• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

ما رأيته... (قصة قصيرة)

ما رأيته...
جمال حمزة عثمان


تاريخ الإضافة: 1/11/2011 ميلادي - 4/12/1432 هجري

الزيارات: 8061

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ما رأيته

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية )

 

أتذكَّر الآن هذا اليوم جيِّدًا، كأن لَم تَمض عليه سنوات فاتَني عدُّها.

 

ما زال نفس الشعور يكتنفني كلما حطَّت على رُوحي الوعرة ذِكراه، تلك الرجفة التي اختبرتُها للمرة الأولى، والتي عرَفتُ بها معنى كلمة الخوف، ما زالت تتملَّكني كأنني ما زِلت ذلك الطفل المذعور، أو أنَّ نموِّي الوجداني قد توقَّف عند ذلك اليوم.

 

كانت جارتنا الشابة المتزوِّجة حديثًا آنذاك صديقةً لأمي، وكانت بحكم هذه الصداقة وتلك الجيرة تُرسلني في بعض الأحيان لأشتري لها ما تحتاجه من أشياء.

 

في ذلك اليوم المشؤوم استدْعَتني إلى شَقَّتها، فظَنَنت أنها تحتاجني لأبْتاع لها شيئًا، لكن النظرة التي استقْبَلَتني بها كانت تَنمُّ عن شأنٍ آخر.

 

ابتسامتها الثقيلة المتودِّدة - التي حاوَلت إخفاء ما بدا بوجهها من الوجوم والحرَج والتوجُّس - كانت تعني أنَّ وراء الدعوة أمرًا جللاً.

 

قالت لي بكلماتٍ مرتبكةٍ غير مرتبة: إنها وزوجها بحاجة لمساعدتي، وأنَّ أخاها الصغير (أحمد) - الذي (كان) في مثل سني، أقول: "كان"؛ لأنه لَم يَعُد على قيد الحياة - قد فَشِل في مساعدتهم.

 

بالطبع لَم أفهم ما تريده، لكنني أبْدَيت عدم مُمانعتي في فِعْل ما لَم أعرفه بعدُ.

 

استطردَت بأنَّ سيارة زوجها قد سُرِقت، وأنهما بحثا عنها بكلِّ السُّبل بلا جَدْوى، فزادَت حَيْرتي: ماذا تريد هذه المرأة؟ وكيف يمكن لصبي مثلي آنذاك مساعدتهما في العثور على سيارتهما؟!

 

أدْخَلتني إلى غرفةٍ أخرى؛ حيث كان زوجها جالسًا مع رجلٍ غريب الهيئة، يرتدي جلبابًا وغطاءَ رأسٍ يُشبه الطُّرطور القصير، حقيقةً كان أشبه بالأراجوز أو بالفنان (محمود شكوكو)، بيد أنه قصير القامة.

 

تردَّدت عبارة: "لا تَخف" على أكثر من لسانٍ، فشَعرت بالخوف.

 

قال لي الرجل الغريب بأنهم سيفتحون (المندل) بواسطتي، وأنَّ كلَّ ما هو مطلوبٌ مني أن أسترخي وأُخبره بما سأرى، هنا سألت للمرة الأولى: ما دام الأمر بهذه البساطة، فكيف فَشِل (أحمد) فيه؟ فأجابَت المرأة بأنه لَم يرَ شيئًا، وأضافَت وهي تُشير إلى رأسها إشارةً ذات مغزًى:

 

- "ما أنت عارفه".

 

أخرَج الرجل الذي يخاطبونه بلقب الشيخ من حقيبته بخورًا، وبدأ في إشعاله، وأمر بغَلْق الستائر؛ حتى تحول النهار إلى ظُلمةٍ، وأحضر قلمًا غريب الشكل، وأمسك يدي، وبدأ يَصبغ إبهامي بالحبر وهو يُتمتم بعباراتٍ غير مفهومة، ويُلقي ببعض القصاصات؛ لتَحترق مع البخور، وطلَب مني أن أُخبره إذا رأيت شيئًا، ودقَّقت في إصبعي المصبوغ، فلم أرَ أيَّ شيء.

 

بعد ذلك قال لي: إنني سأرى اثني عشر (واحدًا)، فإذا رأيتهم أخبرَته على الفور.

 

اعتراني خوفٌ بالغٌ، ليس من الطقوس الشاذة أو التجربة التي لَم أُدرك كُنهها - كان هناك جوٌّ لا يبعث على الراحة، ولكنه لَم يُثر رعبي - ولا ممن يُفترض أن أراهم، فقد كنت أظن بعقلي الطفولي أنني سأرى شخوصًا عاديين، وأنَّ الاثني عشر المقصودين هم اللصوص سارقي السيارة؛ كالأربعين حراميًّا أصحاب المغارة؛ إنما كان خوفي ألاَّ أرى ما ينبغي أن أراه، فتستمر التجربة إلى أجَلٍ لا أعلمه، أو يُعلَن فشلي كمَن سبَقني، كنت أريد بشدَّة أنَّ أرى وحاوَلت تخيُّل أيِّ شيءٍ في إبهامي الذي ظلَّ الرجل يُعيد صَبْغَه بالحبر مرارًا؛ حتى صار لامعًا كالمرآة.

 

بعد قليل خُيِّل إليّ أنني رأيتُ شيئًا يتشكَّل في لمعان الحبر، فأخْبَرت الشيخ، فتهلَّل وجهه المُكْفَهر للمرة الأولى، وطالَبَني بمواصلة التحديق.

 

قلت له: إنني أرى ما يبدو كأنه شخوصٌ كثيرون، لكنني لا أعرف عددَهم تحديدًا، سألني عن واحدٍ بعينه بصفاتٍ له، فقلت: إنه موجودٌ، ولكنه غير واضحٍ.

 

هنالك بدأ يردِّد عباراتٍ أخرى، وفي النهاية قال لي: فَكِّر في السيارة، وقال: إنه - ذلك الذي أراه - سيُريها لي، فَكَّرت في السيارة بالفعل، وقلت له بعد حين: إنني أراها أمامي الآن، سألني عن المكان الذي توجد فيه: هل هو شارعٌ هادئ؟ هل هو قريبٌ من البحر؟ هل توجد به أشجارٌ؟ هل المنطقة تُشبه حيَّ العجمي؟ وأسئلة أخرى مماثلة.

 

وقد أجَبت بالإيجاب غالبًا، في النهاية ردَّد بعضًا من عباراته المُبهمة، ونظَر لي برضًا، فعرَفت أن التجربة قد انْتَهَت بسلام.

 

بعد ذلك شكروني جميعًا، وكنت في حالةٍ من الوجوم وعدم التصديق لِمَا جرى، كأن على رأسي الطَّيْر، وعُدت إلى شقَّتنا شاعرًا بالخَواء، وحينما سألتني أمي عن سبب كلِّ هذا التأخير، أخبرتُها بما جرى وأنا لَم أتمالك نفسي بعدُ.

 

أتذكَّر أنَّ أمي غَضِبت غضبًا شديدًا، وأنَّ جارتنا استرضَتْها بكافة السُّبل، وأقْسَمَت لها مرارًا أنها لولا ثقتها أنَّ الأمر ليس به من ضررٍ عليّ، لَمَا فعَلته، ولَما جرَّبته على أخيها قبلاً.

 

أتذكَّر أيضًا أنَّ أمي لَم تُخبر أبي أو أحدًا من إخوتي، بل ولَم تُحَدِّثني عن هذا الأمر ثانيةً، وكأنه لَم يكن أبدًا.

 

لكنَّ الشخص الوحيد الذي اهتمَّ بسؤالي عن الأمر، كان جارنا صاحب السيارة الضائعة، بعدها بأيامٍ طلب أن يتحدَّث معي، وسألني عمَّا رأيتُ، فتملَّصْتُ منه، وحاوَلت أنَّ أقول له: إنني لا أتذكَّر تحديدًا، لكنه كان لَحُوحًا، وسألني عما إذا كان من بين مَن رأيتهم مَن نصفه من الثلج ونصفه من النار، فلم أُجبه بالنفي ولا بالإيجاب، فقال: إنه قرأ أو سَمِع عن واحدٍ من الجن على هذه الهيئة، ولكن لا أحد يعرف أي النصفين يعلو الآخر، فلو أن نصفه العُلوي من الثلج، لذاب أو العكس، لانطفأت النار!

 

هنالك عرَفت وسط فرحته وزوجته أنهم وجدوا السيارة في العجمي، وفي مكانٍ يُشبه الذي ذكَرته لهم إلى حدٍّ كبير، كنت مذهولاً وغير مُصدِّقٍ.

 

فالحقيقة التي لَم أُخبر بها أحدًا من قبل أنني لَم أرَ شيئًا على الإطلاق، وأنَّ ما قرَّرت فِعْله آنذاك، هو أن أكْذِب؛ حتى أخرجَ من ذلك المأزق العسير، وقد كَذَبت - بدافع الخوف - مُستغلاًّ أقصى ما لدى الأطفال من موهبةٍ في الكذب!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- جميل
ولاء أنور - الأردن 01-11-2011 10:13 PM

جميل جدا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة