• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

أرزيز (قصة)

أم وفاء خناثة قوادري


تاريخ الإضافة: 1/11/2016 ميلادي - 30/1/1438 هجري

الزيارات: 3886

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أرزيز[1]


قُبالة خيمة آبائه الفارهة جلَس "محاد[2]" يَحلِق ذقنه، ويحفُّ شاربه، تناغُم الأصوات المنبعثة من المراح[3] يداعبُ مسامعه، تداخل فيها خُوار البقر، مع ثُغاء الغنم، ممتزجًا بمأمأة الخرفان، وقد يتخلل ذلك صَهيلُ فرس، أو صياح دِيكٍ.

 

أما على مد البصر، فمُروجٌ خضراء، وسفوحٌ نَضِرةٌ، تُعطِّر شذاها الشقائق والريحان، تتهادى بها النسمات على وجه الطبيعة الأزهر الأغرِّ.

 

وغير بعيد، يربضُ السِّحر الحلال "زينب"، ثالث زوجاتِه وأصغرهن، يؤنس قلبَه ويسلي خاطرَه مرأى العشة[4]، وهي تطاول في عنادٍ خيمةَ ضَرَّتَيْها.

 

ويَجفِلُ عن نفسه كلما اجتاله عطرها، واستنشى سحرَ فتنتها والدلال، قدٌّ ممشوق، وجسدٌ بَضٌّ به رُوَاءٌ، وجهُها كالبدر في طلعته، وابتسامتها كزهر الربيع في روضته الغنَّاء، على شطآن التيم والهوى، لم يُنجِب منها الولد، لكنها نالت منه فوق حظ الولد وأمِّ الولد، ملكت القلب واستبدت بالجوارح.

عاتبه الكل فيها، وهل يعي العاشق عتابًا! يخاصم نفسه في عتابِهم، وفي هوى زينب يُراضيها.

 

أطلَّت أمه من أعلى الرِّواق[5]، قِبْلي الخيمة، ودَعَتِ الله متوسِّلة ضارعة:

♦ أرحْني يا مولاي من زينب، وغيِّب وجهَها عن ناظري!

 

ما انتبهت إلى موضع جلوسه، طأطأ رأسه لوقع ما تلقَّفت أذناه، رد بلسان ولهِه وهُيامِه، وهمس كمَن يحدِّث نفسَه:

♦ لا يا أماه، لن يَغيب عنك وجهُها، إلا إذا غاب هذا الوجه، (مشيرًا إلى وجهه هو).

أحسَّت في قلبها بوخز كلماته، لكن السهم مرق من الرمية، وسبق السيف العذل.

 

♦ ♦ ♦ ♦

بعد قليل، غَشَتِ الأجواءَ زخَّاتٌ من رذاذ خفيف، فالأيام مطيرة، والسماء ملبَّدة بالغيوم، لم يمنعه ذلك من إعداد العُدة، والتوجه لسقي الماء كالعادة في كل صباح.

سار راكبًا بغلتَه، يسوق بعض الأَحْمِرَةِ المخصَّصة لحمل قِرَب الماء، ولم يَغِبْ عن باله أن يأخذها معه، كيف لا؟! والقلب يؤْثر قُربها حلًّا وترحالًا.

توجَّهَا صوب "وادي أرزيز"، تداعب أنفاسَهما رائحةُ الصَّنَوْبَر والعَرْعَر، بين تلال تكتسي حسنًا واخضرارًا، وتزهو بأشجارها الوارفات.

أما "وادي أرزيز"، فينساب نَشْوَانَ بينها، تخاصر جداوله بساتينها الغنَّاء، وتسقيها ماءً عذبًا سلسبيلًا.

وانعكست مرآة قلبَيْهما على المكان، فأَضْفَت عليه سحرًا وحبورًا، وما انسجام الخواطر لدى المحبين، إلا عربدة لسُكْر من نوع آخر، أتراه إرثَ آدم وحواء من نعيم الجنة في بَدْء الخليقة؟!

وها هما: فارسٌ يخبل عقل الأنثى، ويروي ظمأ الروح من الروح، ومليحةٌ كالبدر الطالع، على خلجانِ نهر الوفاء، على غصنٍ ميَّاد، فوق كثيبٍ من رمل صحراء "الجزائر".

وغير بعيد، كان القدر يحبكُ قصةً أخرى!

 

♦ ♦ ♦ ♦

وصلا "وادي أرزيز"، نزلا المكان بهدوء، وملأا قِرَب الماء، ثم أعادا حملَها على ظهور الدواب، واستعدَّا للانصراف.

كانت الأمطار قد نزلت هَطيلة اليومين الماضيين، وغذَّت الأودية والجداول التي تصبُّ بأرزيز، وهذا ما يجعله خطرًا؛ لازدياد نِسَب الماء المتدفقة إليه، إذ قد تُباغِت أمواجُه السقَّائين، وتَفْجَؤهم على حين غرَّة.

وهما يصعدان أطراف الوادي، سمعَا صراخ امرأةٍ عجوزٍ، كانت قد انزلقت براحلتِها على حافَة الوادي، نادت محاد:

♦ هلمَّ يا بني، وأنقذ خالتك[6]، وإنها لمعرَّة أن يقال: سقى وترك امرأةً تصارع الموج وحدَها.

خفَّ لنجدتها، وسارع لانتشال راحلتِها التي بدت عالقة تمامًا، في هذه الأثناء زاد تدفُّق السيول إلى الوادي، وغمرته أمواج طوفانية عاتية، كل هذا "ومحاد" يحاول جاهدًا زحزحة الدابة، وإنقاذ المرأة التي ظلت تقاوم متمسِّكة بحبل النجاة.

إلا أن عتوَّ الموج كان أقوى، فسرعان ما انزلقت الراحلة، وما عليها من أحمال، وسحبت المرأة معها إلى داخل الوادي، دارت بهما الأمواج دورتها، ثم ابتلعتهما في ثوانٍ.

بقي "محاد" يصارع الموج وحيدًا، يسبح ويسبح، إلى أن بلغ حافَة الوادي، فتمسَّك بصخرة كبيرة كانت على جانبه.

أحسَّ أنه قد نجا، فحمِد الله.

أما زينب، ففي أعلى التلة، تراقب المشهد في قلق، واحتباس نفس.

بقي "محاد" متشبثًا بالصخرة، يلوح لها بإحدى يدَيْه مُطَمْئِنًا، ينتظر انحسارَ الماء قليلًا، فما بينه وبين اليابسة لا يحتاج كبير جهد أو عناء، فما هو إلا أن يقفز بخفة، ويخرج سالمًا.

لكن هَيْهات هَيْهات، فالموت لا يستأذن أحدًا، وهل للإنسان أن يستأخر أو يستقدم إذا جاء الأجل؟

كلا، فما هو إلا رَجْعٌ بالبصر، حتى جرف طوفان الماء تلك الصخرةَ التي تعلَّق بها "محاد"، بعد أن انتزعها بشدة من ذاك المكان، ليجرِفَه، يُغرِقه، يُخفيَه عن الأنظار.

نادَتْه زينب باكية، صاحت مذعورة، جرَتْ كمجنونة، وقد تسعَّر قلبها نارًا، وتشظَّى لفراق الحبيب.

 

♦ ♦ ♦ ♦

وأشرقتِ الشمس خجولاً ترمق البواكي، تتحسَّس بدفئها قلب زينب، وتأسى لحالها.

سارت تتعثر وسط نساء القبيلة، كنَّ متجهات لإلقاء نظرة الوداع على "محاد"، الذي بات جسدًا دون حَراك.

بَدَتْ واجمةً والريحُ تعبث بطرف الخمار، تُزيحه عن خُصَيلات من شعرٍ غجري، انسدلت برفق على جبين لُجين، عيناها أرمَدهما البكاء، وحالة من الذهول والسرحان سكَنَت فكرها، وتغلغلت في كِيانِها كله.

كل الأنظار مصوَّبة نحوها، امتزج فيها التشفِّي بالألم، والشفقة بالتأسف والعتاب.

تناوَل رجال القبيلة النعش، وانطلقوا به مسرعين، ليواروه التراب.

وافتقدته أمه، يقينًا لقد افتقدته، واشتاقت وجهَه، لا وجهَ زينب!

 

♦ ♦ ♦ ♦

لكنه لم يلبث أن غادر القبر متسللًا، ليسكن ذاكرة بَنيه وأحفاده، يحتفون بترديد قصته، كلما طاف بهم شوقٌ لأرزيز.



[1] منطقة جبلية، جرَتْ بها أحداث هذه القصة، بها "وادي أرزيز"، الذي سميت به.

[2] محاد: تلفظ مفخمة، ويريدون بها "محمد"، ومثلها: (حمد، حمة، امحمد)، وكلها تلفظ مفخمة لدى أهل المنطقة.

[3] المراح: مأوى الغنم والإبل ليلًا، ويكون عادة قبليَّ الخيمة، التي تتجه قبلة تيمنًا.

[4] العشة: خيمة صغيرة تستعمل غالبًا للعروس.

[5] الرِّواق: ركن في الخيمة، يستعمل للطهي، يكون في جانبها الأيسر قبلة، مفتوح من الأعلى.

[6] يستعمل البدو لفظ "خالة"؛ توقيرًا للمرأة الكبيرة في السن.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة