• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

وخـز الأحـلام (قصة قصيرة)

البشير الأزمي


تاريخ الإضافة: 12/9/2011 ميلادي - 13/10/1432 هجري

الزيارات: 9189

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وخـز الأحـلام

(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)

 

أسبَحُ بنظري إلى الأفق بهيام.

 

أيدٍ كثيرةٌ متشابكة تريد الالتفاف حولي وإخراجي للفضاء الرَّحب، وأنا أجهد نفسي؛ للانفلات من قبضتها، والبقاء لفترةٍ غير محددة، في رحم أمِّي.

 

بدأ الحقل يُقْفِر، واليومُ الغاثمُ يزداد جهمة، التراب الداكن للأرض يُحْدِث في العين والقلب شقوقًا غائرة، طيور سود تَحومُ فوق رؤوسنا، وتُصْدر أصواتَ شؤم ونذير، وأمِّي تردد أدعيتها بصوت خافت، ودون توقُّف.

 

انصرم اليومُ مُحَمَّلاً بثقل المعاناة، الحزن يجثم فوق قلبي المُدْمى، أعود إلى حيث جلسَتْ أمي، أتجاذب أطراف النَّظرات معها، ونار الضغينة تُجْهِز على ما تبقى من أوراق ألمي، أمي في ثوبها الأبيض تبدو كملاك، يدها اليمنى في تراخٍ تترك حبات المسبحة، تنفلت في إيقاع رتيب متتابع، وشفتاها تُتَمتمان بالذِّكر، النِّساء حولها يحاولن التخفيف عنها، يتكلَّمن إليها، ويربتن على كتفيها، وأنا أجيل نظري بينهن، وصمتٌ حارق لبسني.

 

متى يعود أبي؟ لِمَ وضعوه في الصندوق؟

أسئلة تنفلت من شفتي، تقرع أذُنَي أمي وتدمي قلبها، صامتةً تنظر إليَّ، وآيات قرآنية بصوت قارئ خاشع تملأ المَنْزل رهبة وأمنًا، أصوات تشييع الجنازة تبتعد وتخفت، تاركةً النُّواح والبكاء والعويل تدثر الفضاء، وأنا سيَّجَني الذهول، ولفَّني الصمت، أُدخل سبَّابتي في فمي؛ محاوِلةً إخراج لساني؛ لأعبِّر عن مشاعري الثكلى التي تُسَيِّجُني، عيناي الجاحظتان تتجوَّلان بين ذوات النساء اللائي انخرطن في طقس شقِّ الخدود، وتمزيق الثياب، وأنا أتساءل: لِمَ يفعلن ذلك؟ في حين رسم الهدوء خطوطه على وجهَيْ خالتي وأمي!

 

أنظر ذات اليمين وذات اليسار، أترقَّب اللحظة التي يَطْرق رجال الشرطة باب المَنْزل، ويتقدمون نحوي لإمساكي وإرغامي على مصاحبتهم للمركز قصد الاعتراف، سأُخفي العصا التي كانت تحملها أمِّي وهي تلوِّحُ بها في وجه أبي، لا لم تكن أمي تريد أن تقتل أبي، كانت تسعى لتهديده وتخويفه حتى يُبعِدَ أذاه عنَّا، قال الطبيب الشرعيُّ: إن الضربة التي أصابته في رأسه كانت سبب موته، خالتي - وهي تجيب على أسئلة الطبيب - أشارت إلى أنه تعثَّر عند عتبة باب المنزل، وسقط على قفاه، شرحت وأسهبت في محاولةٍ لتبرئة أمي، أمِّي تسبح في بحر حزنها، وعلى عينَيْها غشاوة!

 

"اغتصبَ براءتنا، سرق أحلامنا التي كانت تقبع في رحم آمالنا، سيَّجنا في دائرة الألم والمعاناة"، كانت تردِّد أمي لنفسها ساعيةً لنفض غبار المسؤوليَّة عن نفسها، أضرم كلامُها نارًا في قلبي، تنتصب صورة أبي أمامي بأذنيه المُشْعِرتين، المنتصبتين كأذُنَيْ ثعلب، وهما تلتقطان رجاء أمي بأن يتخلَّى عن الخمر والقمار والنسوان، لم يكن أبي يولي اهتمامًا لتوسلاتها،لم يكن يراعي مشاعرنا، على الأقلِّ مشاعر أمي التي ضحَّت بشبابها ومالها من أجله.

 

كان أبي شرع في اتِّخاذ معاداة الحياة مبدأً؛ عادَى أسرته، عادى عمله، عادى ذاته! ابتلعت أمي - يومها - كبرياءها، رمَتْه بنظراتها الشَّزراء الساخرة، وقالت موجِّهةً الكلام إليه: "انظر حولك، الرِّجال يَقْصمون ظهورهم بالعمل، وأنت قابع مُقْعٍ ككلب ينتظر أن يُرمى له عظم!"، إن بقيتَ على حالك هاته ستَتخَبَّط سفينتُنا في موجٍ عاصف، أنت الرُّبَّان، قُدْ سفينتك نحو شاطئ الأمان، ترك الرُّبان السفينة في رحمة الأمواج العاتية، لم تكن أمي مؤهَّلة بما فيه الكفاية لقيادة سفينةٍ أشرِعتُها مزَّقتها رياح الإهمال، رزح الرُّبان تحت ثقل الانهزام، ورزحت أمي تحت وطأة شعور الانكسار، تبَدّدَ أملنا وهو يتحدَّث عن أمور تافهة، كنا - عندما يشرع في الحديث - نوهمه أنَّنا نوليه إصغاءنا التامَّ، ننظر إليه بأعين زجاجية.

 

"عليك أن تعمل، عليك أن تُقاوم وتعمل، لا أريد أن يَأكلك الصَّدأ، إنَّ بقاءك بلا عمل سيؤدِّي إلى الكسل، والكسل سيقتل طموحك، حينها ستصدأ، ستَصدأ، ستصدأ"، لم يصدأ أبي، جرفَتْه ذاته المنهزمة نحو الهاوية.

 

بكاء النساء ما زال يخدش أذني، التعب هدَّني، صراخ قويٌّ انتزعني من نومي، فتحتُ عيني، أبي جالس قبالتي يلفُّ سيجارة، وعيناه مسمرتان على أرداف خالتي، أمي تجيل بصرها بينهما، تنفَّست بعمق، أويتُ إلى فراشي وأنا أستشعر وخز آلام سبابه وكلماته تنخر أذني، وتعبر إلى قلبي، أغمضت عيني، رأيتُ نفسي أسبح في رحم أمِّي، وأيدٍ كثيرة تتسابق لإخراجي من الرَّحم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة