• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

إرهابي في زي زبال (قصة)

مروة سعيد علي


تاريخ الإضافة: 30/10/2016 ميلادي - 28/1/1438 هجري

الزيارات: 3482

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إرهابي في زي زبال


طافت أمُّ مسعود العجوز التي وهَنت عظامُها، واشتعل رأسُها شيبًا - بكل صناديق القمامة القريبة من محل مسكنها، مناديةً على ابنها الوحيد مسعود؛ الذي غاب عن البيت منذ أيام، ولم تسمع عنه خبرًا، أو تعرف له مكانًا، وظلَّت تجوب الشوارع وهي تظن أنه في مكانٍ ما، ولكن عيونها التي أوشكت أن تفقد القدرةَ على الإبصار هي التي لا تراه، لم تكن تعلم ما حدَث لابنها الوحيد، الذي لم يثمر زواجُها من محفوظ سواه، أسماه أبوه مسعودًا؛ أملًا في أن تُسعده الأيام... ولكن هيهات، فقد نسي محفوظ أن الثمرة تستمد غذاءها من جذور الشجرة، ورِث مسعود مهنة الزبال عن أبيه... وورث الفقرَ أيضًا.

 

وقد كان مسعود يعيش في الحجرة التي استأجرها أبوه منذ سنوات لا يعرف عددها؛ وهي حجرة لها باب واحد، ومنفذ واحد للهواء، يُطل على أحد المناور المليئة بمواسير الصرف الصحي، وجعل مسعود لحياته نظامًا ثابتًا لا تزحزحه الأغيار؛ فهو يصحو من نومه قبل الفجر؛ حتى يتمكَّن من قضاء حاجته دون أن يطرق عليه البابَ أحدُ الجيران الذين يشتركون معه في حق استخدام المرحاض، ويهرول مسرعًا ليطرق أبواب الشقق حاملًا القمامة مقابلَ مبلغ زهيد يتقاضاه كلَّ شهر من أصحاب هذه الشقق، وعند وصوله إلى المكان المخصص لإلقاء القمامة يمكُث هناك ساعات وساعات يفرغ الأكياس باحثًا عما يمكن بيعُه لمحل الخردوات القريب من مسكنه، ويعود في نهاية المطاف حاملًا معه بعض الطعام الذي لا يسد رمقَه ورمق أمِّه العجوز، التي أصبحت بعد وفاة أبيه كلَّ الأهل والرفاق.

 

وظلت حياة مسعود تعزف لحنَها الحزين كل يوم دون حذف أو إضافة، حتى جاء يوم عصيب مرضت فيه أمُّه ولازمت الفِراش، وأنينها يزلزل قلبَ مسعود الذي شعر بعجزه وفقره وقلة حيلته أمام مرضها، وهمس البعض في أذن مسعود بأن يخبر البهوات الكبار الذين يحمل لهم مخلَّفاتِهم كل يوم؛ لعلهم يمدون له يدَ العون، ولكن مسعودًا لم يحتمل فكرة التسول بمرض أمه؛ لأنه بالرغم من فقره عفيفُ النفس، وفكَّر في أن يطالب بحقِّه وحق أمه من الأرض التي قدِّر لهما العيش فيها، فذهب إلى الدكتور خلف - الذي يقوم مسعود على خدمته من حين لآخر - وشرح له ما ألمَّ بأمِّه من ألمٍ، فشرع الدكتور خلف في إعطائه بعض الجنيهات التي تعينه على أمره، ولكنه رفض، وقال: إن كل ما يبغيه رسالةٌ يكتبها نيابة عنه الدكتور خلف - فمسعود لم يتعرف على الورقة والقلم مطلقًا - ويكون مضمون الرسالة مناشدة المسؤولين لعلاج أمِّه على نفقة الدولة، ورحَّب الدكتور خلف بالفكرة، وكتب الرسالة راجيًا أولي الأمر الترفُّق بحال أمِّ مسعود.

 

وأخذ مسعود الرسالةَ وذهب إلى مقر الوزارة، وظل واقفًا على قدميه ساعاتٍ طويلة منتظرًا قدوم سعادة معالي الوزير - فقد صور لمسعود خيالُه أن بإمكانه تسليمَ خطابه يدًا بيد لمعالي الوزير - وعندما اقترب موكبُ الوزير، هرول مسعود ليلحق بمعاليه، وفجأة ملأ دويُّ الرصاص أرجاء المكان، وانهال الرصاص كالسيل على جسد مسعود الغلبان، وأحاط الأمن بمعالي الوزير حتى باب مكتبه، وبعد أن هدأ معاليه - من الفزع الذي أصابه بسبب دويِّ الرصاص الذي أطلقه حرَّاسُه - دخل عليه مدير الأمن مهللًا شاكرًا لله سلامة معاليه، موضحًا حقيقة الأمر؛ فقد استطاع رجال الأمن البواسل التصدي لإحدى العمليات الإرهابية التي استهدفت اغتيال سعادته، والتي حاول تنفيذَها إرهابيٌّ متنكر في زي زبال، وشكر الوزير رجالَه، وأمر بمكافأة كبيرة لهم؛ تقديرًا منه للجهد العظيم المبذول لحمايته.

 

وانهالت التهاني للسيد الوزير من رؤسائه ومرؤسيه، وعلِّقت اللافتات في كل مكان يجوبه السيد المحترم، والتي تحمل دعوات آلاف محبِّيه له بالصحة والسلامة؛ وتُسقط اللعنات على الإرهاب والإرهابيين الذين يبغون تشتيتَ وحدة الأمة وتفريق جمعها، وشجَب أعضاء المجالس النيابية العنفَ والإرهاب الذي يحاول وأد حمامة السلام وحُماته وتهديد أمن الشعوب، وتسابقت الصحفُ في سرد أحداث المحاولة البشعة لاغتيال معالي الوزير؛ وكيف تمكَّن كبير الإرهابيين من التخفي في زي عاملِ نظافة بسيط.

 

أما عن مسعود الغلبان، فقد أُلقي به تحت الثرى بعد أن سلَبوه كُليته وقرنيَّتَه وطبلة أذنه؛ عسى أن يصبح لها نفعٌ يومًا ما، وأما الرسالة فقد مزَّقتها طلقات الرصاص، وأذابها ما سال عليها من دماء، ولم يتبقَّ منها غيرُ قطعة صغيرة أُلقيت في سلة المهملات دون أن يقرأها أحد، وكان مكتوبًا عليها:

الإمضاء: الفقير إلى الله: مسعود محفوظ الغلبان.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة