• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

ذكرياتي في السودان (1) مشهد النيل من فوق السحاب

ذكرياتي في السودان (1) مشهد النيل من فوق السحاب
عامر الخميسي


تاريخ الإضافة: 6/8/2022 ميلادي - 8/1/1444 هجري

الزيارات: 15223

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ذكرياتي في السودان (١)

مشهد النيل من فوق السحاب


دخلنا أجواء السودان بعد أن قطعنا عرض البحر بصحبة شباب يزدانون بهجة ونضارة وحيوية وألقًا، وقد كان الركاب أكثرهم شبابًا، وأكثر من نصفهم طلاب ذاهبون لدول شتى؛ فهذا يريد بريطانيا، وهذا أمريكا، وهذا كوريا، وهذا ماليزيا، وكلهم سيحطون رحالهم في مطار الخرطوم، وأكثر هؤلاء الشباب سيستقرون في السودان، وقد رأيت من جو السماء مشهد النيل يجري صافيًا عذبًا رقراقًا، وقلتُ حينها أبياتًا أسمعتها البروفسير علي بابكر مدير جامعة أم درمان الإسلامية الأسبق، ولا أدري أين ذهبت مني.

 

إنك عندما ترى النيل إن كنتَ شاعرًا لا يمكن أبدًا أن تتلعثم في وصفه؛ فهو بجريانه يدعوك لوصفه، لقد رأيته أول ما رأيته من شاهق الجو، يشق الصحاري والقفار في أرض السودان الواسعة الممتدة الأطراف.

 

ورأيت النيلين الأبيض والأزرق وهما يغذَّان السير، فلكأنهما وشيٌ على بساط من فضة، وذكرت حينها قول طرفة بن العبد، وهو يتحدث عن آثار النسع على ضلعَي ناقته؛ حيث يقول في معلقته:

كأنَّ علوبَ النِّسْعِ في دأياتها
موارد من خلقاء في ظهرِ قَرْدَدِ
تلاقى وأحيانًا تَبِين كأنَّها
بنائق غُرٍّ في قميصٍ مقدَّدِ

 

لقد رأيتهما يلتقيان في وسط الخرطوم، ثم يسيران كنهرٍ واحد يعبر أرض السودان، يسيح فيها ككوثر من الجنة، رأيته ورأيت الصفاء والنقاء، والطهارة والبركة، وتذكرت كم كان هذا النهر ملهمًا للشعراء من غابر الأزمان، وتخيلت شوقي يقف على ضفته وينشد:

أي عهد في القرى تتدفَّق
وبأي كفٍّ في المدائنِ تغدقُ
ومن السَّماء نزلتَ أم فُجِّرت من
عليا الجِنان جداولًا تترقرقُ
وبأي نولٍ أنت ناسجُ بردةٍ
للضفتين جديدها لا يخلقُ

 

كان السودانيون القدامى يعتقدون في النيل كائنًا مقدسًا، وما زالوا في بعض سواحله يُعمدون المواليد برشفاتٍ منه، وهو عندهم رمز للوطن، وحبه يجري في عروقهم، وارتبط في أذهانهم معنًى ومبنًى، ومن يكتب عن النيل عندهم، فإنما يكتب عن الوطن وتاريخه، وفنون أهله، وتقلب زمانهم، وقيام وأفول حضاراتهم، وآداب وفنون وعادات وتقاليدِ أهله منذ شروق شمس التاريخ.

 

وبعضهم يعتقد أنَّ البحرين اللذين جاء ذكرهما في القرآن الكريم، وأن الله أجراهما؛ هما: النيل الأبيض، والأزرق، وأن البرزخ المذكور في القرآن الكريم هو (المقرن) في الخرطوم؛ حيث يلتقي النيلان فلا تمتزج مياههما لمسافة، وهو رأي لبعض العلماء، وسمعتُ الشيخ سيد المختار الشنقيطي شيخ كرسي التفسير بمركز تكوين العلماء يذكر أن مجمع البحرين، ونقطة التقاء موسى بالخَضِرِ هو في الخرطوم عند ملتقى النيلين، وإن كان هذا الرأي يعتبر مرجوحًا، إلا أنه قد يكون له حظ من النظر، وأراني أميل إليه لعدة اعتبارات ليس مجال بحثها هنا، والعجيب أني وجدت بعض الإخوة في السودان يفتخرون أن فرعون منهم، ويستدلون ببشرته السمراء، وأن مملكته كان أصلها في السودان، وامتدت إلى مصر؛ بدليل قوله تعالى: ﴿ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ﴾ [الزخرف: 51]؛ لوجود أكثر من سبعة عشر نهرًا في السودان، ولا يوجد في مصر إلا نهر واحد، ولأن السودان فيها من الأهرامات أكثر مما في مصر، وعلى العموم هو قول مرجوح عند أكثر أهل العلم، والشيخ عبدالحي يوردها كطُرفة ولكم أن تسألوه!

 

وحتى نعود إلى ذكر النيل، فهو نهر له مجراه في قلوب أهل السودان، ولأنهم هاموا به وقدسوه قبل الإسلام؛ أكرمهم الإسلام بأن جعله نهرًا من أنهار الجنة؛ فهذا شاعرهم التيجاني يوسف بشير يقول:

أنتَ يا نيلُ يا سليل الفراديسِ

نبيلْ موفق في مسابك

ملء أوفاضكَ الجلال فمرحى

بالجلالِ المفيض في أنسابك

حضنتك الأملاك في جنة الخلد

ورفَّت عليَّ وضيء عبابك

 

وكان شعراء النيل يسخرون من الإنجليز أيام كفاحهم ضد الاستعمار عن طريق المقارنة بين نهر النيل ونهر التايمز؛ يقول العباسي:

انظر إلى النيل دفاعه أبدًا

ينساب لا بَطِئًا ولا أمَمَا

فإن خلا لبني التيمز لاحتكروا

معينه فاشتهيتم منه جرعة مَا

 

وكانوا أثناء حربهم للمستعمر يشحذون عزائمهم في أنهم لا بد أن يطهروا النيل من رجز ودنس الغاصب؛ يقول أحد شعرائهم:

حبذا النِّيل جنَّة لو قشعنا

عنه ظِلَّ المستعمر المنكودِ

 

وله رنينٌ في قصائدهم ومجالس سمرهم وحكاياتهم وأدبهم؛ فهذا أحد شعرائهم وقَف يومًا ينادي:

كانت لنا صفحات مجد تالدِ

واليومَ نغمرها بمجد طارفِ

النيلُ زمجر وانبرى فتيانهُ

يتدافعون كمدِّ سيلٍ جارفِ

تتكسَّر الأحداثُ تحت أكفهم

والدَّهر يرقبهم بقلب واجفِ

لا قيدَ بعد اليوم بل حريةٌ

تهبُ الحياةُ لكلِّ عانٍ راسفِ

 

وله نصيبٌ من غزلهم وغرامهم وولههم وذكرى صباهم؛ فهذا البرفيسور عبدالله الطيب يقول في ديوانه أصداء النيل:

يا حبذا النيلُ أنَّى كان منسربا

وحبذا ثبجٌ منهُ وكثبانُ

والنيلُ يهجسُ في أعماق أنفسنا

مذ نحن في سبحات المهد ولدانُ

 

إنه جزء لا يتجزأ من حياتهم، وفي وصفه يكتبون قصائدهم ويقيمون أعراسهم، ويشهدون احتفالاتهم وأجدني الآن وأنا أكتب عن أهل السودان ونيلهم الدَّفَّاق أتدفق حنينًا وحبًّا وشوقًا؛ فكم شهدت على النيل من صفاء إخاء، وحب ونقاء!

ونهر النيل يعتبر مصدر فخر لهم؛ فهذا أحد أدبائهم يستنكر لما سألته صحفية عن هويته وقد انبرى يقول:

لا تعرفيني من أنا؟

أجل...

هذا أنا...

ابن الصحاري البكر والغابات

على قلبي يفيض النيل شلالات...

 

وهو عندهم حياة؛ إذ عليه معايشهم فمن لحومه يأكلون، ومن نبعه يشربون، وإليه يخلُدون، وعلى ضفافه يجلسون، وفي أفيائه يتنزَّهون، فهو مرسوم في أذهانهم كحياة من حيواتهم؛ يقول شاعرهم العبَّاسي:

ونيلٌ فاض كوثره فأجرى

بواديهِ الحياةُ لنا معينا

 

وله ارتباط عندهم بالسكينة والأهل والطمأنينة؛ فهذا الدكتور مصطفي عوض الكريم يقول وقد ذاق مرارة الغربة:

ارجعوني لبلادي

قد تمادَى اليوم حزني

فأنا الصَّادي لماء النيل

أين النيلُ منِّي؟

 

لقد أعجبني منظر النيل الجميل وتدفقه الانسيابي، ولكن لم أكن أعرف إلا أنه نهر فحسب، لكن بعد ذلك عرفت أن النيل لأهل السودان هو الوطن والأهل، وليس مجرد ذلك الماء المتدفق الذي يجري على أرضهم، وحنينهم إليه إن ابتعدوا حنين للمكان والزمان والإنسان.

 

النيل لا مشهد في السودان يعدله جمالًا وألقًا وحسنًا؛ حيث ينساب متدفقًا ثجَّاجًا طاهرًا، يكرع الكل من حياضه، ويرتاح في رياضه، وهو مصدر من مصادر أنسهم.

 

ولأني أول مرة أسمع بالبروفيسور الراحل اللغوي الكبير عبدالله الطيب، عندما سألني الأستاذ الأديب والكاتب الداعية محمد الحبر: هل تعرفه؟

فأجبته بالنفي.

 

فأخبرني عنه وعن عبقريته، فهُرعت أبحث عن معلوماتٍ عنه فوقعتْ عيناي أول ما وقعت على أبيات له قالها عندما كان في بريطانيا يحنُّ فيها إلى النيل:

فيا ليتَ أنَّ النيلَ يدنو فماؤهُ

أحبُّ إلينا من مُعتَّقة بكرِ

ومن كاعبٍ حسناء لذَّ حديثُها

تَفَاوحُ من أثوابها بَنَّةُ[1] العطرِ

 

نزلنا في مطار الخرطوم وتلقانا السودانيون بالترحاب والبِشْر، وكان ذلك في يوم التروية من سنة ألف وأربعمائة وثمانٍ وثلاثين للهجرة.



[1] بَنَّةُ العطر: انتشاره وفوحه، وهي في الدارجة السودانية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- دُرةً حفها النيلُ وإحتواها البُر درة النيل هى جزيرة توتي
أحمد القمرابي 07-08-2022 01:13 AM

حقيقه لا فض فوك
النيل أبونا والجنس سوداني
مثل ما قال شاعرنا ود حد الزين إسماعيل حسن
لنا فيه شجون وشؤون مرتع صبانا وحاضن أحلامنا الصغيرة ومودع أسرارنا الجميلة
يكفي يومك جمال وصفاء حين تعبر الجسر صباح من أمدر مبروكة الإله والدين مدينة أم درمان العريقة ميمما وجهك شطر الخرطوم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة