• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

يا ليتني كنت قطا

يا ليتني كنت قطا
مروة سعيد علي


تاريخ الإضافة: 2/1/2017 ميلادي - 3/4/1438 هجري

الزيارات: 8251

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

يا ليتني كنت قطًّا


استيقظتُ من نومي ككل صباح لأقِفَ في طابور المرحاض حتى يأتيَ دوري، وما إن دخلتُه، حتى علت الصَّيحاتُ والطَّرْقُ على الباب؛ لأُسرِعَ في الخروج ليدخلَه غيري من باقي أفراد أسرتي المكوَّنة من تسعة أشقاء وأبي وأمي وجَدَّتي، التي طال بها المُكُوثُ معنا في شقة أبي المتواضعة جدًّا، المكونة من غرفتين وصالة، ثم ذهبتُ إلى عملي في أحد المحالِّ الكبرى، فهذا أول يوم لي فيه، أضع البضائعَ على الأَرْفُفِ المُخصَّصة لها، لم يكن العملُ شاقًّا فقد فرغتُ من أرفف التوابل سريعًا، وذهبت إلى أرفف الأسماك المُعلَّبة لأضعَ كلَّ صِنفٍ في مكانه الخاص، فإذا بحديث يهاجم أُذُني من سيدتين تقفان بجوار علب الأسماك، تتحدثان عن أجود الأنواع لشرائها للقطط التي تتبنَّاها هاتان السيدتان.

 

♦ لقد اشتريتُ من هذا النوع من قبل، ولكن قِطِّي لم يرغبْ في تناوله، ورَفَضَه رفضًا تامًّا، فألقيتُ به في سلة المهملات.

♦ للقطط حاسةُ تذوُّقٍ تُميِّز بها بين الجيد والرديء من الطعام، كان عليكِ شراءُ النوع المستورَد؛ لأنه الأكثرُ جودة.

♦ ليس للقطط حاسة تذوق فحسب؛ بل حواس عدة، فأنا إن لم أضع لقِطِّي العِطرَ في الرمال التي يقضي فيها حاجتَه، يرفض الاقترابَ منها ولا يكُفُّ عن الصُّراخ.

 

"يرفض الاقتراب من الرمال التي يقضي فيها حاجته إن لم تكن معطرة؟!"، ما هذا؟ هل هذا حلم، أم أنني جُذِبتُ إلى دَربٍ من دروب الهَذَيَان؟ وتفحَّصتُ بناظريَّ لأرى إلى أي أنواع القطط ينتمي صاحبُ الحِسِّ المرهف، فإذا به قط يقترب طولُه من المتر، مُكتظٌّ باللحم والشحم، لا ينقصه إلا سيجار ليبدوَ كالمتعجرفين من بني الإنسان، وعدتُ إلى عملي متجاهلًا ما يقتحم أذني من كلمات.

 

♦ هل يعجبكَ هذا يا صغيري؟ أراك مبتسمًا؛ سأحضر منه ثلاثةَ صناديق.

♦ منذ متى وقِطُّكِ لم يتزوج؟

♦ منذ عدة أشهر، أتت إلى بيتي قطة تنتمي لأسرة من الأصدقاء؛ ولكنها أَبَتْ، ابتعدت عنه ورفضت أن يقتربَ منها؛ فقد كانت صغيرةَ السِّنِّ ولم يعجبْها لكِبَرِ سنه، ومنذ ذلك الوقت وهو يعاني من الاكتئاب، وتساقطت منه عدة شعرات، فهرولتُ به إلى الطبيب وأحضرتُ له الدواء؛ ولكن دون جدوى.

 

♦ لن يخرجَه من هذه المعاناة غير التزاوج من قطة أخرى، لي صديقة لديها قطة تقترب منه في العمر، سأخبرها عنه عسى أن ينجذبَ كلٌّ منهما للآخر.

♦ أتمنى أن يحدث هذا، أرجوكِ أسرعي في الاتصال بها؛ فهو يعاني من الوحدة كثيرًا.

 

"يعاني من الوحدة؟!" ارتطمت هذه الكلمات بقلبي وعقلي في آن واحد، واغرورقت منها بالدمع عيوني، وتطلَّعتُ لهذا القط مرة أخرى لأراه يتثاءب مُخرِجًا لي لسانَه، نعم، إنه يَسخَرُ مني، يسخر من دمعي الذي ملأ الأجفان، وبالطبع لم تكن دموعي من أجله ومما يعانيه من الوحدة والاكتئاب؛ بل كانت من أجلي؛ فأنا شابٌّ في الثامنة والثلاثين من العمر، ومنذ بلوغي لم أقتربْ من فتاة، أحببتُ في الماضي وتفرَّقنا بعد خِطبةٍ دامت أربع سنوات لضيقِ الحال، ولم أفكر في الارتباط مرة أخرى؛ حفاظًا على ماء الوجه الذي أوشكت التَّجاعيدُ أن تهاجمَه، والشيبُ يئِدُ شبابَ قلبي منذ سنوات، وأيقظتني صرخاتُ مديري من غَفْوتي في وادي الذكريات الممزوجة بالحسرة، وعدتُ إلى عملي حتى لا أفقدَ وظيفتي غيرَ مبالٍ بحوارهما الذي يثير الأشجان؛ ولكن الأقدار لم تمنحني الفرصةَ لأفِرَّ بسمعي بعيدًا عنهما، وعاد الحديث إلى أذني:

♦ هيا هيا يا صغيري، لنبحث عن منتجات الألبان؛ فأنا أراك ضعيفًا تحتاج إلى الفيتامينات.

 

♦ هناك عروض على أجود أنواع الأجبان مثلثة الشكل؛ فالقطط تحبُّها كثيرًا، لقد اشتريتُ في الأسبوع الماضي بمائة جنيه منها، وأوشكَت جميعُها على الانتهاء.

 

♦ في العام الماضي كان لقِطِّي هذا أخ توءم، كان يحب الأجبانَ؛ ولكنه مرِض مرضًا خطيرًا.

♦ يا للهول، ماذا دهاه؟

 

♦ أصابه تعسُّر في الإخراج، أجريت له جراحة ولكنها لم تنجح، آهٍ لا أحتمل تذكُّرَه وهو يتألم، وبعد عدة أيام من الجراحة فارقني وفارق الحياة، بكيتُ من أجله حتى تورَّمت عيوني، وإلى يومي هذا أبكي كلما استيقظت في الصباح وتذكرتُه وهو يداعب قدمي ويلعَقُ وجهي، كم كان ودودًا! هكذا دومًا يرحل الأحباب.

 

تصاعدت أنفاسي عندما ابتعدتا عني، وحمِدتُ ربي لأنهما رحلتا، ورحلتُ أنا أيضًا بعد انتهاء يومي في الكفاح، وخرجتُ من مقر عملي أنتظر الحافلةَ لتُقِلَّني إلى بيتي، فإذا بها تأتي مسرعة دون توقُّف، فأسرعت بالركض لألحقَ بها، فتعلَّقت في الهواء قدمي التي لم يكن لها على سُلَّم الحافلة - الذي يتدلى منه الركاب - مكانٌ، وفي المساء استلقيتُ على أريكتي لأنام، فإذا بطيف القط يهاجم مخيلتي وهو يلاحق القطة ويداعبُها، ويتودد إليها لينال منها المراد، والسيدتان تترقَّبان بشَغفٍ ثمارَ هذا اللقاء، حاولت - وأنا غارق في بحر خيالي - أن أنام على ظهري لأرتاح من عناء يومي، متناسيًا أن أريكتي تتدلى منها أقدامي إن تجرأتُ وبسطتُ عليها جسدي، وعدت أتخيل القط وهو مستلقٍ في فراش سيدته، وهي تدلُكُ له جسدَه، ما أسعد هذا القط! بل ما أسعد القطط جميعًا! وإن كانت تعيش في الطرقات، فكل واحد منهم يجد له على هذه الأرض مأوًى يكفيه، ويجد قِطَّةً تُؤنس وحدتَه، ولا يعاني أي منهم مثلي من الكبت والحرمان... يا ليتني كنت قطًّا!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة