• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

الناسي في السهل (قصة قصيرة)

أ. محمود توفيق حسين


تاريخ الإضافة: 11/5/2008 ميلادي - 5/5/1429 هجري

الزيارات: 9426

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
كان اثنانِ من شباب البلدة يتجولانِ قريباً في الصحراء المحيطةِ، عندَ سهلٍ رمليٍّ فسيح يؤمّه الرعاةُ والسيّاح أحياناً، و السكونُ أحياناً كثيرة.. وقد ظهر أمامهما هناكَ في هدأةِ قائلة الشتاءِ الناعمةِ رجلاً أنيقاً يتجول وحده بعيدًا، يتأمل في الطبيعة و في أطلال قليلةٍ لأسسِ أبنيةٍ أثرية، في سترة أنيقة عصرية، وشعره المائل للشقرة يلعبُ على وجهه. وهو يتكلم في جواله، يضعُ حينًا يده في جيبه، ويضعها على قذالهِ حيناً آخر، وحيناً يُشير بيده كأن مخاطِبَهُ على الجوّال يقفُ أمامه... منهمكٌ تماماً في المكالمة.

جلس الشابان أيضا يتبادلانِ الأحاديث، وأعينُهم على الرجُل الوحيد يمرّ في السهل، بخطواتٍ واثقة بغير اتجاه محددٍ يمشي بين الفِجاج، ويصعدُ على التلال القزْمةِ ويمرُّ من فوق الأحجار المتناثرة تحت قدميه.

كانت أعيُنهم تتفرس في أمره؛ وقد جاء هنا وحدَه بغير فوج سياحي، وبغير زميل؛ ولعله تائه، ولعله يبحث عن حبّات الخرز الأثريّ في الرمال، ولعلّه يدْرُس مناسبةَ البقعة للقاءٍ خاص في وقت آخر، سنصطادهما إذن!

هكذا كان الشابان يفكِّران، بلا انشغالٍ كبير، ولكنه الفراغُ يضخّم الأشياء العابرة، وفي المشهد المائل للسكون يطغى المتحرك.

وفي لحظة جمعت أعينهم عليه بلا اتفاق، بعد ان سئِمَا الحديثَ عنه، وشردَ كلٌّ منهما في سحابة، وقعت أعينهما عليه مرةً واحدة، من السحاب للأرض، كان يبدو ثابتاً ، وهكذا كان حالُ الزمن أيضاً، والطيرُ في السماء، والنسمة. ثم تحرك حركة محدودة لاتكاد تلحظ من بعيد، إنها تبدو من بعيد كاهتزازة، دوّى في إِثْرِها صوتُ انفجارٍ وصلَ سمعَهما ضعيفا. وانطرح الرجل أرضًا، هُرعَ الشابّان إليه نازلَين مِن تلٍّ، يكادان أن ينكبّا على وجهيهما. يركضان إليه؛ من بعيدٍ غير عن كثبٍ، كان الأمر يبدو أكثر جدّيةً كلّما اقتربا... كلما اقتربا أدركا أكثر معنى أن روحاً بشرية لعلها فارقت جسداً فيما ها هنا.

وهناك، وجداه ميتاً ساكناً لا يتحرك فيه غيرُ شعره ، وإنه لشيء عظيمٌ هذا الذي غادر ذاك الجسد الممشوق والوجه الوسيم بعد سكن طويل، وإنه لمِن عِلم الله وحده.

وَجَداهُ غارقًا في دمائه الساخنة، ووجهه الأشقر علاهُ إعياءٌ وحزنٌ غامضٌ كأنه حي يعي موته! وغبرةٌ، كأنما قد أُخرج من القبر لتوه، والأنف المتغطرس بدا مهزومًا منكسراً وقد انسدّت فتحتاه بالدمِ العبيط ورملٍ كالسّميد.

اتّصلا بالوحدة العسكرية القريبة. سرعانَ ما جاء رجال الجيش، وحملوه على حمَّالة إلى عربة إسعاف. ونشط جنود من سلاح المهندسين في مسح ذاك السهل الفسيح كله بمعداتهم، ناحيةً ناحية، شبرًا شبرًا. وبعد مدةٍ فرغوا وتجمّعوا ليركبوا مركبتهم، وعلَّق ( الجاويش ) على سؤالِ رجل من البلدة يستفسر عن الأمر ؛ مخافة أن يُقتَل أحدُنا هناك.

- اصطاده لغمٌ واحد عمره أكثرُ من ثلاثين سنة.. لغم واحد لا غير، لا يوجد سواه في مساحة ميلين مربعين!

وتعجّب أهلُ البلدة كلّ العجب ؛ فتلك المنطقة – على ما كنا نظن - لايوجد بها موطئ قدم لم تدسه أقدام الناس والماعز جيئة وذهابا.

وانفضّ رجالُ الجيش أخيراً، بعدَ أن أكّدوا للناس أنّ المكان آمنٌ تمامًا، وأنه لا داعي للتحدث عن الأمر حتى لا يؤثر ذلك على السياحة.

والتقط أحدُ الشابين -اللذَين رأيا الرجل في آخر العمر- جوالَ القتيلِ القيِّم، الذي طار بعيداً عنه من أثر الانفجار، التقطهُ ودسَّه في جيبه، وهو يشعر بهيبةٍ من حَمله إيَّاه، كأنما يحملُ كُلْيَةَ الرجُل أو قلبَه. وهذه القطعة من جسد الرجلِ تنبض وتتلبّطُ في جيبه في الدم وأغشيةٍ مخاطية، فيزداد خوفاً، ولولا طمعهُ فيها لرماها.

وما إن شعر أنّ القطعة بدأت تسكنُ في جيبه شيئاً فشيئاً، حتى عادت جوَّالاً، دفعه فضوله لأن يفتحه، وهو لازال هناك حيث كان الرجل يروح ويجيءُ والجوالُ على أذنه، وقد فتحه في خوف أيضاً، كأنّما ينبش في قبرٍ دُفِن فيه أحدُهم للتوّ، وذُعِر لمّا وجدَها مسجَّلةً؛ تلك المكالمة الأخيرة، ولكنْ غلبهُ الفضولُ لمعرفة آخرِ ما تكلّم به الرجل قبل موته المفاجئ.

- يا شيخ أيمن، بعد إذنك، سأسجل المكالمة؛ أفتقد صوتك الحالم، وأفكارك (الساذجة)!!

- وبعد يا زميل الثانوية ؟!.. ألازلتَ على غيِّك بعدَ كلّ هذا العمر!.. أمتحرّقٌ لإيلامي مجدداً بلسانك اللاسع؟! ما الذي ذكّرك بي الآن، كلمتني منذُ شهر، وظننت أننا افترقنا للأبد.

- ليتّسعْ صدرك لنقاش هادئ ، ها أنا هنا بين الطبيعة البِكر في إجازة، وإنك لا تعرف ماذا تعني الإجازة أساساً.. في راحة بالٍ تامة هنا. غادرتُ الفندق صباح اليوم وحدي، وقدت السيارة بعيداً قليلاً؛ بحثا عن زاوية خاصة، وأخيراً، وجدتها هنا.

- أين ( هنا ) هذا؟

- مكان عاديّ، ولكنه أعجبني، وكأني كنت هنا يوماً ما في زمن آخر.. شعورٌ غريب من الألفة والانقباض والذهول.. وهذا أولُ شعورٍ روحاني أشعره في حياتي، كأني على وشك أن أتذكر شيئا ما نسيته.

- إجازة سعيدة.. إلى هنا وخواطرك معقولة

- (قهقهة) ، غيرَ أنّ المتعة والراحة تأتي من الداخل ، ولولا وضعي وما وصلت إليه، لما تمتعت بما أراه حولي. قد أخذتُ من الدنيا كل ما أريد، أنا سعيدٌ يا شيخ أيمن ، ومرتاح.

- بمشيئة الله لو تعرف.

- كلُّ ما أعرفه هو أنني خطّطت وكافحت فنجحت، ولديّ الآن كلُّ ما أردت، الرصيد البنكي والسيارة الفخمة والبيت الفاخر وشركة ناجحة ، وتقدير المجتمع.

- حسبت حديثك ذا مَسْحَةٍ روحانية في بدايته، لكنّ ما تقوله الآن هو ما سمعته منك من قبل..! يا رجُل، اتق الله، أو أنهِ المكالمة، إنك - لو تدري - لا تخطو خطوة في أرض الله إلا بإرادة الله، فلا تغترّ في نفسك.

- يا رجل، ارحم أنت نفسك!! وجهُك اصفرّ من الرّضا والعبادة!! تعال اعمل معي وتغيَّر.. عن خطواتي تتحدثُ وأنت في محلك منذ دهر؟! أنا خطواتي أحددها لنفسي.. أستطيع الآن أن أستدير؛ لأني قررتُ ذلك.. ها أنا أمرُّ في منفرجٍ لا يناديني، بل أنا الذي اخترتُه.. هل فهمت؟

- بل أنت الذي لا يريد أن يفهم.

- وها هي وقفة بإرادتي.. ثم خطوة.. وأخرى

- وبعد يا (فِكري)؟!

- (قهقهة) ، وأخرى. لليسار.. وأخرى لليسار.
(ثُمَ.. صوتُ انفجارٍ هائل).

- فِكري.. يا فكري! ماذا حدث؟!..

ما هذا الصوت.. يا فكري؟

.. ردَّ عليّ يا فكري.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- وما تدري نفس ماذاتكسب غدا........
سعد محمد عبد الله الضوي - مصر 12-05-2008 11:35 AM
هذا هو حال ا لمغرور بالدنبا الناسي لفضل الله عليه الواهم بما في قبضته من مال أو جاه أو سلطان المتباهي بنعم الله عليه اللاهي عن شكر المنعم يظن أنما أُوتيه بعلمه لايدري وهو سادر في غيه أن الناسج لخيط كفنه قد إنتهى منها لتوه وصدق الله العظيم :
"وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت"
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة