• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

من سيسمع حكاياتي بعد اليوم؟ (قصة)

محمد علي الخطيب


تاريخ الإضافة: 12/3/2008 ميلادي - 4/3/1429 هجري

الزيارات: 9186

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
في كلِّ خطٍّ من تلك الخطوط المنحنية المتعرجة التي حفرها الدهر على وجه الجَدَّة العجوز، تقرأ حكايات وذكريات، وترى صوراً ومآسٍ، ذاقت مرارتها، وتجرعت غصصها أو عرفتها عن كثب، وعرفت أشخاصها وأبطالها... نعم، باتت اليوم جزءاً من الماضي لكنها لا تُنسى، ولا تمحوها الذاكرة أبداً!

وكان يجدد تلك الحكايا، ويلمُّ صورها المبعثرة، ويربط بين خيوطها المتناثرة... باسِم، وضحى، وأمل، وهاشم... هؤلاء هم أحفادها الذين ملأوا عليها حياتها، بل كانوا كلَّ شيءٍ في حياتها، تحسُّ معهم بطعم السعادة والأمل ومعنى الحياة... وقد دأبوا على استخراج مكنون الجَدَّة وذخيرتها من تلك الحكايا التي لا تنضب، وما كان ليصرفهم عنها ألعاب الكمبيوتر الجذابة أو أفلام الكرتون ذات المؤثرات السمعية والبصرية التي يتعلق بها الأطفال عادة. وزاد انقطاع الكهرباء، الذي عطَّل الحياة في تلك الأجهزة وحوّلها إلى مجرد كتل صمَّاءَ، مِن تعلق الأطفال بالجدة، وأعاد لها مكانتها ودورها في العائلة، فقد باتت حكاياتها ونوادرها الوسيلة الوحيدة للتسلية والمؤانسة، في تلك الظلمة الحالكة التي تلف بيوت غزة بأسرها.

الجَدَّة تروي حقائق ووقائع وتنقل صوراً وذكريات عاشتها بنفسها، وليست من عالم الخيال، ولا تحكي عن "سوبرمان" الخارق، ولا عن "توم وجيري" المضحكَيْن أو "نقَّار الخشب"، فالأبطال هنا جدُّهم "أبو خليل" الذي دوَّخ[1] اليهود، وكانوا يطاردونه في كلِّ مكان، فلا يعثرون له على أثر... يظهر فجأة، ويختفي فجأة، ويراوغ كالثعلب. هكذا كانت العجوز تصف زوجها، وهي تمتلئ فخراً واعتزازاً، وتسري المشاعر نفسها في عروق الأطفال الصغار، ويتمنى كلُّ واحدٍ منهم أن يحاكي بطولات جدِّه!.

أما جارهم "الحاج مصطفى" ذاك البطل الذي كان مجرد ذكر اسمه يثير الرعب في قلوب الصهاينة، لكن الأوغاد استطاعوا أن يستدرجوه بالحيلة، ويقتلوه غيلة، وفرحوا بمقتله فرحاً عظيماً، وكان يوم عيد لليهود... وهنا كانت وجوه الأطفال تكفهر، ويبدو عليها ملامح الحزن والأسف، لكنَّ الجَدَّة تواسيهم، وتخاطبهم بحماسة وصلابة لا يحتملها جسمها الواهن وأطرافها المرتعشة:
- لا تزعلوا[2] يا أولاد، هو مات مرفوع الرأس، ومات شهيداً في سبيل الله.

وتتابع الجَدَّة حديثها:
- أما (قاسم الزعنة) كما كانوا يلقبونه، فهو فلسطيني لكنه كان خوَّاناً جباناً، وكان يتعامل مع العدو بالسر، ويشي بالفدائيين...
قالت ضحى متعجبة مستنكرة:
- هل كانوا يعطونه مالاً كثيراً؟.
- نعم، ومقابل المال يخون وطنه وأهله وعشيرته، ويبيع دينه بدنياه.

قال باسم مغضباً:
- كان من الواجب قتله والتخلص منه قبل اليهود.

ثم أردف قائلاً:
- هذا ألعنُ منهم!.
- وهذا ما حصل تماماً يا بني... لقد قتله الفدائيون.. أتدري من قتله؟.

أنصت الأولاد، وكأنما على رؤوسهم الطير، وهنا التصقت الجَدَّة بالأولاد، وهمست بصوت منخفض:
- لقد قتله جدك بيده دون أن يدري أحدٌ حتى الساعة!.
- يستحق التافه الحقير هذا المصير... يحيا جدِّي... جدِّي البطل.

وفجأة، وبينا الجَدَّةُ تسرد حكايتها، والأطفال يتابعون بشغف، اشتعلت غزة ناراً... كانت أصوات الانفجارات تصمُّ الآذان... وقفز الأولاد من أماكنهم، وطارت قلوبهم من الرعب، والتصقوا بجدتهم العجوز، وسارعت الأم إليهم تهدِّئ من روعهم لكنَّ صاروخاً غادراً لم يمهلهم، وسقط على تلك الأجساد الغضة... وهرع الناس بعد انتهاء الغارة، وكان المنظر مروِّعاً... أشلاء مبعثرة وأوصال مقطعة متناثرة بين الركام هنا وهناك.

ويا للعجب لم ينج منهم إلا العجوز... وليتها لم تنج، (هكذا تمنت)،... لم يحتمل قلبها النازف هول الصدمة، ماتوا كلُّهم، كانوا الأمل الذي تعيش له... وفي لحظة افتقدتهم جميعاً، ولم يتركوا لها أحداً... فما لها وللحياة؟!. وهل للحياة بعدهم طعم؟.

كانت الدموع تنحدر من بين تلك الخطوط المتعرجة المنحنية التي حفرها الدهر في وجه العجوز، وراحت تعدُّهم واحداً، واحداً، بصوت متهدج مرتجف، يطفح بالألم والأسى: باسم... ضحى... أمل، يا حسرتي لم يبق أمل... هاشم... آهٍ عليك يا هاشم... لم يكمِّل الثلاث سنين بعد... ما ذنبه؟. ما الجريمة التي ارتكبها؟. انظروا بقايا دراجته وأشلاء ألعابه!... وأمهم استشهدت أيضاً... وأبوهم قَتلوه من قبل... كلهم الآن في بطن الأرض... ثم تنهدت العجوز، وقالت:
- لَبطن الأرض خيرٌ من ظهرها... وددت لو كنت معهم!... لمن أعيش الآن؟. ولماذا أعيش؟. ومن سيسمع حكاياتي بعد اليوم؟.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] دوخ: ودَوَّخُناه: ذللناه تَدويخاً فداخ أي: ذَلَّ وخَضَّعَ. ودَوَّخُنا البلاد والناس وغيرهم أي وَطِئناهُم، قال: (حتى يَدُوخَ لنا من كان عَادانا) أي: يذل لنا. وفي حديث وَفْد ثَقِيفٍ أَداخَ العَرَبَ ودانَ له الناسُ أَي أَذَلَّهم فداخَ ودَوَّخَ المكانَ جالَ فيه ودَوَّخَ الوجعُ رأْسَه أَداره وداخَ البلادَ يَدُوخُها قهرها واستولى على أَهلها [انظر لسان العرب وغيره – دوخ].
[2] الزعل مقلوبه من العَلز، قال ابن السكيت: أصاب المَريضَ زَعَل شَديد - يَعْنُون العَلَز وقد زَعِل زَعَلاً، وهو: الضجر. والْعَلَز: شبه رعدة تأخذ المريض كأنه لا يستقر في مكانه من الوجع. والعَلَز أيضاً: ما يتبعث من الوجع شيئا إثر شيء، كالحمى يدخل عليها السعال والصداع ونحوهما. والْعَلَز: القلق والكرب عند الموت. [انظر: لسان العرب والمخصص – مادة (علز)].




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
8- شكر
زيدان - موريتانيا 01-06-2014 12:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم أولا وقبل كل شيء لا بد أن نشكر شبكة الألوكة الإسلامية علي ما تقدمه الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم من معارف شتي من مسابقات ونشر الكتب الإسلامية والسلام عليكم ورحمة الله
7- حكايات خسرناها
داود سليمان - السعودية 23-03-2008 08:13 PM
منذ حل التلفزيون وأفلام الكرتون محل الجدة واستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ونحن نحصد ثمار هذا الاستبدال في أخلاق أولادنا وسلوكهم
6- آه ثم آه على آلام امتنى
عبدالرحمن - المملكة العربية السعودية 21-03-2008 10:28 AM
إن ما في هذه القصة من تأثير على النفس وتمزيق للقلوب ـ إنا لله وإنا إليه راجعون ـ اقولها والله إنه ليوجد مع الأسف الشديد المئات بل الآلوف منها ويا لخيبتنا لم ننهض لندافع عنهم ولا عن اخواتنا هناك ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، اللهم انصرهم وثبتهم


آمين ،،،، آمين ،،،،،،،،،،، آمين
5- تعبير عن شعور
فواز سند 19-03-2008 08:17 PM
القصة مؤثرة جداً
وما أحوج الأمة والشباب خاصة إلى التعبير المؤثر
والقصة من أهم الأجناس الأدبية المؤثرة في النفس
4- اين جدات ايام زمان؟؟؟؟؟؟؟؟
ابوعبدالله - السعودية 18-03-2008 12:11 PM
شكرا على هذه الدرر أخي العزيز فعلا ما احوجنا الى حكايا الجدات وكم هم محرومون اطفالنا الذين لم يعد لحكايا جداتهم نصيب فيما يتلقونه ، بل ان الكثير من الاسر لم يعد للجدة مكان بينهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
3- في القصة جدتان!
ايمن عاشور - السعودية 18-03-2008 11:29 AM
في القصة جدتان، الاولى كلنا نعرفها وما احوجنا الى تذكر قصصها والعبر والدروس الواضحة التي تتضمنها ، بل ما احوج اطفالنا اليوم الى حكايا الجدات
اما الجدة الثانية فهي ( غزة ) اجل غزة الجدة المفجوعة بغياب ابنائها واحفادها ، منهم من غيب نفسه عن الوقوف الى جانبها ومنهم من غيبته قلة الحيلة للوصول اليها

شكرا للقاص وبارك الله في يراعك ,وفتح عليك فتوح العارفين.
2- تأكيد لما سبق
فهمي فروات - مصر 17-03-2008 08:31 PM
أوافق إحسان أحمد
لأن حكايات الجدة ظلت بلا ثمر
نعم القصة من الواقع ومثيلاتها تعد بالعشرات
لكن تدخل القاصِّ في توجيه الأشخاص والأحداث أمر ضروري
1- النهاية
إحسان أحمد 12-03-2008 07:09 PM
النهاية مفجعة ...
لو نجا من أولئكم الأطفال أحد !.
حتى يبقى الأمل
ولا ينقطع الكفاح
وشكراً للقاصِّ ، وأتمنى له التوفيق .
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة