• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

سحر العربية

سحر العربية
جواد عامر


تاريخ الإضافة: 18/2/2021 ميلادي - 6/7/1442 هجري

الزيارات: 5746

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سحر العربية


أيُّ سحر وأيَّةُ فتنةٍ هيَ الضَّادُ؟ حسناءُ آسِرةُ العينينِ تفيضُ منها دُرَرُ الْبيانِ سانِيَة كالفجْر يتمَلْملُ بين غَبَشِهِ وإفلاقِ الصباحِ، بين الحقيقةِ والمجاز، مُؤتلقة كالبدْرِ مُسْتعيرَة نورَه ُمن مكتبةِ الشمسِ لتَخُطَّه أحْلاما على سِفْرِ الوجود، رشيقةَ القوام ِ، ممْشوقَةَ القَدِّ، تتراقصُ المعاني حول خِصْرِها الأهْيفِ وتتموجُ كسُنبلةٍ تُداعِبها الرياحُ، فتخرج عن مُعْتادها مُترنِّحةً نشْوانَةً حينا وتَحْفَظ لرَقصَتِها معانيَها حينا آخر، أنيقة الملْبسِ يكْسوها الربيعُ حُلَّةً رائعةً فَتتَوشَّى كربْوة نفخَ فيها الربيعُ من روحِه، فأزهرت وأيْنَعَتْ وتلوَّنت فهْي آيةٌ تسْحر كلَّ ذي لُبٍّ وبصَرٍ حديدٍ.

 

إنها الضَّادُ غَزُرَتْ كماءٍ جادتْ به دِيَمُ السَّماء فاسْتسْقى بها الخاطِرُ وارتوى بعَذْبها القلبُ فأوْرقَ فيها رَوْضُ الإلهامِ وشَدَتْ بها بلابلُ الرُّوحِ أغْنياتِ الحُبِّ والعِشْقِ لهذا الكائنِ الملائكيِّ الجميل، أمْطرتْ مُذْ عرفْتها فامتلأت بماءات ألفاظها البحارُ وفاضت بسيول معانيها الأنهارُ وتفجَّرت بحلاوة جرسِها الينابيعُ، فلا تكاد تجد لها غورا ولا تدرك لها نقطة ابتداء أو انتهاء، تفجرت منها المَعاني بلا حدود فقَوِيَتْ على التعبيرِ عنْ كل شيء يَعِنُّ في الفِكْرِ أو يجيشُ به الوجدانُ بشتى الضُّروب والفنون وفي غاية الإبداع والأناقة التعبيرية.

 

سحَرني مذاقُها مُذْ رشَفْتُ أري زهُورها في حَقل البلاغةِ والنَّحو والصرف والعروض فتَلقَّحَتْ رياضُ الكلام منظومهِ ومنثورهِ فأزهرت برعماتها المُؤتَلقَة فوق أماليدِ الوجود لترتفع وتسمُوَ فوق كل اللغات التي ظلت ملتصقةً بالأديمِ، لا عطْرَ يُضَّوعُ جوا ولا دُرًّا يُكَلِّل عِطْفا ولا فراشا يقربها فيمتص منها أَرْيجًا بقدْر ما تُؤثِّتُ الفضاء وتملأهُ، يَفِد إليها الوافد ليحصل منها على غاية واحدة وهي التخاطب لا غير فقلما يلفي فيها شيئا يُمتِع فَيَلْتَذُّ بِطَعْمِهَا.

 

إنها الضاد تفْتِنُكَ موسيقى شعرها بنغَمِها الرَّنَّان وإيقاعها الفتَّان، يتراقصُ الوزنُ فيها طروبا حالما طَوْرا وناثِرًا لَهَبَ الحماسة، مُذْكيا نيرانَها طورا آخر، أما منثورها فحبَّاتُ خَرَزٍ انتظمتْ في عِقْدٍ يُوشِّي جيدَ الكلامِ، تراصَّتْ صفوفُ ألفاظِه وانتظمت لتؤدِّيَ معانيها اللامتناهية، هي دوْحَةٌ يَسْتظِلُّ بظلها الوارفِ كل من يعشق الحَفيفَ وشَجْوَ البلابلِ، دوحةٌ لا تزال تمُدُّ أعْراقَها في تراب قلبي وتطلق برعماتها سابحة في ثناياه مشرقة باسمة لا تنقطع مطلقًا عن المسير، تزهر في كل يوم زهرًا جديدا وتؤتي قِطافها في كل حين بإذن ربِّها، في رحلة نحو اللانهاية والمطلق، رحلة تثمر فيها ما يُغْنِي حقول الوجود بألفاظ وتعبيرات تتلاءم مع كل عصر كأنما تولد من رحمه، لتعبر عن خصوصياته في أي حقل من حقول المعرفة الإنسانية، لذلك اغتنى معجمها حتى بلغ عَنانَ السماء ناظرا إلى بقيَّة الألسنةِ من عرشِه متباهيا كالنسر في عليائه يرنُو إلى البُغاثِ هازئا، يَرمُقُ بعينيْنِ حادَّتينِ خَوَرَ اللغات التي لا تستطيع مُجاراته في التحليق ولا مضاهاة قوته الكاسرة.

 

لابد أن الضاد تتمتع بقوة لا حدود لها اكتسبتها من غذاء النحو ومَشْرَب البلاغة و مَصْنع المعجم، فالنَّسقُ النحويُّ يتيح إمكانات كبيرة للتعبير عبر ما يسمح به التقديمُ والتأخير والتقدير في الحذف والإعراب في إطار تحْكُمهُ بلاغَةُ الخطاب التي تترقى شِعريَّتُها في الانزياحات التعبيرية لتُضْفيَ لمساتِها الجماليَّة والبيانيَّة والرمزيَّة الأنيقة على الكلام الذي لا تفارقه بُردة البديع، أما ثروتها اللفظية فلا حدود لها لا يستطيع أي كان عبر التاريخ أن يُلِمَّ بأعدادها البالغة اثنا عشر مليونا ونيْفا في آخر الإحصاءات العالمية متفوقة تفوقا باهرا لا مجال للموازنة فيه مع أعتى اللغات وأكثرها استعمالا في العالم الحديث اليوم أقصد الإنجليزية والفرنسية، أضِفْ إلى كل هذا تمتُّعها بحلاوة الجرْس و سهولة المنْطقِ التي مَتحَتْها من مُتغيراتِ الصَّرفِ عبر الإعلالات والإبدالات ومن تشاكلات الصَّوت المُتراوح بين الجهر والهمس وما يحققه من خِدْماتٍ جليلة للدلالة والتعبير عن الحالات النفسية للمتكلم العربي، فالمُفتخرُ بالحَسَب والنَّسَب في شعْره وخطابته يستعمل الحروف المجهورة غالبة والكليل الحزين يُغَلِّبُ الهمْس والمَدَّ في منطوقه ملائما طبيعة الصوت لما يجِيشُ ويخْتلجُ بدواخله، فيجتمع بذلك جرس الصوت وتشكُّل اللفظ وتحقق المعنى في تناغُمٍ عجيب وتآلفٍ بديع ليهَبَ العربيَّة قيمةً مُضافة تتسامى بها نحو العلاء.

 

ولعلَّ قُدرتها الفيَّاضةَ وطاقتها التعبيرية الهائلة يُجَلِّيها الخطابُ القرآنيُّ الذي نزل بلسانها مخاطبا كل البشرية فكانت الناطق الرسمي بمضامين الوحي المعجز المبهر للعقول في كل شيء، لذلك فكل نفس تستشعر الجمال لن تتمالك أحاسيسها أمام رهْبة العربية وسحْرها الدافئ الذي يكْتُب طلاسِمَهُ في كل شِبْر من نفْسك فيتَمكَّنَ حُبُّها منك متى لاكَها لسانُكَ وفَقِهَ عقلك معانيها الراقية لتأخذك إلى عوالمها الراقية وتسبح بك في بحارها الغائرة حيث اللآلئ جاثمة ٌفي ملكوتِها العظيم، فوَقْعُها كبير على النفسِ، لَئِنْ تُيِّمَ بها الإنسانُ فلنْ يَصْبُوَ لغيْرها وإن جرفَتْهُ سُيولُ اللغاتِ الأجنبية في بحر العولمة الهادر، لأنَّ دور هاته الأخيرة بقِيَ وسيَبْقى محْصورا في تأدِيَة أهدافٍ تبليغيَّةٍ تواصلية لا غير، دون أن يجْذبك سحْرٌ فيها أو يلفِتَكَ رونَقٌ بهيٌّ كذاك الذي كُسِيَتْ إيَّاه الضَّادُ، فتلوَّنتْ بتلاوينِ الفصول فعاشِقُها لابدَّ أن يتلَمَّسَ سِحْرَ الخريفِ شاحِبا كأوْراقِهِ، تتلاعبُ بها الأرياحُ هنا وهناك مستكينة لينة حينا ومُضَمَّخَةً بالدماء ثائرة حينا آخر، حينما تصافحها شمس الأصيل في المَمْسى ويرى صفاءَ المعاني في صفْو الماء جاريا وذائبا بَيْن الفينةِ والأخرى ويقرأَ بُرودَتَها في برْدِ الشِّتاءِ هادئَةً ساكنةً تنْتظِرُ أنامِلَ الربيعِ الساحرةِ لتُوشِّيَها ريشَتُها بأَزْهى الألوانِ ويُلبِسَها أبْهى الحُلَلِ، فلا تلْبثُ بعد دهْر أنْ تسْتدْفِئَ بحرارة المعاني وتكتسي التِّبْر المنْثورَ من أقلام شمْسِها سبائِكُها الجميلةُ، هكذا هيَ الضَّادُ تلاوينُ فصولِ الحياة باديةٌ عليها، تَلْبسُ من كل فصل رداءه فتكون بذلك صادقة في تعابيرها المتفجرة في كتاب الحياة.

 

لغة من هذا النوع وبهذه المقدرة الهائلة لابد أن تضرب أوتادها عميقة في كل نفس تتذوق الجمال، فلا تستطيع لغة كيفما كان نسقها، ولا يقدر لسان مهما بلغت طاقته أن يجاري لغة الضاد قيْد أُنْمُلة، لأنه سيظهر صغيرا أمام عظمة بحرها الهادر الغائر، فلا يلبث أن يستكين ويسقط كالمغْشِيِّ عليهِ من رهْبَة هذا الماردِ الجَبَّار.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة