• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

حياة على شاطئ اليأس

مصطفى صلاح محمد


تاريخ الإضافة: 19/8/2010 ميلادي - 9/9/1431 هجري

الزيارات: 6966

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كان هناك يومًا ما رجلٌ له بيت، وأمام بيته ساحة واسعة خالية، ويمر ببيته نهرُ ماءٍ عذبٍ زُلالٍ، والبيت حولَه سياجٌ، بابه مفتوح، لكنَّه يمنعُ الماءَ العذبَ عن الناس، إلا أنْ يسقيَهم بنفسِه، والناسُ يحتاجون إلى مائه دومًا؛ فماؤه يمثِّل حياةً لهم، قد ارتبطت أرواحهم بنقائه، وتعلَّقت أفئدتهم بعذوبته.

 

ولمَّا لم يكن من سبب أمامَهم يوصلهم إلى مائهم إلاَّ عن طريق هذا الرجل، فرضوا وقنعوا، واستجابوا وأذعنوا، طالما لم يَمنعْ ماءَه مطْلقًا عليهم، يأتي الرجالُ تملأ وجوهَم رهبةٌ وإجلالٌ، خلْفَهم النساءُ وجوههنَّ مشرقةٌ متفائلة، يتعلَّق بثيابهنَّ أطفالُهُنَّ في بهجة، جمعٌ غفيرٌ، قائدُهم أمل، وحاديهم رجاء، ورايتهم بيضاء، وغايتُهم سلام، وعدَّتهُم قلوبٌ نابضة، وعتادُهم عقولٌ وامضة، لا يملأ رؤوسَهم على اختلاف تكويناتهم، وهيئاتهم وأعمارِهم، وآمالهِم، وأحلامِهم، ونظراتِهم، إلاَّ بصيصُ نور، وقليلُ رغبة، وزهيدُ مطلب، فلا قصورًا تُغري، ولا أموالاً تُرْجَى، بل جُلُّ ما يطلبونَ لأنفسهِم، ولفلذاتِ أكبادِهم، ماءٌ يَروونَ ظمأهُم عن عطش، ويَسقون أرضَهم عن جَدْب، ويُحيون آمالهم عن يأس، ويَعملُ عاطلُهم، ويقومُ نائمُهم، ويشْفَى عليلُهم، ويتزوَّجُ عازبُهم، ويتوبُ ضالُّهم، ويُقبلُ غائبُهم، كأنَّ ماءَ الرجلِ يحملُ من بين قطراتِه نفحاتِ الهداية، وفي عذوبته تكمنُ أنوارُ التوفيق، وجلائلُ القرب، وروابطُ الأنس، وحبائلُ الوصل.

 

أصبح ماءُ الرجل المتهادي كسحابة في صيفِ يومٍ حارٍّ، المتلألئُ سطحُه كبساطِ حريرٍ رائقٍ نثروا فوقَه دررًا، المتموِّجُ قوامُه كأنَّهُ عروسٌ تُزفٌّ - غايةً وأمْنِية لا تتجاوزُ حدودهَا آمالُ الرجال، ولا تُطلبُ لحرائر النساءِ مهورٌ أغلى منه، ولا تُعدُّ بطولةٌ إلا عند حافته.

 

♦       ♦         ♦

 

يصلُ الناس لهم دبيبٌ، هل هي دقَّاتُ قلوبهم الوجلة؟ أو هي دفقاتُ الدماء في عروقهم؟ أو هي طنينُ الأفكار المتضاربة والمتداخلة في عقولهم؛ دبيبٌ وغبارٌ، رجالٌ ونساءٌ، أطفال ورُضَّع، مشهد يُلهب العاطفة، ويحرِّك المشاعر، كلُّهم مجتمعون على قلب رجل واحد، هدف واحد، وغاية واحدة.

 

حياة، نعم حياة، لم يعد هذا ماءً يَروي العطْشَى فقط، بل هو حياة، حياةٌ تُملأ في آنية، وتُصَبُّ في الأفواه!

 

يا الله، حياةٌ يملكُها شخص، ملَّكهُ الله هذا الملك، أو نصَّبهُ الناسُ عليه، أيَّده الله ورضي عنه به، أو سخط عليه، وأمْلَى له مستدرجًا، المهم أنه قائمٌ على حياةِ هؤلاء، مانعٌ إيَّاهم أن يأخذوها بأنفسهم، بل يعطيهم هو، لعلَّه نصَّب نفسَه.

 

♦        ♦         ♦

 

عند باب السياج المفتوح، يتوقفُ الموكب، بل يتقدمُ رويدًا بانسيابية كأنَّه اتفاقٌ مسْبَق، يضيقُ الموكبُ ليستوعبَه البابُ فيمرون أفواجًا، يَصِلونَ إلى حافة النهر وينتظرون الرجل، يخرج إليهم هاشًّا باشًّا، مادًّا ذراعيه ويديه، ترتسمُ ابتسامةٌ على شفتيه، يجاوبونه بابتسامة وجلةٍ، فيردُّها مطمئنةً.

 

يسود صمتٌ، تتكلم معدةٌ من هنا، وتقلقِلُ أمعاءٌ من هناك، تصمتُ الأفواه، وتَرْنو قلوبُهم إلى آنيتهم وأوعيتِهم، يُطَمْئنُ الرجلُ الجميعَ بابتسامتِه، ويذهبُ تلقاءَ النهر، والذي زادت حركتُه انسيابيةً، ابتهاجًا ربَّما، واحتفاءً بزوَّاره ربَّما.

 

يمدُّ الرجل كفَّيه تجاه النهر، ويأخذ حفنةً من ماء، يتسرَّبُ أغلبُها من بين أصابعه، يلتفت إلى أوَّل إناء، وفي التفاتته تتساقطُ قطيراتٌ؛ تعلَّقتْ بها القلوب حزينةً، وتابعتها نظراتُ الأطفال من خلف أمَّهاتهم متعلقين بثيابهن، تسقطُ القطرة فتُحدِثُ دويًّا، يتردد صداه في عقولٍ صدئتْ، وأجسادٍ خَوِيَت، يضع ما بقي من حفنتِه في أوَّلِ إناءٍ، يشيِّعُها بابتسامةٍ وضَّاءَةٍ، وضحكةٍ مشرقةٍ.

 

♦        ♦         ♦

 

صاحبُ الإناء يتابعُ قطراتِ الماءِ المتقطِّرة في إنائه متعجِّبًا، لا يرفعُ رأسَه للرجل، بل لا يستطيع، منكِّسًا رأسَه يلتفت، مُحبطًا يلتفت، كئيبًا يلتفت، كسيرًا يلتفت، أَسِفًا يلتفت، بخطوات مكسَّرة يمشي، وبسَمعٍ أشدَّ تكسيرًا، يسمع نداءَ الرجل: مَن بعدَه؟ في صلَف.

 

يخطو خطواتٍ يخترقُ بها زحامَ الناس، مُعلِّقًا بصرَه بالأرض لا يرفعه، يقررُ في نفسِه ألاَّ يرفعَ بصرَه مرةً أخرى أبدًا، يجتازُ زحامَ الناس، وفي ذيلِهم طفلٌ صغيرٌ يلهو، لا يأبه بكل ذلك.

 

يبسطُ يدي الطفلِ اللتين تلطختا بترابٍ؛ ليصبَّ فوقهما ماءَ إنائه، ليطوِّحَ به بعد السياج، ملء يديه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- سؤال
أحمد39 - مصر 26-11-2010 09:02 PM

هل مواهبك وملكاتك وقدراتك حدث لها إنتعاش كبير بعد عيد الأضحي المبارك هكذا أظن والسبب في عقل الكاتب (إبتسامة عريضة )

1- أحسنت
ولادة الأندلسية 28-08-2010 11:54 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

ماشاء الله كتابة رائعة ، تبدو مسيطرا على أدوات الكتابة ، فهي طيعة في يدك تشكلها كما تحب ، التكثيف واضح ي كتابتك ، فقد حوت معاني كثيرة .
سلمت يداك

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة