• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

غدا القيامة ولا عهدة على الراوي (1)

محمد صادق عبدالعال


تاريخ الإضافة: 7/12/2016 ميلادي - 7/3/1438 هجري

الزيارات: 4277

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

غدًا القيامة

ولا عُهدة على الراوي

(1)

أنا والبِساط والقرى المظلمة

 

كانت هي المرة الأولى أو التَّعريجة الأولى التي يعرُج بي فيها بِساطي العزيز إلى الآفاق؛ إذ عثَرتُ عليه في جَعْبة خيالي الجامح الطامح الذي ما انفكَّ يُراودُني ليلَ نهارَ حتى نال مني منالَه ومبتغاه.

 

لا أُنكر أنني كنت أطمع وأتُوقُ بل أشتاق لبِساطٍ أكثرَ سعادة يُقلُّني لبلاد بعيدة، وديار لم ترَها عيني إلا عبر شاشات (التلفاز)، أو عبر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، أو بأن ألوذ بمكتبتي المتواضعة فأطَّلع على صور ورسوم وأخبار عنها.

 

وددتُ لو أجوب ديارًا تخالفنا وقت الشروق وساعة الغروب، فأرى أُناسَها كيف يصبحون ويمسون، تمنَّيتُ كثيرًا؛ لكن للأسف اشترط عليَّ هذا البساطُ المصنوع على عيني والخارج من جعبة خيالي الجامح - أن تكون أول تعريجة لي به هي تلك الرحلة التي يبدو أنها الأقلُّ سعادة، وتفتقر لعنصري المتعة والاستجمام، فرضيتُ بما أَمَرَ، وصار الآمِر وصرتُ المؤتمِر، وقال لي:

"أعرف أنك كنت تتوقُ لرحلة ذات بهجة وروعة؛ لكنك - والله الذي لا إله غيره - ستقنعُ كثيرًا بتلك الرحلة، وستذكرها كلَّما عرَّجتُ بك ثانية وثالثة ورابعة...، فلا تبتئس".

 

حقيقة، خفَّف عني صديقي (بساط الريح) من كآبة الرحلة، فقبِلتُها على أي حال، وقلتُ لنفسي قانعًا: "فليحمدِ الراكب للحادي صنيعه".

بساط الريح: "بدايةً، ما اسمك؟"

الراوي: "محمد".

بساط الريح: "خيرُ الأسماء عليه الصلاة والسلام".

الراوي: "عليه الصلاة والسلام".

 

كنا نرتفع عن الأرض شيئًا فشيئًا حتى انتابني إحساسٌ غريب وأنا أعلو معه؛ فمع لهفتي للخروج من دائرة الواقع الذي أحياه وتلك البسيطةِ التي سئِمَتْ قدماي السيرَ فيها، وكم جافيتها كثيرًا بالمكوث داخل صومعتي بالدار؛ غير أني الآن أجدُني أَحِنُّ إليها وإلى المكوث فيها، فيا للعجب من أمري وأمر الناس؛ يتطلَّعون للبُعد عن الأوطان، يوم أن تُتاح لهم الفرص، ويصير الخروج منها مباحًا، يتوقون إليها ويبكون لفِراقها! جالت تلك الأفكار برأسي، فخفَّفت عني حِدَّةَ الارتفاع أو الإصابة بالدُّوار أو "فوبيا" الأماكن المرتفعة.

 

فلمَّا استويتُ على "بساط الريح"، وشرعتُ بكفِّي ألمِس النَّاطحاتِ وشواهق الأشجار والمباني العظيمة، قال لي بساط الريح:

"الآن أخبرك عن كُنْهِ الرحلة، شريطةَ ألَّا تنتظر مني جوابًا يُرضيك.

سترى الإجابة عينَ اليقين واضحةً ببصرٍ حديد".

فقلتُ له متعجبًا: "وإن أعياني السؤال، وحيرتني الإجابة؟".

فردد بساط الريح: "وإن أعياك السؤال وحيرتك الإجابة، أَلَك عقلٌ يعي؟".

فقلت: "الحمد لله".

قال: "وقلب يطمئن ويخاف؟".

قلتُ: "﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]".

قال بساط الريح: "فلا تسألني ما ليس لك به علم، اتفقنا؟".

محمد - مستسلمًا -: "اتفقنا"، ثم حلَّقنا على بركة الله.

 

ولمَّا كنَّا على مسافة من الأرض بعيدة تسنَّى لنا أن نرى الأرض وبيوتاتها وأنوارها كنقط مظلمة وأخرى مضيئة؛ فكنتُ أرى بُقعًا نصفُها مظلم، ونصفها مضيء، وأخريات دون ذلك بكثير، فقلت في نفسي: "التقنيات والكهرباء تتفاوت من بقعة لبقعة".

 

حتى أبصرت عجبًا عُجابًا؛ رأيت قرية بكاملها مظلمة إلا من نقطة مضيئة تأخذ في الخفوت مرة، والسطوع مرة، تُذكِّرني بشمس النهار الغاربة عندما يُداهِمُها ركبُ الغروب وإطباق الطَّفَل، فتتماثل مرة للسطوع، وتنهزم مرة للغروب، ثم سرعان ما تقع في الطَّفَل راحلةً لا تدري إن كانت ستعود أم يُقضى عليها ممن عنده مستقرها بألَّا تعود.

 

قلت للبساط: "أترى ما أرى يا عزيزي بساط الريح؟".

بساط الريح: "تقصِد تلك القرية التي خلَتْ من الأنوار إلا من خافت ضوء نحيل يتماثل مرة ثم ينزوي، يقوى ويضعُف؟".

محمد: "نعم، أقصد ذلك".

قال: "وهنا بيت القصيد".

ما أن سمعت منه تلك الكلمة حتى ظفِرتُ بفُسحة من أمل في السؤال، فقلت: "ما تعني ببيت القصيد؟".

بساط الريح - مذكِّرًا -: "أوَلم نتَّفق على ألَّا تسأل؛ فسوف يأتيك من الجواب ما يكفيك؟".

ثم عقَّب قائلًا: "ألم تتعلَّم من قصة نبي الله موسى عليه السلام وسيِّدِنا الخضِر؟".

 

قلت له: "بلى"، ولسان حالي الصامت يقول له:

"وهل أنت كالخضر في التقى والعلم، أو أنا كموسى الكليم عليه السلام في النبوة والرسالة؟!".

بساط الريح: "سنهبِط الآن على تلك الدار التي يخفِت نورها ويضيء".

فقلت له: "يا بساطي العزيز، الدار أم القرية كلها؟".

 

بساط الريح: "أسامحُك هذه المرة لكونك ما زلت جديدًا على التحليق معي؛ لكن رجاءً لا تسأل ثانية، وأقول لك مثلًا ربما تعيه أنت أكثرَ مني: لو قُتلت شياه الراعي، وبقيت شاةٌ تنازِع، فإلى من سيلتفتُ وينهض؟".

 

قلت: "للشاة التي ربما تعود لها الحياة".

فقال لي: "علمتَ، فاصْمُتْ".

عرَّج بساط الريح على الدار من أعلى، ثم سرعان ما انتهى بي عند زاوية في ركن البيت، فإذا بي أرى عجبًا.

 

احتضار!

رأيت شيخًا دَنِفًا أشرَفَ على الموت المحقَّق إشرافًا، وحوله من الأهلين قلةٌ بأيديهم المصاحف؛ لكنهم لا يقرؤون فيها أو ينظرون إليها، فتعجبت لهم؛ فمنهم من ينظر في ساعة المحمول، ومنهم من يتأفَّف، ومنهم من يجلس ثم يقِف قلِقًا.

 

خلَصتُ ناحية ذلك المُسجَّى الرابض على سرير المنايا المؤقت، ومما أتحفنا به بساط الريح من مِنحةٍ لتلك الرحلة أنه لا ينبغي لأحد أن يراني متى نزلتُ وأين ذهبتُ حتى لو دنوتُ من الحضور دنوَّ القاب للقوس أو أدنى، فسمِعته يقول: أبى العلم إلا أن تُطوى صحائفه ما دام الكرام أهلوه قد رحلوا.

 

أغمض عينيه وسلَّم ربَّه وديعتَه، وعرفت بعد ذلك من كلام الناس أنه يُكنى بـ"الأشرف" حين قالوا: (مات الأشرف، الأشرف قد مات، أعلم رجالات القرية وأحفظُهم لكتاب الله).

 

وهنا عثرتُ على أجوبة كثيرة لأسئلتي لبساط الريح العجيب، التي لم يحرْني إجابة لها عامدًا معلِّلًا ذلك بأن لي عقلًا يعي، وقلبًا يطمئن ويخاف.

دعوتُ الله بأن يطمئن قلبي دومًا بذكره، وأن يخشاه على الدوام.

كدتُ أدرك مغزى القرى المضيئة والأخرى المعتمة.

 

قلت لنفسي: "سوف أحدو بك أيها البساط حسب إرادتي لا حسبما تريد أنت"، ثم قلت له: "أريد أن أجوبَ القريةَ تلك يا عزيزي بساط الريح".

بساط الريح: "كما تشاء".

 

رأيت جِنازةَ ذلك الشيخ الأشرف الطَّيِّب أجلِّ رجالات تلك القرية وأعلمهم، وكنتُ على مقرُبةٍ من نعشه الساري بسرعة ملحوظة لا أدرى إن كان ذووه يريدون التشييعَ بسرعة ثم الالتفات لدنياهم، أم أن الملائكة تحمله عنهم؛ استبشارًا بمثوبة وحسن مآب؟

 

لم أظلمهم، وأيضًا لم أعطه حقًّا يقدِّسه؛ فالله تعالى يزكِّي من يشاء فهو سبحانه العالم بالسِّرِّ وأخفى. (فإن مما ضيَّع الناس في زماني وصولُهم بذويهم لمرحلة التقديس والتعظيم بغير حق).

 

لاحظتُ ما يؤكد لي الظَّنَّ الأول ولا أجزِم بنفي الظن الثاني، حيث كان المشيِّعون له قلةً، فيما يبدو أنهم الأهل وقلة من الأقربين، ومما آلمني وأوجعني حقًّا أني رأيتُ رجلًا ممن يشيعونه قد دلَفَ لمنعطفٍ حتى ابتعد عن الجِنازة، وتلاه في هذا الأمر كثرةٌ من القلة المشيعة لهذا الشيخ الجليل.

سُجِّيَ الشيخ الجليل بالتراب، ذرَفتْ عيني بالدمع، تذكَّرتُ الموت؛ فأنا ميت وغدًا أكون ميتًا.

(كلُّ ابنِ أنثى وإن طالت سلامتُه ♦♦♦ يومًا على آلةٍ حدباءَ محمولُ)

 

وما أن وُري الترابَ حتى سمِعتُ أصواتًا مفزِعة، وقلت لنفسي: "ما تلك القرية؟ وما هذا الجحود؟!"، وتمنَّيتُ لو يُخبرني بساط الريح بالإجابة عن سؤالي هذا؛ لكني خشيت أن يُنهيَ الرحلة وما زالتْ في أوَّلِها.

 

في بيت الأبالسة!

ضحكات عالية صاخبة، وأصوات منفِّرة وأخرى ماجنة، وكلمات مغضبة لرب العالمين تتردد، هكذا سمعتْ أذناي وتأذَّت منها؛ فاستعذت بالله العظيم من الشيطان الرجيم مرات عديدة، التفت إليَّ بساط الريح، وقال لي: "استعذ بالله، فلدار الملعون نحن سائرون".

 

تعجبت مما قال، ولم أستطع منع نفسي أو كبحَ لساني عن السؤال:" إلى أين؟".

سَامحني تلك المرة - بصمتِه -نظرًا لهول الدار التي سنغشاها الآن.

 

كبير الأبالسة - وقد بدا مخيفًا يرفع شعره كالجدائل والقرون -:

"الليلة تحققت لكم أمنية عظيمة لطالما رجوتموها كثيرًا: ها قد مات عالمُها (الأشرف)، فسيحوا في الأرض، وأظهِروا إبداعاتكم وإغواءكم بني آدم، فشأن تلك البقعة من الأرض قد انتهى، فلتعمِدوا إلى غيرها".

 

علت ضحكاتهم المقزِّزة الصاخبة ثانيةً، ووددت لو لم أسمعْها وكذلك بساط الريح كان يهتز وينفِر منها.

غُيِّبت أفكاري التي كانت تجول برأسي، ثم ابتغيت الإنصات لِما يُحاك للقرية، فكانوا ثلاثة أو أربعة من الجن ومردة الشياطين، فعمد كبيرهم إلى أحدهم، وقال له: "قل لي ما في أمِّ رأسك".

 

الجني الأول: "وصية أبينا إبليس منذ الوهلة الأولى هي قبلتُنا وضالَّتنا سيدي".

كبير الأبالسة: "وما الجديد لديكم؟ فلكل عصر زخارفُه ومباهجه التي تنفذُون من خلالها نفاذًا غير ملحوظ؛ لكنه يعود عليهم بالنتائج المفيدة لنا".

يصمُتون قليلًا، وأنا أتوجَّس منهم شرًّا، وترتعد فرائصي؛ فيهتز البساط بي.

 

ثم يعمد كبير الأبالسة لأصغرهم وأقبحهم شكلًا وسمْتًا وهيئة، ويقول:

"يا أصغر إخوانك، ألا تُظهِر لنا ممَّا علِمت شيئًا نذكره لك، ونعلم أن قد نضِجت نضوجًا، أَلَا تتوقُ للأوسمة والنياشين الإبليسية؟".

أصغرهم: "لديَّ فكرة لو سَرَتْ بينهم وصدَّقوها؛ فُتِنَ بها الأحمر والأسود معًا، فنكون قد أنجزنا إنجازًا عظيمًا".

حقيقة، ارتعدت فرائصي أكثر، وتمنيت لو يخلص بي بساطي ونفرُّ من المكان فِرارًا؛ لكن لاحظتُ بساط الريح ثبت واستكان، فخشيتُ أن يكون قد سُلِب خواصَّه في التحليق بوجودنا بتلك البقعة القذرة.

 

طردتُ تلك الهلاوس والأفكار من رأسي، وعدتُ لسماع الحوار والاطلاع على إبداعات هذا الجني الجديد في الغواية والضلال.

 

فكرَّر كبير الأبالسة:

"أَبِنْ لنا أفكارَك، فلو كانت جيدة على مستوى الإغواء القاتل؛ نصَّبتُك مساعدي الأول"، ثم نظر كبير الأبالسة إلى رفاقه ناصحًا: "فلتعاوِنوا أخاكم".

رددوا في صوت واحد: "سمعًا وطاعة كبيرَنا".

 

يلتفت كبير الأبالسة للصغير محفِّزًا: "هيَّا، فلتنفُثْ في النار، وتخرج الأفكار لتلك الديار، هيا، هيا".

ينقبض فؤادي؛ فأنا أدري خوارق أفعالهم، وأنا الآن بصعيد تلك القرية المدبَّر لها أمرٌ.

 

قال الجني الصغير: "نعلم جميعًا أنه بموت ذلك الأشرف الجليل أصبحت تلك القرية على أرض من الجهل الكبير خصبة، ولعلكم تعرفون مقصدي".

قالوا: "بالتأكيد".

 

استطرد: "لكن ما يُدرينا أنها خلتْ ممن يحمل في صدره مثقالَ ذرة من علم، فينثُره في تلك الأرض المُجدِبة الآهلة بجهَّال الناس الخالدين للدنيا خلودًا أنساهم القيامةَ وعلاماتِها الكبيرة والصغيرة؟".

كبير الأبالسة يُبدي إعجابًا بهذا اليافع الجديد:" ما برأسك يا أصغر إخوانك؟".

 

الجني الصغير - وهو يُخرج زفيره الناري -:

"نُطلِق صرخة مدوِّية في تلك القرية من الليلة وفي تلك العَتَمة أن (غدًا القيامة)، فإن صدقوها، تحققت الأماني، وإن كذبوا بها، فلنعلمْ أنه لا زال بها من نخشاه".

 

استبانت سبيل المجرمين وعرفت حينها أجوبة لأسئلة كثيرة مما أبى البساط أن يخبرني بها، ربما لم يعلم لها جوابًا أو لكونِه مَطِيَّةً ليس أكثر.

 

انطلق بساط الريح بي وقد أذهلتنا الحيلة الماكرة من الفئة الكافرة، فقد بَدَتْ لنا ساطعة سطوع الشمس في كَبِد السماء.

قلت في نفسي: "الشمس؟"، فصِحتُ: "يا بساط الريح، الشمس الشمس".

 

بساط الريح: "ما أمرها؟!".

قلت: "ألا تدري؟ علامة كبرى، فمردودٌ كيدُهم الضعيف عليهم".

بساط الريح: "قل: يا رب سلِّمْ".

فقلت: "يا رب سلِّمْ سلِّمْ".

وإلى لقاء مع تكملة لتعريجة الراوي وبساط الريح.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة