• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

الفصل الأخير من الحكاية (قصة قصيرة)

سعيدة بشار


تاريخ الإضافة: 27/5/2010 ميلادي - 13/6/1431 هجري

الزيارات: 6471

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

رنَّ جرس الهاتف، فأسرعت "سعاد" لرفع السماعة.

 

♦ سعاد: ألو، مَن المتحدِّث؟

♦ الصوت: أنا أسماء، وأنا في المستشفى، اتصلتُ بكِ منذ أسبوعين، فقالت لي أمك: إنك لن تدخلي أرض الوطن إلاَّ الآن، المهم حالة "أحلام" قد ازدادت سوءًا، يقول الأطباء: إنه لا أمل، يجب أن تَحْضري فورًا؛ فهي تريد رؤيتك.

♦ سعاد: سأحضر حالاً، لن أتأخَّر.

 

وعند وصولها إلى المستشفى انقبض صدرُها، فهي تَكره المستشفياتِ ورائحتَها الخاصة، والمآزِرَ البيضاء، وكلَّ ما يوحِي به ذلك المكانُ، لكنَّ صديقتها مريضة، وتطلبها، فلا مجال للتخلُّف.

 

وعند وصولها إلى الغرفة الخاصة بها دخلَتْ، الوقت ليس وقتَ الزيارات، ولكنَّ الوضْعَ استثنائيٌّ، وَجدت هناك "أسماءَ" أختَ "أحلام"، لكنها استأذنتْ للخروج؛ لتتركهما تتحدثان، اقتربت "سعادُ" مِن السرير، نظرَتْ إلى "أحلام"، فصعقت من منظرها، إنها نائمة، لكنها تبدو ميتةً، وضعت يدَها على فمها، كمن يحاول أن يحبس أي نفس قد يفضح تأثرها، وحدَّثت نفسَها:

♦ سعاد: يا للهول! ما هذا الجسد الراقد أمامي؟! أيُعقل أن تكون هذه "أحلام"؟! "أحلام" التي أَعرفُها آيةً في الجمال، كثيرة الضحك والمزاح، وتحبُّ الحركة، أتذكَّرها في قاعة الباليه وهي ترقص وكأنها فراشة تداعب النسيم، أيُعقل أن تكون هذه "أحلام"؟! شعْرُها قد تساقط أغلَبُه، وجهُها شاحب ونحيف، وكأنه وجه ميت، وهذا الغطاء الرقيق يَظهر وكأنه وُضع على خشبة، وساعداها وكأنهما عُودان، يا ربِّي، ما هذا؟!

 

يقول الأطباء: إنها أصيبت بمرض عضال، لكن ما هذا المرض الذي يحوِّل إنسانةً مِن آية في الجمال إلى آية في البشاعة، وبهذه السرعة؟! بل ما هذه اللَّعنة؟!

 

"أغلب الفنانين الذين سمعت بموتهم كان ذلك بعد مرض عضال، وهي فنانة"؛ هكذا كانت تقول دائمًا، وتحلم بالرقص في أكبر مسارح العالم، وبالتمثيل وأشياء أخرى كثيرة، لكنها راقدةٌ هنا أمامي، ولا تَقْوَى على شيء، يا ربي! ما هذا الذي أصابها؟! لا تزال صغيرة!

 

وهنا استفاقت "أحلام"، نظرت إلى "سعاد"، فانهطلت الدموع من عينيها، قالت:

♦ أحلام: أخيرًا حضرْتِ، كم أحتاجُكِ إلى جانبي!

♦ سعاد: لم أتأخر برغبتي، المشكلة كانت في الأوراق، استغرقت وقتًا لإتمامها.

♦ أحلام: أتعلمين ماذا جرى؟ لقد تخلَّى عني "إلياس"...

 

وأكملت حديثها، وهي لا تتوقع إجابةً من صديقتها:

♦ في آخر زيارة له وَعدني بالزواج عندما أُشفى، لكنه لم يَعُد، ولم يبعث أيةَ رسالةٍ، أخبرتني "أسماء" أنه سافر لإكمال دراسته، أتصدِّقين هذا؟ وهو الذي ظلَّ ثلاث سنوات يَعِدُني ويمنِّيني بمستقبلٍ نكون فيه معًا، والآن يتخلَّى عني بهذه البساطة، أخبريني يا "سعاد"، هل فُقد الأمل في شفائي؟


♦ سعاد: كيف تفكرين بهذه الطريقة؟! ستُشْفَين؛ فالمرض عابر، ولكنه سبَّب لك ضعفًا كبيرًا، الأطباء يقولون: إنه يلزمك بعض الوقت للشفاء.

♦ أحلام: تكذبين يا "سعاد"، لو كان هناك أمل في الشفاء، لما تخلَّى عني "إلياس"؛ لأنه كان مهتمًّا بي... أو ربَّما بثروة أهلي، والميراث الذي سيكون لي، لو لم يفقد الأمل لما تخلى عن كل هذا وسافر.

 

وهنا قاطعَتْها نوبةٌ حادَّةٌ مِن السعال ظنَّت "سعاد" أنها ستلْفِظ أنفاسَها، لكنها هدأَتْ، وفجأةً نظرت إليها، وتشبثت بها وهي تقول:

♦ أحلام: "سعاد" لا أريد أن أموت، لا أزال صغيرةً، لا أستحقُّ هذا، أمامي أحلام كثيرة لم أحقِّقْها بعدُ، وتلك الأضواء والجماهير الذين يصفِّقون لي، وباقات الورد التي تصلني مِن المعجَبين ورسائلهم، والقصْر المليء بالخدم...

صرخت...

♦ "سعاد" يجب أن أُشفى، لا أريد أن أموت، سأعيش رغمًا عن المرض، وسأحقِّق أحلامي كلها، وسيندم "إلياس" على فعلته، سيعود إليَّ راكعًا، وسأرمي به إلى الشارع، هل تسمعين؟ أنا أقوى من المرض، لن يغلبني.

 

وهنا وقعت "أحلام" على سريرها، و"سعاد" تنظر إليها بإشفاق وهي تبكي، وتحاول تهدئتَها، لكن ماذا عساها تقول؟!


"أحلام" محكوم عليها، والمسألة مسألة أيام، أو حتى ساعات، حاولَتْ أن تحدِّثها لكن الدموع أعجزتها، هدأت "أحلام" قليلاً، ثم نظرت سائحةً، تائهةً دون هدف معيَّن، ثم قالت:

♦ أحلام: أريد أن أصلِّي، لم أصلِّ قبلاً، ماذا أقول له؟ والحجاب! لا أريد أن أموت، لا....

 

وهنا لفظت أنفاسَها الأخيرة، لم تعد "سعاد" تحتمل الموقف، أُغمي عليها... وعندما عادت إلى وعيها وجدَتْ نفسها في إحدى غرف المستشفى، نقَلُوها إلى هناك بعد إغمائها، تذكَّرَتْ صديقتها وقد اغرورقت عيناها بالدموع، وفكَّرَت:

♦ سعاد: لم تكن تريد أن تموت، لكنها ماتت، وكلامها لا يزال يرن في أذني.. مَن كانت تقصد بقولها؟ مَن كان يخيفها الحديثُ معه... لقد فهمت!


نهضَتْ مِن سريرها، فأوقفتْها إحدى الممرضات عند الباب وهي تقول لها:

♦ الممرضة: لا تستطعين المغادرة الآن، لا بد من إذن الطبيب المعالِج، ثم لا بد من إنهاء التحاليل للتأكُّد من وضعك.

أعادتْها إلى مكانها، وفي الغد عاينها الطبيب، وأعطى لها إذنًا بالخروج.

 

وعند وصولها إلى البيت توقفتْ عند الدَّرَج، وعرجتْ نحو بيت صديقتها، وهناك وجدت كراسِيَّ كثيرةً في الساحة، وبعضُ الرجال واقفون، وآخرون جالسون ويتحدثون، ورأت والدَ صديقتِها وأخويها اجتمعوا في مكان واحد، وآثار الحزن بادية على وجوههم، تقدمتْ خطواتٍ إلى الأمام، ودخلت المنزل، سمعت بكاءً وعويلاً، إنها "أم أحلام" والنسوة من حولها، ورأت في مكان آخر "أسماء" جالسةً وحدها على الأرض في إحدى زوايا الغرفة، اقتربت منها وقدَّمت لها التعازي، نظرت إليها "أسماء" والدموع لا تفارقها، قالت:

♦ أسماء: هي أختي الثانية التي أفقد، لم يبق سواي بين إخوتي، ألا يعرف الموتُ سوانا؟ كانت صغيرةً والدنيا أمامها، لماذا أخذها؟!


جلست "سعاد" إلى جانبها، ولا تدري ماذا ستقول، والدموع قد خنقت الكلماتِ في صدرها، سكتت، وأحْنتْ رأسها وهي تمسكه بيديها كأنها تريد أن تمنعه من التفكير، لكن صورة صديقتها وهي تصرخ: "لا أريد أن أموت، ماذا أقول له؟!" ظلّت تطارد تفكيرها.

 

في هذه الأثناء أتت إحدى النساء بجهاز إذاعي، ووضعت فيه شريطًا للتلاوة، فهذا من تقاليد الجنائز في تلك البلدة، ولما فتحته انطلق صوتُ القارئ يتلو القرآن، فاستمعت إليه "سعاد" في غير تركيز، فصورة "أحلام" لا تزال تَجُوب ذاكرتَها، حتى سمعتْه يتلو:

﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: 83 - 96].

 

وهنا انتبهت "سعاد" ورفعتْ رأسها، ثم قالت في نفسها:

♦ كنتُ بجانبها، ولم تكن تريد أن تموت، لكنها ماتت، ولم أستطع أن أفعل شيئًا، ملَكُ الموت كان هناك، ولم أكن أبصره، فأين مصيرها يا ترى؟ أهي مِن المقربين؟ أم مِن أصحاب اليمين؟ أم من المكذبين؟ كانت خائفةً من الله، لم تُرِد لقاءه.

 

وأنا إلى أيِّ الفرق سأنتمي؟ سأموت أنا أيضًا في يوم ما، ماذا سأقول له؟ فأنا لا أصلي، ولم أتحجَّبْ بعد؛ بل لا علاقة لي بالدِّين، ولا يشهد لي إلاَّ رمضان الذي أصومه في كل سنة، وعلى مضَضٍ.

 

يا الله! عليَّ أن أتوب قبل فوات الأوان؛ "أحلام" كانت صغيرةً وقويةً، لكن المرض التهمها بسرعة، وقضى عليها، قد يَحدث لي نفس الشيء، نعم، لقد حان الوقت، اليوم بداية جديدة، وهذه الدموع توديع لـ"أحلام" ولحياتي السابقة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- كل نفس ذائقة الموت
يوسف محمود شعبان - مصر 29-05-2010 10:15 PM

جزاك الله خيرا قصة معبرة " كل من عليها فان"

1- قصة مؤثرة
مساعد - السعودية 29-05-2010 12:02 PM

القصة مؤثرة ومعبرة بارك الله فيكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة