• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا


علامة باركود

المشي في الذاكرة

المشي في الذاكرة
محمد إبراهيم عبدالرحمن قشقوش


تاريخ الإضافة: 31/10/2011 ميلادي - 4/12/1432 هجري

الزيارات: 4603

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كان يمشي بين السياراتِ مجتازًا شوارع بلدته الصغيرة، يده على جيبِه حيث وضع تلك الصورةَ القديمة التي تثنت أطرافها في الجيبِ الداخلي لبدلته، ينظر في السَّاعة، الوقت ما زال الحادية عشرة صباحًا، والموعد لم يأت بعد، يتذكَّرُ أنَّ الموعدَ المنتظر في الساعةِ الخامسة تمامًا، يجوب شوارعَ البلدة حتى تنقضي مدة الست الساعات المتبقية، يحاولُ أن يشغلَ ذهنَه بالتفكير في شيء آخر؛ حتى يمر الوقتُ سريعًا، يصبِّر نفسَه بمتابعة أسماء الشوارع التي يتجوَّلُ بها، والمحلات، والمقاهي التي يمرُّ من أمامِها والتي يجلس عليها، يسيرُ في شارع طلعت حرب يقتربُ من تقاطعه مع شارعِ الجلاء البحري، يتخذ اتجاه اليمين حيث شارع الجلاء، يتابع محلاتِ الملابس والأحذية والبقَّالين المتراصة على جانبي الشارع، يكتشفُ أنه مرَّ عليها أكثر من مرة منذ الصباحِ الباكر، يبرِّرُ ذلك بأن البلدة صغيرة، لا يكف عن التحركِ هنا وهناك من يمينِ البلدة إلى برها الغربي عبر فرع النيل الصغير، وبين أحيائها القبلية الجنوبية وأحيائها الشَّمالية؛ محاولاً شغل ذلك الحيز الكبير في الوقتِ وحتى يحين موعد الرؤية المنتظر، يستعجبُ من ذلك القانون الذي يملِّك الأطفالَ لأحد الطرفين دون الطرفِ الآخر؛ كأنهم شقة أو مال مُستحق، يبدو كنوعٍ من العقابِ غير المعلن عنه، غير أنه عقابٌ للرجالِ فقط دون النساء، كأنها دولةٌ للنساء قد استضافوا فيها الرِّجال، ولكن اليوم سوف يراه في الخامسةِ مساء، ما زال ينتظر الموعدَ بينما الوقت يتحرَّكُ وئيدًا سمجًا، وما زال يمشي في شارعِ الجلاء مارًّا أمام محل (صيدناوي) وسط البلدة ومركز الشرطة والمحكمة ومبنى المحافظة، يمرُّ أمامها كل قليل مرتديًا نظارتَه الشمسية، وواضعًا الجريدة أعلى جبهتِه؛ لتحجبَ عنه أشعةَ الشمس، يخترق أولَ شارعٍ جانبي يقابله؛ ليحتمي داخله من قيظ الظهيرة، يجلسُ على مقهى (الغلبان) ذات الكراسي الخشبية الأثرية الطابع بطاولاتها الرُّخامية تحت شجرة (البونسيانا)، يطلبُ فنجانًا من القهوة المحوّجة بالحبَّهان، يرتشفها برفقٍ بينما يتأمَّلُ سيلَ السيارات المتجهة يمينًا ويسارًا، يشغل نفسَه بمتابعة لافتات الأطباء المعلَّقة على شرفاتِ العمارات المحيطة بالمقهى، يُخرجُ من جيبِ (الجاكت) الداخلي تلك الصورة التي تآكلتْ من كثرةِ تداولها، ظهر فيها حاملاً طفلاً صغيرًا قد ضمَّه لصدرِه؛ تتدلى أرجله بعفويةٍ من فوق ذراعيه، ابتسامة بريئة ارتسمت على وجهِه، ضحكات ذات صدًى جميل لطفلِه تدوي في ذاكرته، تتشكَّلُ مجسمة أمامه مع حركةِ طفله ذهابًا وإيابًا في فناء البيت، ومن غرفةٍ إلى أخرى فوق الدراجةِ ثلاثية العجلات الخضراء اللون، يسمع صوتَه يقهقه من الفرحة، يسقط أخيرًا في حضنِه، يلاعبه بالكرةِ على الأرضيةِ المبلطة للسطح، تدوي الكرةُ في عقلِه على هيئة طرقاتٍ معدنية مدوية، يشعرُ بالصداع، تقفز الكرةُ من فوق السور نحو الأسطحِ المجاورة، يجهش الطِّفلُ بالبكاء، ينشغل بالدراجةِ وينسى الكرة، يدور حول نفسِه، لا يكل، يصيحُ مرةً أخرى من الفرحة، يندفع نحوه يريد أن يصدمَه مازحًا بدراجته، يحاول الإمساكَ به، يتبخر من أمامِه كدخانِ النرجيلة المتصاعد من أركانِ المقهى، يرتفع صوتُ (كلاكسات) السيارات، ينتبه على أثرِه، يرتشف ما تبقى في الفنجانِ أمامه، الوقت المتبقي على الموعد يشعر به ثقيلاً أكثر من السنوات التي مرَّتْ منذ آخر مرة رأى فيها ابنَه، تتوه عن ذاكرته صورته، يعود وينظر للصورةِ مرة أخرى، الوقت يمر، نسمات باردة تلفحه، الشارع بحري تجتازه دائمًا الرياح القادمة من جهةِ النيل مندفعة بين العماراتِ العالية، والمقهى لا تطوله الشمس إلا إلى الساعة الحادية عشرة صباحًا، أريج خضرة يتخبطها الهواء تعبق أنفه، وأوراق أشجار (البنسيانا) تهتزُّ بقوة، ينظر لساعتِه الرقمية كورية الصنع، الوقت اقترب، يحرِّكُ كرسيه محاسبًا (القهوجي) على عددٍ غير قليل من فناجين القهوة التي تناولَها منذ الصباح.

 

يسلك طريقًا تعامديًّا نحو فرع النيل؛ حيث المكان الذي يقصده، يصفح الهواء وجهه بقوة، يصلُ لناصيةِ شارعٍ تقاطعي كبير، متخطيًا مجلسَ المدينة ومبنى الإطفاء؛ متفحصًا بعينيه الأبنيةَ العتيقة ذات الأسقف المرتفعة بأبواب شرفاتها الطويلة، يتخطى الطريقَ نحو إشارةِ مرورٍ أخرى في تقاطع جديد، ينعطف يمينًا عابرًا الشارعَ جهة حديقةِ الطفل في مواجهته، يدفع ثمنَ تذكرة الحديقة، يختارُ كرسيًّا قريبًا من الألعابِ حتى يكون ابنه على مقربةٍ منه بينما يلعب، يتأمَّلُ أطفالاً يلعبون الكرة، وآخرين على (الزُّحليقة)، وغيرهم يهرولون وراء بعضهم البعض، يتابع بابَ الحديقة بفضولٍ منتظرًا دخولَ ابنه في أي لحظة، ينتظره، لا يديرُ عينيه عن البابِ أو السور الحديدي الذي يكشفُ طريق السيارات خارجه، لم يأتِ بعدُ والوقتُ يمر، ينتهي الوقتُ المخصَّصُ للرؤية، يوقِّع الورقة التي تثبتُ حضورَه وعدم حضور طفله، يوقعها كلَّ أسبوع، يتذكر أنه يأتي دائمًا في الوقتِ المخصَّص للرؤية، ولكنه لم يصادف مرة أن رأى ابنَه، يحصل على أوراقٍ قانونية لا تنفعُه في شيء، يضيفها إلى ذلك الملف الذي امتلأ بأوراقِ الرؤية وصور المحاضر وأحكام القضايا، يخرجُ من الحديقةِ شاردًا متخطيًا سيلَ السيارات متجهًا نحو بيته، ممنِّيًا نفسَه بأن يحدثَ اللقاءُ مع ابنه في الأسبوع القادم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة