• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

مسحة الحزن في أعين الشعراء

مسحة الحزن في أعين الشعراء
د. محمد محمود النجار


تاريخ الإضافة: 3/12/2022 ميلادي - 9/5/1444 هجري

الزيارات: 5228

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مسحة الحزن في أعين الشعراء


يملك الشعراء من دون الناس أعينًا شفَّافة كاشفة، تُعَرِّفُ بهم، فمهما تسربلوا بدِثار الصمت، فَضَحَتْ أعينهم مكنوناتهم، وعرَّفَتْ بهُوِيَّتِهم، وهي أعين تجمع بين الحزن والسعادة، والجرأة والبراءة، والتهور والخجل، والزهو والتواضع، واليأس والأمل، ليس من أحد تفضحه عينه كما الشعراء، وإن مسحة الحزن تبدو هي المسيطرة على أعينهم أكثر الأحيان، مع شدة وَلَعِهم بالجمال، وجرأتهم على اقتحام أسباب الفرح، لكن خليط التجارب بعد الإفاقة من سكرتها ينشئ قدرًا من الحزن في أعينهم لا ينفك عنهم، مهما تبدلت الأحوال.

 

وليست كل أحزان الشعراء سواءً، فمنهم من تترك له قسوة الأقدار في ملامح عينيه لمعة تنُم عن تحجُّر ماء عينيه في مدامعها، وفيهم من هو في رفاة يتنعم، لكنك تراه مع ذلك سالكًا نفس السبيل، محملة عيناه بأعباء وطن سليب أو أمة كسيرة تترنح، ومنهم من هو في هموم الإنسانية كلها قد غارت عيناه، واغرورقت بشلالات أحزانٍ تتحدر من مقلتيه، مشغول بأوضاع الإنسانية عامة، ربما من فساد وظلم، أو جهل وغباء، أو لهو وغرور وغفلة، أو غش ولصوصية وخداع، ومنهم من هو مهموم بذاته، لا يبرح يرفض وجوده، ولا يدرك له معنًى، بينه وبين الأرض التي يدِب عليها جفاء، وحشة وغربة عن جميع ما حوله ومن حوله، ومنهم من هو كل ذلك، فإذا هو جبلٌ مهيب كجبال مكة قاتمٌ في بهاء، ولامِعٌ في عناء، وساخنٌ بلا توهج، سوَّدته خطايا بني آدم كالحجر الأسود، لكنه من دم ولحم، ظاهره حجر ساكن، وباطنه حزن يتدفق.

 

وإن جولةً عابرة في قليل من أعين الشعراء يمكن أن تُظهر لنا بعض ذلك:

عبد العزيز جويدة، لماذا يحزن؟


هو شاعر مصري من مواليد عام 1961م، تقلد العديد من المناصب آخرها رئيس مجلس إدارة شركة استثمار كبيرة، وهو يقيم في حي من أحياء مصر الجميلة، فلماذا يحزن؟ يقول:

الأرضُ تُنجبُ كلَّ يومٍ ألفَ وجهٍ مثلَنا

لكنها لا تَكترثْ

أَبَدًا بأَحْلامِ العَبيدْ

الأرضُ تُنكرُ دائمًا فقراءَها

فهمُ عددْ

هُم مثلُ ناطورٍ ويحرسُ دائمًا

في اللا أحدْ

وجميعُنا نُلقي السلامَ

على بلادٍ كلُّ ما فيها بَددْ

ستعودُ تُقسمُ بالبلدْ

وتعودُ تَصرخُ في المدى

مدَدًا ... مددْ

ستدورُ دورَتَكَ الأخيرةَ

ثم تذروكَ الرياحُ إلى الأبدْ

ستموتُ محزونًا كغيرِكَ

كلُّهم ماتوا هنا حزنًا وغمًّا

في البلادِ المتعبةْ

كهفٌ وأهلُ الكهفِ دومًا نائمونَ


إنه شاعر مهموم بالحريات العامة، مشغول ببلده، والفقراء، يحمل بين طياته ألمًا على وطنٍ تبددت أحلامه تحت وطأة واقع بئيس، لبلاد حزينة متعبة، كأنها كهف وأهلها من شدة الإعياء كأنهم نائمون، ومن ثَمَّ فقد جاء هذا القدر الهائل من الحزن على الناس في وطنه، وشاع في قصيده اليأس من فرصة للتغيير:

يا ألفَ مِشنقةٍ تدلَّتْ داخلي

لِمَ كلَّ ثانيةٍ أحسُّ بداخلي

حلمًا عنيدًا رائعًا قد ماتْ

وجعُ القصيدةِ مستحيلٌ ينتمي

لعساكرٍ وحمائمٍ وغُزاةْ

ستموتُ محزونًا كأمِّكَ


لكن عينيه الممتلئة بألق الحزن تأبى أن يكون حزنها على وجع البلد فحسب، فهناك أوجاع أخرى تُعَظِّمُ ذلك الحزن، فتزيد معه الرغبة في الرحيل إلى أرض غير الأرض:

أُريدُ الرحيلَ
لأرضٍ جَديدةْ
لأرضٍ بَعيدةْ
لأرضٍ وما أدرَكَتْها العُيونُ
ولا دَنَّستْها ذُنوبُ البشَرْ
أُريدُ التَّنقُّلَ بينَ الكواكِبِ
يومًا أُسافرُ بينَ النجومِ
ويومًا أنامُ بِحِضنِ القمرْ
وحينًا أُغني كمثلِ الطيورِ
وحينًا أُظلِّلُ مثلَ الشجرْ
أُريدُ الرحيلَ لأرضِ المحبَّةِ
أرضِ التسامُحِ
أرضِ السلامِ لكلِّ البشرْ

 

ولكن ليس السلام فقط هو ما يفتقده؛ ومن ثَمَّ يتمناه للجميع - إنما أيضًا الفضيلة والعدالة:

أُريدُ الرحيلَ لأرضِ الفضيلةْ

لأنَّ الحياةَ هُنا مُستحيلةْ

أُريدُ الرحيلَ لأرضِ العدالةْ

فكلُّ الحقوقِ لَدينا تَضيعُ

إنها أحزان شاعر نبيل، لها مع سلبيَّته الواضحة تجاهها أهداف مشروعة، وإن يراها في مصاف الأحلام.

 

إدريس جَمَّاع وعبقرية الحرمان:

هو شاعر سوداني من مواليد 1922م، توفي عام 1980م، بعد رحلة عذاب مع المرض ثم الجنون، لقد كان جَمَّاع اسمًا على مسمى، فلم يحتمل صدره ذلك الزخم من الأحزان المفرطة، على نفسه، وعلى وطنه، وعلى كل شيء يرجو له الأفضل من حوله، فلكأنه مسؤول عن تغيير العالم، إنها الإيجابية المفرطة تجاه واقع عظيم التردي، فالمثالية قد تصل بصاحبها إلى حد الجنون؛ إذ تحميل الذات فوق ما تحتمل، يعظم الهموم على النفس، فإما أن يرفض العقل ذلك الواقع الرديء فيغيب عنه، أو يهرب منه بعمل متهور، أو تنكسر صلابته في المقاومة فينساح مع الواقع على مراد أهله، فيكون مصيره في كل الأحوال، إما إلى ضياع، أو جنون؛ يحدث نفسه فيقول:

ذلك الراسف في أصفاده
والذي يعثر في ذلِّ الرقيق
إنك المسؤول عن إطلاقه
من هوان القيد ما دمت طليق

 

وهو أيضًا مسؤول عن تحرير وطنه، وعن الذود عنه؛ يقول:

أعاهد قومي وهذي يدي
على أن أذودَ وأن أفتدي
حماي المقدَّس من مولدي
حرامٌ به قَدَمُ المعتدي
جرى في دمائي ثبات الجدود
وحب الردى تحت خفق البنود
كَسُورٍ وقفنا لنحمي الحدود
كفانا من الفخر أنا جنود
بلادي التي عِشتُ في ظلِّها
حياتي وحبي وعزمي لها
بصدري ألاقي العدا قبلها
وأستقبل الموت من أجلها
وأدفع عن أرضها كل شر
ليشرق فيها الغد المنتظر
رجال ولسنا نهاب الخطر
وفي وجهنا لمحات الظَّفَر

 

وفي قلب ذلك الشاعر إنسانية تشمل كل ما حوله، ومَنْ حوله، حتى إذا ما سقط طير من السماء جريحًا، فإنه يشعر بجراحه كما لو كانت في جنبيه هو تلك الجراح لا جنبي الطائر، إذ لا معنى للإنسانية عند جمَّاع إلا بذلك:

وإذا ما سقط الطير الجريح وهو
مخضوب على الأرض طريح
يضرب الأرض بريش ويَصيح
حوله زغب من الطير تنوح
وتلمست بجنبيك الجروح
فبحق أنت إنسان وروح

 

ومع كل هذه المسؤولية الجارفة التي تنطوي عليها نفسه، فإنه أيضًا شاعر مفعم بالجمال، محبٌّ للحياة، وللطبيعة بكل تفاصيلها، يحدوه الأمل في غد أكثر إشراقًا، تتوقف معه كل الحروب وينعم الجميع فيه بالأمن:

بسمة الفجر أسْفِري عن عالمٍ
تتآخى فيه آمال الشعوب
عالم يبغض أطماع القوى
والدم المسفوح في ساح الحروب
يصل الناس بحب شامل
ويبث الأمن في كل القلوب

 

مع كل هذا الحب والانفتاح القلبي على كل شيء، كان لا بد أن تكون الأحزان هي الخِلَّ الوفي لذلك الواله الهائم في محراب الإنسانية، وليت الأمر وقف به عند ذلك الحد، لكن الحالة النفسية قد آلت به إلى ما هو أبعد من ذلك، فإذا بتلك الأحزان المفرطة والأشواق العارمة تسلبه عقله بقدر ما سلبت فؤاده، ثم هو مع ذلك يعرف أنه سيرحل عن قريب عن هذه الحياة، ولا ينتظر من أحد بعده أن يتوقف عند ذكراه:

مثلما يهدر وادٍ في انطلاق
وكما ينصب في بحر عظيم
تحتوينا بعد أيام فراق
في عناقٍ هذه الأُمُّ الرؤوم
قبلنا كان وكنا ويكون
سامر يؤنس إيحاش الوجود
ضجة تعلو وسكر وشجون
ثم نمضي بعد هذا في هجود


إبراهيم ناجي شاعر الأطلال:

ولد في حي شبرا بالقاهرة سنة 1898م، وكان أبوه شخصًا ذا ثقافةٍ عالية، ويتقن اللغة الإنجليزية إتقانًا تامًا، وكان إبراهيم طبيبًا من نوع فريد، مثقفًا يجيد الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، ويترجم الكتب والأشعار منها، وهو فوق ذلك شاعر خاض عُباب الشعر العربي على بساط سحري ماتع بواسطة مكتبة أبيه، التي كانت تضم آلاف الكتب، فأثقل موهبته الأدبية، وقوى ملكته الإبداعية، لكنه مع ذلك شاعر عاطفي لم يفارق الحزن عينيه، منذ نشر ديوانه الأول (وراء الغمام)، ليس بسبب تجاربه الشخصية، وإخفاقاته العاطفية، ومآسيه الخاصة فحسب، ولكنه ضمَّ إلى ذلك سببًا يذكره الدكتور شوقي ضيف عنه؛ فيقول: "ناجي أسلم زمام شعره لنفسه ولحمى الرومانسيين، وسرعان ما ظهر على شعره طفح هذه الحمى، وأخرج في هذا التعبير أو هذا الاتجاه أول دواوينه (وراء الغمام)، وفيه قصيدتان مترجمتان هما: التذكار لألفريد دي موسيه، والبحيرة للامرتين، وكأنه يضع في يدنا مفتاح النغم الذي ينصب في ديوانه، فالشاعران من زعماء الرومانسية في فرنسا، وشعرهما يفيض بالحب اليائس الحزين، وخاصة دي موسيه الذي لازمه في مغامراته سوء الطالع، والذي يصور في شعره نفسًا مضطربة قلقة، وكأنه يشرب الحياة من كوب ماء مرير، وعلى هذا النسق فهِم ناجي الشعرَ، فلم يصور عواطف الناس السياسية والوطنية من حوله؛ بل انصرف إلى نفسه يتغنى بحبٍّ شقيٍّ عاثر، وهو غناء كله ألم وشَجَنٌ وارتياب وقلق وهم، غناء عاشق، يخفق دائمًا في حبه، ولا يجد في نفسه ولا في يده منه إلا الذكرى الممضة المحرقة"، لقد تشكل جوهر شاعرنا الفني، في ظل هذه العوامل الثقافية، وعوامل أخرى شخصية أحاطت به، فجاءت أشعاره على النحو الذي برز فيه انتماؤه إلى المدرسة الرومانسية التي تقوم على منزع فلسفي قوامه التشاؤم، لقد تأثر بذلك في نظرته الوجودية؛ فلذلك لمع الحزن في عينه لمعة كانت تخفيها عن أعين الآخرين محاولاتُه الدائمة في إشاعة المرح وروح الفكاهة، فكان "كثير الاتصال بالناس، مشرق الروح، أنيس المجلس، تحس وأنت تجلس معه كأنه عصفور فزع، فهو كثير التلفت، لا يهدأ له قرار، ولكنه يملأ الجو من حوله مرحًا بفكاهته الخفيفة، وعذوبة روحه القلقة"، فكان على المستوى الإنساني مترفعًا على أحزانه، مختلطًا بالناس، يعالج المرضى بالمجان في عيادته بشبرا الخيمة، شمال القاهرة، حتى إنه مات وهو يعالج أحد المرضى، لكنه إذا دخل واحته الشرعية الخاصة، وأخلد إلى أوراقه، فضحت الْمِحْبَرة أحزانه بأبيات؛ من مثل:

ران السواد على وجود الدور
ورنا إليَّ نحيبها والأدمع
وكأنني في شاطئ مهجور
قد فارَقَتْهُ سفينة لا ترجع
حملت لنا أملًا فلما ودعت
لم يبقَ بعد رحيلها للناظر
إلا خيال سعادة قد أقلعت
ووداع أحباب ودمع مسافر

 

ففي هذه الأبيات من قصيدته (الميعاد الضائع)، يتصور حبيبته وهي تنتظره أن يقدم عليها، ويتخيل حالها في انتظاره، وهكذا هي العواطف عند ناجي، نحيبٌ وأدمع وسفينة لا ترجع، وهو يرى أن أكثر العمر يمر سدًى، والقليل منه فقط الذي يجمعه بمن يحب هو ما يعيش على ذكراه سائر الوقت؛ يقول:

العمر أكثره سدًى وأقله
صفوٌ يتاح كأنه عمران
كم لحظة قصرت ومدت ظلها
بعد الذهاب كدوحة البستان
وتمر في الذكرى خيال شبابها
فكأن يقظتها شباب ثان
من ذلك الطيف الرقيق بجانبي
كفاه في كفي هاجعتان
لكأننا والأرض تُطوى تحتنا
نجمان في الظلماء منفردان

 

ثم تذهب به أحزان الفراق كل مذهب؛ فتبلغ أشعاره ذروة الشطط أو تلامسه، فإذا به رغم ما عُرف عنه من التدين يقول:

لكأننا والريح دون مسارنا
خطَّان في الأقدار منطلقان
إني التفت إلى مكانك بعدما
خليته فبكيت سوء مكاني
هل كان ذاك القرب إلا لوعة
ونداء مسغبة إلى الحرمان
حُمى مقدرة على الإنسان
تبقى بقاء الأرض في الدوران

 

على هذا النسق تقوقعت شخصية الشاعر الكبير في عالم شديد الخصوصية، فهو لا يشرف على العالم إلا من منظار شخصي تشاؤمي بائس.

 

وتحت هذه النماذج الثلاثة، جودة، جماع، ناجي، أثْرَتْ أحزان الشعراء كافة حدائق الشعر بأعذب الأشعار، فما هؤلاء الثلاثة بأحاسيسهم الغامرة، وكتاباتهم الأثيرة، وشخصياتهم الآسرة، وموقف الحزن منهم وأسبابه البادية في ملامحهم، إلا أمثلة خلفها وعلى نسقها حالات شعرية متعددة ربما مشابهة أو مقاربة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة