• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر


علامة باركود

بائعة المناديل

بائعة المناديل
أحمد بلقاسم


تاريخ الإضافة: 14/10/2021 ميلادي - 8/3/1443 هجري

الزيارات: 2677

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بائعة المناديل


في عطلة نهاية الأسبوع تلقَّيت مكالمة هاتفية من صديق عزيز أخبرني فيها أنه قد حطَّ الرحال بمقهى بمدينة أحفير، ليحتسي قهوة "مغلية" ويلتقط أنفاسه، وهو يتملى في حزن الحواجز الفاصلة بين الجارين المغرب والجزائر، وريثما يلتقط صديقي عبدالقادر أنفاسه، أكون أنا قد استعددت كفايةً لمغادرة المنزل، وعلى بعد دقائق من نقطة اللقاء يرن الهاتف:

• آلو.

 

• نعم.

 

• تعال إلى مكتبة عبدالناصر ستجدني هناك.

 

• حاضر، لحظة وأكون هناك.

 

صديقي عبدالقادر مهووس بالنبش في رفوف المكتبات، وعادة ما تكون حصيلة نبشه إيجابية، فينعكس ذلك على مُحيَّاه:

• أحمد.

 

• انظر ماذا وجدت؟

 

• رائع.

 

• بل هو تحفة.

 

ينفض عنه الغبار ويتأبَّطه، ثم يشرع في النبش عن الجواهر المفقودة، ولا يشبع نهمه في النبش، سوى الظفر من جديد بتحفة جديدة.

 

• عجيب أمر هذا الكتاب، بحثت عنه في عدة مكتبات في وجدة ولم أجده، فعثرت عليه هنا في بركان.

 

• إذًا مقولة: يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، مقولة صحيحة علينا أن نعض عليها بالنواجذ.

 

يتأبط صديقي تحفته ويرمي شباكه في قاع النهر علَّه يصطاد أخرى، ويسألني باسمًا:

• أليس لشباكك حظ في هذا النهر؟

 

• كلما تفقَّدت ما يعلق بها أجده غثًّا لا يسمن ولا يغني من جوع.

 

يقاطعني عبدالناصر مستحثًّا إياي على الاستمرار في الغوص عميقًا في نهره:

• لا تيأس يا أحمد ابحث تجد.

 

تطييبًا لخاطره أنتقل إلى زاوية ملتقى الرفوف، أسحب كتابًا متهالكًا بعد مسحه بنظرة خاطفة أُعيده إلى مكانه، أسلُّ آخرَ أتصفَّحه هنيهةً، ثم أعيده إلى مكانه، وبينما أنا منهمك في تثبيت أحدهم إلى جانب إخوته، يناديني عبدالناصر وهو ينفض الغبار عن كتاب من الحجم المتوسط، ألا يعجبك هذا، التشكيل السردي بين جموح الخيال والاختزال في القصة القصيرة جدًّا.

 

• قلت لك مرارًا: إن شهيتي للقراءة تنقبض عندما أسمع، أو أقرأ مثل هذه العنوانين الطنانة والموغلة في الغموض، ثم ألا ترى أن العنوان أكبر من حجم الكتاب؟

 

نغادر المكتبة ميممين شطر السعيدية، بينما تكون عجلات السيارة تلتهم سواد الطريق، نتجاذب نحن أطراف حديث ذي شجون، مفعم بالحسرة والسخط على واقعنا البئيس العفن. وتزداد مرارته عند نقطة بين الجراف، مرارة لا نقاومها إلا بتوزيع اللعنات ذات اليمين وذات الشمال، وحدها زرقة البحر ودلال موجاته المتسابقة في استحياء لاحتضان رمال الشاطئ، هي التي تعيد لروحينا صفاءها وسكينتها:

• ما أجمل البحر في غياب الدهماء!

 

• حيث توجد الدهماء يوجد العفن.

 

نلتقط صورًا للذكرى، ونحن نذرع الشاطئ جيئة وذهابًا، ثم نقصد إحدى مقاهي الكورنيش، ونحن نحتسي القهوة، أغتنم الفرصة لألج البحر بسرعة، بحر الفايسبوك.

 

في المساء نودع الشاطئ بهدوء، ونقفل راجعين إلى بركان التي تكون قد اصطبغت بلون الأصيل، نتوجه رأسًا إلى مكتبة عبدالحكيم، لا نخرج منها إلا ونحن نتأبط كتابًا أو أكثر، ثم نعرِّج على المقهى لاسترجاع المزاج، ولا يتم ذلك إلا بقهوة ما قبل الغروب، ونحن نحتسي قهوتنا يحدث أن نسلي أنفسنا بتعليقات أصدقائنا على صورنا المنشورة على الفيس، ويحدث أن نتصفح ما اقتنينا من كتب، ويحدث أن نبدي رأينا فيما يصدر من كتب محليًّا أو وطنيًّا، ويحدث أن أقول لصديقي عبدالقادر:

• متى نقرأ لك شعرًا جديدًا؟

 

• قلت شعرًا؟

 

• أجل شعرًا.

 

• أضحكتني أضحك الله سنك.

 

• أنا لا أمزح، أنا جاد.

 

• ألا تعلم أن الشعر بات عملة غير ذات قيمة؟

 

• دعنا من كلام المتشائمين، وتوكل على الله وعلى قريحتك، وأمتعنا شعرًا عذبًا ماتعًا ومفيدًا.

 

• ماذا لو قلت لك: إن بعض دور النشر توقفت عن نشر دواوين الشعر تحت ذريعة أن سوقه أصابتها جائحة الكساد.

 

وبينما نحن نتجاذب أطراف الحديث، يحدث أن يمر بطاولتنا بائع السجائر بالتقسيط، أو بائع بذور عباد الشمس والفول السوداني، نأخذ من هذا ما شئنا، ونصرف النظر عن ذاك باحترام، راجين لكل واحد التيسير، وحدث ذات مساء أن قطعت إحداهن حبل حديثنا عارضة علينا في استعطاف مبالغ فيه بضاعتها، مستجدية أن نشتري منها المناديل الورقية، وعادة ما كنت أشتري منها مما تعرضه مضاعفًا، فعوض درهم أدفع لها درهمين، دفعًا لسماع أسطوانتها المشروخة: خذ مني هذه المناديل، وستربح كذا، وتغنم كذا، وتكسب، وتنجح، وتحج بيت الله..

 

لكن هذه المرة بينما كنت أحرِّك قطعة السكر في فنجاني، وأسأل صديقي عبدالقادر عن عنوان التحفة التي اقتناها واسم مؤلفها، وقفت بمحاذاة صديقي وهي تحتضن سلعتها احتضان الأم لرضيعها، وشرعت في تحريك أسطوانتها المألوفة: خذ مني هذين المنديلين، والله لن تخيب، خذهما وزِدْ معهما هذا، أقسم لك بالله ستربح مالًا كثيرًا، وسيتحقق حلمك، وستحج بيت الله، وتطوف بالكعبة، أدخل صديقي يده في جيبه وسحب منه ثمن المعروضات وزرعه في كفها، تحسست أناملها القطع النقدية، ثم ردمتها في جيب معطفها الذي يكاد يغطي ساقيها، في الوقت الذي كانت يدي تتسلل إلى جيب سروالي لتسحب منه ما يكبح جماح الأسطوانة المشروخة عن الدوران، سمعتها تقول بلهجة شديدة: والله لن أبيعك منديلًا واحدًا من مناديلي هذه وإن أعطيتني أموال العالم كلها، والله لن أبيعك ولو نصف منديل ولو تتحول أنت إلى منديل، والله لن ولن ولن. ولو ولو..

 

استمرت في القسم تلو القسم، تبادلت النظرات مع صديقي، التفتنا وراءنا، قد يكون أحد ما قد استفزها، اصطدم بصرنا بجدار المقهى لا أحد خلفنا، لذت بالصمت مطرقًا أنظر إلى الفنجان، متحاشيًا النظر إليها، متفاديًا نظراتها الحادة، ظللت منكسًا رأسي حتى أخذ صوتها يتناهى إلى مسمعي من بعيد خافتًا شيئًا فشيئًا، وإن كفت أسطوانتها عن الدوران وانقطع حبل يمينها، لم تتوقف نظرات رواد المقهى عن تمشيطي من أخمص القدمين حتى الرأس، حتى صديقي عبدالقادر ساوره الشك، فبادرني متسائلًا وابتسامة عريضة توشح ثغره:

• ما الذي فعلت معها حتى جنيت هذا الكم الهائل من الغضب؟

 

• إلا الخير، وها أنا أضع أمامك مقولة: اتقِ شرَّ من أحسنت إليه على المحك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- شكر
أحمد بلقاسم - المغرب 15-10-2021 12:02 AM

أشكرم جزيل الشكر على تفضلكم بنشر هذه القصة على موقعكم دمتم طيبين

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة