• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

أعدك يا أمي (قصة)

أعدك يا أمي (قصة)
د. زهرة وهيب خدرج


تاريخ الإضافة: 29/5/2016 ميلادي - 21/8/1437 هجري

الزيارات: 8365

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أعدك يا أمي

 

كانت تجلس قبالة النافذة، تسرَح بنظرها في الظلام، ولا يقطع سكون الليل إلا صوت صراصير الليل التي تُطلق أصواتًا مُتواصلة كأنها سيمفونية موسيقار استبدَّ به الأرق الليلي ففضَّل أن يشغل نفسه بالعزف حتى يَطلع النهار أو يَطرُق النعاس جفنيه، وكنتُ أجلس قبالتها لا أدري ماذا تريد مني بالضبط، أشعر بتردُّدها العميق وقلقها، خِلتُها عاجزةً عن الكلام وهي تحاول جهدها أن تلملم نفسها لتبدأ الحديث بطريقة منطقية واضحة، قالت عبارات عدَّة مبعثَرة لا معنى لها، لم أفهم منها شيئًا، أنظر في عينَيها، فتهرب بنظراتها مني، بل أحسبها تَهرب من المواجَهة، للمرَّة الأولى أحس بأنها تضع بيني وبينها حاجزًا، بل سدًّا ضخمًا يَحول دون اقترابي من مشاعرها.

 

استطاعت أخيرًا استعادة رباطة جأشها، بعد أن أجبرت نفسها على قول العبارة الأصعب لتقول: "عمر"... أريد أن أتزوَّج!

 

صدمتني عبارتها، لم أستطع الكلام، ماتت الكلمات على شفتي، وغدا لساني عاجزًا عن إطلاق أية كلمة أو استفسار، ودارت الدنيا بي، وكأن كياني قد تبعثَرَ فجأة بطريقة يصعب عليَّ لملمته لاستيعاب الصدمة، وفقدت توازني وقدرتي على الوقوف، فابتعدت قليلًا عنها، وجلست على كرسي في المكان، وأطرقت مثلَها، محدقًا في الظلام خارج النافذة.

 

استُشهد أبي في السجن وهي تحملني في أحشائها، نذرت حياتها لتربيتي وإسعادي، وجعلي من الناجحين، عوضتني عن حنان الأب ورعايته؛ لتغدو هي أبي وأمي وكل المعاني الجميلة في حياتي، وكم كنت أكره النساء اللواتي يتدخَّلْن في حياتنا؛ حيث كنت أسمعهنَّ يقلْن لوالدتي: إلى متى ستبقين هكذا بدون زواج؟ أنت صغيرة، وجميلة، وسيكبر ابنك ويذهب في طريقه! ليس لك مثل الزواج وتكْوين أسرة جديدة!

 

أمي لي... لي وحدي! مَن هذا الزوج الذي يقترحْنه لها ليشاركني فيها؟! من هؤلاء الأبناء الذين ستُنجبهم لتتركني وحيدًا في الدنيا ليَستحوذوا هم على اهتمامها؟! أكره تدخلاتهن في حياتي أنا وأمي، لا أقول ذلك أنانيةً مني، وإنما لأنه لا أحد لي في هذه الدنيا غيرها، أيستكثرنها عليَّ؟

 

انسابت دموعي على وجهي بصمت وألم، لم تخرج من عيني، وإنما هي نزف قلبي الذي تلقَّى طعنة غدر لم يكن متأهِّبًا لها، هربت من أمامها إلى غرفتي، أغلقتُ بابها على نفسي أبكي حبي لها، وأبكي نبع الحب الذي أنهل منه، والذي سينضب عما قريب في وقتٍ أنا في أمسِّ الحاجة له حتى أكبر وأستطيع الاعتماد على نفسي!

 

أخذتْ صورٌ شتى تطرق خيالي لحياتي القادمة، وأتصوَّر نفسي وحيدًا مهملًا، لا أحد يعبأ بي، وأتصور أمي وقد أرهقها الإنجاب وتربية الأطفال، وتراجعت صحَّتها مثل خالتي "ختام" التي تصغر أمي بعامين، والتي أنجبت حتى الآن ثمانية أطفال ولا زالت تحمل وتَلِد، ولكن ظهرها انحنى، وأوعية دموية زرقاء منتفخة تملأ ساقيها وقدميها، كما تبدو أكبر من والدتي بكثير.

 

وخطرت على بالي جارتنا أم علي التي تُوفيت في ولادتها الأخيرة وتركت أطفالها الستَّة لوالدهم الذي تزوَّج من امرأة أخرى بعد وفاتها بشهر واحد، تَطردهم خارج البيت عندما تنظِّف البيت أو تطلب قسطًا من الراحة، وطبعًا تذكَّرت "أسماء" أصغر أطفال أمِّ علي، التي قضتْ تحت عجل سيارة مرَّ مِن فوق رأسها، ليُلحقها بسرعة بوالدتها التي تركتْها وليدةً باكيةً وغادرت إلى غير رجعة!

 

وتذكرت... وتذكرت، وأنا لا أتوقَّف عن البكاء خوفًا من فقدان أمي.

 

لم أنتبه إلا وهي تضمُّني إلى صدرها، غبتُ عن الدنيا، سبحت في طمأنينة وراحة وحبٍّ ليس له مثيل، أحسستُها ملاكًا، بل قدِّيسة، لا... بل أمًّا عظيمة، وأخذت تقول: لا تخف حبيبي، لن أتزوَّج، ولن أتركك بإذن الله، أنا أحبُّك، أنت رجلي الوحيد، لا أقبل بغيرك، لن ينافسك أحد فيَّ، وسأبقى معك حتى أراك أفضل الناس... أعدك بذلك... ولكن عِدْني أن تكون الأفضل لتكافئني!

 

♦ أَعِدُكِ يا أمي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة