• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

الرسالة (قصة قصيرة)

سعيدة بشار


تاريخ الإضافة: 14/6/2010 ميلادي - 2/7/1431 هجري

الزيارات: 6619

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أختي في الله "كوثر".

 

السلام عليكم، وبعد:

أكتُبُ لكِ هذه الرِّسالةَ بعدَ طول صمْتٍ فرضتْه الأحداثُ الكثيرة، قد لا يكون عُذرًا مقبولاً، فأنت تعيشين هناك وحدَك في ذاك البلد، دون أهلٍ أو أحِبَّة، ومع ذلك تجدين لي وقتًا رغمَ مشاغل الدِّراسة والعمل، فأستسمِحُكِ مرَّةً أخرى، وأصارِحك القول: إنِّي فقدتُ الرَّغْبة في الكتابة، وفي كلِّ شيء، لم يَعُدْ للأشياء طعم، كلُّ شيءٍ مضَى معها.

 

هل تذكرين "نجاة"؟ إنَّها الفتاة الَّتي أعطتْكِ ذاك اليوم كرَّاسَ المحاضرات بعدَ فترة مرضك، وقد استغربْتِ حينها مِن ثِقتها بك، فهي لم تكُنْ تعرفك، والفترة كانتْ فترةَ امتحانات، والكلُّ كان يرفض تقديمَ كراريسهم، لقد ماتتِ الأحدَ الماضي بعْدَ فترة مرضٍ ألْزمها الفراشَ بِضعةَ أشهر، إنَّه السَّرطان، تذكرين يومَ دَرَسْناه في إحدى محاضرات السيميولوجيا؟ تذكرين ماذا قال الأستاذ؟ "لا علاج نهائي"، والسَّرطان الَّذي أصابَها كان في البنكرياس، لا إمكانيةَ للعملية الجراحية، ولا للعلاج الكيميائي، وكان في المرْحَلة المتأخِّرة، لم تتفطَّنْ له منذ البداية، اعتقدتْه وَعْكةً بسيطة، أو قرحة مَعِديَّة، لكنَّ الكشف العام أظْهر لها الحقيقة.

 

أتَعْلمين أنَّها واجهتِ المرضَ بشجاعة؟ استمرَّتْ في الدِّراسة، إلى أن استفْحَل بها المرَض، ودخلتِ المستشفى، كانت لا تُحبُّ رؤيةَ الدُّموع في أعيننا، ولا نظرات الشَّفقة، كانت على يقينٍ مِن أنَّه ابتلاءٌ مِن الله، وأنَّه لا يكرهها، بل يُطهِّرها فقط، كانتْ تعلم أنَّ كلَّ نفْسٍ ذائقة الموت، ولا يبقَى إلا الله، والمَسْألة فقط مسْألة وقت، أتعلمين ماذا قالتْ لي عندما زُرْتُها في المستشفى قبلَ عودتها إلى البيت؟

 

قالت لي ضاحكة:

♦ نجاة: إذا كان مَلَك الموت الَّذي يقبِض الأرواح سيموت، فكيف لنا أن نطْمَعَ في الحياة؟! ما هذه الأجساد إلاَّ ألْبِسة نرتديها لأداءِ أدوارنا على مسْرَح الحياة، ثمَّ نُلْقيها، وما الموت إلاَّ بداية لحياةٍ أُخرى.

 

لقدْ كانت تدرك جيِّدًا معنى الموت، أُصارِحُك أنِّي ورغم رؤيتي لها لم أستوعِبْ جيّدًا، فلم أستطعْ حتَّى الآن تخيُّلَ جنازتي، وسبَبَ موتي، وكأنِّي لن أموت، أو كأنَّ الموت يحدُث للغَيْر فقط، أتعْلَمِين أنَّها كانت ستتزوَّج هذا العام؟ لقد أُعْلِن عن خِطبتِها لـ: "فيصل" قبل سَنَة، إنَّه ذاك الشَّاب الَّذي كان يدرس معنا في المعهد، ولكن في الفوج الثَّاني، وكان يُكْثِر من التَّردُّدِ للدِّراسة في فوجنا، تذكرين أنَّك لاحظتِ ذلك؟ لقد ترمَّل قبلَ الزَّواج، لقد رأيتُه بعدَ الجنازة، لم أستطعْ تقديم العزاء له، كان يبدو في قمَّة الضَّعف والانهيار، وملامحه تُوحِي بالضَّياع، لم أكُنْ أدرك أنَّه كان مرتبطًا بها إلى هذه الدَّرجة! كان الله في عونه.

 

قبل أربعة أيَّامٍ مِن موتها ذهبتُ لزيارتها، وأُصارِحُك أنِّي صُدِمْتُ لما رأيتُها، لم تكن هي "نجاة" الَّتي كنَّا نعرِفُها، غيَّرها المرَض تمامًا، لقد فقدتِ الكثيرَ مِن وَزْنِها، ولوَّنها الاصفرارُ بسبب المورفِين الَّذي كانتْ تُحقَن به، حتى عيناها كساهما الاصفرار، كانتْ تبدو ضعيفةً ومُتعَبة، وملامح الحياة بدأتْ تغادرها، سألتُها عن حالها، فابتسمت وقالت:

♦ نجاة: الحمد لله على كلِّ حال، إنَّنا نُبْتَلى.

 

لم تستطعِ الاستمرار في الحديث، كان مفعولُ المورفين قد بدأ في التَّأثير عليها، ورغِبَتْ في النَّوم، ساعدناها على الاستلقاء، أردتُ البكاءَ فلم أستطع، شعرتُ بالخوف، بدَا لي في تلك اللَّحْظةِ أنَّ الموت ليس بعيدًا، وأنِّي لست في مأمن، شعرتُ بالانقباض، نظرتُ إلى زُوَّارها، فصُدِمتُ فيهم أكثر ممَّا صُدِمت فيها، كلٌّ كان يُغنِّي على ليلاه، مشاكلهم التَّافهة، وأحلامهم اللامُتناهية، دون اعتبارٍ للَّتي بينهم، وكأنَّها شيءٌ مُهمَلٌ لا يُبالون به، كم شعرتُ بالكُرْه تُجاهَهم، أناسٌ عديمو المشاعِر!!

 

أتعلمين أنَّها رتَّبتْ أمورَ جنازتها، واختارتْ مَن سيغسلها، بقِيتْ في وعيها إلى آخِر لحظة، يوم وفاتها امتنعتْ عن الأكل والكلام إلى غاية المساء، ماتتْ على الساعة السادسة - يرحمها الله وإيَّانا.

 

لقد عَلَّمتني دروسًا لن أنساها، لقد أدركتُ أنَّ الموت لا يُفرِّق بيْن صغيرٍ وكبير، رجلٍ أو امرأة، وأنَّه سهلٌ جدًّا، وأنَّه لا أحدَ يستطيع إنقاذَ آخَرَ من هذا المصير، فهو مشترَك، وأنَّه لا ينفع مالٌ ولا بنون، وصَدَق الله حين يقول: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]؛ ولذلك أُخبِرك "كوثر"، أنِّي قررتُ الالتزام، ونِسيانَ ماضيّ، لا بدَّ من الاستعداد، أعلم أنَّك فقدتِ الأملَ في توبتي، فكثيرًا ما حاولتِ معي دون جدوى، أشكُركِ على كلِّ شيء، وأحمد الله الَّذي هَدَاني قبلَ فوات الأوان.

 

لا تَنْسَيْني بالدُّعاء، وكذا "نجاة"، فنحن نحتاجه على حدٍّ سواء.

 

والسَّلام عليكم ورحمة الله.

 

أختك في الله: "مريم".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة