• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / دراسات ومقالات نقدية وحوارات أدبية


علامة باركود

العنوان بوابة النص (1)

محمد صادق عبدالعال


تاريخ الإضافة: 18/2/2018 ميلادي - 2/6/1439 هجري

الزيارات: 88757

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العنوان بوابة النص (1)


العنوان هو العتبة الأولى للوُلوج لمفاد ومَغزى النص، أو الفهم الظاهر لما يُريد الكاتب الحديث عنه، أو إن شئت قل: هو اللحظة التنويرية المبدئية لفحوى النص، والعنوان مُقوِّم رئيس من مقوِّمات عُروج النصوص لمنصَّة الإبداع، أو هو البوابة الرئيسية ذات الجهات الأربع الأصلية اللواتي يصنعن المطابقة بين النص وشخصية الكاتب والبيئة المحيطة وميوله الأدبية.


ومعلوم أنَّ كثيرًا من الكُتَّاب الذين يُشار إليهم بالبنان تروّج لكُتبهم وأعمالهم أسماؤهم، وصيتُهم وخبرات الذين سبقوا بالقراءة والاطِّلاع لهم، وبكونهم ثقاتٍ لهم باع وصاع، وذيوع شهرة وانبهار الكثير بأقلامهم، وفيض أحبارهم، وليس هذا الأمر هو ما يعنينا مِن المقال، فمقصد القلم في ذلك هو العنوان أيًّا كان صاحبُه.


والكُتَّاب في صناعة وابتكار العنوان على مستويات وأنماط عديدة، تتبايَن وتختلف، وربما كانت العناوين كاشفاتِ الظنون لمن لم يدرِ من صاحب الكتاب! فترى مثلًا من الكُتَّاب من يختار العنوان اليسير السهل الكاشف، وبدهي أن يكون النص المنسدل تحت مظلَّته من صيغته، حتى ولو وُصِف من قِبَل النُّقَّاد بالسطحية والمباشرة، فذلك في الكتابة ديدنه، والناس أهواء وأذواق.


ومنهم من يختار العنوان المعبِّر بمهارة عالية، يحار فيه من ليس له أرض راسخة من فضل اكتساب العلم والثقافة أو التعرُّف على نمطية هذا الكاتب في سياق عناوين أعماله، ومنهم من يكون بين هذا وذاك، أو كما يقولون: المعتدل، لا إلى الفلسفية العالية يميل، ولا إلى السطحية المباشرة يقيل.


• من أشكال العنوان الأدبي:

نجد "العنوان الإيحائي" الذي يتوسَّط المباشرة والتعمُّق، وهو ما يستخدم دلالةً مُعبِّرة أو عناوينَ مُغايرةً، لكنها تصُبُّ في نطاق الموضوع صبًّا صبًّا، يتَّضح ذلك جليًّا لمن كانت له العين الثالثة كما قلنا قبل، "ترى ما لا يراه المطَّلعون، وهذا النوع من العناوين غالب شيوعه في مناطق القهر الفكري أكثر من أخريات تتمتَّع بالحريَّات، ولا يُعدُّ "العنوان الإيحائي" ذو الدلالة أو "كلمة السرِّ" بين المثقَّفين وأَمثلهم طريقةً هو ما يخدم هذا الغرض الوقائي فقط؛ بل من سماته الكشف عن إبداعات الكاتب وموروثه الثقافي المكنون الذي يلجأ إليه حال مخاض الكتابة.


• ومن فضل الله عليَّ بنعمة القراءة اقتنائي لكتاب ذات يوم وأنا قادمٌ من مدينة "دمياط الجديدة"؛ إذ رأيتُ شابًّا بناصية الطريق يعرض كُتبًا للبيع قديمة هي في تاريخ صدورها، وأنا من يعشق القديم عشقًا، وكأن عبق التراث نابضٌ فيها، فأمسكتُ برواية ذات غلاف أزرق زُرْقة النيل ومخطوط عليها أسفل صورة صاحبها المرسومة بالريشة: "البحث عن الشمندورة"، تضاءلتْ عزيمتي في اقتنائها؛ وكدتُ أتراجع عن شرائها ظنًّا منِّي أنها شبيهة بالقصص البوليسية أو حكايات "ميكي"، مع احترامي لأربابها، لكنه لونٌ لا يستهويني، ولما تنقلتُ سريعًا بين سطورها وصفحاتها وجدتُها ذات قيمة أدبية ونقدية تستحقُّ الاقتناء؛ ضممتُها إلى صدري، وناولت البائع الشابَّ ما طلب بعد فصال اتَّسم بالتسامُح مِن كلينا، وهأنا اليوم أُفتِّش عنها من بين الكُتب بمكتبتي فعثرتُ عليها ليقين عندي أن هذا العنوان "إيحائي" يستحقُّ الاستشهاد به داخل تلك الصفحات القليلة، وبالفعل صدق حدسي حين اعتدلتُ أقرأ من أول التقدمة لثلاثة من الأدباء والنقاد لصاحب العمل الكاتب الأديب "محمد خليل قاسم"، تنقُّلًا بين حياته في البيئة النوبية المصرية، وكيف كانت "الشمندورة" عنوانًا رمزيًّا مواكبًا موفَّقًا للكاتب "محمد خليل قاسم" - وهو من مواليد النوبة المصرية - استنْزَف الأحبار من أقلامه استِنْزافًا، ونزع خيوط الرواية من بين براثن القهر، وتحدَّى الظروف، حتى خرجت "الشمندورة" تحكي حلمه الكبير عن التحام النوبة بالقطر المصري من الجنوب، والدعوة لعدم حرمانه بالانعزالية التي قد تدفع بالكاره لهذا الوطن أن يصنع جبهةً مضادةً للبلد الأمِّ بدلتاه وشماله وشرقه، داعيًا إلى النهضة الفكرية والالتفات لمتطلَّبات هذا الجنوب المعزول برغم استشرافه فيض النيل، وأن سبب كتابة الرواية جاء بعدما قامت حكومة "صدقي باشا" بما هو غير إنساني حين التعلية الثانية لسدِّ أسوان، وتهجير سُكَّانها بطريقة مُفزعة - حسب قوله - والمستخلَص أن العنوان حين يكون مُناسبًا معبرًا فمؤكَّد أن تكون ثنايا السطور مرايا له ولفكرة اختياره.


• ويحضرني الآن وأنا على منصة الكتابة التي أتَّكِئ عليها - روايةُ أستاذنا الأديب الكبير المبدع "إبراهيم السيد طه"، من كبار كُتَّاب الرواية والقصة في وطننا العربي، وهو ابن أرض "الدقهلية - مصر"، وروايته بعنوان: "رياح الخليج"، والعنوان إيحائيٌّ يَغُوص في حقبة زمنية بعينها ربما عاصرتها كثرةٌ من محافظات مصر، يتناول فيها بأسلوبه الرائع والمتنقِّل بين السرد والحوار أحوال قُرى وأرياف مصر عقب السفر لبلاد الخليج لقاء الدينار "والدولار"، وتغيُّر الظروف وانقلاب موازين القُرى من اليسر وقلَّة الاحتياجات إلى المعاصرة وغلبة الكماليات على الضرورات، وأثر ذلك على العلاقات الإنسانية والأواصر الاجتماعية.


• أما رواية "الوتد" للمبدع "خيري شلبي"، التي تستدعي من القارئ حالةً من يقظة الذهن مع الربط بين ما هو مُجتمعي مَحلِّي قروي وإقليمي وعربي، وكيف أن (أُمًّا) استطاعت أن تجمع حولها الأبناء لتُجاهد بهم تحوُّلات الأيام ومعايشة الخلق بما لا يسمح لأحد أن يَتِرَهم حقوقهم، أو يبغي في الأرض الفساد، والقصة مِن عُمق الأعماق بريف مصر، لكنها درس وإسقاط لواقع عربي مطلوب، فما أحوج الأُمَّة الآن للمثل المحتذى به! وعنوانها رمزيٌّ - أعني الرواية - حيث استخدم الكاتب رمزًا شاع بين الناس الأخذ به لمن يجمع حوله أشياعه بقوَّة الجماعة وغلبة العقل، فضلًا عن اقتباسه من القرآن الكريم لقوله تعالى: ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [النبأ: 7]، فالوتد فسَّره (معجم المعاني التقني كالآتي: وَتَد / وَتِد، الجمع: أوتاد.


• الوَتِدُ: ما ثُبِّتَ في الأرض أو الحائط من خشب ونحوه، لدعم سور، أو تثبيت خيمة، أو ربط حيوان، أو تعليم نقاط في مسح، أو كسلاح عندما يُسنَّن طرفه.


• أوتادُ الأرض: جبالُها، أوتادُ البلاد: رُؤساؤها، زعماؤها - أوتادُ الفم: الأسنان، - ذو الأوتاد: فرعون).

لذا نشهد بأن الكاتب القدير "خيري شلبي" قد وُفِّق في انتقاء العنوان الرمزي الدال على مضمون العمل توفيقًا شامَ سماء الإبداع.


• وحتى لا يختلط علينا الأمر، فمَن يقرأ لفظة "العنوان الإيحائي" تُراوده مفردة أخرى تكاد تقترب منها أو ترتفع عنها قليلًا، ألا وهي: "العنوان الرمزي أو الإسقاطي" الذي يذهب بفكر القارئ لمنطقة مماثلة ليكشف النقب عن حالة مشابهة ليس له من خيار سوى التلاعُب وإيجاد البديل الرمزي الذي يصبح هو الآخر كلمة سرٍّ سرعان ما تشيع بين جمهور المثقَّفين، وقد تمتدُّ للبسطاء ممَّن لهم باع في الثقافة والقراءة.


• وأغراض العنوان الرمزي أو الإسقاطي لا تختلف كثيرًا عن العنوان الإيحائي، إلا في مجانبة المخاطر والمساءلة، غير أنهما يلتقيان في بوتقة واحدة لينتجَا الإبداع الخالص.


• (العنوان حَمَّال أوجه): وبما مَنَّ الله عليَّ من نعمة الكتابة، والمحاولة في خوض تجربة القصِّ، كانت العناوين تُمثِّل عندي حالة من القلق والهدوء في آن واحد، حتى لا أكون شبيه من ذكرتُ باختيار العنوان المبهر الخَلَّاب، وباطنه لا ينمُّ عن ظاهره، أو أتخيَّر العنوان الكاذب؛ وممَّا ذهبت إليه ذاكرتي من منشوراتي بالشبكة العربية الألوكة الطيبة قصتي بعنوان: "المدينة"، تلك التي قدح ومدح فيها كثيرٌ ممَّن قرأتُ عليهم، لكن الذي أسعدني وأفردني بالانتشاء بها هو أستاذي الذي ذكرهم بمفردة من أصول التراث الأدبي النقدي وهي: "الكلام حمَّال أوجه"، فالعنوان هنا "حمَّال أوجه"، فقد ذهب البعض منهم للقول: بأنها "المدينة المنورة" لسمات تكاد تقترب منها، ومنهم من قال: "المدينة الفاضلة" حلم أفلاطون، ومنهم من أصاب موضع النجابة فسطا على فكرتي فنال منها، وأدرك مقصدي بأنها "القبور"، حين رتَّب المفردات والجمل، واستدعى التراكيب الموحية بذلك، وعلى أية حالة حُمِل العنوان الرائع فإنها نالت إعجاب الكثير، وحازت شرف النشر بشبكة الألوكة العربية الراقية.


• ولن أتورَّع أن أسوق المثال الآخر لشكل من أشكال العنوان الإسقاطي الرمزي، لكن هيهات أن أناظر الرائع أستاذنا "خيري شلبي" في رمزيته "الوتد"، فكتبتُ "المستضعفون في الحقل"، وهي شبيهة "كليلة ودمنة" التراثية، فيها من الترميز ربما يكون مكشوفًا للكثير، لكن لا ضير من استخدام الإسقاط الذي لا يضرُّ صاحبه، ويسوق الفكرة - وهي الرسالة المنوط بها الكاتب في الوقت ذاته - لتصل للناس، وقد نُشرت بشبكة الألوكة/ حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة / جاء فيها: المستضعفون في الحقل (ثلاثة هم: اثنان منهم يجوبان الأرض قهرًا تحت ظُلمة مُصطنعة، فما زالت شمس النهار تلسع أجسادهم لسعًا، عطاشٌ برغم خرير الماء الناشئ عن هديرِ، وأما الثالث فمطية لكلِّ راكب، مكبَّل بعربة الحصاد والزراعة، فضلًا عن كونه الوسيلة لصاحب الحقل في المكوث والنقل، وشاهد عيان على الخديعة الكبرى التي يظنُّ صاحباه بها أنهما في سياحة، وما يُغادران الساحة، لكنه صامت يخشى أن يُفصح، وأما الرابع، وما أدراك ما الرابع؟! فمُتابع وملاحق، ولاهث خلف صاحب الحقل يُحيِّيه أينما حلَّ، مُدلَّل رغم أنف الثلاثة سالفي الذِّكر؛ فطعامه النضيج، ومقامه الظل، فباتت عيون الثلاثة ترمقه حسدًا وبُغضًا، ينتظرون هدأة الليل وسكونه، ودفْء المكان وشموله، حتى يُفصح كلٌّ منهم عما يُكِنُّه صدره حيال هذا المدلَّل).


• وعناوين النصوص الأدبية على اختلاف وتعدُّد أنواعها من قَصٍّ تنسدل تحت مظلته الرواية والقصة الطويلة والقصة القصيرة، وصولًا إلى مستحدثات القَصِّ، وانتهاءً بما تُسمَّى (الومضة)، تتباين ولا قياس عليها، إلَّا في حالات نادرة، تخضع جميعًا للزمان والمكان و"ديناميكية" الكاتب نفسه في أسلوبه واختيار مفرداته.


ولو تتبَّعنا الأمثلة لذلك لظهرتْ لنا اختلافات كثيرة، قد تُشكِّل الناحية البيئية عليها مُنحنًى ظاهرًا، ولربما فرضت على الكاتب اختيار العنوان أو الاقتراب من بيئته، ولو عُدْنا بالذاكرة مثلًا لقديمٍ بدايةً من قرض الشعر في البيئة العربية مثلًا، ونحن نعلم أسبقية الشعر على القص كأنموذج لجنس أدبي مُصنف، حتى ولو كانت ثنايا الشعر العربي القديم نفسه قصصًا لبطولات ومغامرات العربي والفروسية والغزل لأهل البداوة منهم والحضر، لكننا لا نعني ذلك؛ بل إن المبتغى هو الوصول إلى أن البيئة الثقافية العربية قديمًا كانت تتجاهل عنونة النصِّ الأدبي، فيُنسب النصُّ لصاحبه دون عنونته أو ضمِّه لباب من أبواب افتخار العربي بشيعته أو رثائه أو وقوفه على الأطلال أو هجاء بينه وبين الآخر لشقيقة وخصام، فنجد مثلًا (في الفخر أو الغزل لعنترة العبسي أو العتاب للمتنبي، أو في الهجاء لجرير أو الحطيئة، أو في الحكمة للسهروردي، أو في الزهد لأبي العتاهية، وفي الزهر للشيخ ناصيف اليازجي بعد ذلك ...إلخ)، ومن الشعراء من كان له مجال معين يرتع فيه ولا يبرحه، فأصبح عالقًا بذاكرة الناس مهما تعاقبت الأزمنة؛ كالفرزدق مثلًا وجرير صاحبي قصائد الهجاء المتبادل بينهما؛ أو كامرئ القيس في الوصف للخيل والليل، وكثير من أرباب وجهابذة تلك الحقبة الذين نُسبت عناوين أعمالهم إلى أغراضهم الشِّعرية.


• ونستطيع القول منطقيًّا وبعيدًا عن تاريخ الأدب: إن اهتمام العربي قديمًا بالنصِّ، وجودته وربما تلقائية إلقاء الشعر والنثر جعلته لا يلتفت إلى اختيار عنوانه لحفظ عمله من الاندثار والضياع مع أشباه الغرض الواحد.


• وللتوضيح: فما نحن بصدده هو العنوان الخاص بالقصة والشعر والنصوص السردية والنثرية الأدبية، ولم نتطرَّق بعد لما يُسمَّى "بالعنوان المسجوع"، الذي كان من أبرز السمات في كتابات السلف من العصور الوسطى وما قبلها وبعدها، وبدا ذلك العنوان ظاهرًا في تسمية المعاجم والمراجع في شتى صنوف المعرفة، وهذا هو الآخر كان يتطلَّب من صاحب العمل إنشاء العنوان الجذَّاب ذي الجرس الموسيقي الرنَّان ليكون مميزًا وجديدًا؛ مثال: "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي، "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" لحاجي خليفة، "الآثار الباقية عن القرون الخالية" للبيروني، ولو أراد الله لنا أن نسرد منها لما وسعت صفحاتنا تلك التراثيَّات الرائعة ذات الأسماء المشبعة رغبات محبي الاطِّلاع وموروث الثقافة العربية الأصيل.


ولو تتبَّعنا كما قلنا الأعمال الأدبية من بعد ظهور الإِسلام وفترة من الخلافة وما تلاها، والعصور العباسية التي هي أوج عصور ازدهار الأدب العربي، وصولًا لعهد ليس ببعيد - لوجدنا أن النمطية والمباشرة التي كانت عليها العناوين لا نستطيع الحكم بها على روائع أعمال الكُتَّاب والشعراء؛ ذلك لأن العنوان حينها لم يكن من أساسيات صنع القصيدة أو صياغة القصة.


بل إن كثيرًا من القصائد والنصوص الأدبية رحل عنها أصحابها وما وُضِعت لها عناوين إلا بعدما رحلوا، ومنها ما تاه في مواكب النسيان وتقلُّبات الدهور، فأصبح المشهور مغمورًا؛ وحار الناس لمن ينسبون العمل فإن عُثر على صاحبه لم يعد مطلب التنقيب عن اسمه وعنوانه مطلوبًا حين كُتب، فتولوا هم ذلك، فالغالب منها - أقصد عناوين الأعمال الأدبية- مجهولة الاسم، منها ما هو وضعيٌّ أي مِن صُنع المؤرخين والدارسين لأجل الفهرسة بنوعيها الوصفي والموضوعي والتصنيف والحِفْظ الرقمي.


• ومن العناوين التي تَنسلُّ إلى مسامع الناس ما يوضع زكاةً لقافية الشاعر أو الناظم لطولها ولوفرة الحكمة العالية بها واشتمالها على المناقب والمحامد؛ مثل: لامية العجم "جامعة الأمثال والحكم، التي أصبح لها شروح ومناهج دراسية" للوزير الشاعر الطغرائي، ومطلعها:

أصالةُ الرأي صانتْني عن الخَطَلِ ♦♦♦ وحِليةُ الفَضْلِ زانَتْني لدَى العَطَلِ


ونونية البستي لأبي الفتح البستي، ومطلعها:

زيادَةُ المرء في دُنياهُ نُقصانُ ♦♦♦ وربْحُهُ غير مَحْضِ الخَيْرِ خُسرانُ


ونونية القحطاني حديثًا، وهي من عيون القصائد السلفية، ومطلعها:

يا مُنْزِلَ الآياتِ والفُرْقانِ
بَيْني وبينكَ حُرْمةُ القُرْآنِ
اشرحْ به صَدْرِي لِمَعْرِفةِ الْهُدَى
واعْصِمْ به قلبي من الشَّيْطانِ


والقصيدة الهائية، وهي عنوان لأكثر من صاحب، فتلك لحُجَّة الإسلام الغزالي، ومطلعها:

ما بال نفسي تطيل شَكْواها ♦♦♦ إلى الورى وهي ترتجي اللهَ


و"القصائد العينية"؛ حيث اندرج تحت هذا العنوان الكثير منها على سبيل النقل والذكر: (القصيدة العينية لابن سينا الشيخ الرئيس، والقصيدة العينية للإمام الجيلي حفيد الإمام الجيلاني، والعينية للجواهري، وللإمام الحداد"، والكثير ممَّا يجعل الطالب لواحدة منهن أن يُحدِّد صاحب "العينية" بغية الحصول عليها دون مشقة، وربما كانت تلك العناوين مفاتح لحفظ واستظهار تلك الروائع التراثية في أدبنا العربي الجميل.


• العنوان "المستهلك والمستعار" ومع مرور الزمن وسطوع بدر القصة وثبوت أهليتها في أقطارنا العربية، واستخراج المضمون القصصي من بين ثنايا التراث الشعري والسردي أيضًا، رضي بذلك الناقد أو قال بأن لها أرباب صناعة غربيين، نقول ولا ننثني:

• إنه مع الزخم الكثير من نتاج القصة وشيوع الرواية وتعدُّد أقلام الشعر، أصبحت العناوين من مقوِّمات النجاح؛ بل قل من مُسوِّغات الملكية الفكرية للعمل، فنجد أعمالًا تتشابه مع أعمال أخرى لكُتاب في العناوين وتختلف في المضامين، وهذا هو الفيصل، ويجيز ذلك المصطلح النقدي "توارُد الأفكار وابتعاث الحكمة بعضها بعضًا"، أو كما يقول العلماء اللغويون: "النص ابن النص، أو لا يوجد نصٌّ وليد الساعة"، "فيجتمع الكاتبان أو أكثر على عنوان واحد، لكن اختلاف وجهات النظر، والفكرة المكنونة داخل النص، والمعالجة، هي الحَكم أو الدليل لبراءة اختراع العمل، وسلامة صاحبه من تهمة الجَور على ممتلكات غيره، وإن لم يكن ذلك فنقول له كما قيل في سارق قصيدة عمر بن الفارض: "وقع الحافر على الحافر، من الأول إلى الآخر".


• وقد تأتي المطابقة والتشابه في العناوين بسبيل المصادفة أكثر من العَمْد، والفكرة والتناول هما الفيصل كما بيَّنَّا؛ فالعنوان يعدُّ من خصوصيات الكاتب واتجاهه الثقافي والأدبي، ولقد صادف ذلك الأمر عندي في اختيار عنوان قصة قصيرة بعنوان: "قصة نظرة" تطابقًا مع نفس العنوان لعَلَم من أعلام الرواية والأدب في عصرنا الحديث رحمة الله عليه هو الأستاذ يوسف إدريس، صاحب قصة "نظرة "مع حفظ المقامات بالطبع.


• والناظر في كلتا القصتين يجد أن أستاذنا "يوسف إدريس" قد سلَّط الضوء تسليطًا شديدًا على القهر الطبقي في تلك الفترة، وبدا ذلك من مفردات القصة، ووصفه الواضح لسمات الطفلة التي كانت تحمل فوق رأسها صينية الطعام، ولا أراني قد ادَّعيت الاستعارة لعنوان إبداعي لكاتب كبير كـ"يوسف إدريس"، إلا لما رأيتُ شبه مواكبة بين كلتا نظرتينا؛ فنظرتي أي - "قصة نظرة" الخاصة بي - لا علاقة لها بالطبقية، ولا أشكال القهر الطفولي لحقبة معينة؛ بل إن النظرة كلها سلطت ضوءها وومضتها على لحظة مُفجعة حين يكتشف المتبرِّع بملاحقة اللصِّ السارق لحقيبة السيدة المسنة كان لأجل صورة شابٍّ قطع بأنه ولدها الراحل مع المعايشة في جو الضوضاء المعاصرة والقهر الغوغائي والهمجية المنظمة، ممَّا حدا بالعجوز أن تلتزم يمين الطريق مخافة المتهورين.


• وللمقال جزء ثانٍ بإذن الله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- إعجاب
آية خبدي - المغرب 11-11-2022 07:25 PM

هذه الشبكة فعلا مفيدة جدا لأنها تتوفر على أروع مفكرين وكتاب
أنا من المعجبين بهذه الشبكة والأستاذ جواد عامر أستاذنا المشهور وشكرا جزيلا..

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة