• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

الرثاء في شعر باشراحيل (5)

محيي الدين صالح


تاريخ الإضافة: 24/1/2011 ميلادي - 18/2/1432 هجري

الزيارات: 7336

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرثاء وإسقاطات الألم

 

ضَاعَ الْوَفَاءُ فَكَيْفَ لاَ أَتَأَلَّمُ
وَالْجُرْحُ يَنْزِفُ وَالْجَوَى لاَ يَرْحَمُ
أَمْرٌ مُطَاعٌ لِلزَّمَانِ إِذَا رَمَى
إِنَّ الْقَضَاءَ مُوَكَّلٌ وَمُحَتَّمُ

 

هذا هو مطلع قصيدة "كيف لا أتألم" التي قدم لها باشراحيل بجملة نثرية، قال فيها: "باحث معي عن الوفاء... فهو أنبلُ صديق لي، فإذا وجدته فدُلَّني على مكانِه، عَلَّني أداوي آلامَ الغدر".

 

ولم يوضح لنا مَن هو المخاطب بهذه العبارة، خاصَّة أنَّه في مَعرض رثائه لهذه القيمة الغالية، التي توارت بالحجاب عندما تَجاهلها الناسُ، وأعرضوا عنها، وهي (فضيلة الوفاء)، اتَّهم الناس بأنَّهم ذئاب كشرت عن أنيابِها، وهذا أراه مَجازًا مَقصودًا؛ حيث أطلق الكلَّ وأراد الجزء... فيقول:

إِنْسَانُ هَذَا الْعَصْرِ ذِئْبٌ كَاشِرٌ
عَنْ نَابِهِ مُتَوَحِّشٌ لاَ يَرْحَمُ

 

فلو أخذنا هذا البيت على إطلاقه، فإنَّنا نظلم الشاعرَ والقصيدة في آنٍ واحد؛ لأَنَّ الأبياتَ الأخرى في القصيدة تُوضِّح أَنَّ الدُّنيا هي المتهمة بتأجيج الآلام في قلب باشراحيل، وكل الشعراء بل كل الناس أيضًا، بدليل ختام القصيدة بمناجاة الدُّنيا وعتابها والتبرُّم منها، وإبداء الزهد عنها، رَغْمَ أنَّه كان من قبلُ يُبدي الرِّضا التام وعدم التبرم، ولكن هذه هي الدنيا، والإنسان بصفته خليفة الله في أرضه مسؤول عن تفجُّر هذه الآلام من حين لآخر، ولو أنِّي كنت أُفَضِّل أن يظلَّ باشراحيل على مذهبه، الذي وضعه حسب ما بَيَّنَّاه في بداية الدراسة عندما قسم الناس فئتين: (اللاهون)، و(أصحاب المبادئ)، إلاَّ أنَّ المبالغة الشديدة تظلُّ سِمَةً مشتركة عند الشعراء، خصوصًا عندما تعترضهم الآلام.

 

والأَمْرُ عند باشراحيل كما كتب الدكتور/ عباس عجلان في مُقدمة ديوان النبع الظامئ: "الصدق مُختفٍ، والوفاء ضائع، والأمانة نادرة، وباشراحيل يحزن لفقدان القِيَم وضياع الوفاء"... وإن كان باشراحيل يتألَّم ويَحزن عند ضياع المعاني النبيلة، فإنَّه يصرخ ويستصرخ عند ضياعِ الأرض والعرض، كما يقول في قصيدة "رصاصة من فلسطين":

فِلَسْطِينِي وَنَارُ الثَّأْ
رِ تَصْرُخُ فِي شَرَايِينِي
أَنَامُ عَلَى لَظَى النِّيرَا
نِ أَسْقِيهَا وَتَسْقِينِي

 

فإذا كانت نارُ الثأر تصرُخ في شرايينه وتَسقيه من لظاها، فإن صُراخَها المعنويَّ يتحوَّل إلى صراخٍ حسي عند الشاعر، وهذه الصَّرَخات ومَثيلاتُها نَجدها تُدَوِّي كثيرًا عَبْرَ قوافي باشراحيل، وفي ديوان "قلائد الشمس" الذي يوجهه إلى أدباء أمريكا صراحَةً، ويتساءل قائلاً:

فِلَسْطِينُ الَّتِي تَرْثِي دِمَاءَ شَبَابِهَا الْمُرْدِ

لِمَنْ تَشْكُو؟!

وَمَا تَلْقَاهُ فِي هَذِي الْمَتَاهَةِ

مُضْحِكٌ مُبْكٍ

 

معنى ذلك أنَّ باشراحيل يتَّخِذ من الرِّثاء وسيلةً تصل به إلى غاياتٍ نبيلة، إضافةً إلى كونها متنفَّس يتخفف به الشاعر من أثقالِ الحياة، ولا يَكتفي بمراثيه هو، ولكنه ينوب عن فلسطين في رثاءِ أبنائها، وعن لبنان، وعن الأمة الإسلامية، وهذا يُوضِّح مدى ارتباطِه بالوطن؛ حيث يتفاعل مع إسقاطات الأَلَم التي تُصيبُ الأُمَّةَ العربية أو الإسلامية في أيِّ عضو من أعضائها، وينبري للذَّوْدِ عنها من خلال كلِّ أنواع البيان، وأغراض الشعر، مُرَكِّزًا على (الرثاء) لاستنهاض الهمم.

 

أمَّا إسقاطات الألم على أسلوبه في رثاء الأحباب، فإنَّها تتجلَّى بوضوح بين قوافيه، ولكنَّها لا تُخرجه عن الرَّزَانة والتماسُك، والمبالغة الشديدة في الأحزان والآلام، التي نَجدها كثيرًا في رثائه للقيم أو المعاني السامية، التي تغيب عن مُجتمعنا تباعًا - لا تجد لها أثرًا عند رثاء الأشخاص، بل يحل مَحلَّها معانِيَ الرِّضا بالقضاء والقدر، والدُّعاء للمرثي بالجنة والرِّضوان، وهذا أراه أثرًا من آثار الأدب الإسلامي والنَّشأة الإسلامية على إبداعات باشراحيل.

 

•   •   •   •


الخاتمة

لعله من توارُد الخواطر أنْ تَجمعني مع الشاعر المبدع باشراحيل أمورٌ كثيرة في صياغة الإبداع والأسلوب، مع أنَّه لم يقرأ أشعاري من قبل؛ حيث إنَّني مقلٌّ جدًّا، ودخلت إلى مضمار الشعر بعده بسنوات عديدة، ولا أنشر قصائدي إلاَّ في نطاق ضيِّق جدًّا، وفي الوقت نفسه، لم أكن قد قرأت له من قبلُ عندما كنت أكتب الشعر حتى نهاية القرن العشرين.

 

والهموم التي أفرد لها باشراحيل دواوِينَه الثَّرَّة هي ذاتُ الهموم التي أوجزتُها في قصائدي القليلة، مع أنَّنا لم نتعارف ولم نلتقِ.

 

وهذا قد يفسر سرَّ انجذابي إلى قصائده، وتقديمي هذه الدراسة المتواضعة في جانبٍ من جوانب إبداعاتِه الكثيرة، فهل هذا من قبيل قولِ المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف))؟ رُبَّما، ففي قصيدة "بدون عنوان" 1980م في ديوان "الهوى قدري" يقول باشراحيل:

آلَيْتُ ألاَّ أَسْتَكِينَ لِشِدَّةٍ
وَالْعَزْمُ مِلْءُ جَوَانِحِي وَضُلُوعِي
حَتَّى أُحَقِّقَ غَايَةً أَصْبُو لَهَا
وَأُضِيءُ فِي كُلِّ الدُّرُوبِ شُمُوعِي
وَأُزِيلُ أَشْوَاكَ الْحَيَاةِ بِهِمَّتِي
وَأَمُدُّ فِي بَحْرِ الْهَنَاءِ قُلُوعِي

 

وهي تتشابَه في مضامينها مع قصيدة لي بعنوان: "انتفاضة" من ديوان "الجرح وأحلام العودة" 1995م، أقول فيها:

لَنْ أَسْتَكِينَ عَلَى شَفَا أَمَلٍ
صَعْبِ الْمَنَالِ يَطِنُّ فِي أُذُنِي
أَبَدًا سَأَمْضِي لِلْعُلاَ أَبَدًا
وَاللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَنِي
فَإِذَا مَضَيْتُ فَتِلْكَ شِيمَتُنَا
وَكَذَا فِعَالُ الْكَيِّسِ الْفَطِنِ

 

وهذا على سبيل المثال لا الحصر... فمثلُ هذا التقارُب الشديد كثير جدًّا بين أُطروحاتي وأطروحات باشراحيل، وهي دليلٌ على مدى التلاحُم الوجداني بيننا.

 

وهناك أمرٌ آخر، وهو أنَّ الأحزانَ التي عايشتها في حياتي تفوق كثيرًا الأفراحَ التي مَرَرْتُ بها على استحياء... وقصائد باشراحيل في الرِّثاء صادفت هوًى في نفسي، فداعبت شجوني، وتزاوجت كلماته مع أنغامي، كما تجاوبت أحزاني مع قصائده، وكأنَّه الاستشعار عن بُعْد الذي يتحدث عنه أهلُ العلم.

 

ولا أريدُ أنْ أقولَ أكثرَ من ذلك؛ حتى لا يؤخذَ كلامي على أنَّه في إطارِ التقييم لإبداعات باشراحيل، فهو في غِنًى عن ذلك، سواء كان مني أم من غيري.

 

ولكني أختتم جولتي في دُروب باشراحيل بأبياتٍ من قصيدة (الغربة) من ديوان "النبع الظامي"، يقول فيها:

أَنَا الْإِنْسَانُ كُلُّ الْأَرْضِ ضَاقَتْ مِنْ مَشَاوِيرِي

تُسَائِلُنِي مَتَى أُلْقِي بِأَحْمَالِي وَتَأْثِيرِي

فَتُعْيِينِي بِآمَالٍ وَأُعْيِيهَا بِتَفْكِيرِي

وَإِنْ هَمَّتْ غَوَائِلُهَا أَقُولُ لِشِقْوَتِي دُورِي

كِتَابُ الْأَرْضِ مَقْدُورِي





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة