، كل طاولة تختالُ بمفرشِها الذهبي وسلَّة الورد التي تتوسطُها، ما عدا طاولتي التي لجأتُ إليها أو لجأتْ إلي، دائمًا تتجاذبُ الأشياء المتشابهة، حتى تلك التي لا قيمةَ لها تبحث عن شبيهٍ تتكئ عليه أو يستند عليها، لو كانت لي قيمةٌ لما تقاذفاني ثم تركاني لعجوزٍ من العائلةِ تتولى تربيتي، عجوزٍ ناقمة أرهقها إدمانُ ابنها الذي ابتُليَ بي، فأرادتْ أن تربيني بدلاً عنه، شكرًا لها فقد علَّمتني أنَّ حكمةً تقول: (ما أعزُّ من الولدِ إلا ولد الولد)، ليست صائبةً دائمًا.

 

لم يكن لطاولتي كرسيٌّ مثل بقيَّة الطاولات، كانت وحيدة تنتصبُ في الزاويةِ يطويها الصمتُ وتربت الخيبةُ على أيامِها، ابتسمتُ لها وجلبتُ كرسيًّا أنيقًا له غطاءٌ زهري مذهب من أقرب طاولة، مسحتُ وجهَها ووضعتُ حقيبتي وعيني تبحثُ عنها، هل سأعرفُك من بين النِّساء؟ ولِمَ لا أعرفُكِ وخلايا جسدي منكِ، ومن ذاك الذي قضى نحبَه مدعوسًا بعد فراقِك بسنواتٍ خمس؟ لم يعزِّني فيه أحد، كان ظلاًّ أسند إليه ضعفي، فأشرقَ الموتُ وطواه تحت جناحِه بقسوة، وبقيتُ أبحثُ عنكِ.

 

أنتِ التي رحلتِ لتكبري مع رجلٍ آخر، وتنجبي غيري وتدورُ لكِ الدنيا، فيبزغ نجمُكِ كامرأةٍ عظيمة خلف رجلٍ عظيم، وأنا أندحرُ بحزني وحقدي في شقٍّ ضيقٍ من جدارِ حياتك الصَّلد، شق كوَّنته لنفسي ولم تشعري به.

 

أخرجتُ صورتَك التي أحفظُ تفاصيلَها أكثر من تفاصيلِ وجهي، وجعلتُ أُراقبُ النِّساء، أبحثُ عن "أم العروس"؛ سيدة الحفل، لم يكن في أجمل أحلامي حلمٌ يجعلني ألتقي بكِ في ليلةِ زفاف ابنتكِ الكبيرة، ابنتكِ التي اتفقتْ أقدارُنا أن نخرجَ من ذاتِ الرَّحمِ، وأبت أن ننتسبَ لذاتِ الأب، الفتياتُ والأمهات ينطلقنَ إلى حلبةِ الرقص، أتُراكِ الآن بين الراقصات؟ وهل بناتُكِ اللاتي لا أعرفُهنَّ يرقصنَ أيضًا؟ صديقتي التي أحضرت بطاقةَ الدعوة تعرفُكِ من بعيد، وقريبتُها صديقةٌ لابنتكِ الصغيرة، ابنتكِ - أو أختي - التي أحضَرَتني إلى هنا دون أن تدري، وها أنا سأراكِ وسأكذِّبُ ظني الذي صوَّر لقاءَك سرابًا بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء، لم أفكِّر عندما أراكِ، هل سأرتمي في أحضانكِ؟ أم أكتفي بمصافحتكِ وتهنئتكِ مثل بقيةِ المدعوَّات؟ أتعرفين أيتها المرأة؟ حقدي يولِّد لديَّ رغبةً مجنونة في احتقاركِ أمام النِّساء، أريدُ أن أُكفِّر عن ذنبِ طردِكِ لي بازدرائكِ أمام الجميع، لتقولَ النِّساءُ: إنِّي موردُ العقوق ومصدرهُ، وعندما يعود إليهنَّ رشدُهنَّ سيعرفن أنكِ ذبحتِ ابنتكِ ولم تحسني الذَّبح!

 

الصخبُ يصيبني بالغضب، ويزيدُ حقدي اشتعالاً، وكم أكرهُ أن أتعرَّى أمام النَّاسِ ليظهرَ ضعفي وحقدي وهزائمي المتراكمة كلما حاولتُ شطبكِ من حياتي، لقد محوتِ وجهي وتاريخَ ميلادي من مفكرتِكِ، ولم تتكبدي يومًا عناءَ السُّؤالِ عن شيء سقط منكِ عن عمد، لم تسألي عنِّي، فلماذا عنكِ أسألُ ومن أجلكِ أحاربُ الظُّروف، لأراكِ فقط فتهربين دائمًا وتودِّين أنَّ بيني وبينكِ أمدًا بعيدًا؟


خفتت الإضاءةُ وانطلقت الزغاريدُ تعربدُ في الأسماعِ، وتصفع أذني التي اعتادت السُّكون، ومن بعيدٍ دخلتْ امرأةٌ تحفُّها الزغاريد وتزفها البسمات، وتُرشُّ تحت أقدامِها أنضرُ الورود وأعطرها، وعلى جسرٍ صغيرٍ يمتد من ذاك البابِ الذي ابتهج بعبورِها عتبتَه إلى حلبةِ الرقص - أخذت تلك المرأةُ تمشي الهوينى شامخة الجبين، وانبرى الصوتُ الحاد يغني: "وإنتِ يا أم العروسة الله يتمم هَناك، الليلة ليلة سعيدة"، ودارت بي الدنيا، والكلماتُ تعيدني إلى الصورةِ التي ترجفُ بين أصابعي، هذه التي تخطرُ أمامي وتصلُ إلى حلبةِ الرقص وتقف بين تلك النِّساء اللاتي كُنَّ في استقبالها، وكأنها تتواضعُ من عليائها وتشرفهنَّ بأن تتوسطهنَّ، وهي المميزة التي لا تقفُ في أي مكانٍ، ولا تجالس أيَّ أحد.

 

ثم دخلت بين الرَّاقصاتِ وتمايلتْ فكانت متفردةً في رقصها مثلما تفرَّدت في التخلِّي عن قطعةٍ منها، فتخاذلت الراقصاتُ من حولها وانسحبن متتاليات لتبقى وحدها؛ ترقصُ سعادةً، وتجرجرُ ذيلَها الذي كشط عن جراحي جلدها الشفاف، ففغرت أفواهها وصاحت كنازعٍ تنغرسُ الحرابُ في قلبِه، وتجر والموت مناه ولا يموت، طفرت دموعي وأجلت عن قلبي سوادَ الحقدِ الذي غرز أوتادَهُ فيه منذ زمن، وهتفتُ: (أمي) ونحوها سعيتُ على وجهي وحزني وجراحي الخضراء، وما إنْ وصلتُ حتى توقفتِ المغنيةُ وتلفتتْ أمي تُحيي النِّساءَ بنصفِ ابتسامة، وتعودُ إلى ذاتِ الجسر تقطعه على مهل، لم أحتمل تجاهلَها لدموعي والاحتقار الذي ألبستني ثوبَه الشائك، فاندفعتُ إلى المغنيةِ أخطفُ منها مكبِّرَ الصوت وأناديها: (أمي)، وأجابني الصَّخرُ لو أجابت، وطلعت الشمس في الليل البهيم لو التفتت، ولكن، هيهات، وهل أنا سوى ماضٍ بغيض لا تكادُ تذكره حتى تنكره؟ وما لي أحاول أن أقلبَ البحر عذبًا، والصخرَ طينًا، وأقسو على قلبٍ لم يُكتب لي دخوله؟ تحاملت على نفسي، وانسحبتُ أكفكف دمعي، وأحنو على بعضي، سأعيشُ بدونها مثلما عاشتْ بدوني.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
8- أشكرك
نوف - السعودية 10-11-2012 09:34 PM

شكرا لك أخي الكريم جزاك الله خيرا.

7- وصف صافي
pinkroses - قطر 10-11-2012 10:24 AM

أعجبتني القصة والوصف بديع بكل معنى الكلمة
جزاك الله خيرا وإلى الأمام دائما

6- جزيل الشكر لكم
نوف - السعودية 14-08-2012 09:15 PM

أشكرك أخي سليمان على تعليقك، جزاك الله خيرا.
و شكرا لجمال تعليقك أختي شذى،
حاولتُ أن أرسم التفاؤل في نهاية القصة لكنه أبى!
سأخبركِ بشيء، هذه القصة شبه واقعية مع بعض التعديل، و الوضع في الواقع محزن جدا، فأحببتُ أن اكتبهُ كما هو.
جزاكِ الله خيرا شذى.

5- رائعة مع ماتحمله من حزن
شذى صالح عثمان - المملكة العربية السعودية 14-08-2012 06:16 AM

المباركة نوف
مبارك لك المركز الثاني وكنتِ أهلاً له =)
تستحقينه بجدارة ..

سرني جمال قصتك
ودقة وصفك حتى شعرت بما شعرت به بطلة قصتك

أحسنت الاختيار والسرد كما تمنيت لو أنك جعلتني لها نهاية أجمل
لتملأ بالتفائل والأمل مثيلات بطلة قصتك ممن عشن ذات الألم
لعل قلب مكلوم يبرى جرحه ويعلم أن الله ألطف ولن يتخلى عن عبد التجأ له

4- شكراً لكم
سليمان - السعودية 14-05-2012 12:27 AM

ما شاء الله تبارك الله

قصة جميلة وتستاهل أنها تفوز بالمسابقة


أشكركم ومزيداً من التقدم

3- شكرا لكم
نوف - السعودية 22-04-2012 12:25 AM

أشكرك جزيل الشكر أستاذي ناقد
و لك الشكر أستاذتي إيمان.
أجزل الله لكما المثوبة

2- بوركت
إيمان شراب - السعودية 21-04-2012 05:59 PM

قصة جميلة وراقية يا نوف .. فتح الله لك

1- نحتاج إلى مثل هذه الأقلام
ناقد 01-11-2011 04:11 PM

نوف عائض الثبيتي!
اسم جديد وقلم ماهر ومتمكن في عالم القصة الإسلامية
نتمنى لك الاستمرر وأن نقرأ لك المزيد

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة