• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

لوعة على فراق أمي..

لوعة على فراق أمي..
أ. سلمان الجدوع


تاريخ الإضافة: 24/8/2023 ميلادي - 7/2/1445 هجري

الزيارات: 3480

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لوعة على فراق أمي

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا، والصلاة والسلام على خير خلق الله، محمد بن عبدالله، الذي لو سلِم أحدٌ من الموت، لكان هو السالم؛ أما بعد:

فإن العينَ تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا أمي لمحزونون.

 

إلى من له أمٌّ كأمِّي، وله قلب كَقَلْبِي، فَقَدَ مثل مَن فَقَدتُ، وحزِن مثلما حزِنتُ، أُسطِّر كلماتي بمدادٍ من قلبي، قبل مداد قلمي، فهل من مصيبة أشد من الموت؟ وهل من مصاب أشد إيلامًا من موت الأم؟ وهل من رثاء أصدقُ من رثاء الأم؟

 

وقد فارق الناسُ الأحِبَّةَ قبلنا
وأعيا دواء الموت كلَّ طبيبِ

أكتب كلامًا نابعًا من سُوَيْدَاء قلبي؛ عسى أن يكون برًّا بأمي بعد مماتها، وعنوانًا للوفاء، فمَن أحق بالوفاء مِن أمي، رحمها الله وأعلى منزلتها في عليين؟

 

من هي أمي؟

هي أم عبدالله شيخة بنت راشد بن حسين الهذيلي، رحمها الله، وزوجها حسين بن عبدالله بن جدوع حفظه الله.

 

أكتب صفحاتٍ ناصعةً من حياتها، ومهما خطَّت أناملي من كلماتٍ، فلن تبلغ حقها، ولن تُفصِحَ عن مكنون ابنها الْمُلتاع على فراقها.

 

الأمهات أرقُّ الناس قلوبًا، وأعظمهم رحمة، وأصدقهم مودة.

 

لا شكَّ عندي أن أمي رحمها الله تحمل من الشمائل والصفات والمزايا التي لن يستطيع قلمي الإحاطة بتفاصيلها، ولكن حسبي من القلادة ما أحاط بالعنق.

 

عُرِفت أمي أم عبدالله رحمها الله بصفات عظيمة، فقد كانت سَمْحَةً سهلة، هيِّنة متواضعة، بشوشة ذات دعابة، لا تعرف الخُيَلاء، ولا تبيع دينها بدنياها، فقد كانت - أحسبها والله حسيبها - نقيَّةً تقيَّةً صادقة.

 

كانت أمي أم عبدالله طيبةَ النفس، ظريفةَ الْمَعْشَرِ، ترضى بالقليل، وتشكر على الكثير.

 

كانت طيبة القلب، سليمة الصدر، عفَّةَ اللسان، لا تحب الكذب ولا الغِيبة ولا النميمة من أي إنسان كان، ولا ترضى به في مجلسها، فليست بسبَّابة، ولا لعَّانة، ولا بذيئة، فلا تسمعها تذكر أحدًا بسوء، بل تغضب غضبًا شديدًا، وكانت تقول لمن يفعل ذلك: (لا تَدَعْ سيئاتك تأكل حسناتك).

 

أمي رحمها الله لا تسمح بالسخرية والاستهزاء، واستنقاص الناس أو الحط من قدرهم، ونبزهم بالألقاب التي تَشِينهم وتُعيِّرهم، فقد كانت تَنهى عن ذلك أشدَّ النهي، وتغضب وتعاقب من يفعل ذلك بالعقاب البدني المناسب، وربما بالهجر والتوبيخ.

 

عُرِفت أمي رحمها الله بدَمَاثَةِ أخلاقها، وحبها الخيرَ للصغير والكبير، والقريب والبعيد؛ فهي محبة لأقاربها وجيرانها، فكانت رحمها الله تتألف الصغير والكبير، وتفرح بالزوار، صدرها واسع، تُقبِل على مَن يزورها بالبِشْرِ والسرور، وترى القادم لزيارتها صاحبَ فضلٍ عليها.

 

ومن صفحات أمي المضيئة صفحة قيمة وعظيمة هي حسن التربية لأبنائها:

غرست أمي الخير في نفوسنا صغارًا وكبارًا، وهذبت سلوكنا وأخلاقنا، وحرصت أن نظهر في أحسن مظهر كما أراد الشرع، وكانت تأمرنا بالمروءة ومكارم الأخلاق، وعدم التقصير في حقوق الآخرين.

 

ومن أشد ما كانت تحرص عليه أمي رحمها الله أداءُ الصلاة في وقتها، وحملنا على المسارعة بأدائها، فلا تكاد تجد من تفوته الصلاة مع الجماعة في المسجد إلا من عذرٍ، ففي صغرنا كان المسجد بعيدًا والطريق موحشةً، خصوصًا صلاة الفجر، والبرد أو الحر شديد، ومع ذلك لا تعذرنا بترك الجماعة.

 

ومما تحذرنا منه أمي رحمها الله الوقوع في المخالفات الشرعية؛ من كذبٍ وغِيبة ونميمة، وحلق اللحية أو تقصيرها، وإسبال الثوب، ولُبس ما يخالف الشرع، ومن أعظم ما تنكره على حفيداتها وقريباتها لُبس البناطيل أو العاري والقصير، وكانت تنصح أمهاتِهن وتخوِّفهن من النار.

 

فضلًا عما كانت تأمرنا به من الآداب العامة، والخصال الحميدة؛ كآداب السلام واللباس، والأكل والشرب، والتحية والزيارة، واحترام الآخرين.

 

ومما كانت تحبه أمي رحمها الله السواكُ تفرح به، وتدعو لمن أحضره، وتوزع على من حولها أعواد السواك، وتقول: (يُطهِّر الفم ويُرضِي الربَّ).

 

وكانت تحب الهَدية، فتُهدي الحِنَّاء لجاراتها وقريباتها، وتهدي الزيت المقري فيه بكميات كبيرة في زجاجاته، رغم ارتفاع ثمنه، فقد كانت تتصل بأخي عبدالله لينسق مع قارئ في القصيم ليحضره للرياض، ثم توزعه، فلا يكاد ينفد ما عندها، حتى تتصل به ليُحْضِر كمية أخرى.

 

ومما عُرِف عن أمي صلة الرحم والمبادرة بالزيارة لأقاربها، وحرصها الشديد على عدم تفويت المناسبات العامة والخاصة لأقاربها، ولو كانوا بعيدين عنها؛ فهي لا تستبعد الطريق أبدًا، وتحتسب الأجر في ذلك، واستمرت على ذلك حتى عجزت عن الذهاب لهم، ولم تستطع ركوب السيارة؛ بسبب المرض الذي ألمَّ بها وجائحة كورونا.

 

وكانت تتصل على محبيها وأقاربها تَتَفَقَّدهم، وتسأل عنهم، وتطلب زيارتهم، وخصوصًا الغائبَ والبعيد منهم، وتقدم الهدية لمن تزور سواء مادية أو عينية، وكانت تَهَشُّ بحفيداتها وتفرح بجلوسهن حولها، وتُنشد لهن: "قلبي يحب البنيات وافرح لي جو محلي".

 

أما صلتها بجيرانها، فذاك له شأن خاص؛ تزورهم وتُؤنِسهم، وتقدم الخير لهم مع بساطتها، وتجتهد في خدمتهن، ونفعهن بما تستطيع من مشورة، أو بما علمها الله من وصفات شعبية، أو علاج لهن ولأطفالهن.

 

وكانت تحرص على المشاركة بدورية الحي، وتكون أولى الحاضرات؛ مما أكسبها محبة الجميع من أقاربها وجيرانها.

 

ومما تتميز به أمي رحمها الله حُسْنُ خُلُقها وبساطتها، وحبها للمؤانسة والممازحة لجيرانها وأقاربها، وإخوانها محمد وحسين وإبراهيم وعبدالله، وأخواتها، فلها معهم ومع كل قريب صغير أو كبير مواقفُ في ذلك، وهي كثيرة، ومن عبارتها الدارجة على لسانها إذا رأت الحزن على أحد: "اضحك ولا تكشر الدنيا قصيرة"، أو عبارة نحوها.

 

ومن أكثر من كانت تمازحه شقيقها حسين بن راشد الهذيلي، فلها معه مواقف لا تُنسَى، وكذلك مع أولاد أخيها حسين، البنين والبنات - مواقف يُظهِرون فيها المحبة والتقدير، والبر والصلة بها، جزاهم الله خيرًا.

 

ولا شك أن إدخال السرور على المسلم من أعظم القُرُبات.

 

أما الصدقة المالية والعينية، فقد كان لأمي باعٌ طويل يأتيها المال من والدي وإخواني وأخواتي، فوالله ما كانت تدِّخره ولا تجمعه؛ لأنها كانت تزهد فيه، وترى أن ما زاد عن حاجتها ليس لها حق فيه.

 

فلا تتقالُّ أو تستكثر ما تنفقه وتجود بما تيسَّر، فما أسرع أن تتقاسم ما يأتيها منه مع الفقراء والأيتام والأرامل، من طعام وكساء ولباس وغير ذلك، تستحضر الآيات والأحاديث وأثرها الكبير في عدم نقص المال، وتؤمن بذلك، وتنفقه؛ فيدُها مبسوطة بالخير غير مقبوضة، تتمثل ذلك، فتفتح يدها، وتقول: "كونوا كذا"، وتقبضها مرة أخرى وتقول: "ولا تكونوا كذا"، كانت أمي رحمها الله سريعة بما تعطي، مسرورة بما تنفقه، لا تطلب الشكر على ما تقدم.

 

كانت تسارع بالصدقة أحيانًا في حر الشمس وتقول: "جارتي فلانة بحاجة ماسة"، ولها مقولة ترددها دائمًا على أسماعنا: "لو كنت أمسك المال كان بنيت لي به عمارة"، تستحضر أجرها في الآخرة.

 

أما السائل، فمن المحال أن تردَّه، وكانت السائلة تتردد عليها من منطقة بعيدة في وقت الغداء مرارًا، فتُدْخِلها ومن معها في البيت، فتعطيهم الغداء، ثم تتصدق عليهم من دون تذمُّر أو تضجُّر، وتقول: أعطوها من رزق الله، فتجمع لها ما تيسر، ثم تذهب شاكرة لأمي، داعية لها بالخَلَف.

 

لذلك كانت أمي من أنعم الناس عيشًا؛ لأنها رضِيتْ بالكفاف، وتحلَّت بالعفاف، ورضيت بما تيسر، وتركت ما تعسَّر، فقد كان المال يأتيها في الصباح، فتنفقه في المساء؛ مخافة يوم الحساب.

 

وبعد صلاة العصر من يوم الجمعة ١٠/ ١/ ١٤٤٥ للهجرة، فاضت روح أمي الطاهرة، وأنا وأخواتي بالقرب منها، وكانت منذ أيام ترفع سبابتها لتنطق بالشهادة، فتذكرها أختي بذلك، حتى خرجت روحها الطاهرة، صابرة محتسبة الأجر على ما أصابها من مرض ألمَّ بها قبل ثلاث سنوات، عسى أن يكون ذلك تكفيرًا لسيئاتها، ورفعة في درجاتها.

 

وبعد صلاة العصر من يوم السبت أسرع المشيِّعون بجنازتها إلى المقبرة، وأهَلْنا التراب على أحب الأحباب إلى قلبي، باسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

إيه يا أمي، إن هذا والله موقف لم أحسب له حسابًا!

يا أمي إن أكُ دفنتُكِ في قبر، فقد دفنتُكِ في الحشا.

إيه يا أمي يا ضياء عيني، أحقًّا هذا آخر عهدي بكِ في هذه الدنيا.

بكيتُكِ، ولكن البكاء لا يطفئ لهيب الفقد وجمرته، ولا يخفف مرارة اللوعة.

أحتسب على الله مصابي بكِ يا أمي الحبيبة الغالية:

وهوَّن ما ألقى من الوجد أنني
أجاوره في قبره اليوم أو غدًا

وفي الله عز وجل لنا عزاء من كل هالك، وخَلَف من كل فائت، وعِوَضٌ من كل مصيبة، وشر من المصيبة حرمان الأجر فيها.

لكن سبقت وكلنا في رحلة
يجتازها الراضي بها والشاكي

اللهم أعْطِنا على ما رُزِئنا أجرًا، وأعْقِبْ لنا خيرًا، ولا تنزِع منا نعمة، اللهم نعلم أن ثوابك خير لنا منها، ورحمتك خير لها منا.

 

اللهم تغمَّدها بواسع رحمته، ومتِّعها متاعًا دائمًا بالفردوس الأعلى من الجنة.

 

اللهم أعِنْها على القبر وضمَّته، والصراط وزَلَّته، وعلى الحشر وهَولِه.

 

اللهم ارحم غربتها، وآنس وحشتها، ونوِّر قبرها، واستر عورتها، ويمِّن كتابها، واغفر لها يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اجْزِها عن والدي وعني وإخواني وأخواتي خير الجزاء، واجمعنا بها ومن نحب في جنان الخلد مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسُنَ أولئك رفيقًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة