• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

صريع الزمان

جمال معاذ البيضاوي


تاريخ الإضافة: 26/5/2010 ميلادي - 12/6/1431 هجري

الزيارات: 5916

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مسح العرقَ عن جبينه العريض بيمناه، ورنا ببصره إلى رُكن متداعٍ من غرفته المظلمة، شارد الذهن، لا يلوي على شيء من أمر نفسه، وكأنَّه صبي تاه عن أمّه في زحمة السّوق فطاش عقله!

 

الصبا.. آهِ ما أحلى تِلْكُم الأيَّام! وما أسرع ما تُولّي مدبرة إلى غير رجعة!

ولَكَم تمنَّى أن لو توقَّف به الزمان في سنّ الصبا فلم يجاوزه... آه! إذًا لكان فاز حينها بشيء من راحة البال، ولَما أضنتْه تبِعات المسؤوليَّة، المسؤوليَّة التي أضحت شبحًا يؤرِّق مضجعه، ويعْصر فؤاده المكلوم.

 

كانت السَّاعة تُشير إلى منتصف اللَّيل، وهي تدقّ بانتِظام: تك تك، تك تك، ساعية إلى شأنها...

آه لو تعْلم هذه الدَّقَّات الصَّارخة، وهذه الثواني المنصرِمة بتلاحُقها، آه لو تعْلم إلى أيّ مصير تقوده؟!


عقارب الساعة.. ترى أتُعيد النَّظر في شأنها؛ فترجع يومًا إلى الخلف حتَّى تنتهي به صبيًّا في التَّاسعة؟ أو رضيعًا في المهد؟.. أو.. أو إلى العدم!

 

إنَّها سمادير محموم! وهذيان مفجوع!

لكم يقاوم هذه السَّمادير، ويعارض هذه الأضغاث من كوابيس اليقظة! ويسعى حثيثًا إلى تجاهُلها، ولكن عبثًا يُحاول، وهباء تبوءُ جهودُه.

 

وماذا بوسْعه أن يفعل؟ وأيّ حيلة يسلك؟ وقد أُوصِدت الأبواب في وجهِه، وتنكَّرت له الدنيا، حتَّى لكأنَّ بيْنه وبينها ثأرًا من دم!

 

لقد بحث عن العمل حتَّى كلَّت قدماه، طرق كلَّ باب وسِعَه طرْقُه، وسلك كلَّ سبيل أمْكنه سلوكُه، فكان أوَّلَ باب أُغلق في وجهه منها بابٌ طالما تعاهَده، وأوَّل سبيل انقطع به سبيل لَكَم سعى في تمهيده!

 

لَم يجْنِ سوى وعود مستقبليَّة ليس يدري أيتحقَّق أحدُها يومًا!

 

وما زال ينتظر، وهل يسعُه غير ذلك؟!

 

لقد اعتاد الانتِظار، وألِف الوعود.

 

لكن ما يؤرِّق ليله، ويقضُّ مضجعه، هو أن ثَمَّ مَن لا صبر لهم على الانتِظار، ولا قِبل لهم بالوعود، وهُم وقوف عند رأسه يطالبون، أو عند الباب يدقُّون، وحول قدميه صبية يتضاغَون.

 

وهو حائر، تائه، حبيس غرفة مظلمة تكتم أنفاسَه، وترسم له ألوانًا من التَّهاويل تُطارِدُه في أفكاره، ويغْلي لها رأسُه غليان المِرْجَل.

 

ملعونة هي هذه الغرفة البائسة، ومَقيتة هي جدرانُها الرَّطبة المترهِّلة، إنَّه لا يكاد يغادرُها نهارًا؛ خوفًا من رقيب يطلبه، وإذا فعل، فليس إلاَّ متنكِّرًا، أو متخفِّيًا.

 

سحابة من الهمّ تظلّل فكره المشحونَ تأبى أن تزايله.

سحابة سوداء موحشة، يترامى إليْه من خلال مساربها المتموّجة شبح الغد المجهول، يشير إليه متحدِّيًا ومعاندًا!

 

متى يبتسِم له الغد، ويُشيح عن وجهه هذا القناع ويتدثَّر ببهيج الحُلَل المونقة؟


أَمَا آن لصبحه من هبَّة يَجلو بها ظلمة هذا اللَّيل البَهيم، الذي استطاب سماءَه فاستوطنها؟!

أما آن لطريقِه من شمس تنير درْبَه المكفهر؟!

 

وبيْنا هو شارد تائه، يتأمل في السَّحابة التي استوطنت فكره، إذ ببريق من أمَل يلوح من بعيد، فيستجديه مادًّا ذراعيْه إليه، لكنَّه مجرَّد وميض كرأْس الإبرة، وسط لجَّة من الظَّلام الدَّامس!

 

إنَّه لا ينشد المستحيل، ولا يتطلَّع إلى ملك فرعون، ولا إلى مال قارون! حسْبه العيش في دنيا الكرامة بكرامة!

 

ما أطول هذا اللَّيل، وما أشدَّ ظلْمَتَه! بل إنَّها ظلمات بعضها فوق بعضِها، ظلمة هذا اللَّيل الدَّامس، وظلمة هذه الغرفة الموحِشة، وظلمة هذه الخواطر، الَّتي طفق سَجِين هواجسها.

 

وعاد ببصره يرْنو إلى شعلة النّور الَّتي لاحت أمام ناظرَيْه، لا بدَّ لهذا اللَّيل مهْما طال أن يتخلَّى عن مسرحِه لفجر صادقٍ، ساطع بالضّياء.

 

وبينما هو يُحَدّث نفسه بالَّذي كان، سارحٌ في فكْره، إذ بالسَّحابة تنقشع شيئًا فشيئًا، وإذ بالوميض يزهر كما يزهر النَّجم المتلألئ، وإذ بابتِسامة - طالما أضلَّت طريقَها إليْه - تعْلو شفتيْه، وبمقلتَيه تشعَّان أملا، واشرأبَّ بعد طول اضطجاع، ينظر، وينتظر، متطلِّعًا إلى الغد الباسم الجميل!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- قصة معبرة ومؤثرة
قيس - الإمارات 27-05-2010 02:37 PM

القصة معبرة ومؤثرة جزاكم الله خيراً

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة