• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

لستَ نحسًا (قصة قصيرة)

أ. محمود توفيق حسين


تاريخ الإضافة: 28/4/2008 ميلادي - 21/4/1429 هجري

الزيارات: 8476

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
على أرضيّةِ غرفتهِ البسيطةِ، مدَّ ساقَيهِ، لا تعرِفُ إنْ كانَ مُغتمًّا، أمْ أنّ الغمَّ قد رسمَ على ملامحِه علاماتٍ ثابتة.
خلعَ ساقَهُ الخشبيةَ المدبّبة، وأخذَ يمرِّرُ يدَهُ على السليمةِ، وكأنَّه خائفٌ مِن أن تلحق بأختِها يوماً ما.

قفَّاص: يَصنع الأقفاصَ مِن العِيدان، والزَّنابيلَ من سَعَفِ النّخلِ. مِن نافذةِ الغُرفةِ يَسمعُ ضجيجَ ابنهِ الوحيدِ يلعبُ الكُرة مع الصِّبيان.
هذا الولَدُ الذي ماتتْ أمُّه في وِلادته، فسمَّاهُ أبوه (غُراباً !)؛ لأنّ مجيئَهُ للدُّنيا حملَ له أتعسَ خبرٍ بوفاةِ شريكةِ حياتهِ ذاتِ الوجهِ المبتسمِ دائمًا؛ رحلتْ في آلامِ المخاضِ، وتركتْ له طفلَهما الوحيدَ الذي لم يحتفلْ به أحدٌ، وتركوه في (قمطة)[1]، وانشغلوا بالفقيدةِ حتّى تذكَّروه في آخر الليل يومَها.

هذا الولدُ الذي صادفَ يومُ ختانهِ حادثةَ قطار البضاعةِ الذي أكلَ ساق الأبِ عندما كان يمرُّ مِن تحته.
تَثقلُ رأسُ الأب قليلاً وتميلُ إلى كتفه، يسمعُ صوتَ مشاجرةٍ على هدف، يشكِّكُ غرابٌ في نزاهة الحكَمِ، يثيرُ غبرة، يحتجُّ، يهدِّد، واللَّغَطُ زاد.
يَخرج أبوه، ويهزأ بهِ أمامَ الصبيان، فيضحكون. ويأمرهُ بالدُّخولِ للمُذاكرة، ويصفه بِـ (غُراب البين!)، ويُمسِكُ بتلابيبِ ثوبهِ... يندفعُ الولدُ للوراء محتجًّا متخلصًا مِن قبضة أبيه، ويُشِيْحُ بيدِه، وكادَ الأب أن يقع.

- سأتركُ لك البلدَ كلَّها حتى تستريح.
يرتبك الرجل:
- والدراسة؟
- لا أريد (العلام).
وما إنْ نطقَها وقدْ مدَّها مدًّا، حتّى خرجتْ كلُّ الكتبِ من بيوت البلد متدافعةً، وطارت في السماء.
ففزعَ الرجُل: اهدأْ، اهدَأْ، ولا تغضبْ يا غُراب، ماذا ستفعَلُ بِنا؟!
والولدُ يسير تلقاءَ الجسرِ بخطواتٍ جَسورةٍ هادرةٍ يُعلن تمرُّدَه النهائيَّ، والأبُ يستأنف:
- حسناً، عُد، اعملْ في الحقل ؟
- لا أريدُ الغِيطان !
فانخلعتْ أعوادُ الأرز مِن الحُقول المغمورةِ بمياه الرَّيِّ، وطارتْ في الهواء.
- لا ترحلْ.. إذًا ساعِدني أنا ؟
- ولا العيدان.. ولا العِيدان.
 وكذلك، كالسهامِ انطلقَتِ الأعوادُ الَّتي يصنعُ منها الأبُ أقفاصَهُ، انطلقت مِن نافذة البيتِ حتى توارتْ في الفضاء.
- كُن صيّادًا في قاربِ عمِّك ؟
- لا أريد الحيتان !
خرجتْ كلُّ حيتانِ التُّرعَةِ أيضاً، وانضمَّتْ للأشياء المندفعةِ الَّتي انطلقتْ بكلماتِ الطفلِ الشئيمة.
وقدْ شخصَ أهلُ البلدة كلُّهم مذعورينَ إلى السماء وهي تحملُ أشياءَهُم الثمينةَ فلا تعود.
والرجلُ يكاد أن يختنقَ من الخوف والغمِّ والشعورِ بالنحس، وعيون الجمهرةِ حولَهُ تأمرُهُ أن يتصرَّف ويعيدَ لهم الخيراتِ الَّتي أذهبها صوتُ ولَدِهِ المنحوس.

فجأة، يشعرُ الرجلُ بأنّ الكتبَ ومحاصيل الأرز والأعوادَ والحيتانَ كلَّها صارت شيئًا واحدًا غامضاً متكوِّراً يتَّجهُ ناحيةَ الأرض، تحديداً يقتحم جلستَهُ في الغُرفة ؛ لقَدِ اصطدمَتِ الكُرةُ بقفا الرجُل، فاستيقظَ من غفوته جالساً.
.. يَدخل الابنُ مبتسماً في حياءٍ ليأتيَ بالكُرة، وقد كشفَ أسنانَهُ الأماميةَ الكبيرةَ، وقال:
- زعلان؟
- أنا؟!.. "يخربْ بيت من يزعلك"!، العَبْ، العب، العبْ.. والهدفُ غيرُ صحيح.

يقتربُ الولدُ من أبيه، ويجلس بجانبهِ، متأملاً علاماتِ الغمِّ الَّتي لا تذهبُ أبداً، ويشعرُ الأبُ أنَّ الولدَ يتفحَّصُ سيماءَ الألمِ في تجاعيدِهِ، فينكِّسُ رأسَه.
- الصبيان يَضحكونَ مِنِ اسمي يا أبي.. أنا لسْتُ نَحْسًا.
وتبللَتْ عينَا الطِّفل بالدَّمع.
يمسحُ الوالدُ دموعَهُ بيده، ويتحسَّسُ وجهَهُ البريءَ، ويقول ببطء وبتردد:
- أنتَ.. لستَ...) وتوقَّف كأنه لا يستطيعُ أنْ ينطقها)
- قُلها.. لستُ نحسًا يا أبي !
وفي عَيْنَيِ الأبِ استفسارٌ، وفي عيني الابنِ إلحاحٌ، يضطرُّ الوالدَ إلى أنْ يستفسرَ، فقال بحُرقة: - وأمُّكَ ؟
- انتهى عمرُها يومها.
ينظرُ لساقهِ الخشبيَّة بجانبه، ثم لابنهِ، فيستتلي الولدُ:
- أنتَ الذي أخطأتَ إذْ مررتَ مِن بينِ عَجلاتِ قطارِ البضاعة ولم تصعدْ على الجسرِ.
.. يبلعُ الرجُلُ ريقَهُ ويُذعن، وقد دمعتْ عيناهُ أيضًا، ويقول بصوت متحشرج:
- أنت لست... نحساً
وابتسمَ الولَدُ وقد تلوَّن وجهُهُ بالسعادةِ واللَّهفةِ:
 واسمِيْ مِنَ اليوم (عبداللهِ).
- أنتَ عبدالله.

وربَتَ القفَّاصُ على كتفِ ولده، ولبسَ ساقهُ الخشبيةَ المدببة، وخرج هو وابْنُهُ، يزفَّان أولاً لصبيانِ الملعبِ خبرَ تغيير الاسم، فصاحَ الأطفالُ، وتجمَّعُوا خلفَ الرجلِ وابنهِ مبارِكينَ.
والرجلُ يُنشدُ والجوقةُ خلفَهُ تردِّدُ وهم يجوبونَ جميعًا طُرُقاتِ البلدةِ الريفيةَ:
- يا عبادَ الله، ابنِيْ، مِن اليومِ، اسمُهُ (عبدالله).. يا عبادَ الله، ابني، مِن اليوم، اسمُهُ (عبدالله).
وانهمرَتِ الحَلوَى والعُملاتُ المعدنيَّةُ على الأطفال مِن النوافذِ التي أُشرِعَتْ، وعلى رأسِ رجُلٍ لمْ يبتسِمْ منذُ عَقدٍ مِنَ الزَّمَن.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1]  (قمطة): القِماطُ خرقةٌ عريضة يُلَفُّ بها المولود.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
5- دمت مبدعا
ريم الرياض - السعودية 14-05-2008 11:44 PM
قصتك رائعة يا أستاذ محمود
وهي رد على من يتهمون القصة الإسلامية بالضعف
دمت مبدعا !!
4- رائع وجميل جداً
أنس يوسف - السعودية 14-05-2008 08:29 AM

الأستاذ الكريم
محمود توفيق حسين
أشكرك شكراً جزيلاً على إبداعك
لستُ ممّن يقرأ القصص أبداً
ولكن ــ سبحان الله ــ قصصك تشدّني من أولها حتى آخرها
كلها جميلة جداً بلا استثناء

وقد استهوتني وأتمنى أن أجدها دائماً على موقع الألوكة


أرجو السّير على نفس المنهج وبنفس الطريقة وإلى الأمام

أخوكم
أنس

3- بوركت
محمد السبيعي - السعودية 14-05-2008 02:22 AM
عفا الله عنك ..

أحزنتنا ثم أضحكتنا ..

فلله درك من كاتب .

وفقك الله وسدد خطاك .
2- ممتاذ
محمد المصري - الكويت 03-05-2008 10:43 AM
لكم الف شكر على هذة القصة الجميلة واشكركم ايضا علي انضمامكم لي في مدونتي المصري
1- قصة جميلة
اسلام المصرى - مصر 30-04-2008 01:01 AM
هى قصة جميلة لكنى كنت اريد زيادة التفاصبل اكثر لوصول المعنى للقراء بكافة
تفاصيله حتى تزداد المتعة لدى القراء.
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة