• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر


علامة باركود

الدرس (قصة قصيرة)

الدرس (قصة قصيرة)
محمد صادق عبدالعال


تاريخ الإضافة: 7/12/2021 ميلادي - 2/5/1443 هجري

الزيارات: 2844

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الدرس (قصة قصيرة)


حضر ثم عرج المحقق القانوني إلى مكتب مدير المدرسة الثانوية للتحقيق في واقعة أمس الأول بشأن التعدي بالضرب المبرِّح من قبل المعلم (ألف) على الطالب (ياء) أثناء حصة التاريخ، وسَرعان ما أشهر سنَّ قلمه الجاف، وأخرَج من حقيبته السوداء المتخمة بأوراق كثيرة المذكرة المقدَّمة من أولياء أمر الطالب، وبينما المحقق يتلو على مسامع الحضور وقائعَ الحادثة، كانت عينُ القاص تتنقل خلسةً لمن حضر ذلك المشهد، فها هو المشكوٌّ في حقه المعلم "ألف" يلتزم الصمت ويبدي ابتسامة بتراءَ ظاهرها التجمل وباطنها القلقُ، والطالب نفسه لا يبدو منتشيًا بهذا الاهتمام ممن يدعموه قَدْر ما هو واجمٌ ساكن، ولا تزال عين القاص تطَّلع على طائفة من أولئك الذين تطفَّلوا على معاينة المصير الذي ينتظر المعلم المتهور الخارج عن آداب التقويم الصحيح، فمنهم من يجزم بوقوع الجزاء لا محالة ناهيك عن النقل خارج القطاع، ومنهم من يقطع بأنه أهون من المجازاة، ومنهم من يسأل الله له السلامة والمصالحة، وعين القاص تنتابها الدهشة من تشابه حالة كليهما من سكينة، برغم الثورة العارمة التي تجتاح صدريهما والنعرة الظاهرة ممن جاؤوا تضامنًا مع الطالب (ياء) الشاكي.

 

المحقق: بمن نبدأ؟

مدير المدرسة: كما تريد لك وما تراه إحقاقًا للحق!

 

المحقق القانوني بأدب: تفضل أستاذ "ألف" ما قولك فيما تقدم به الشاكي ولي أمر الطالب (ياء) بخصوص التعدي عليه بالضرب المبرِّح أمس الأول، وقد أَقرَّ بالواقعة طلابٌ أترابه ومعلمون أمثالك، وذلك في حصة التاريخ ... يمرر سن قلمه الجاف على سطور المذكرة؛ فيتمم المعلم الكلام:

• وكانت بخصوص الحملات الصليبية على مصر.

• المحقق مداعبًا: على مصر أم بلاد الشام.

• المعلم: سِيَّانِ.

• المحقق: لا هذا درسٌ وذلك درسٌ آخر ما زلت أذكر!

• المعلم: بالتأكيد.

• المحقق القانوني: شيق هو التاريخ.

• المعلم (ألف) مبتسمًا: بالتأكيد ولكن من يعي!

 

وتلمح عين القاص في وجوه الحاضرين سخريةً خفية، ولسان حالهم: هل المعضلة فيما كان عنوان الدرس أو ماهية دراسة التاريخ! ويشرع في استكمال المذكرة المرفوعة وقد أبدع كاتبها تزويقًا وترويقًا استجداءً لحق الطالب، ومع ذلك لم يتورع المعلم (ألف) على أن كل ما ورد بالمذكرة حدث بالفعل وأكثر منه، ويعقب: وقد نسي الكاتب الفتيق أن يحصى عدد اللَّكَمات التي صبر عليها ذلك الطالب دون أدنى مقاومة.

 

شاهت أعين الحاضرين حتى الشامتون، وعين القاص التي كانت تتبع وتختلس النظر فيهم أنزلتها الدهشة منازل الذهول، ويعاتبه زملاؤه ليعدِّل من جوابه رجاء أن تُخفف العقوبة، فيشير غير مبالِ بما سوف يحدث!

 

• المحقق: يا سيدي قل شيئًا يخرجك من مسألة يترتب عليها تداعيات مجازاة أو نقل أو استبعاد، وقد شَهِدَ بعضهم أنه تشارك مع بعض زملائه في إخراج أصوات منفرة وضجيج حال دون التركيز في الدرس، وأن الأمر تكرَّر منه عدة مرات، فأكد على ذلك، وإني لأرجو أن يكون التصالح فاتحة خير لكم.

 

• أعمام وأخوال الطالب بحدة بعدما نما لمسامعهم تلك المبادرة: أَتمم التحقيق سيدي نرجوك.

 

• المحقق مطأطأً رأسه: كما تشاؤون.

 

في تلك الأثناء كانت عين القاص قد تمكنت من معاودة التتبع لمن حولها كأقارب الطالب ممن أثلج إقرار المعلم بما حدث صدورهم ولسان حالهم: "قُضِيَ الأمر فيه تستفتيان"، وهذا المعلم سوف يلقى عاقبة أمر اندفاعه خسرًا، وكانت ثلة من أقرانه الطلاب قد استدعاهم مدير المدرسة للشهادة، فانتخب منهم المحقق بعضًا وزهِد في بعض، ويستدعي الطالب الشاكي، فينادى عليه ويضرب ذووه على كتفه: بأن تماسك وتذكَّر جيدًا كل ما حدث لك، ولا تنس شيئًا من ضرب مبرِّح وإهانة بين زملائك، وينسل الطالب (ياء) من بينهم وكأنه يفِرُّ منهم لذلك المحقق راجيًا أن يخلَى المكان من الجميع شرطًا ليدلي بما حدث له، فأناب القاص أذنيه استراقًا للسمع بديلًا عن عينيه التي حجبها أمر ذلك الطالب المدلل؛ لَبَّى المحقق رغبته وخلا المكان حسب مراده، وقبل أن يغرس المحقق سنَّ قلمه في وريقات تشبَّعت تحبيرًا وتصبيرًا أشار الطالب بكف الرفض:

• سيدي المحقق، إني أتبرأ من تلك الشكوى التي بين يديك.

 

وجم المحقق ثم قال بصوت حنون: بني لا تخف، فالحق معاك وشهودك كثر والمعلم نفسه أَقرَّ بواقعة الضرب والإهانة.

 

• الطالب: سيدي إن قلت لك: إني لم أنَم ليلة أمس منذ أن وقَّعت على المذكرة تصدقني؟!

 

• المحقق: كيف هذا، ولقد أفادت المذكرة أنك لم تحرك ساكنًا وهو يضربك، ولم تتلفظ ببنت شفة مما يعزِّز موقفك، حتى الأصوات التي صدرت عنك وعن أقرانك كانت متشابكة متشابهة!

 

الطالب: أنا لست بمظلوم ولا صاحب حق، ورجاءً لا تقل ضرب مبرِّح وما هو إلا تأديبٌ ليس إلَّا!

 

طلعت شمس الابتسامة في وجه المحقق القانوني بعد عبوس وكأنه يعاصر زمنًا قد انصرم:

• كيف ذلك يا بني!

 

الطالب: هو ذلك والله، تصدقني إن قلت لك: إنه لَما التقت عينيه بعيني وهو يضربني رأيته!

 

المحقق: من رأيت؟!

 

الطالب متأثرًا: وجه أبي الذي أوحشني كثيرًا!

 

المحقق مندهشًا: أبوك؟! لم تقل لي أين هو؟ فيما بدا لي أن هؤلاء أعمام أو أخوال.

 

الطالب: هم أولئك وجاؤوا على أثر الشكوى، وإن أبي بالمملكة لا يأتي إلا كل صيف: كعزيز ضيف ونادرًا ما يأتي في الشتاء لظروف عمله، لم يأل في حق رعايتي جهدًا.

 

المحقق عاتبًا: وهل هذا جزاؤه؟!

 

يغض الطرف خجلًا ثم يستطرد:

• تصدقني إن قلت لك أني تمنيت الحرمان في وجوده عِوضًا عن فرط جوده! وتصدقني إن قلت لك أني لأغبط الأصحاب ينهرهم أبوهم، فيفروا للبيوت ليقتاتوا دفء العائلة.. وتَسبلٌ عينيه دمعها السخين وكأنه قد تحجَّر زمنًا فيواريه حرجًا، ويتفرَّس المحقق في وجهه طويلًا، ثم يلقي بالقلم الذي تقبض عليه أنامله:

• عجبت لكم يا شباب اليوم، ما عسى الآباء أن يفعلوا إن لم يغتربوا لأجلكم شكوتم الفقر والحرمان، وإن سافروا تغيَّرت وسمجت تصرفاتكم؛ حتى تَميد بكم سبيل الاستقامة، وتتخذوا من بعدِ الأهل عنكم ذرائع الاعوجاج، فما الحل معكم لقد صيرتم العذبَ ملحٌ أجاج!

 

الطالب وقد دلى برأسه خجلًا: ليس لهذا الحد ولكل شيء وسطية!

 

يخرج المحقق تنهيدةً طويلةً ويبتسم ويسأله: هل لديك أقوال أخرى يا بني؟

الطالب: لا سيدي غير الذي قلت لك.

 

ينتفض المحقق من قوقعته القانونية وبصوت عالٍ:

• يا أيها المشكو في حقه تعالى وانظر تدابير ربك!

 

جحظت عين القاص من هول ووقع ما سمع، انكب الطالب على يدي معلمه يقبلها، فسحبها المعلم سريعًا وضمه إليه، وقد تقطرت بعينيه هو الآخر دمعةً باردة بللت خده الخمسيني:

• و لقد رأيت فيك مثل ما رأيت من ولدي الذي أرهقني تمردًا وعصيانًا!

 

• الطالب: كلنا ولدك أستاذي.

 

لم يجد مناصرو الطالب بدًّا من إبداء التسامح والمصالحة، فلملم المحقق أوراقه ودسَّ قلمَه في غِمده، وقال مبتسمًا: رعى الله شبابنا يا معلم التاريخ!

 

الجميع: اللهم آمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة