• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

حلم النهار (قصة قصيرة)

أميمة عز الدين


تاريخ الإضافة: 24/6/2010 ميلادي - 12/7/1431 هجري

الزيارات: 8036

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حينَما فاجأَتْها آلامُ المَخاض وهي رهينة محبَسِها وليلِها، تطلَّعت إلى شبَّاكها الحديدي العالي، وطلَبَتْ من رَفِيقاتها في الزنزانة الضيِّقة مساعَدَتها كي تقف على قدميها؛ حتى ترى تمام البدر وهو يتوسَّط السماء الداكنة، بَكَتْ وغسَلَتْها الدُّموع وهي ترى الدِّماء تُغرِقها، تنطَلِق منها الصَّرخات قويَّة تشقُّ صمتَ الليل، تأتي الحارِسَة وبيدها الهراوة الثَّقِيلة، تُلقِي عليها نظرةَ استِنكار، وتتوعَّدها بالحبس الانفِرادي والحرمان من الماء والطعام لِمُدَّة ثلاثة أيَّام إنْ سمعت صُراخَها مَرَّة أخرى، أخبرَتْها في قوَّة أنها تلد، أوْمَأَت الحارسة في غيظٍ قائلة:

♦ سيكون عقابك الجديد هو حرمانك من وليدك للأبد، أغلِقِي فمَك الذي تنبَعِث منه روائح كريهة.

 

تحسَّست فاطمة بطنها، البطن يهبِط قليلاً وينزَلِق وليدُها بين رجلَيْها وقد تَعالَى صُراخُه، تبادَلَت الأُخرَيَات النظرات المتعجِّبة فيما بينهنَّ؛ لسُهُولة ولادة فاطمة رغمَ أنها الولادة الأولى لها!

 

تلقَّفت فاطمة وليدَها، واكتَشفت كما حلمت أنَّه ذكَر، من بين دموعها أطلَقَت زغرودة على استِحياء وضمَّتْه لصَدرِها وقد ألقَمَتْه ثديَها، وتكفَّلت الباقيات بتَنظِيف المكان وقطْع الحبل السرِّيِّ، وتبادَلنَ السهر ورعاية وليدها، وقامَتْ كلُّ واحدةٍ بالتبرُّع بجزءٍ كبيرٍ من نَصِيبها من الطعام حتى تستَطِيع فاطمةُ إرضاعَ وليدِها، وفى الصباح عندما استَيقَظت فاطمة على صوته، ابتَسمَتْ قائلةً: بماذا أدعوك يا قرَّة العين؟

 

سادَتْ همهماتٌ بين النساء، وجاءت كلُّ واحدة باسمٍ حتى حسَمَتْ فاطمة الخِلاف قائلةً: سيكون عمر، عمر يحيى الفلسطيني.

 

تهلَّلت أساريرهنَّ، وقُمْنَ بحملِه معها وقالت إحداهن في فرح:

♦ سيكون حلم النهار وأملنا يا فاطمة.

 

تُمَرِّر فاطمة يدَها على وجهه الصغير بعد أن ارتَوَى من لبنها وشبع ونامَ، شعرُه الأسود يُغطِّي جبينَه، وقد أضاءَ نورُ الصباح المتسلِّل من خصاص الشبَّاك الحديدي مَلامِحه البَرِيئة، بدون أن تَشعُر سقَطت دمعةٌ على جبينه، وأخذَتْ تهدهده في حَنانٍ بالِغ، لم تَرغَب أن يحيا وليدُها بين جُدران حجرةٍ مُظلِمة مُغلَقة، كانت تحلم أن يكون مثلَ أبيه حينما كان صغيرًا، جيوبُه محمَّلة بالأحجار الثقيلة، يَقذِفها على أعداء دينه وحريَّته ووطنه، وحينما كبر انضمَّ لصُفوف المُجاهِدين، يحلم أن يحرِّر وطنَه، وأن يتمكَّن من الصلاة في المسجد الأقصى دون أن تُصوَّب إلى رأسه وهو ساجد فوَّهة مدفع، أو تلكزه بقوَّةٍ عصا غليظة، أو يسحل على الأرض؛ لأنَّه يرتَدِى الكوفيَّة التي تدلُّ على هويَّته.

 

ما زالت فاطمة تعدُّ الأيام لخروجها من السجن، ما زال أمامَها بضعة أشهر حتى تعودَ إلى رام الله محمَّلة بوجع فِراق زوجها الأبديّ، وعلى كتفها قطعة منه تُذَكِّرها به كلَّما ولَّت أو أقبلت، ما زال قلبها ينبض بحبِّه!

 

ستُعَلِّمه كيف يُمسِك الحجرَ ويطوحه جيِّدًا صوبَ الدبَّابات التي تَدُوس عشبَ أرضها المقدَّسة، وسيقف فاردًا ذراعَيْه أمامَ الجرَّافات الضخمة الصمَّاء التي تنقضُّ كغولٍ أسطوري على البيوت تهدمها وتسوِّيها بالأرض؛ حتى تبني مستعمرات جديدة تَقضِي على هويَّتهم المتأصِّلة بأرواحهم.

 

تَوالَت الأيام، وأشرَق صباح فاطمة من جديد، وانقَضَتْ مدَّة السجن، وشعرت بجسمها خفيفًا وهي تحمل عمر، تبحث عن شجرة زيتون تحتَمِي بظلِّها، لكنَّها لم تجد! فاجَأَها أحدُهم وبيده مِدفَع رشاش يأمُرُها بالابتِعاد وإلاَّ أرداها قتيلةً، وبطرف سكينه عبث بطفلها الملفوف بكوفيَّة زوجها، ومطَّ شفتَيْه في استِعداء قائلاً بعربيَّة ركيكة: يُسعِدني أن أقتُلَه الآن قبلَ أن يكبر ويقذِفَني بحجر.

 

حينما لمح الفخرَ في عينَيْها وعدمَ الخوف سدَّد مُؤخِّرة بندقيَّته إلى بطنها، وأمَر بقيَّة الجنود بالتناوُب عليها بالرَّكْل والصَّفْع، وهي في ذلك تُخفِي وليدَها بين ذراعَيْها، تَحمِيه من صفعاتهم وركلهم وقبضاتهم القاسِيَة، حتى تجمَّع عددٌ كبيرٌ من الصِّبيَة وقد رشَقُوهم بالحجارة، وكأنها طلقات مِدفَع رشاش، ولم تنفعهم دروعهم ولا أسلحتهم وقد لاذوا بالفِرار، واختَبَؤوا وراءَ الجدران يُصوِّبون مَدافِعهم إلى قلوب الصِّغار، وفاطمة تُهَروِل، والدِّماء تَنزِف من وجهها وأنفها محتَضِنة وليدَها، تحتَمِي بأقرب بيتٍ حتى لا تعود إلى السجن مَرَّة أخرى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- قصة الم
خالد حامد - السودان 20-04-2014 01:13 PM

قصة رائعة جدا بالرغم من الألم الذي صاحبها شكرا لما خطت يداكِ

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة