• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

استثمار الأسلوب العدولي (6/ 11)

استثمار الأسلوب العدولي (6/11)
د. عيد محمد شبايك


تاريخ الإضافة: 3/10/2011 ميلادي - 5/11/1432 هجري

الزيارات: 7720

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

استكمالاً لِما عرضناه في الحلقة السابقة حول بعض أنماط العدول في القرآن الكريم وصوره.. نقول:

 

ثانيًا: العدول في الصيغة:

من بلاغة العدول: المغايرةُ في الصيغة، بمعنى العدول إلى صيغة معيَّنة في سياق معيَّن، وإيثارها على غيرها في هذا الموضع.

 

ومن شواهد ذلك: قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]، فالحياة والحيوان بمعنى واحد؛ إذ إنَّ كلاًّ منهما هي مصدر للفعل "حيّ" غير أنَّ في الثانية من المبالغة في أداء هذا المعنى ما ليس في الأولى، ومَردُّ ذلك - كما يقرِّر بعض المفسِّرين - هو "ما في بناء فعَلان - بفتح العين - من معنى الحركة والاضطراب، كالنَّزَوان والنغَصان واللهَبان، وما أشبه ذلك، والحياة حركة، كما أنَّ الموت سكون، فمجيئُه على بناء دالٍّ على معنى الحركة مبالغةٌ في معنى الحياة، ولذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع المقتضِي للمبالغة"[1].

 

إذًا في العدول إلى صيغة الحيوان مع الدار الآخرة مبالغةٌ في تحقق معنى الحياة في تلك الدار، والإشعار بأنَّها هي الجديرة بأن تُسمَّى حياة.

 

ولكنَّ أمورًا أخرى من المعاني حفلتْ بها الآية الكريمة تدعم هذا العدول، وتعمِّق دلالته على سموِّ الحياة الأخروية بالقياس إلى الحياة الأولى، فمنها:

 

أ- بينما بولغ في استعمال معاني اللهو واللعب للحياة الأولى بأسلوب القَصْر "ما - إلا"، بُولِغ في المقابل في إثبات معنى الحياة للدار الآخرة بـ "إن، واللام، وتعريف طرفي جملة الخبر "لهي الحيوان".

 

ب- بينما وردتْ صيغة "الحياة" مقيَّدة بالوصف "الدنيا"، وردت صيغة "الحيوان" مطلقةً بلا وصف، وذلك للإشعار بأنَّ الحياة الأخروية في تساميها أبعدُ من أن يحيطَ بها وصف.

 

جـ- بينما وقعت صيغة "الحياة" مبتدأً أخبر عنه باللهو واللعب، وقعتْ صيغة "الحيوان" في جملة الإخبار عن الدار الآخرة، فكأنَّ هذه الدار ليستْ مجرَّد وعاء أو مسرح للحياة الأخروية؛ بل إنها ذاتها حياة[2].

 

ومن شواهد العدول في الصيغة أيضًا، قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [النساء: 142].

 

حيث جاء العدول عن صيغة المضارع "يخادعون" إلى صيغة اسم الفاعل "خادعهم" مؤديًا دَورَه في تبكيت هؤلاء المنافقين، الذين تُسوِّل لهم نفوسُهم الملتاثة بمرض النفاق أنَّ ظاهرهم الإيماني الزائف قد آتى ثمارَه في خِداع المؤمنين، وأنَّ كفرهم في مأمن من الافتضاح، غافلين عن أنَّ الخالق - عزَّ وجلَّ - عليم ببواطنهم، وأنه - سبحانه - إذا كان قد أمر المؤمنين بعصمة دمائهم، فإنه بذلك يُملي لهم، ويمدُّهم في طغيانهم يعمهون.

 

ولعلنا نلاحظ أنَّ العدول عن صيغة المضارع إلى صيغة اسم الفاعل قد واكبه - متآزرًا معه في دلالته - عدولٌ آخر، يتمثَّل في صياغة اسم الفاعل من الثلاثي (خَدَعَ)، لا من الرباعي الدال على المفاعلة، والذي يقتضيه ظاهر السياق لمجيء المضارع منه (خادَع) بفتح الدال، وفي هذا دلالةٌ على أنَّ هؤلاء المنافقين الذين يمعنون في محاولات الخداع، هم - لو عقلوا - المخدوعون؛ أي: إنَّ الآية الكريمة بهذا العدول الأخير تدلُّ على ذلك المعنى الذي أكدتْه آيةٌ أخرى في شأن هؤلاء المنافقين[3]، وهي قوله - سبحانه -: ﴿ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 9].

 

ومما يتَّصل بالعدول في الصيغة إيثارُ بعض أوصاف المبالغة على بعض، نحو قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5]، يرى بعضُ المفسِّرين أنَّ الوصف "عُجاب" عُدل إليه، وأوثر على "عجيب" لأجْل الفاصلة[4].

 

ونقول: هَبْ أنهم محقُّون في ذلك، لكن ليس من الإنصاف للبيان الأعلى، والكلام المعجز أن يلتفت إلى النسق اللفظي دون الالْتفات إلى الملْحَظ البياني الذي يقتضيه المعنى، وحينما نستعرِض السياق الذي وردتْ فيه الآية الكريمة ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾[ص: 4، 5].

 

فالكافرون أَلِفوا تعدُّد الآلهة وحياة الهمجية، فلما جاءهم محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدْعوهم إلى عبادة إله واحدٍ أَحَد، وترْك عبادة الأصنام التي ألِفُوها، ووجدوا آباءهم يعبدونها، فكان هذا بالنسبة لهم شيئًا عجيبًا أشدَّ العجب؛ بل شيئًا بليغًا في العجب؛ "أي: مبالغة في العجب، فإن "فُعالاً" بناء مبالغة، كرجل طُوال وسُراع، ووجه تعجُّبهم أنه خلاف ما ألْفَوا عليه آباءهم الذين أجمعوا على تعدد الآلهة، وواظبوا على عبادتها، وقد كان مدارهم في كل ما يأتون ويذرون التقليد، فيَعدُّون خلاف ما اعتادوه عجبًا، بل محالاً"[5].

 

قال صاحب "العين": " بين العَجيب والعُجاب فرق، أما العجيب: فالعجب يكون مثله، وأما العُجاب: فالذي تجاوز حدَّ العجب، واستدلَّ بقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5][6].

 

جاء في "البرهان" قول المعري في "اللامع العزيزي"[7] "فعيل" إذا أريد به المبالغةُ نقل به إلى "فعَال"، وإذا أُريد به الزيادة شدَّدوا، فقالوا: "فعّال"، ذلك من عجيب وعُجَاب وعُجَّاب، وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي: "إن هذا لشيء عُجَّاب" بالتشديد[8].

 

جاء في سورة "ق" قوله - تعالى -: ﴿ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [ق: 2]، فمناط العجب هنا كونُ الرسول منهم، وكونه بشرًا مثلهم، يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، وقد كانوا يظنُّون أن يكون الرسول مَلَكًا.

 

وجاء في سورة "ص" قوله - تعالى -: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5]، عدولٌ من صيغة "فعيل" إلى صيغة "فعَال" للدلالة على شدَّة التعجُّب؛ لأنَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - أتاهم بغير ما ألِفُوه واعتادوه، فكانتْ نسبة العجب أشدّ.

 

وجاء في سورة "نوح": ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ﴾ [نوح: 22] في "كبارا" بالتشديد "فعال" عدل إليها؛ لإفادة شدة المكر.

 

قال الراغب: "والكبَار" أبلغ من "الكبير"، و"الكُبَّار" أبلغ من ذلك[9].

 

واستدلَّ بقوله - تعالى -: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ﴾ ، وبمثل ذلك قال الزمخشري[10].

 

إذًا فليس العدولُ عن صيغة إلى أخرى - في البيان المعجِز - سببُه مراعاة الفاصلة فحسبُ؛ وإنما حسبما يتطلَّب المعنى من الدلالة على العجب، ودرجة شدَّته.

 

ومن أنماط العدول في الصيغة، وقوع "مفعول" موقع "فاعل"، نحو قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [الإسراء: 45]؛ أي ساترًا، وقوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾ [مريم: 61]؛ أي: آتيًا.

 

جاءتْ آية الإسراء في سِياق آيات رويُّ فواصلها راءٌ مسبوقة بحرف "مد"، والحجاب يكون ساترًا لا مستورًا، فكان أن يُقال "ساترًا"، وهذا ما جعل بعضَ المفسرين يرى أنَّ وقوع "مفعول" موقع "فاعل" من أجْل مراعاة رؤوس الآي، وهذا ملحظ شكلي؛ وإنما الداعي إلى ذلك هو المبالغةُ في قوة المعنى وتأكيده، وأنَّ الحجاب الذي جعل بين الكافرين وبين الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما يتلوه من آيات بيِّنات - لعدم انتفاعهم بها، وشدَّة نفورهم عنها - كاد يكون لقوَّة سترِه مستورًا؛ أي: إنَّ أثره تعدَّى موضعه، حتى شمل الحجابَ نفسه، ففي التعبير تخييلٌ، على حدِّ قول الشاعر:

 

..............
وَلَكِنْ لِشِعْرِي فِيكَ مِنْ نَفْسِهِ شِعْرُ

 

ففي العبارة مجازٌ عقلي[11]، وكذلك يقال في قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾ [مريم: 61]، ففي هذا العدول مبالغةٌ في قوَّة المعنى وتأكيده أنَّ وعد الله آتٍ لا محالة.

 

ومن أنماط العدول في الصيغة أيضًا، وقوع "فاعل" موقع "مفعول"، نحو: ﴿ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 21]، و﴿ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾ [الطارق: 6].

 

قال أبو عبيدة: "عيشة راضية" مجاز مرْضِيَّة، فخرج مخرجَ لفظ صفتِها، والعرب تفعل ذلك إذا كان من السبب في شيء، يقال: نام ليله؛ وإنما ينام هو فيه[12].

 

وقال الشريف الرضي: "وكان الوجه أن يُقال: في عيشة مرْضِيَّة، ولكن المعنى خرج على مخرج قولهم "شعرٌ شاعر"، "وليلٌ ساهر"... وقال بعضُهم: إنما قال - تعالى -: ﴿ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾؛ لأنها في معنى ذات رِضًا، كما قالوا لذي الدّرْعِ: دَارِع، ولذي النَّبْل: نابل، ولصاحب الفَرَس: فارس، وإنما جاؤوا به على النسب، ولم يجيئوا به على الفعْل... فكأن العيشة أُعطيتْ من النعيم حتى رضيت، فحَسُن أن يقال: راضية؛ لأنَّه بمنزلة الطالب للرِّضا... "[13]، وهذا من تصريف القرآن للقول بحسب المقام.

 

إذًا ليس هناك معيارية يُحكَم بها على الصيغة في حالة من حالاتها دون أخرى بأنَّها أفضلُ من غيرها، إلا بقَدْر ما توحي أو تلفت إلى المعنى المقصود في هذا السياق، أو غيره، فالهدف ليس في معياريته، ولكن في وظيفة الأداء اللغوية القادرة على توصيل المعنى، أو الإيحاء به.



[1] "الكشاف" (3/195)، وانظر: "تفسير أبي السعود" (7/47).

[2] "أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية" (ص: 87، 88).

[3] راجع: "أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية".

[4] "الإتقان" (3/ 343)، و"معترك الأقران" (1/37).

[5] "معترك الأقران" (1/37)، و"الإتقان" (3/343).

[6] "روح المعاني" (23/166)، ويُنظر "الكشاف" (4/360)، و"التفسير الكبير" (26/155).

[7] "اللامع العزيزي" كتاب لأبي العلاء المعري في شرح غريب شرح أبي الطيب المتنبي، عمله للأمير معز الدولة ثابت بن الأمير معز الدولة أبي العوان (إنباه الرواة 1/65).

[8] "البرهان" (2/513، 514).

[9] "مفردات الراغب" (ص: 423).

[10] "الكشاف" (4/164).

[11] "خصائص التعبير القرآني" (1/217، 218).

[12] "مجاز القرآن" (2/268).

[13] "تلخيص البيان" (ص: 330).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة