• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

عبقرية القص في أدب محمود توفيق حسين

نور مؤيد الجندلي


تاريخ الإضافة: 10/10/2010 ميلادي - 2/11/1431 هجري

الزيارات: 6896

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عبقرية القص في أدب محمود توفيق حسين[1]


منذ الكلمة الأولى، بل الحرف الأوَّل في نصوصه، يُعطينا طرفَ الخيط، ويَمضي بنا يَغزلُ نسيجَ قَصصه في خطَّة مَحبوكة مُحْكمة نحو النهاية، يجوبُ بنا عوالِمَ مُختلفةً؛ تارة من دنيا الواقع المتلوِّن بأحداثٍ كثيرة تستحقُّ التوقُّفَ عندها، يقدِّمها مُتَعمِّدًا إظهارَ وجْهِها الحقيقي الشاحب، أو يتقمَّص مُهمَّة عاملِ طِلاءٍ مُبدع؛ ليجدِّدَ المشهد بالرؤية التي يحبُّ، والصيغة التي تُرضيه.

 

وفي أخرى يتسلَّم القيادة لطائرة مِن صناعة مَحليَّة أصيلة، تتفوَّق على صناعة الغرب في أصَالتها، وتتحدَّاهم في صناعتها، يحلِّق بنا عبْرَ طائرته في خيالات من وَهجِ فِكْره؛ لنشاهدَ أطيافَه المتشكِّلة من ثمرة عقلٍ مُفكِّرٍ، وقلبٍ نابض بهدفٍ سامٍ، لا يَحيدُ عنه ولا يتغيَّر.

 

ونحن طوال الرحلة منشغلون بحَرْفِه، منصرفون عن كلِّ ما يُحيط بنا من شواغل، فكأنَّه بنَّاءٌ يَبْني برقِّة، وقلمُه حاجزٌ سميكٌ يحجزُنا برهة في مملكته، حتى إذا عَرَضَ فكرتَه، وحدَّث بقصَّتِه، تركَنا نمضي بسلام، حاملين معنا تذكاراتٍ لا تُنسى من عِبَرٍ رسختْ داخل القلوب.

 

هو هكذا الأديب القاص محمود توفيق حسين، حِرَفِيٌّ ماهر بالكتابة، عَشِق مهنتَه، وسرى ذلك الحبُّ في عروقه، فإذا بأعماله تظهرُ مُختلفة متفرِّدة، فقد صاغَها بمهارة وإتقان، وتجلَّى عبر أعماله مَدى حبِّه للأدب والقصِّ، فهي ليستْ مجرَّد أعمال أدبيَّة أو قَصصيَّة عادية؛ لأنها تجاوزتِ العادي والمطروق بزمنٍ طويل، لتغدو لوحات فنيَّة بارعة تسرُّ الناظرين بل المتأمِّلين.

 

كمحقِّقٍ بارعٍ يحملُ في عقْله عَدَسَةً مُكبِّرة دقيقة، يفتِّش عبرَها عمَّا يستحقُّ أن يُعرضَ ويُقدَّم من أدبٍ رفيع، مُولَع هو بالقضايا الكبيرة، يكتبُ عنها ليؤدِّيها حقَّها، ويجعلُ من المشكلات التي يظنُّها الناس هامشيَّة، يجعلُها قضايا كُبرى تستحقُّ المتابعة والاهتمام، وهو أيضًا كبائعٍ جوَّال يجوبُ الأزِقَّة الضيِّقة، والحارات المَنْسيَّة؛ ليلتقطَ مَشهدًا أو فكرة تكون مادة دَسِمة لقصة إبداعيَّة.

 

توغَّل بشجاعةٍ إلى أنفاق "غَزَّة"، فكتبَ عنها بيقينِ المؤمن، وبراعة الأديب: "ويندوز 2010"، فكان جندي الكلمة.

 

"يرتقي إلى المقصورة، يجد مُعدَّات حِدادة وخراطة بسيطة، ثمَّ عُلب تونة وعصير فارغة، انتهتْ صلاحيَّتُها في 2010، وأحجارًا جيريَّةً، وقِطع فَحْمٍ حجريٍّ، ثمَّ ما هذا؟ ينخفض، يدقِّق، يتفحَّص بيده، يردُّها مذعورةً؛ عظام فلسطينيٍّ قَضى هنا، وعليه بقايا ثيابه وقد تحوَّلت لأسمالٍ، وعليه حذاؤه".

 

وتحاوَرَ مع لصوص الغسيل، واستحضَرَ القرود أيضًا؛ ليشاركوا في بطولة قصَّته، كاشفًا لثامَ الحقيقة، مساندًا أخواته المسلمات في رائعته: "غسيل المنتقبات"، ورسَمَ لوحة إبداعيَّة فريدة تضجُّ حياة.

 

وتكلَّم بصوتٍ عالٍ كأنه يخاطب بعيدًا، ودونما حَرَجٍ: مهنتُنا انقرضتْ، أو أوشكتْ على الانقراض، تمنَّيتُ أنْ لو قال: مِهنتي، ولا يجمع؛ ما دام أنَّه عالي الصوت، ثمَّ عقَّبتُ على كلامه بصوتٍ خفيضٍ جدًّا، كأني ألفتُ انتباهَه؛ لكي يخفض صوتَه، وقلتُ - وبعينين زائغتين، وبنفسٍ مُجهدةٍ، وبنفَسٍ مُتعبٍ -: هذا صحيحٌ، حرامي الغسيل أمْسَى ذِكْرى من ذكريات عالَم السَّرقة، مِهنتُه فيها مخاطرةٌ عاليةٌ، كما أنَّ مَردودَها ضعيفٌ كذلك؛ فهي - صراحةً - تحتلُّ المرتبة الأخيرة من ناحية النَّظرة إليها في عالم السَّرقة".

 

وفي "كير اليساري"، كان عَرْضُه باهرًا لشاب عادَ يزور قطعة من ماضيه القبيح، بعد أنْ نجَّاه الله منه، ليجده ازداد قُبحًا وبشاعة عمَّا سبَقَ، يسرد عبرَه أدقَّ التفاصيل والمشاعر، فكأنَّ القارئ يرافقه يرى ويسمع.

 

"وأخذَ ينفثُ سجائره في وجْهي، وهو يمضغُ الكلمات اللَّزِجة بأسنانٍ صفراء، ويحكي لي بصوته النُّحاسي معاناتَه في سبيل المجد والفنِّ، يحاول أن يبدو أحيانًا رقيقًا مهذَّبًا، ويحاول أحيانًا أن يبدو صارمًا مُهدِّدًا بشكلٍ غير مباشرٍ؛ فقد وقع على رجلٍ من بطانة مَن خَدَعَه، وعندما أخبرتُه أنَّني ما عدتُ أعرفه وما عاد يعرفني، نظر إليّ نظرةَ مُكذِّبٍ آلَمَتْنِي، وأخذَ منِّي رقْمَ جوَّالي، وتأكَّد منه من خلال الرَّنِّ عليه أثناء جلوسنا، وآلَمَنِي هذا كثيرًا".

 

وفي "خط العنقز" تجلَّى إبداعُه كمصوِّرٍ مُبدع، فجمَعَ الغرور والتجبُّر في مكانٍ واحد، والْتَقَطَ لهما قصةً للذكرى بذكاءٍ وإتقان واحتراف، لا يُمكن لِمَن يمرُّ بسطوره ألاَّ يُعجبَ أو تَبهرَه تلك التفاصيلُ البديعة التي تسردُ حِكَمًا لا تُنسى.

 

"وأخَذَ يضبطُ عَدَسةَ الكاميرا؛ حتى يقرِّب صورة المخرج، حتى قرَّبها كثيرًا إلى عَينيه وقد باتتْ فيهما اللمعة منذ الليل، بدتِ العينُ كبيرةً جدًّا وشُعَيْرَاتُها الدمويَّة نافرةً، ولونُها العَسَلي زاعقًا، ونملةٌ تَمشي عليها دون أنْ ترمِشَ، كانتْ عينُه مُحنكةً لا تنظر للكاميرا".

 

هذا دأْبُه في أدبه، يقرعُ في الضمائر طبولَ الألم؛ لتستيقظ حيَّة، وينفخ في النائمين أو المتناومين عن حقوق الفقراء أبواقَ الْيَقَظة، فتبعث داخلَهم قَصّتُه "ليلة القدر" كلَّ معاني الرغبة في الإحسان.

 

"وتعجَّبتُ من حمَّام البيت الذي أمامي، وقد قصرتْ بأهْل البيت النَّفقةُ أن يجعلوا له بابًا خشبيًّا، ووضعوا ستارًا لا يسبلُ إلى العتبة، يُمكنك أن ترَى مِن تَحته سطلاً قديمًا من صفيحٍ، والأرضيَّة الكدراء، كأنَّما نَمَتْ عليها الطَّحالب.

 

وأنا في حالتي هذه أقتحمُ بعينيَّ خواصَّ النَّاس، وقد استندتُ إلى الحائط بظهري وباطن حذائي، إذ بالمرأة تستديرُ من داخل، وتطلُّ عليَّ وتشيرُ إليَّ بأدبٍ بأنْ ألِجَ من الباب الذي عن يميني آخر الطُّرقة، وأنتظر زوجَها هناك، وهو بابٌ إزاء الباب الذي دخلْنا منه، ويبدو أنَّها تحسَّستْ من وقوفي ناظرًا للحمَّام البائس".

 

يصادقُ الرمز ليقول كلَّ ما يودُّ قولَه، بل أكثر مما يودُّ قولَه، أو ليسبغ على بشاعة الواقع ثوبَ الحياء، فترى التأدُّب في لغته، والتأدُّبَ في صياغته، ذلك التأدُّبُ الإبداعيُّ الذي يبرهِنُ على أنَّ الالتزامَ في الكتابة ما كان يومًا عائقًا عن الإبداع، وأنَّ بإمكان القاصِّ أنْ يكتبَ ما يريد، ويبعثَ الرسالة التي يحبُّ، ويناقشَ كلَّ القضايا المحتمَلَة، دون أنْ تخدشَ ذائقةَ القارئ، ولا أن تشوِّه وجْهَ الحياء.

 

كتبَ في قصته "جبل الذراق":

"والطائرتان تهوِيان مِن عُلوِّهما شائهَتَين مُترنِّحتين، بعد أنْ فقدَتا الزِّينةَ والميزانَ، وتناقَرَتا؛ حتى مزَّقتْ كلٌّ منهما مِن ورَقِ الأُخرى، واللُّعبةُ ما عادتْ لُعبةً، والرَّقصة ما عادَتْ رقصةً، ثم انقطعَ الخَيْطان سَوِيًّا من حيثُ انعقَدا، فاندفعَتِ الطائرتانِ للوَرَاء بعُنْفٍ كبالونَين، هرَبَ منهما الهواءُ؛ حتى ارتطمَتا بنُتوءٍ صخريٍّ مُخيفٍ في وسط الماء مِثل النَّابِ، تعشِّشُ فوقَه الطيورُ الجارحَةُ".

 

وهكذا الأديب كما يجبُ أن يكونَ؛ سموٌّ في الرسالة، رقيٌّ في الهدف، بلاغةٌ وإتقان، ولغة ترتقي إلى النخبة، وتنزلُ إلى العامَّة، لغة مُعلِّمة، تَهَبُ في كلِّ قصة كلمةً جديدة منسيَّة يعيدُ إحياءَها اعتزازًا بالعربية، وأسلوب يتنوَّع في كلِّ مرَّة، فيُحيِّر من يتابعه حول الأجمل والأجود من أعماله؛ حتى تجتمعَ تحت ظلال قَلمه دُرَرٌ منظومة في عِقد فريد؛ يسرُّ الرائي، ويُشعر بالفخْر؛ لوجود أدبٍ متميِّز كهذا، يتخطَّى الرائج والمتداوَل والعادي.

 

وأخيرًا:

فإنَّ انتقائي لبعض نماذج من أعماله لا يَعني أنني ألْمَمَتُ بكلِّ روائعه، وتخيُّري لمواطن الجمال بَنَيتُه على ذائقتي؛ لأتركَ للقُرَّاء أن يفتشوا بأنفسهم، ويتلمَّسوا عبقريَّةَ القَصِّ في قلمه، وأنْ يغترفوا دون تردُّدٍ من بَحْرِه العميق.



[1] هو القاصُّ والكاتب، والناقد والمفكِّر الأستاذ الكبير محمود توفيق حسين آل عمر المحافيظ، ينتسب لإحدى قبائل العرب ببلدة "قفط" بمحافظة قنا بصعيد مصر، وبلدة  "قفط" هذه تكلَّمتْ بلغة نصف عربيَّة من قبل الفتح الإسلامي؛ نتيجة لهجرة العرب إليها من زمنٍ بعيد، وُلِدَ "بنجع عمر الشرقي بقفط" في العام 1968 الميلادي.

مالَ إلى الكتابة وإلى التفكير في الكتابة منذ طفولته؛ "أودُّ أن أكونَ كاتبًا"، جملة ردَّدها بَدءًا من السابعة، أثارتْ إعجابَ واستعجاب ذَوِيه.

تخرَّج في كلية التجارة بجامعة القاهرة، وشغلتْه الحياة العمليَّة عن التعبير عن مَوهبته الأدبيَّة لفترة طويلة، لكنْ لم تشغلْه عن القراءة في عِدة مجالات، وبجانب الحياة العملية فقد اختارَ أن يقرأَ ويتطوَّرَ ويحدِّدَ توجُّهاته؛ حتى يَرضى عن نفسه قبل أن يَشْرعَ في التعبير عن نفْسه بشكلٍ جدِّي ككاتب إسلامي.

كاتب بموقع الألوكة، ومُشرف قصة بموقع "رواء" للأدب الإسلامي.

بجانب الإبداع الروائي والقَصصي يكتب البحثَ العلمي في الأديان المقارنة، والمقالة الفكريَّة، والمقالة النقدية الأدبيَّة، ويفكِّر في طبع أعماله ورَقيًّا بالسعودية.

له اهتمام خاص بتأسيس ما يُسمِّيه: "أدب مكافحة التدخين"، يشارك في لجان تحكيم المسابقات القَصصية، وله اهتمام خاص بتطوير السَّرْد القَصصي الإسلامي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة