• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

غدا القيامة ولا عهدة على الراوي (3) الخطيب

غدا القيامة ولا عهدة على الراوي (3) الخطيب
محمد صادق عبدالعال


تاريخ الإضافة: 8/1/2017 ميلادي - 9/4/1438 هجري

الزيارات: 4968

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غدًا القيامة ولا عهدة على الراوي

(3)

الخطيب


كأن الأرضَ قد أنبتته الآن رجلًا غريبًا، له سَمْتُ العلماء، وفي مُحيَّاه نور، لم يكن يلبَس ثيابَ مَن يرتقي المنابر؛ لكنه يثابر، ويشقُّ الصفوف المهترئة، فيفسح له الناس كأنهم كانوا على موعد به.

 

فيتخذ موضعي الذي راهنتُ عليه، وكأن عينيه مُصوَّبتان عليَّ وحدي؛ برغم انتباه الكل له، فيحمد ويسبح ويستفتح، فحامت برأسي الأفكارُ، وامتزجت حلاوةُ القصِّ بانتباهة المستمع، وقلت:

لعله سوف يزدري حالَ الناس لقناعتِهم بأنها القيامة، وسوف يشرَع في ذِكرِ علامات الساعة الصغرى والكبرى وأبرزها: الشمس، التي هي الكاشفة لهم الآن عن غيابهم المَهينِ عن الأصول والثوابت، أو إنه سوف يقرَعهم بعدم خروج (الدابة) التي تُكلِّم الناسَ؛ لكونها إحدى الكُبر، أو إنه سوف يتكلم عن هلاك الوعول؛ أي: كبار العلماء كهذا الأشرف، الذي قضى نحبَه ليلةَ أمس، أو إنه سوف يتحدث عن إسنادِ الأمر لغير أهله، أو يتكلَّم في غَيضِ الكرام غيضًا وفيض اللئام فيضًا، أو عن عاقبةِ مآلِ المال إلى يد البخلاء كهذا القارون الذي رأيتُه آنفًا، أو الاستخفاف بالقتل أو كثرة الشرطة، أو عدم تقسيم الميراث بالسَّويَّة كحال مَن رأيتُه في أثناء الرحلة، أو قطيعةِ الأرحام كالذين أودعوا آباءَهم وأمهاتِهم ديارَ المُسنِّين؛ ليرفعوا عن كواهلهم عَنَتَ ومشقة بِرِّهم!

 

وتأهَّبتُ حينما أتى عند (بر الوالدين)، سوف أنتبه له إن كان سيذكر قصةَ "أويس بن عامر" البارِّ بأمِّه، الذي أوصى رسولُ الله به حين قال: ((يأتي عليكم أويس بن عامر، من مُراد ثم من قَرَن، كان به بَرَصٌ إلا موضعَ درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعتَ أن يستغفرَ لك فافعل))؛ رواه مسلم.

 

تشابهتْ وتشابكت واختلطت العلاماتُ الكبرى بالصغرى عندي، حتى صَفَعتُ وجهي بكفي مُوبِّخًا:

"ألا تتعلَّم مرة حُسنَ الإنصات لمَن يعلوك علمًا، أو مَن سبقك بفَهمه وحَدْسه؟"، استجبتُ للنصيحة وألمِ الصَّفْعة، وانتبهتُ فإذا بالخطيب يقول:

"أقم الصلاة"، وددت لو أسألُ الناس عما كان يتحدث:

فأشار إلي واحد منهم: "هلا انتبهتَ فكنت ستعلم؟"

اتجهتُ إلى آخرَ أسأله، فأشار إلي أن إذا أُقيمت الصلاةُ فلا كلام.

 

وقفتُ أُحِسُّ صَغَارًا لولا أن المهابة بين يدي ربي جعلتني أستقيم، عادت رأسي تجوب البقاعَ والأماكن، فأتذكر ما سيحدث لمَن نثر أموالَه في الطرقات، ومن جعل سور حائطه وبستانه المُكتظِّ بالثمرات مباحًا متاحًا للخلق، والذين هم الآن قيامٌ في الطرقات عند المحاكم ودور القضاء ورعاية المسنين - ما عساهم يفعلون إذا ما بُهتوا بأنها ليست القيامة وأن موعدَهم لم يأتِ بعد؟! تكهَّنتُ أنهم سوف يتوبون، وجَزِعتُ من أنهم إذا أُرجئوا، لجُّوا في الإعراض.

قيل: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله؛ ختامًا للصلاة.

 

ولما ذهب عن المصلِّين الرَّوعُ والفزع، واستكانت الفرائصُ، وهدأت القلوب التي في الصدور، ورأيتُ كلَّ واحد منهم وقد انفضَّ وانصرف، منهم مَن صلى السُّنَّة البَعدية، ومنهم من لم يؤدِّها، وعادت المصاحف أدراجَها - انفضوا من حولي وكأن الأرضَ قد اقتلعت سوادَهم الذي نبت على غير موعد، وما وجدتُ غيري بالبُقعةِ التي أجدبت منهم، فناديتُ بعالي الصوت:

"يا بساط الريح، يا بساط الريح".

 

فكرر الصدى ندائي، فأسمعه، فجاءني على عَجَلٍ فقلت:

"انبسط لأرتقيَ"، فاستجاب فارتقيتُ، فقال لي: "افسح لأخيك"، فقلت: "من؟"،

فقال: "افسح لأخيك"، فقلت: "من؟"

فكررها ثالثة، قلت له: "حَسبُك".

 

كدتُ أهوي، فكان الخطيبُ الذي خطب الجمعة بتلك القرية بجواري على البساط، حينها أدركتُ أمورًا ما كنتُ أعلمها، لعل البساط كان يدريها أو إنه عَرَّج بغيري إليها من قبل، لم أُكلِّف رأسي مشقَّةَ جِدالِه، سلَّمتُ عليه، فكانت يمينُه رقيقةً كالحرير والدِّيباج، فابتسم وربَّت على كتفي، وقال بتواضع عالٍ:

"ما قولُك في الدرس اليوم؟"

ابتسمتُ ولم أجدْ ما أجادله به؛ إذ لم أكن مع المستمعين منتبهًا له، فقلت - مجاملة -: "رائع"، ثم ناشدتُه: "معلِّمي"، قال: "معلمنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ولولا فتحُ الله ما تعلمنا".

 

قلت: "الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، هل يشين العلمُ صاحبَه متى صرَّح به؟"، فتعجب:

"مَن قال ذلك أو أفتى به؟! إن العلمَ سموٌّ وتسَامٍ وسلطان على القلوب والأفئدة، لا تفرِضه السيوفُ ولا السِّياط، ولو جاء بَغيًا فحسبك عاقبةُ أمرِه.

قلت: "والقرى؟"

قال: "﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]".

 

قلت: "والأبالسة؟ والمؤامرة؟ والتدبير مساءً، فعلل قائلًا:

"وكما أن للإسلام أركانًا خمسة هي عِمادُه، فالأبالسةُ الطَّواغيت رؤوسٌ خمس: أعلاهم وأحقرُهم إبليسُ عليه لعائن الله، ومَن عُبد وهو راضٍ بعبادة الناس له، ومَن دعا لعبادته، ومن ادَّعى شيئًا من علم الغيب ومن هنا استهوتكم الشياطينُ، وخامسهم مَن حكم بغير ما أنزل الله والله أعلى وأعلم"[1]

قلت له: "زدني"

قال: "تكفيك المشاهدُ والشواهد، أمَّا أنا فسوف أذهب لأستزيدَ، وربما أعود ثانيةً إليك، فانظر الآن حولك"، فنظرتُ فإذا هي ريحٌ عاصفٌ وسماء قادمة تَزِفُّ عارضًا كعوارضِ مَن أهلكتهم الدُّهور.

 

انطلق العالِم يُحلِّق بأجنحة من نورٍ، تشقُّ سوادَ السحاب، ووجدتُني وحدي بين طِيَّات الكتاب؛ كفأتُ في التوِّ دفتيه، وضممتُ مصراعيه، فأحكمتُ الغلْقَ، وتنفستُ الصُّعَداء وقلت: "الحمد لله إذ لا عُهدة عليَّ".

وإلى لقاء في تعريجة أخرى مع البساط.



[1] مستخرجه من الدرر السنية في الأجوبة النجدية الأصول الثلاثة، شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبدالوهاب (مختصر).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة