• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

الشاهد الشعري في مبحثي الفصاحة والبلاغة (1/3)

د. عيد محمد شبايك


تاريخ الإضافة: 18/2/2010 ميلادي - 4/3/1431 هجري

الزيارات: 136914

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشاهد الشعري في مبحثي الفصاحة والبلاغة (1/3)
المبحث الأول: الفصاحة

تقديم:
الحق أن الشاهد الشعري كان - ولا يزال - ذا تأثير بالغ في مسيرة الدرس البلاغي والنقدي، بَلْهَ اللغوي قديمًا وحديثًا، وظلَّ الشاهد الشعري في الدرس البلاغي مَثَار نقاش بين البلاغيين والنقَّاد؛ وقد أدَّى هذا إلى ازدياد حركة النشاط النقدي، وبخاصة فيما يتَّصل بنقد الخطاب الشعري.

وإن ما يلفت النظر أن الشاهد الشعري ظلَّ يتردَّد في كتب البلاغة القديمة من عصرٍ إلى عصر، متنقِّلاً من متن إلى تلخيص إلى شرح، ولعل السبب في ذلك كون البلاغة في ذلك الوقت تنحو نحوًا تعليميًّا؛ (قاعدة ومثال لإيضاح القاعدة)، فكانوا يستخدمون البيت الشعري مثالاً أو شاهدًا على القاعدة، وإنْ أدَّى ذلك إلى بَتْرِه عن سياقه، ومن ثَمَّ أصدروا بعض الأحكام على بعض هذه الشواهد بعدم فصاحتها أو بلاغتها.

لذلك رأيت أن أتناول قضية الشاهد الشعري في مبحثي الفصاحة والبلاغة تناولاً يهدف في المقام الأول إلى إعادة النظر في قراءة هذه النصوص الشواهد قراءة فاحصة متأنِّية، فربما تَقِفُنَا هذه القراءة على خطأ استمرَّ واستقرَّ، أو تعود علينا برأي صحيح آنَ أن يُعرَفَ ويُؤمَّ، ولا سيَّما أن روح اللغة من السيولة بحيث لا تنضبط في مقولات.

لذلك كان نظري إلى الشاهد - سواء أكان كلمةً أم تركيبًا - في إطار موقفه من القصيدة، وتأمُّل معناه في سياقاته المتعدِّدة؛ لأن هذه السياقات هي الأبعاد الفاعلة في تفسير النص والكشف عن العلاقات المتداخِلَة في لغته، وأن النص نسيج متكامل يتداخَل فيه إيقاع الذات وإيقاع البيئة والمجتمع والثقافة.

على كلِّ حال إن معاودة قراءة التراث البلاغي والنقدي محاولة للوصل بين ما توارَثناه وبين ما نُعاصِره وما يُستَحدث، ولكن دون التعصُّب للتراث أو التقليل من شأنه.

♦           ♦            ♦


توطئة:

إن البلاغيين في توجُّههم نحو مباحث البلاغة قدَّموا دراسة موسَّعة حول المواصَفَات الأوَّلية التي يجب أن تتوافَر في الصياغة على مستوى الإفراد، وعلى مستوى التركيب، وانطلقوا في ذلك من خلال مصطلحين من أظهر مصطلحاتهم؛ هما (الفصاحة) و(البلاغة)؛ إذ هما شرطان مبدئيَّان للولوج في عالم الإبداع الأدبي.

فمصطلح الفصاحة في حدوده المعجمية يستدعي عملية توصيل بوصفها خطًّا أصيلاً في كلِّ إبداع؛ إذ يعني المصطلح في مادَّته المعجمية (الظهور والبيان)[1].

فأمَّا منطقة عمل الفصاحة فهي (المفرد والمركَّب) بانضمام (المبدِع) إليهما، وأمَّا البلاغة فإن مادَّتها المعجمية حدودها المعرفية تُبنَى على (الوصول والانتهاء).

قال أبو هلال: "أمَّا الفصاحة فقد قال قومٌ: إنها من قولهم: أفصح فلان عمَّا في نفسه إذا أظهره، والشاهد على أنها هي الإظهار قولُ العرب: أفصح الصبح، إذا أضاء، وأفصح الأعجمي، إذا أبان بعد أن لم يكن يفصح ويبين، أمَّا البلاغة: سميت بلاغة لأنها تنهي المعنى إلى قلب السامع فيفهمه"[2]، ثم يخلص إلى النتيجة المنطقية التالية، وهي "أن البلاغة والفصاحة ترجعان إلى معنًى واحد وإن اختلف أصلاهما؛ لأن كلَّ واحد منهما إنما هو الإبانة عن المعنى والإظهار له"[3].

ومعنى ذلك: أن البلاغة تستدعي حضور المبدِع والمتلقِّي على صعيد واحد، فكلاهما يظلُّ في حالة انتظار لبلوغ المنطقة الدلالية.

إن جمالية البلاغة هي جمالية التلقِّي والتأويل؛ لأن غاية البليغ أن يؤثِّر في المتلقِّي، وغاية المتلقِّي الكلام البليغ وتأمُّله ليصل إلى كمال اللذَّة[4].

ومنطقة عمل (البلاغة) أولاً (الكلام والمتكلم)، فلا تعلُّق لها بالإفراد؛ لأن المفردة غير مستهدَفة في ذاتها، بل لا بُدَّ من وجودها في سياق.

وبين المصطلحَين علاقةٌ تتحرك من المصطلح الأول (الفصاحة) إلى الثاني (البلاغة)، على معنى أن الفصاحة تدخل ضمن مواصفات البلاغة دون العكس، إن الكلمة الفصيحة تجمُل إلى جانب جرسها ووقعها في الأذن وحركة اللسان بها إيحاءً بالمعنى وظلالاً وموسيقا.

ويؤكِّد عبدالقاهر أن الفصاحة هي فصاحة تأليف، وأن هذا التأليف لا بُدَّ أن يقود إلى معنًى، وأن المعنى في تركيبٍ ما لا يمكن أن يظلَّ هو هو في تركيبٍ آخر دون أن يفقد بعض مزاياه وبعض حُسْنِه وزِينته، ويمثِّل لذلك بقوله: "إن سبيل المعاني سبيلُ أشكال الحلي؛ كالخاتم، والشَّنف، والسوار، فكما أن من شأن هذه الأشكال أن يكون الواحد منها غُفْلاً ساذجًا، لم يعمل صانعه فيه شيئًا أكثر من أنْ أتى بما يقلع عليه اسم الخاتم إن كان خاتمًا، والشَّنْف إن كان شنفًا، وأن يكون مصنوعًا بديعًا قد أغرب صانعه فيه، كذلك سبيل المعاني، أن ترى الواحد منها غفلاً ساذجًا عاميًّا موجودًا في كلام الناس كلهم، ثم تراه نفسه وقد عمد إليه البصير بشأن البلاغة وإحداث الصوت في المعاني، فيصنع فيه ما يصنع الصَّنَعُ الحاذق حتى يُغْرِب في الصنعة، ويدقُّ في العمل، ويُبدِع في الصياغة"[5].

♦           ♦            ♦

المبحث الأول: الفصاحة

أولاً: الفصاحة في الكلمة المفردة:
اشترط البلاغيون لفصاحة الكلمة مجموعةً من المواصفات الصوتية والدلالية، ومُجْمَل هذه المواصفات سلامتها من (تنافر الحروف - الغرابة - مخالفة الوضع/ القياس)[6]، ولعلنا نلاحظ أنها مواصفات سلبية[7]، لا تقوَى على تشكيل الجمال، سواء عن طريق الصحة أو الدقة، ولكن تُبعِد الكلام عن الخطأ، وهذه الشروط تصنع حواجز على مقتضيات الأسلوب والمقام؛ إذ قد يقتضي الموقف أحيانًا لفظة غريبة أو متنافِرة الحروف أو عامية، أو غير ذلك مما يتوجَّبه السياق؛ ليعبِّر بأمانة عن ثقافة المبدِع وبخاصَّة إذا كان من أهل البادية[8]، ولا يزال هذا الاقتضاء كائنًا في الشعر، ويأتي في كلِّ أنواع الشعر إلى يومنا هذا.

1- التنافر:
ويبدو أن مسألة التنافر كانت محدودة في الواقع اللغوي؛ ومن ثَمَّ نلحظ أن نماذج التنافر كانت قليلة يتوارَثها البلاغيون خلَفًا عن سلَف؛ مثل كلمة (البُعَاق) التي يقولون: إن معناها (السحابة الممطرة) ولكنها صعبة في النطق، غريبة على الأذن لقلَّة استعمالها، خاصة إذا قِيست بكلمتي (الدِّيمَة) و(المُزْنَة)، يقول ابن الأثير: "هذه اللفظات الثلاثة من صفات المطر، وهي تدلُّ علي معني واحد، ومع هذا فإنك ترى لفظتي (المُزْنَة) و(الدِّيمة) وما جرى مجراهما مألوفة الاستعمال، وترى لفظ (البُعاق) وما جرى مجراه متروكًا لا يستعمل"[9].
ومثل ذلك كلمة (الهُعْخُعُ) في قول أحد الأعراب حينما سُئِل عن ناقته فقال: "تركتُها ترعى الهُعْخُع"[10].

يقول السيوطي في "المزهر": قال ابن دريد في "الجمهرة": "اعلم أن الحروف إذا تقارَبت مخارجها كانت أثقل على اللسان منها إذا تباعدت؛ لأنك إذا استعملت اللسان في حروف الحلق دون حروف الفم ودون حروف الذلاقة، كلَّفته جرسًا واحدًا وحركات مختلفة"[11].

ومن الكلمات التي يعسر النطق بها أيضًا ويخرجها البلاغيون من دائرة الفصاحة كلمة (مُستَشزِرات)
في قول امرئ القيس يصف شعر محبوبته:
وتفيض كتب البلاغة في تفسير منشأ الصعوبة في الكلمة التي استخدمها امرؤ القيس، وتكاد تتَّفق على أن الصعوبة في الكلمة هنا نشَأَت من اجتماع حروفٍ خاصَّة هي السين والشين والزاي "وذلك لتوسُّط الشين وهي مهموسة رخوة بين التاء - وهي مهموسة شديدة - والزاي وهي مجهورة"[13].

ولو أن الشاعر استبدل بعض الحروف بحروفٍ أخرى لأمكنه تلافي هذه الصعوبة، فقد كان في إمكانه أن يقول: (مستشرفات)، فيستقيم له المعنى والوزن، ويَسْلَم من الوقوع في التنافر[14].


وقد قدَّم البلاغيون مجموعةً من المبرِّرات الصوتية التي تحدِّد مفهوم التنافُر سلبًا وإيجابًا؛ حيث عزَاه بعضهم إلى التباعُد الشديد أو القُرب الشديد في المخرج، ومن خلاله يمكن الحكم بالقيمة رفضًا أو قبولاً، وقد أشار إلى ذلك ابن فارس (ت395هـ)، عندما قال: "...ضربٌ لا يجوز ائتلاف حروفه في كلام العرب بَتَّةً؛ وذلك كجيمٍ تؤلَّف مع كاف، أو كاف تقدَّم على جيم، وكعينٍ على غين، أو حاء مع هاء أو غين، فهذا وما أشبه لا يأتلف"
[15].

أمَّا ابن الأثير فقد قرَّر أن حاسَّة السمع هي الحَكَم في هذا المقام؛ لذلك يقول: فإن قيل: من أيِّ وجه عَلِم أرباب النظم والنثر الحسَن من الألفاظ حتى استعملوه، وعَلِموا القبيح منها حتى نَفَوْه ولم يستعملوه؟ قلت في الجواب: إن هذا من الأمور المحسوسة التي شاهِدُها من نفسها؛ لأن الألفاظ داخلة في حيِّز الأصوات، فالذي يستلذُّه السمع منها ويميل إليه هو الحسن، والذي يكرهه وينفر منه هو القبيح، ثم استشهد بأن السمع يستلذُّ صوت البلبل وصوت الشحرور، بينما يكرَه صوت الغراب وينفر عنه[16].


يُفهَم من كلام ابن الأثير أن الأُذُن عند البلاغيين قاضٍ نافذ القضاء؛ ذلك أننا إذا سألنا شخصًا ما عن لفظة: أحسنة هي أم قبيحة؟ فلا نتصوَّر أنْ يمهلنا حتى تعبر مخارج الحروف، ثم يحكم بالحسن أو بالقبح
[17]، وكأن الحسن عنده معلومٌ قبل إدراك التقارُب أو التباعُد، وممَّن تابَع ابنَ الأثير في هذا الرأي القلقشندي في "صبح الأعشى"[18].

وَفَرْعٍ يَزِينُ المَتْنَ  أَسْوَدَ  فَاحِمٍ        أَثِيثٍ  كَقِنْوِ  النَّخْلَةِ   المُتَعَثْكِلِ
غَدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ  إِلَى  العُلاَ        تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنًّى وَمُرْسَلِ[12]

ويرى العلوي (ت745هـ) أن المرجع في ذلك كله والمقياس الصحيح الذوق والطبع السليم[19].

• ولكن ينبغي أن يُلاحَظ أن استعمال هذا المقياس يحتاج إلى وعي وذوق؛ لأن هناك كلمات ثقيلة على اللسان، ولكن ثِقَلَها من أهم مظاهر فصاحتها؛ حيث إنَّ هذا الثقل يصوِّر معناها بحق، انظر كلمة (اثَّاقَلتم) في قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ} [التوبة: 38]، تجد فيها قدرًا من الثِّقَل الفصيح؛ لأنه يصف تقاعسهم وتثاقلهم، وخلودهم إلى الأرض، واستشعارهم مشقَّة الجهاد، "ويتصوَّر الخيال ذلك الجسم المتثاقِل، يرفعه الرافعون في جهد، فيسقط من أيديهم في ثقل، إن في هذه الكلمة (طِنًّا) على الأقل من الأثقال، ولو أنك قلت: تثاقلتم لخفَّ الجرس، ولضاع الأثَر المنشود، ولتوارَت الصورة المطلوبة التي رسمها هذا اللفظ واستقلَّ برسمها"[20].

يقول الجاحظ: "ومتى شاكَل - أبْقاك الله - اللفظ معناه، وأعرب عن فحواه، وكان لتلك الحال وَفْقًا، ولذلك القدر لِفقًا، وخرج من سَمَاجة الاستكراه، وسَلِم من فساد التكلُّف - كان قمينًا بحسن الموقع وباندفاع المستمع"[21]، فالمعوَّل عند الجاحظ على كون اللفظ مُشاكِلاً لمعناه، مُعرِبًا عن فحواه؛ ذلك "لأن حسن دلالة اللفظ على المعنى بحيث لا يخلُفه فيه غيره، مقدَّم على مراعاة خفَّة لفظه"[22]، وذلك نحو كلمة (مستشزرات) التي وصف بها امرؤ القيس شعر محبوبته، فقد عابها النقَّاد ووصفوها بالتنافر والثِّقَل والبشاعة[23]، مع أنها فصيحة قارَّة في موضعها، مصوِّرة للمعنى، غنية بالدلالة.

ولكي نتصوَّر فصاحة هذه الكلمة وثراء دلالتها، لا بُدَّ أن نستعرض الأبيات التي وردت الكلمة في سياقها؛ لأن الكلمة لا يُدرَك معناها المقصود ولا تُدرَك دلالتها إذا فُصِلت عن سياقها الذي وردت فيه، يقول امرؤ القيس:

وَجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِشٍ        إِذَا   هِيَ   نَصَّتْهُ   وَلاَ   بِمُعَطَّلِ
وَفَرْعٍ  يَزِينُ  المَتْنَ  أَسْوَدَ  فَاحِمٍ        أَثِيثٍ   كَقِنْوِ   النَّخْلَةِ   المُتَعَثْكِلِ
غَدَائِرُهُ  مُسْتَشْزِرَاتٌ  إِلَى  العُلاَ        تَضِلُّ العِقَاصُ فِي مُثَنًّى  وَمُرْسَلِ
وَكَشْحٍ لَطِيفٍ كَالجَدِيلِ مُخَصَّرٍ        وَسَاقٍ  كَأُنْبُوبِ  السَّقِيِّ  المُذَلَّلِ[24]

فالشاعر هنا يصف محبوبته بأوصافٍ متعدِّدة، ويشغله من هذه الأوصاف شعرُها، فيصفه بالطول والنعومة، وشدَّة السواد، وشدَّة التداخُل والكثافة؛ حيث تتزاحَم خصلاته على رأسها.

ويجب ألاَّ ننسى أن الشَّعْر يأخذ شيئًا من الأهمية عند امرئ القيس، باعتباره من أدلِّ الأمور على التكوين الأنثوي من ناحية، وباعتباره عاملاً فعَّالاً في تجلية الجمال من ناحية أخرى، ولأمرٍ ما أضفى الشاعر على شَعر المرأة طابعًا مركَّبًا، فعقَّّد من حركته حيث أطلق بعضه أحيانًا وقيَّد بعضه أحيانًا أخرى (فِي مُثَنًّى وَمُرْسَلِ)، ويبدو واضحًا حرصُ امرئ القيس على أن يكون لهذا الشعر مواصفات خاصة تهيِّئ له من التناسُب مع بعض الأعضاء الأخرى المجاوِرَة له، فشدَّة سواد الشعر تُحدِث تقابلاً ومفارَقةً مع بياض الوجه وإشراقه، كما أن خواصَّ الشعر نفسَها تعتَمِد على التقابُل في انسيابه على الظهر من ناحية، وارتفاعه إلى أعلى من ناحية أخرى، وفي تثنِّيه تارةً وإرسالهِ تارة أخرى، فالتقابُل كان خارجيًّا وداخليًّا في آنٍ واحد[25].

والناظر لكلمة (مستشزرات) يحسُّ منها - بدايةً - تنافرًا في الحروف وثِقَلاً في النطق "ولكن قليلاً من التفكير يهدينا إلى أن هذا التنافر لازمٌ لزومًا فنيًّا مؤكدًا؛ لأنه ينطبق على الصورة التي يريد الشاعر أن يرسمها لهذه الخصلات الكثيرة الكثيفة التي تتزاحم على رأس محبوبته، وترتفع إلى أعلى، ويغيب باقي الشعر الكثيف تحتها من مفتولٍ ظل على انتظامه، وغير مفتولٍ انطلق هنا وهناك، صورة غنية رائعة... إذا أجدنا تصوُّرها واستمعنا إلى (مستشزرات) أدركنا أنها تقتضي هذا التنافر... حقًّا هو تنافر، ولكن ما أقوى انسجامه مع الصورة المرسومة" التي قصدها الشاعر. 

إن الشاعر المطبوع يستخدم الكلمات عن قصد، وليس استخدامه لها استخدامًا عشوائيًّا، وقد يكون القصد غير واعٍ، ولكن الرؤية الفنية لديه توجِّه استعماله للغة سواء من حيث المفردات أو من حيث التراكيب، والذي نريد أن نقوله في هذا المقام: إن اللغة غنية بالمترادفات لكلِّ كلمة[26]، والشاعر حينما يستخدم أحد هذه المترادفات فلأنه يرى أن فيه غُنية وخصوصية عن غيره، ويؤيِّد هذا المعنى المعجميُّ فقد جاء في "لسان العرب": "شزر الحبل: فتله؛ أي: لوَّاه وبرَمه، واستشزر: انفتل"، ونلحظ هنا أن زيادة المبنى تبعها زيادةٌ في المعنى؛ فلفظة (انفتل) تدلُّ على مدى تداخُل خصلات الشعر واختلاف أوضاعها، كما نلحظ في مادة الكلمة (شزر) وجهًا من أوجه التسمية، وكأن هذا الوجه سببٌ في اختيار ذلك اللفظ لهذا المعنى، وهذا ما يسمَّى بـ(السياق السببي)، وهو السياق الذي "يُسهِم من جانبٍ في كثرة المترادفات، وإنشاء ألفاظ جديدة يُلحَظ فيها وجوه مختلفة للتسمية، ومن جانب آخر يُسهِم في تفسير وجود المترادفات في اللغة، من حيث كونها ظاهرة"[27]. 

على أن الذي ينبغي أن نلاحظه هنا - إيضاحًا لما سبق وإكمالاً له - أن التنافر في تلك الكلمة ناشئ من اجتماع أصوات متقاربة المخرج هي السين والشين والزاي، وقد أبدع امرؤ القيس في الجمع بين تلك الأصوات المتقاربة في كلمة واحدة، فهي تعرف بحروف الصفير، وكأن امرأ القيس يريد أن يوظِّف هذا الصفير في الدلالة على تطاير الشعر وارتفاعه في الهواء، فنسمع له صوتًا: "وتأمل قيمة الألف في (مستشزرات) في الدلالة على ارتفاع هذا الشعر إلى العلا"[28].

وكأن هذا التعثُّر أو التنافر في حروف الكلمة يصوِّر هيئة الشعر وحاله وشكله؛ فالكلمة دالَّة بشكلها، مصوِّرة بنطقها، موحيَة بالمعنى المقصود، ونحن نعلم أن امرأ القيس من المجِيدِين في التشبيه والتصوير، فهل كان عاجزًا عن الإتيان بكلمةٍ أسهل نطقًا من هذه الكلمة؟ لا أظنُّ ولكنه أتى بالكلمة المصوِّرة الهادِفة الموحِيَة المحقِّقة للغرض النابعة من الفطرة السليمة، والسليقة المعتدِلة والخيال المحلق، وبهذا التوجيه للكلمة والتحليل لبِنْيَتها نكون قد راعَينا حال المتكلم وحال المخاطب والسياق العام والخاص.

ويزداد الأمر وضوحًا لو توقَّفنا عند كلمة (المتعثكل) في البيت السابق، وتأمَّلناها صوتًا ومعنى ودلالة، نجدها تتميَّز ببنيتها الصوتية العامَّة، وتنقل صورة الشعر المتداخِل الملقى على ظهر محبوبته، وهذه الكلمة التي تبدو هي الأخرى غريبة نافرة في مسامعنا، والتي أشكلت على البلاغيين والنقَّاد؛ لأنهم لم يتنبَّهوا إلى صدقها التصويري ولزومها الحيوي في مكانها من النص، فلو نظرنا إليها بعين الشاعر لرأينا انسجامًا وتعاونًا بين حروفها وترتيب مقاطعها، وإبداعها في رسم صورة الشعر الكثيف المتداخِل، فالبنية المقطعية لصورة ذلك الشَّعر حكاية دقيقة صادقة، فهي تتميَّز بالتقابُل بين المقاطع القصيرة المفتوحة: (مُ - تَ -... كِ - لِ)، وبين المقطع الطويل المغلق (عَثْ).

وكأن المقطعين القصيرين الأوَّلَين يصوِّران بداية تدرُّج شَعرها على رأسها وأعلى كتفها، بينما يصوِّر المقطع الطويل طوله واسترساله على كتفها، ويصوِّر المقطعان الأخيران نهاية هذا التدرُّج وسكونه واستقراره وتتميز (الثاء) الساكنة في (المتعثكل) - كما لاحظ الدكتور النويهي - بالتقاطها لنغم الثاءين اللتين تقدَّمتا في كلمة (أثيث)[29].

لذلك ينبِّه أحد البلاغيين المحدَثِين إلى أن الكلمة الواصفة في بيت امرئ القيس هي كلمة (أثيث) فيقول: "ولو جهدت في طلب كلمة تصف الشعر الكثيف المسترسِل الذي يغشَى متن الحسناء، لما وجدت أوصف من كلمة (أثيث)، وصوت الثاء المؤذِن بتخلُّل الهواء من بين طرف اللسان والثنايا العليا، وتكرَّر هذا الصوت يصف معناه بحق"[30].

"وهكذا ترقى القيمة الصوتية إلى حكاية معنى عرفي رصَدَه المعجم للفظ أو معنى طبيعي ممَّا تستوحِيه النفس ولا تستطيع وصفه، فإن أمكن أحيانًا أن نشير إليه من بُعْدٍ فإننا لا نستطيع تفسير العلة التي جعلته مُوحِيًا على هذا النحو، وكأنه فعل الموسيقا في النفس، فمَثَل التأثُّر به كمَثَل التأثُّر باللحن الموسيقي نطرب له ولا ندرس لماذا؟... وإن استعمال مثل هذه الكلمات يحقِّق أغراضًا إيحائية بالمعاني الطبيعية التي تضيف إلى المعاني العرفية للألفاظ أبعادًا إضافية ما كان لها أن تتحقَّق لولا ما تحمِلُه حكاية الصوت من طاقة إيحائية[31]".

بعد هذا التحليل للأبيات والتوقُّف عند بنية الكلمات المصورة، نستطيع أن نقول مطمئنِّين: إن الألفاظ التي استخدَمَها امرؤ القيس في وصف الشَّعر ألفاظ مقصودة، قارَّة في موضعها، نابعة من عاطفة صادقة؛ لذلك جاء كلُّ لفظٍ منها محمَّلاً بمدٍّ دلالي مُفعَم لا يسعفنا به غيرُه.

وتزداد القضية وضوحًا عند امرئ القيس في قوله من القصيدة نفسها:

فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ  وَاِنْتَحَى        بِنَا بَطْنُ خَبْثٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ[32]

فالحِقف من الرمل: المعوج، والعَقَنْقَل: هو الرمل المنعقد المتداخِل، وقد اختار له امرؤ القيس كلمة معقَّدة كذلك؛ لأنها تحتوي على صوت العين الحلقي مع تكرير القاف المقلقلة، وهو تعقيدٌ فني مقصود؛ لأنه ينسجم مع تلك الرمال المتراكِبَة المتداخِلَة من ناحية، كما ينسجم مع (الجرس الصوتي) السائد في البيت من ناحية أخرى، وهو جرس غليظ، تفصح عنه أصوات الخاء والطاء والقاف؛ لأنها أصوات مفخَّمة تجمع بين الاستعلاء والإطباق، فامرؤ القيس إذًا لم يستعمل هذه الألفاظ لأنه شاعر جاهلي بدوي خشِن، يحبُّ الحُوشِيَّ من الكلام، ويعجز عن تحقيق التناسُق والتناسُب فيما ينظم؛ بل لأنه يرى فيها الصورة المقصودة، والعاطفة الغالبة تقتضيها اقتضاءً عضويًّا، فالشاعر عندما يقصِد إلى كلمات بعينها غير خاضعة لأصول الفصاحة المعيارية، ويتجاوَز تلك الأصول، فهو يرى أن مجاوزة تلك المعايير يحقِّق له هدفه المقصود، ولو خضع لمعايير الفصاحة في هذا الموضع لفسَد الخطاب وأُهدِرَت مستهدفاته الدلالية.

ومما ردَّه النقاد لعدم فصاحته كلمة (الجِرِشَّى) بكسر الجيم وتشديد الشين بمعنى (النفس) في بيت المتنبي يمدح سيف الدولة:

مُبَارَكُ  الاِسْمِ   أَغَرُّ   اللَقَبْ        كَرِيمُ الجِرِشَّى شَرِيفُ النَّسَبْ[33]

لقد عاب النقَّاد أبا الطيب في استخدام لفظة (جِرِشَّى)، واعتبروها قبيحة غريبة ثقيلة على السمع؛ لأنها غير مألوفة الاستعمال، وأظن أن هذا الحكم فيه تزيُّد على المتنبي؛ لأن الحكم على اللفظة بعيدةٌ عن سياقها وعن الوزن الشعري الذي احتضنها، لا شكَّ أن ذلك يقلِّل من قيمتها، ولكي ننصِف المتنبي أرى أن نعرِض بعض أبيات القصيدة التي تمثِّل السياق الذي وَرَد فيه البيت والذي اشتمَل على الكلمة، يقول المتنبي[34]:

فَهِمْتُ   الكِتَابَ   أَبَرَّ    الكُتُبْ        فَسَمْعًا    لِأَمْرِ     أَمِيرِ     العَرَبْ
وَطَوْعًا     لَهُ     وَابْتِهَاجًا      بِهِ        وَإِنْ  قَصَّرَ  الفِعْلُ   عَمَّا   وَجَبْ
وَمَا     لاقَنِي     بَلَدٌ      بَعْدَكُمْ        وَلاَ اعْتَضْتُ مِنْ رَبِّ نُعْمَايَ رَبْ
وَمَا  قِسْتُ   كُلَّ   مُلُوكِ   البِلاَدِ        فَدَعْ ذِكْرَ بَعْضٍ بِمَنْ  فِي  حَلَبْ
وَلَوْ   كُنْتُ    سَمَّيْتُهُمْ    بِاسْمِهِ        لَكَانَ  الحَدِيدَ   وَكَانُوْا   الخَشَبْ
أَفِي الرَّأْيِ  يُشْبَهُ  أَمْ  فِي  السَّخَا        ءِ أَمْ فِي الشَّجَاعَةِ أَمْ  فِي  الأَدَبْ
مُبَارَكُ    الاِسْمِ    أَغَرُّ    اللَّقَبْ        كَرِيمُ  الجِرِشَّى  شَرِيفُ   النَّسَبْ

واضح أن الأبيات في مقام المدح، وهو مقام يستدعي الإطناب، وقد جاءت القصيدة على هذا المقتضى؛ إذ تتألَّف من أربعةٍ وأربعين بيتًا كلها في المدح، وسَوْقُ المتنبي القصيدةَ على هذا الغرض مطابقةٌ لمقتضى الحال.

ولو نظرنا إلى البيت موضع الشاهد من خلال سياقه لوجدناه متساوقًا مع أبيات القصيدة كلها، وكلمة (الجِرشَّى) متساوقة مع الوزن، وبخاصة أن البحر الذي بُنِيت عليه القصيدة هو (بحر المتقارب)، وهو من البحور ذات التفعيلة الواحدة المتكرِّرة (فعولن) ثمان مرات في البيت، مما يُسهِّل الإيقاع ويُضفِي عليه جمالاً، فلا نحسُّ للكلمة ثقلاً أو غرابة في سياقها.

يقول ريتشاردز: "إنَّ وقْع الصوت لدى النفس لا يتوقَّف على الصوت نفسه بقدر ما يتوقَّف على ظروفه المحيطة به؛ أي: على مقدار ما بينه وبين ما قبله وما بعده من الأصوات من انسجام، فإن هذه الأصوات تتآلَف وتكوِّن شبكة محبوكة النسيج، وإنَّ الكلمة التي تستطيع أن تقع موقع الرضا والقبول لدى هذه الأصوات جميعها، وتنسجم معها كلها في وقت واحد، هي الكلمة التي تظهر بمظهر الفوز الموسيقي"[35]. 

ويؤكِّد هذا الفهم جاكبسون حيث يقول: "أنا لا أومن بالأشياء بحدِّ ذاتها، بل أومن بالعلاقات القائمة بينها"[36].

ونجد عندنا سندًا تراثيًّا يؤيِّد هذا؛ فقد نقَل المَرْزُبَاني قول المبرد: "وقد يضطرُّ الشاعر المُفْلِق والخطيب المُصْقِع والكاتب البليغ، فيقع في كلام أحدهم المعنى المستغلق، واللفظ المستكرَه، فإذا انعطفت عليه جنبتَا الكلام، غطَّتَا على عُواره، وستَرتَا من شيْنه"[37].

وأظن أن المتنبي شاعر مُفلِق وأديب بليغ، فإذا وقع منه ذلك في قصيدة كبيرة قصدًا أو اضطرارًا، فلا يغضُّ ذلك من شأنه، ولا يقلِّل من فصاحة الكلمة في موضعها وسياقها، وقد اتَّفق أئمة الأدب على أن وقوع اللفظ المتنافر في أثناء الكلام الفصيح لا يزيل عنه وصف الفصاحة، فإن العرب لم يعيبوا معلَّقة امرئ القيس ولا معلقة طرفة، رغم ما بهما من ألفاظ ثقيلة.

•
ومما تجدر ملاحظته أن تطبيقات النقَّاد المعنيِّين بالغريب دلَّت على ولَع معظمهم بأحكام القيمة، واقتصرت - أو كادت - على استخلاص شواهد الغريب من دواوين الشعراء، وإشاعتها في المجالس، أو تدوينها في المصنَّفات؛ حتى تؤدي رسالتها في تنفير أجيال الشعراء من تعاطي الغريب.

وقد تخلَّى أنصار هذا الاتجاه عن مهامَّ نقديةٍ خطيرةٍ؛ كالنظر في مصدر الغريب، ومعرفة أكثر عناصر الموروث الثقافي تأثيرًا في الشاعر، ومناقشة حقِّ الشاعر في بعث ميت الألفاظ، ودعوة المتلقِّين إلى الارتقاء بثقافتهم حتى يُحسِنوا ذوق الشعر، لقد أراح معظم النقَّاد أنفسهم من مثل هذه المهام.

فهذا الصاحب بن عباد (ت385هـ) يعفي نفسه من عناء النظر في مدى قدرة المتنبي (ت354هـ) على توظيف ثقافته اللغوية، ويكتفي بإصدار أحكام القيمة على البيت التالي:

أُسَائِلُهَا    عَنِ    المُتَدَيِّرِيهَا        فَلاَ تَدْرِي وَلاَ تُذْرِي دُمُوعَا[38]

يقول: "لفظة (المتديريها) لو وقعت في بحرٍ صافٍ لكدَّرته، ولو أُلقِي ثقلها على جبلٍ سامٍ لهدَّه، وليس للمقت فيها نهاية، ولا للبرد معها غاية"[39].

وواضح من تعليق الصاحب بن عبَّاد التزيُّد الشديد على المتنبي، ولو أنصف الصاحب لأدرك أن أبا الطيب لا يُعَابُ على غزارة معارفه، ولا على إتيانه بألفاظ لا إلفَ للناس بها، بل يُعَابُ إذا كانت معارفه ضَحْلَة، أو إذا لم يُحْسِن توظيفها، فهو يُسائِل الديار عن أهلها: أين ذهبوا؟ فلا تدري ولا تجيبه ولا تساعده على البكاء، فهذه حاله، ولا بُدَّ أن نراعي أنه ذو عاطفة جيَّاشة، وفي حيرةٍ من أمر سكَّان الديار.

وإن مَن يتأمَّل كلمة (المتديريها) يجدها أخف على اللسان من كلمة مثل (المستشزرات)، كما أن السياق الموقِفي، والسياق السببي، والإحساس النفسي أطاحوا بغرابتها؛ فوجودها بعد الجملة الفعلية (أسائلها)، وبعد حرف الجر (عن)، وقبل الجملتين المنفيتين: (فلا تدري)، (ولا تذري)، يذيب غرابتها، ويعفي المتلقِّي من اللجوء إلى معاجم اللغة، خاصة إذا كان المتلقِّي ممِّن مرنوا على قراءة الشعر العربي، وعرفوا تقاليد الشعراء في سؤال الديار واستعجامها عن الجواب.

وإذا كان البعض يرى أن كلمات مثل (ساكنيها) أو (قاطنيها) أن تَسُدَّ مَسَدَّ (المتديريها)، لكن مثل هذه الكلمات تجعل المتنبي لا يختلف عن غيره من الشعراء، ولا تتَّفق مع حرصه على إثبات جدارته بصحبة الأمراء والملوك، وتفوُّقه على مَن يغشى مجالسهم من أعيان الشعراء، والكُتَّاب، والفلاسفة، واللغويين، والنقَّاد، والمتصوِّفة.

الغريب إذًا يتَّفق مع التكوين النفسي للمتنبي، ويتَّفق مع حرصه على أن يملأ الدنيا ويشغل الناس بأمره، مع توقه إلى إسكات حُسَّاده وشانِئيه، وليس كذلك المألوف، ولكن الصاحب بن عباد لم يفطن إلى شيءٍ من ذلك[40].

ونزيد القضية وضوحًا بالتوقُّف مع قول تأبَّط شرًّا:

قَلِيلِ   ادِّخَارِ    الزَّادِ    إِلاَّ    تَعِلَّةً        وَقَدْ نَشَزَ الشُّرْسُوفُ وَالْتَصَقَ المِعَى

يرى بعض النقَّاد أن في قوله: (نشز الشرسوف) تنافرًا وثقلاً، ولو تأمَّلنا موقف الشاعر وحالته النفسية لاختلف الأمر، فالشاعر لم يلجأ إلي هذا التعبير لأنه بدوي، متنافر الطباع، عديم الفصاحة، بل لأنه يصف نفسه - وهو شاعر من الشعراء الصعاليك - بالجوع وقلَّة الطعام حتى أُصِيب بالهُزَال فبرزت رؤوس ضلوعه في صدره شاخصةً للعيان، وضمرت معدته وأمعاؤه لدرجة أنها التَصَقت بعضها ببعضٍ؛ لخلوِّها من الطعام، أفكان يستطيع أن يؤدِّي صورته هذه أداءً حيًّا بغير هذا التعبير الذي يعدُّه النقَّاد غير فصيح، وأن كلماته متنافرة أو ثقيلة؟ 

هكذا تتَّضح الصورة بالنظر إلى السياق؛ لأن نشاط السياق في الإبداع يجمع بين "عناصر النشاط اللغوي من ناحية، وعناصر الموقف النفسي الاجتماعي من ناحية أخرى"[41]؛ لذلك يقول أحد اللغويين المعاصرين: "إن معنى الكلام لا يتأتَّى فصلُه بأيَّة حال من الأحوال عن السياق الذي يُعرَض فيه"[42].

وكثيرًا ما نجد في شعرنا القديم أمثلةً لهذا التنافر المقصود؛ لأنه يؤدِّي وظيفةً عضوية في الصورة الشعرية، وذلك حين يربط بين المعنى واللفظ ربطًا وثيقًا.

ومن هنا نعلم أن الحالة النفسية أو الحالة العاطفية للمُبدِع لها دورٌ في اختيار الكلمات، ولعلَّ إهمال البلاغيين القدامَى لهذا الأمر، ونظرهم إلى هذه الكلمات مفردة بعيدةً عن سياقها اللغوي وسياقها الموقفي - هو ما جعلهم يتَّهمون مثل هذه الإبداعات بعدم الفصاحة، يقول القاضي عبدالجبار: "فالفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام وإنما تظهر في الكلام بالضمِّ على طريقة مخصوصة، ولا بُدَّ مع الضمِّ من أن يكون لكلِّ كلمة صِفَة، وقد يجوز في هذه الصفَة أن تكون بالمواضَعَة التي تتناوَل الضم، وقد تكون الإعراب الذي له مدخلٌ فيه، وقد تكون بالموقع، وليس لهذه الأقسام الثلاثة رابع؛ لأنه إمَّا أن تعتبر فيه الكلمة أو حركاتها أو موقعها، ولا بُدَّ من هذا في كل كلمة، ثم لا بُدَّ من اعتبار مثله من الكلمات إذا انضمَّ بعضها إلى بعض؛ لأنه قد يكون لها عند الانضمام صفة، وكذلك لكيفية إعرابها، وحركاتها، وموقعها، فعلى هذا الوجه الذي ذكرناه، إنما تظهر الفصاحة بهذه الوجوه دون ما عداها"[43]. 

على أننا كثيرًا ما نفعل مثلَ ذلك ببعض ألفاظنا العامية إذا اقتضى الأمر للتعبير عن المعنى المقصود، فمن ذلك على سبيل المثال الكلمات الدارجة: (مفشكل - متختخ - ملظلظ - مدندش - مبعجر) نجد أن كلاًّ منها يدلُّ على معنى خاص مرتبط ارتباطًا عضويًّا بلفظه. 

لقد التفت القدماء إلى ما بين الأصوات والمعاني من مناسبة، فهناك فرق بين (خَشُنَ) و(اخْشَوْشَن)، ذكر سيبويه أنه قد سأل الخليل عن ذلك فقال: "كأنهم أرادوا المبالغة والتوكيد كما أنه إذا قال: (اعْشَوْشَبَت الأرض)، فإنما يريد أن يجعل ذلك كثيرًا عامًّا قد بالغ"[44].

والتفت ابن جني إلى هذه القضية وقيَّدها في كتابه "الخصائص" في بابٍ كبير القيمة سمَّاه (في إمساس الألفاظ أشباه المعاني)، وهو باب ممتع بما فيه من شواهد وأمثلة رائعة وتحليل جيِّد، يقول: "إنك تجد المصادر الرباعية المضعَّفة تأتي للتكرير، نحو: الزَّعزعة والقلقلة والصلصلة... ونجد أيضًا الفَعَلى في المصادر والصفات إنما تأتي للسرعة نحو: (البَشَكَى والجَمَزَى والوَلقَى...) فجعلوا المثال المكرَّر للمعنى المكرَّر، والمثال الذي توالت حركاته للأفعال التي توالت الحركات فيها[45].

وقد التَفَت أيضًا إلى هذه الظاهرة الثعالبي صاحب "فقه اللغة وسر العربية"؛ حيث يقول: "فإذا استمعت إلى إنشاد بيت البحتري في وصف الذئب الجائع المرتجِف بسبب البرد ظننته أمامك:

يُقَضْقِضُ عُصْلاً فِي أَسِرَّتِهَا الرَّدَى        كَقَضْقَضَةِ  المَقْرُورِ  أَرْعَدَهُ   البَرْدُ

فإن تكرار القاف وتواليها خمس مرات، وتكرار الراء ست مرات مع الحروف الأخرى يوحي بصورة الذئب في ضراوته وجوعه وارتجافه"[46].

ولسنا وحدنا الذين يلفتهم جمال الحرف المكرَّر ورجع صوته إذا عاد على أبعاد متجاوبة في التركيب، وإن كنَّا قد سبقنا غيرنا في الدلالة على ذلك، فقد التَفَتَ أيضًا إلى هذه الظاهرة علماءُ الغرب، ووضعوا لها اصطلاحًا خاصًا فسموها (أونوماتوبيا) Onomatopoeia، ويعنون بها: (موافقة الصوت والصورة)[47].

ونجد شاهدًا على ذلك ما نقله آرثر سيمونز Arthur Symons عن إرنست دوسون إقراره بأن مثَلَه الأعلى في الشعر هو هذا البيت للشاعر الأمريكي بو Poe: 
The viol ،the violet ،and the vine

وأنه كان يرى أن الحرف (V) هو أجمل الحروف في اللغة الإنجليزية[48]، وقد أتى هكذا مكرَّرًا في أوائل الكلمات الثلاث متجاوب النغم، كما رأينا في أمثلتنا من النصوص العربية، والجناس معروف في بلاغات الآخَرين كما هو معروف في بلاغة العرب[49]".

إن الكلمة الفصيحة تجمُل بجرسها ووقعها في الأذن، وسهولة جريانها على اللسان، وبما لها من إيحاءٍ بالمعنى، وبما تبعثه من نبرات دقيقة تسمعنا صوت العاطفة، وذلك متوقِّف على مقدارِ ما بينها وما قبلها وما بعدها من انسجام وتآلف صوتي استدعاه السياق.

2- الغرابة:
والشرط الثاني لدخول الكلمة دائرة الفصاحة: ألاَّ تكون غريبةً أو نادرةَ الاستعمالِ غير متداوَلة أو مألوفة، بحيث لا نحتاج إلى البحث عنها في المعاجم لكي نفهم معناها، ولئلاَّ يكون بينها وبين المتلقِّي انفصالٌ يعوق وصوله إلى مدلولها. 

والنقيض المباشر للاستعمال هو (الوحشية)، وقصدوا بها أن الألفاظ تكون مهجورة أو غير مأنوسة الاستعمال، ومن هنا يكون بينها وبين المتلقِّي انفصالٌ يعوق وصوله إلى مدلولها، لكن اللافت أن موقف النقد القديم لم يكن رافضًا رفضًا مطلقًا للتعامُل مع مثل هذه الدوال (الكلمات)، فالجاحظ مثلاً يربط استعماله بالإطار الاجتماعي، فللمتكلم أن يسلك هذا المسلك إذا كان بدويًّا أعرابيًّا، ولوجود التلاؤم بين طبيعة اللفظة وطبيعة مستعمِلها ومتلقِّيها: "فإن الوحشي من الكلام يفهمه الوحشي من الناس"[50].

إن الغرابة التي ينبو عنها حسن البيان ككلمة (الطرموق) بدل (الطين)، و(الاستمصال) بدل (الإسهال)، و(الهزبر) بدل (الأسد).

هذه هي الغرابة المخِلَّة بالفصاحة عند البلاغين، وقد ذكروا من أمثالها قصة طريفة تُروَى عن علقمة النحوي قالوا: إنه سقط عن حماره فاجتمع عليه الناس فقال: ما لكم تكأكأتم عليَّ كتكأكُئِكُم على ذي جِنَّة، افرنقِعُوا.

وأظنُّ أن علي بن عيسى - وكان حسن التخلُّص جيد المداعبة - إنما اصطنع هذه الألفاظ ليشغل بها الذين أحاطوا به وليصرفهم بهذه الدعابة[51].

ومما يُحسَب لابن سنان في هذا المجال ربطه المفردة بالسياق؛ حيث رأى أن السياق أحيانًا يقتضي استخدام اللفظة الموصوفة بالتوحُّش، وحيث لا يكون للمبدع مندوحة عنها، كأن تكون اسمًا لمكان، فلا بُدَّ من ذكرها لكمال الإفادة، كقول البحتري:

وَأَنَا الشُّجَاعُ وَقَدْ رَأَيْتَ مَوَاقِفِي        بِعَقَرْقَسٍ    وَالمَشْرَفِيَّةُ    شُهَّدِي

فالشاعر له عذر واضح في ذكر (عَقرْقَسٍ)؛ لأنه الموضع الذي شهد الممدوح به قتاله، وليس يحسن أن يذكر موضعًا غيره[52].

لقد رأى ابن سنان أن استخدام كلمة (عَقرْقَسٍ) وإن كانت غريبة إلاَّ أن الشاعر مضطر لذكرها، ولا مندوحة له عنها؛ لأنها اسم مكان.

أما ابن الأثير فيتقدَّم خطوة لها خطورتها في ربط المصطلح بالتطوُّر الزمني، فهناك ألفاظ استعمَلَها الأوائل دون الأواخر، وهذا لا يُعَاب استعماله عند العرب؛ لأنه لم يكن عندهم وحشيًّا، وهو في زمن ابن الأثير يُعَدُّ وحشيًّا لعدم استعماله، ويعود ابن الأثير ويضيف إلى رأيه السابق وجود نوعٍ آخر أسماه (الغريب الحسن)، وهو الذي يختلف باختلاف السبب والإضافة، ويرتبط هذا النوع بالجنس الأدبي، فيسوغ استعماله في الشعر دون الخُطَب والمُكاتَبَات، وذكَر من هذا الغريب الحسن كلمة (شَرَنْبَثَة) في قول الفرزدق:

وَلَوْلاَ حَيَاءٌ زِدْتُ رَأْسَكَ شَجَّةً        إِذَا سُبِرَتْ ظَلَّتْ جَوَانِبُهَا تَغْلِي
شَرَنْبَثَةٌ شَمْطَاءُ مَنْ يَرْتَمِي  بِهَا        تَشُبْهُ وَلَوْ بَيْنَ الخُمَاسِيِّ وَالطِّفْلِ[53]

"فقوله: (شَرَنْبَثَة) من الألفاظ الغريبة التي يسوغ استعمالها في الشعر، وهي هنا غير مستكرَهة، وكذلك لفظة (مشمخر) ولفظة (الكَنَهْوَر)[54].

وقد كان الشعراء قديمًا يتعمَّدون استخدام الغريب إذا كان الموقف أو الحال يستدعي ذلك؛ ومن ذلك ما تعمَّده بشار فيما رواه الأصمعي من أن بشارًا قال قصيدةً أكثر فيها من الغريب لما رأى سلمًا يتباصَر بالغريب، فأراد أن يردَّ عليه بما لا يعرفه[55].

ومما عدَّه النقَّاد غريبًا كلمة (اطلخمَّ) في قول أبي تمام:

قَدْ قُلْتُ لَمَّا اطْلَخَمَّ الأَمْرُ وَانبَعَثَتْ        عَشْوَاءُ   تَالِيَةً    غُبْسًا    دَهَارِيسَا[56]

يرى بعض النقَّاد المحدَثِين أن ألفاظًا مثل: (اطلخم، غبسًا، دهاريسا) تقيم بغرابتها سدودًا حائلة دون انسياب المعنى في ذهن المتلقِّي أو وجدانه، حتى إن كل لفظ منها يبدو وكأنه مشكلة معقَّدة تتحدَّى العقل والسمع[57].

ولِمَ لا يكون التعقيد في هذه الألفاظ مقصودًا؟ إن الرؤية الصحيحة التي تتناسَب والسياق أن هذه الكلمة تحكي - بثقلها وتداخل حروفها - الشدَّة والاختلاط حين ينبهم الأمر وتنبعث النوائب العشواء، فإذا أضفنا إلى ذلك دلالة (غبسًا) التي تُوحِي بالظلام الحالك وتتابُع الآلام والهموم، ثم قوله (دهاريسا) التي تصوِّر بجرسها آثار الدواهي وفعل الدهس والهرس في شدة طاحنة، وكأنما تعاوَنت كلمات البيت في رسم صورة للممدوح بجوده وكرَمِه يدفع الشرَّ عن أمته، ويتصدَّى للنوازل متحمِّلاً في سبيل ذلك آلام الدهر ومعاناته.

ومن عجبٍ أن الذين استهجنوا غريب أبي تمام (ت229هـ) يدركون بداهةً أن الغريب كان جزءًا لا من ثقافته فحسب، بل من ثقافة كلِّ الشعراء الذين أقاموا بالبادية، تلبيةً لتوجيهات النقاد أنفسهم.

ثم إن أبا تمام تميَّز بسعة اطِّلاعه وعمق ثقافته، وانقضاضه على معارف عصره وتمثَّلها تمثُّلاً دقيقًا، حتى بلغ محفوظه أربعة عشر ألف أرجوزة غير القصائد، وسبعة عشر ديوانًا للنساء فقط، وله من التصانيف ما يعكس معرفته العميقة بالشعر والشعراء؛ كـ"الحماسة"، و"الوحشيات"، و"مختار أشعار القبائل"، و"فحول الشعراء"[58].

أمَّا معرفته باللغة والغريب فلا يختلف على غزارتها أنصارُه وخصومُه، فإن أبا تمام تعمَّد أن يدلَّ في شعره على علمه باللغة وبكلام العرب، فيعمد لإدخال ألفاظ غريبة في مواضع كثيرة من شعره[59]، وإن الغرابة وصف نسبي، وخصوصًا أن "العرب كانت قبائل، ولكلِّ قبيلة لغة، هي حُوشِيَّة عند غيرهم، والفصاحة مخاطبة كلِّ قوم بلغتهم الدائر استعمالها بينهم"[60].

وأبو تمام (ت229هـ) رأس مذهب وهو ينطلق في إبداعه، لا من رغبته في استرضاء خاصة المتلقِّين أو عامتهم، ولا يعنيه أن يدرأ سخطهم على ما في قصائده من غريب الألفاظ، أو معقَّد التراكيب، أو غامض المعاني، وإنما ينطلق أبو تمام من رغبته في مباينة السائد، والثورة على المألوف.

ولا بُدَّ لهذه المنطلقات أن تنعكس على ألفاظه وتراكيبه وصُوَره، وهو مُغرَم بالجمال العسير؛ ولذلك لا يتردَّد في الاستعانة بالكلمة الغريبة التي تلائم ذوقه وتعبِّر عن موقفه[61]، لا يعنيه أن يجد المتلقِّي معاناة في استقبال أشعاره؛ لأن "التلقي عند أبي تمام معاناة وليس استرخاء، ومن ثمَّ كان على المتلقِّي - لكي يحسن فقه أشعاره - أن يرتقي بثقافته إلى المرتبة التي تؤهِّله للتفاعل معها، بدلاً من أن يَزْوَرَّ عنها مواريًا ضعف ثقافته خلف أحكام نقدية جاهزة، أحكام تُنْعَت بالغموض والتعقيد، أيَّة قصيدة لا تبوح من أول قراءة بما يرقد في أحشائها من قِيَم جمالية وإنسانية"[62].

وأرى أخيرًا أن أبا تمام يريد لنفسه أن يكوِّن صوتًا شعريًّا متميِّزًا يُدهِش المتلقِّين ويُثِيرهم ويأتيهم بما لم يَأْلَفُوا، وهو لا يبالي "بأن تصل معانيه إلى شيء من الغموض يجعلها تصعُب في فهمها على أولئك الذين لم يَصِلُوا في ثقافتهم إلى المستوى الذي وصل إليه"[63].

ومن الغرابة أن تحتاج الكلمة إلى تأويل ومشقَّة في تخريجها على وجهٍ من الوجوه، وهذا يمثِّل لونًا من التعقيد وعدم الوضوح؛ كقول العجاج ابن رؤبة متغزِّلاً:

أَيَّامَ أَبْدَتْ وَاضِحًا مُفَلَّجَا
أَغَرَّ بَرَّاقًا وَطَرْفًا  أَدْعَجَا
وَمُقْلَةً  وَحَاجِبًا  مُزَجَّجَا
وَفَاحِمًا وَمَرْسِنًا  مُسَرَّجَا

إذ يرى النقاد أن كلمة (مسرَّجا) غريبة؛ لأننا لا نقف على معناها إلا بعد الاختلاف في تخريجها، فقيل: هي من قولهم للسيوف: سُرَيجيَّة، نسبة إلى حداد يقال له: سُرَيج، وعلى ذلك يكون المعنى: أنها مستوية ودقيقة كالسيف السُّرَيجي، وقيل: إنها من السراج، وهو البريق، مأخوذ من قولهم: سَرِج وجهه؛ أي: حَسُن[64].

إن الذي أدَّى إلى هذا الاختلاف في تخريجها أنها عُزِلت عن سياقها الموقفي، ولو أنهم نظروا إليها في سياقها لرَأَوْا أنها لا تحتمل إلاَّ تخريجًا واحدًا، فرؤبة يصف محبوبته بسواد الشعر، وبياض الأسنان المفلجة، والعيون الواسعة الجميلة، والحاجب المزجَّج المدقق المقوَّس، والأنف المستوي الدقيق الحسن، فكأن أنفها يُشبِه السيف السُّرَيجيَّ في دقَّته واستوائه.

وهذا هو المعنى الوحيد الذي يُفهَم من السياق الموقفي، ويكشف عن حالته النفسية، ومدى تفجُّعه على محبوبته الموصوفة بتلك الصفات، ويُسهِم في تحديد هذا المعنى قوله: "أَزْمَانَ أَبْدَتْ وَاضِحًا...".

إذًا؛ فلا معنى لاحتمال وصف الأنف بالبريق كالسراج؛ لأنه لا يتَّفق مع الجوِّ النفسي وعاطفة الشاعر "وكان رؤبة رجَّازًا مُجِيدًا بصيرًا باللغة قيِّمًا بحوشيِّها وغريبها"[65].

إن الاستخدام الأدبي للألفاظ يعتمد فيما يعتمد على المعنى السيكولوجي لها؛ أعني: دلالتها الارتباطية الذاتية والجماعية، ولكنه اعتماد يتَّجه فنيًّا بهذه الإيحاءات الخاصة إلى سياق موضوعي، كأنه يفكُّ ارتباطها التقليدي... وتلك مهمَّة الصناعة الأدبية[66].

وبناءً على تلك النظرة من فحص الكلمة في سياقها، ومراعاة الحالة النفسية للشاعر؛ نقول: إن الكلمة ليست غريبة، ولا تحتمل أكثر من تخريج، وهي فصيحة في موضعها، دالَّةٌ على الغرض الذي قصَد إليه الشاعر الغَزِل المتهالِك.

والذي أريد أن أقوله: إن هذه الكلمات تجري على لسان الشاعر لا تكلُّف فيها ولا تصنُّع، وإنما تأتيه طواعية تحمل المعنى الذي يدور في نفسه، ويحلِّق في سماء خياله، وتفيض به عاطفته، وهذا يذكِّرني بأوَّل ما تردَّد من معنى البلاغة في سؤال معاوية بن أبي سفيان لصحار بن عياش: "ما هذه البلاغة التي فيكم؟ قال: شيء تجيش به صدورُنا فتقذفه على ألسنتنا"[67].

ومثل هذا ما يحكمون به على كلمة (جحيش) في قول تأبَّط شرًّا:

يَظَلُّ   بِمَوْمَاةٍ   وَيُمْسِي   بِغَيْرِهَا        جَحِيشًا وَيَعْرَوْرِي ظُهُورَ المَهَالِكِ

فهي في نظر العلوي قبيحة جدًّا، ونظيرها قولنا: (فريد) فإنه بمعناها، وبينهما بَوْنٌ لا يُدرَك بقياس[68].

ويؤيِّده ابن الأثير حيث يقول: "ويا لله العجب! أليس أنها بمعنى (فريد)، و(فريد) لفظة حسنة رائقة، ولو وُضِعت في هذا البيت موضع جحيش لما اختلَّ شيء من وزنه"[69].

لقد التبس على النقَّاد الأمر، فقالوا بقبح هذه الكلمة حين نظروا إليها بعيدة عن مكانها من البيت، بل بعيدة عن الأبيات السابقة واللاحقة، أمَّا حين تُوضَع في مكانها من القصيدة - ولا أقول: البيت - فإن الأمر جِدُّ مختلف، فالشاعر يمدح ابنَ عمِّه فيخلع عليه من الصفات ما لا يكاد يجتمع في أحدٍ فيقول:

قَلِيلُ    التَّشَكِّي    لِلْمُهِمِّ     يُصِيبُهُ        كَثِيرُ الهَوَى  شَتَّى  النَّوَى  وَالمَسَالِكِ
يَظَلُّ    بِمَوْمَاةٍ    وَيُمْسِي    بِغَيْرِهَا        جَحِيشًا  وَيَعْرَوْرِي  ظُهُورَ  المَهَالِكِ
وَيَسْبِقُ وَفْدَ الرِّيحِ مِنْ حَيْثُ  يَنْتَحِي        بِمُنْخَرِقٍ    مِنْ    شَدِّهِ     المُتَدَارِكِ
إِذَا خَاطَ عَيْنَيْهِ كَرَى النَّوْمِ  لَمْ  يَزَلْ        لَهُ كَالِئٌ  مِنْ  قَلبِ  شَيْحَانَ  فَاتِكِ
يَرَى الْوَحْشَةَ الأُنْسَ الأَنِيسَ وَيَهْتَدِي        بِحَيْثُ اهْتَدَتْ أُمُّ  النُّجُومِ  الشَّوَابِكِ[70]

(وفد الريح): أولها، (ينتحي): يعتمد ويقصد، (المنخرق): السريع الواسع، (المتدارك): المتلاحق، والمعنى: أنه لخفَّته ونشاطه يسبق الريح من حيث يقصد بعَدْوٍ وجَرْيٍ سريعٍ متلاحقٍ، بل يرى في الوحشة الأنسَ الأنيسَ ويهتدي إلى مقاصده كما تهتدي النجوم في سيرها، فلا يضلُّ ولا ينحرف عن مقصده[71].

إذًا؛ فالشاعر يصف ابن عمه بالصبر والجَلَد واحتمال الخُطُوب دون شكوى إلى أحد، ولكنَّه يعمل على إزالتها ودفع مضرَّتها، وهو مع ذلك كثير الهوى شتَّي النَّوى، يركب المهالك، كثير الجولان في الأرض، مستأنِس بنفسه، شديد الحماس والجرأة.

ويؤكِّد هذا المعنى في البيت الأخير، بل إن الأوصاف الأخرى تتعاوَن وتتآزَر من أجل إبراز إيثاره عدم مخالطة الناس، حيث يجِدُ الوحشة أنسه الأنيس، ولما كان ذلك من الأمور الغريبة التي تشذُّ عن الطبائع العادية عبَّر عنها الشاعر بلفظة غريبة، فهي مقصودة مناسِبة للغرض دالَّة على مراده... ويؤيد هذا المعنى المعجميُّ والسياقُ السببيُّ للكلمة؛ ففي لسان العرب: جحش عن القوم: تنحَّى... والجحيش: المتنحِّي عن الناس... وقال أبو حنيفة: الجحيش: الفريد الذي لا يُزاحِمه في داره مزاحم[72].

ومعنى هذا: أن كلمة (فريد) لا تدلُّ على ما تدلُّ عليه كلمة (جحيش)، فللكلمة الأخيرة من الدلالات والإيحاءات ما ليس للأولى، وبينهما كما قال العلوي: بونٌ لا يُدرَك بقياسٍ، مدحًا لا ذمًّا.

ويرى بعض النقَّاد أن الشاعر استعمل كلمة (جحيشًا) لأنها لفظة أكثر غرابة وأقوى جشَّة، فهي أكبر ملائمة لمعناها وسياقها السببي، والفعل (يعروري) كما وضعته اللغة يحكي معناه الشديد الخشِن، يقال: اعروريت الفرسَ، إذا ركبته عَرِيًّا ليس تحتك شيءٌ، فأصله من المصدر الثلاثي (عري)، وهذا هو دور السياق السببي[73] في اختيار الشاعر لهذه اللفظة دون غيرها.

وقد لاحَظ اللغويون القدماء أن زيادة المبنى تحمل زيادة المعنى، ولو أضفنا إلى ذلك تصوير الحركة السريعة المتتالية والتي نفهمها من قوله: "ويسبق وفد الريح" بما تُوحِي به من سرعة وحركة دائبة، وتصويرٍ فائقٍ مبدِعٍ بحروفها وحركاتها، وبترتيب مقاطعها وتواليها كأنها تَصِفُ الحركة وصفًا دقيقًا، وتُسمِعنا صوت الحركة بوضوح[74].

وثمَّة ملحَظ آخر لم يفطن إليه ابن الأثير وهو "أن سلامة اللفظ يتبع سلامة الطبع، ودماثة الكلام بقدر دماثة الخِلْقَة"[75]، وأن انحياز شاعر صعلوك مثل تأبَّط شرًّا إلى (جحيش) يتَّفق مع ما جُبِل عليه من طبع جافٍّ، وما عُرِف عنه من غدر ولصوصية وإغارة[76]، وربما وجدت ألفاظه في صوته ونغمته وفي جرسه ولهجته[77].

إذًا؛ فاستخدام الشاعر مثل هذه اللفظة مُتَساوِق مع تكوينه الثقافي وتكوينه الخلقي، مُتَساوِق مع السياق الموقفي والسياق السببي والسياق اللغوي والحالة النفسية؛ وبناءً على ذلك فالكلمة محمَّلة بالمدِّ الدلالي الذي لا نجده في كلمة (فريد) التي ظنَّ بعض النقَّاد أن تكون بديلاً لكلمة (جحيش)، وليس الأمر كذلك؛ لأن الشاعر عندما ينحرف بالكلمة عن استعمالها المألوف فلا بُدَّ أن له غاية من وراء ذلك.

•
لاحِظ أنه إذا وُجِدَت قرينة تحدِّد المراد من الكلمة الغريبة فإن هذه القرينة تمحو غرابتها، وتكون الكلمة مقبولة، وهذه القرينة ترتبط بالسياق ارتباطًا وثيقًا؛ كما في قوله - تعالى -: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} [الأعراف: 157]، فـ(عَزَّر) مشتركة بين التعظيم والإهانة، ولكن ذُكِر في الآية قرينةٌ دالَّة على إرادة التعظيم، وبهذا تكون الكلمة فصيحة في عُرْفِ جمهور البلاغيين ما لم يلتبس في فهمها.

ومن الشواهد التي جاء فيها الغريب منسجِمًا مع السياق فبدا التناسب بين الكلمات الغريبة جميلاً، وبدا حسن الجوار بين الكلمات متناسقًا: قولُه - تعالى -: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} [يوسف: 85]، لما جاء بأغرب ألفاظ القسم (التاء) أتى - سبحانه وتعالى - بأغرب صِيَغ الأفعال من أخوات كان (تفتأ)، وبأغرب ألفاظ الهلاك (حرضًا)، فاقتضى حسن الوضع في النظم أن تجاور كل لفظة بلفظة من جنسها في الغرابة أو الاستعمال[78]، استهجانًا لما فعلوه ودلالة على استنكار أبيهم لفعلتهم، وبيانًا لتكلُّفهم في القول، فتشاكَلت الألفاظ وتجاوَرت، وتعانَقت المعاني وحسنت، وتآلفت الألفاظ مع المعاني، فعبَّرت أصدق تعبير عمَّا في أنفسهم، فكانت معادلة وموازية لما في أنفسهم[79].

إن الكلمة تكتسب كثيرًا من الظلال والإيحاءات نتيجة استعمالها عبر التاريخ إذ تمرُّ بآلاف التجارب الإنسانية، فرُبَّ كلمة كانت مألوفة في زمانٍ ثم أصبحت غير مألوفة، إنها ليست رمزًا يشير إلى فكرة أو معنى فحسب، بل هو نسيج متشعِّب من صور ومشاعر أنتجتها التجربة الإنسانية، فثبتت في اللفظة وارتبطت بها؛ فزادت معناها الأصلي حياة وإيحاءً... غير أن للألفاظ فوق ذلك - أي: فوق أصلها المجرَّد وارتباطها التراثي والشخصي - ظلالاً تضفيها عليها مجالاتها المختلفة التي تدخلها في سياق كلي وبنيوي جديد هو من صنع الأديب أو الشاعر.

إن قضية السياق هي القضية الأساسية في تفسير النص الأدبي؛ لأن السياق وحده هو الذي يشكِّل معنى اللفظ تشكيلاً جديدًا؛ إذ ينشأ اللفظ في ظلال هذا السياق ويكتسب منه إيحاءه الجديد، من أجل ذلك نقول: إن الألفاظ لا تتفاضَل في ذاتها، فليس هناك كلمة شعرية وأخرى غير شعرية، وإنما تكتسب قيمتها وشعريتها من خلال السياق[80].

3- مخالفة الوضع/ القياس:

أمَّا الشرط الثالث من شروط فصاحة الكلمة، فهو أن تكون موافِقَة للقوانين الصرفية التي تقرِّر حكم مفردات اللغة، فإذا ما جاءت الكلمة مخالِفَة لما قرَّره اللغويون العرب في هذا الصدد فإنها لا تُعَدُّ فصيحة، وهذه المخالفة قد تتَّصل ببنية الكلمة من حيث التغيُّر فيها بالزيادة أو النقص، وقد عاب ابنُ سنان رؤبةَ في قوله:

قَوَاطِنًا مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الْحَمَا

يريد (الحمام)، فالشاعر قد لجأ إلى حذف جزء من بنية الكلمة، فخرج على المألوف صياغيًّا، وبالمثل قد يعمد الشاعر إلى إشباع الحركة حتى تصير حرفًا، كما قال ابن هرمة:

وَأَنْتَ عَلَى الغَوَايَةِ حِينَ تَرْمِي        وَعَنْ عَيْبِ  الرِّجَالِ  بِمُنْتَزَاحِ

أي: (بمنتزح)[81].

وقد حاوَل بعض العلماء الربط بين هذه الظاهرة الصياغية والناحية الدلالية، فقد لاحَظ الزركشي أن بعض الأفعال تَرِد في الخطاب القرآني وقد قصرت حركتها الطويلة في الكتابة تبعًا لإسقاطها في النطق، وعلَّل لهذا الإسقاط بأنه للتنبيه على سرعة وقوع الفعل، وسهولته على الفاعل، وشدَّة قبول المنفعل المتأثِّر به في الوجود، وهو ما يعني من الناحية الصوتية الخالصة قد يكون لها إفراز دلالي مكثَّف في مثل قوله - تعالى -: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: 18]، ففيه سرعة الفعل، وإجابة الزبانية، وقوة البطش[82].

ويحضرني شاهد آخر في قوله - تعالى -: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182]، فهي تدلُّ على سرعة الفعل وهو الاستدراج فضلاً عمَّا يصوِّره الفعل من وصف الحدث وهو التدرُّج في التنزُّل بهم إلى العذاب من حيث لا يعلمون، وهذا الوصف يوحي بأثر المفاجأة.

وفيما يتَّصل بالبنية أيضًا عاب النقَّاد على الشاعر استخدامَ صيغةٍ للجمع غير صحيحة أو مخالفة للقياس، كما في قول المتنبي:

فَإِنْ يَكُ بَعْضُ النَّاسِ سَيْفًا لِدَوْلَةٍ        فَفِي النَّاسِ  بُوقَاتٌ  لَهَا  وَطُبُولُ

حيث جمع الشاعر كلمة (بوق) جمعَ مؤنثٍ سالمًا، مع أن قياس جمع الكلمة أن تُجمع على (أبواق).

والمتنبي في هذا البيت يمدح سيف الدولة قائلاً له: إذا كنت سيفًا لدولتك له أثره وخطره، فغيرك من الملوك بمثابة البوق والطبل؛ أي: لا أثر له ولا غناء فيه.

قال ابن جني: "وقد عاب على أبي الطيب مَن لا مَخبَرة له بكلام العرب جمع (بوق) على (بوقات)، والقياس يعضده، إذ له نظائر كثيرة؛ مثل: حمَّام وحمَّامات، سرادق وسرادقات، وجواب وجوابات، وهو كثيرٌ في كلام العرب في جمع ما لا يعقل من المذكر"[83].

إذًا فلا عيب عليه في استخدام هذا الجمع، لكنِّي أرى أن الشاعر هنا يقصد قصدًا إلى العدول عن جمع التكسير (أبواق) إلى جمع المؤنث (بوقات) لدلالة الأخير على التقليل، والتقليل هنا يوحي بتقليل شأن غيره من الملوك كما أن بوقات وطبول توحي بالفراغ والخلو؛ لأنها تنفخ وتدقُّ لفراغها لتُحدِث صوتًا، وهذا من "إيحاء الدلالات الهامشية للألفاظ"[84]، حتى في لغتنا العامية إذا أردنا أن نقلِّل من شأن شخص أو نسخر منه، فإننا نصفه بقولنا: فلان هذا بوق؛ أي: إنه فارغ القيمة.

جرى المؤلفون على قولهم: (مخالفة القياس)، ولكننا نُؤثِر أن نقول: (مخالفة الوضع)؛ لأنه قد تكون الكلمة مخالفة للقياس، وهي مع ذلك فصيحة لموافقتها لوضع الواضع مثل: (يأبَى) مضارع (أبَى)، فإن القياس فيه أن يُقال (يأبِِي)؛ لأن (فعَل) المفتوح العين لا يأتي مضارعه على (يفعَل) بفتحها إلا إذا كانت عينه أو لامه حرف حلق، كـ(سأل - يسأل) و(منع - يمنع) وليس (أبَى - يأبَى) من هذا القبيل، إذًا ففتح عين مضارعه مخالف للقياس وهو ما ذلك فصيح، لموافقته ما ثبت عن الواضع، فقد ورد في قوله - تعالى -: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة: 32].

والواقع أن هناك من الكلمات ما لم يجرِ على الوضع/القياس من حيث الصياغة، وهي مع ذلك فصيحة لأنها وردت في استعمال العرب، وكذلك وردت في القرآن الكريم، من ذلك مثلاً كلمة: (استحوذ) في قوله - تعالى -: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} [المجادلة: 19]، فإن القياس فيه أن يقال: (استحاذ) بقلب الواو ألفًا، كاستقام، واستجاب، فتصحيح الواو حينئذٍ مخالف للقياس، وهو مع ذلك فصيح لموافقته ما نقل عن الواضع، فالمدار في المخالفة إذًا في المنقول عن الواضع.

كذلك عاب النقاد على المتنبي جمع (أَرْض) على (أُرُوض) في قوله:

أُرُوضُ النَّاسِ مِنْ تُرْبٍ وَخَوْفٍ        وَأَرْضُ أَبِي  شُجَاعٍ  مِنْ  أَمَانِ

حقًّا إن القاعدة الصرفية تُجِيز أن تُجمع لفظة (فَعْل) على (فُعُول)، نحو أمر وأمور، أجر وأجور، لكن ما تجيزه القاعدة قد يمجُّه الذوق، وقد أَلِف الذوق العربي أن تفرد كلمة أرض.

قال ابن الأثير (ت637هـ) في "المثل السائر": ما ورد استعماله من الألفاظ مفردًا ولم يرد مجموعًا كلفظة (الأرض) فإنها لم ترد في القرآن إلا مفردة، فإذا ذكرت السماء مجموعة جيء بها مفردة معها في كلِّ موضع من القرآن، ولما أريد أن يؤتى بها مجموعة قيل: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]، في قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12][85].

وإذا كان الذوق يمجُّ (أُرُوض) جمعًا لـ(أرض)، مع كونها جائزة، فإنه لم يستحسن كلمة (اللب) - بمعنى العقل - إلا مجموعة؛ ولذلك لم تَرِد في القرآن مفردة، بل وردت مجموعة في مواضع كثيرة، نحو قوله - تعالى -: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} [ص: 29]، وقد تستعمل مفردة متى استدعاها السياق كما في قول جرير (ت110هـ)[86]:

إِنَّ العُيُونَ  الَّتِي  فِي  طَرْفِهَا  حَوَرٌ        قَتَلْنَنَا    ثُمَّ    لَمْ    يُحْيِِينَ    قَتْلاَنَا
يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لاَ حَرَاكَ بِهِ        وَهُنَّ  أَضْعَفُ  خَلْقِ   اللهِ   إِنْسَانَا

نلحظ هنا أن كلمة (اللب) قارَّة في موقعها لا عيب فيها ولا منافرة؛ حيث جاءت مضافةً إلى ما بعدها، متَّسقة مع الوزن العروضي للبيت ومع القافية معنًى ومبنًى.

وما تجدر ملاحظته أن دراسة الثقافة النحوية والصرفية للشعراء كشفت عن بقاء المحفوظ في ذاكرة بعض الشعراء الذين تبوَّؤوا مكانة شعرية متقدِّمة؛ كالمتنبي، وأبي تمام، مما يحمل على الاعتقاد بأنه لا تعارض بين أصالة الشاعر وبقاء المحفوظ في ذاكرته.

وكان المتنبي ذا ثقافة عميقة ومحفوظٍ غزير عالمًا باللغة وغريبها، وكان لا يُسأَل عن شيء في العربية إلا واستشهد عليه بالمحفوظ من منثور العرب ومنظومهم.

ومما يذكر من شواهد في هذا الصدد قول الفرزدق:

وَإِذَا الرِّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ  رَأَيْتَهُمْ        خُضُعَ الرِّقَابِ نَوَاكِسَ الأَبْصَارِ

يرى النقَّاد في بيت الفرزدق السابق أن جمع كلمة (ناكس) على (نواكس) مخالف للقياس، والصواب أن يقول: (ناكسي الأبصار).

والحق أن ضرورة اتِّباع القياس لم تحظَ بإجماع اللغويين - كما بينَّا - لذلك كان من حق الشاعر أن يعدل إلى صيغةٍ مخالِفَةٍ لتحقُّق له أمرًا يناسب الموقف ويلائم السياق، وهذا ما فعله الفرزدق في بيته السابق، قال المبرد: وفي البيت شيء يستظرفه النحويون؛ وهو أنهم لا يجمعون ما كان على (فاعل) نعتًا (فواعل) لئلاَّ يلتبس بالمؤنث، لا يقولون: (ضارب) و(ضوارب)، و(قاتل) و(قواتل)؛ لأنهم يقولون في جمع (ضاربة) (ضوارب)، و(قاتلة) (قواتل)، ولم يأتِ ذا إلا في حرفين: أحدهما: قولهم في جمع (فارس): (فوارس)؛ لأن هذا مما لا يستعمل في النساء فأمنوا الالتباس، ويقولون في المثل: (هو هالك في الهوالك) فأجروه على أصله؛ لكثرة الاستعمال لأنه مثل، فلمَّا احتاج الفرزدق لضرورة الشعر أجراه على أصله فقال: (نواكس الأبصار) ولا يكون مثل هذا أبدًا إلا في ضرورة[87].

يُفهَم من هذا أنه إذا كانت الضرورة الشعرية خروجًا عن القاعدة، فإن هذا أَدْعَى إلى البحث عن الغاية التي يتطاوَل إليها الشاعر بخروجه عنها.

ويرى بعض النقَّاد المحدثين أن الفرزدق ربما قصد أن هؤلاء الرجال إذا ما رأوا الممدوح يصبحون في حالةٍ من الذلَّة والخنوع، أو كما عبَّر هو عنهم بقوله: "خضع الرقاب نواكس الأبصار"، وتلك حال تعتري النساء حين يرين رجالاً مثل (يزيد) في مهابته وجلاله[88].

وقد تتَّصل ظاهرة التصرُّف في بنية الكلمة بإظهار تضعيف الحروف، وقد اعتبر ابن الأثير ذلك من (المنافرة في السبك)؛ كقول المتنبي:

وَلاَ يُبْرَمُ الأَمْرُ الَّذِي هُوَ حَالِلٌ        وَلاَ يُحْلَلُ الأَمْرُ الَّذِي هُوَ مُبْرِمُ[89]

فلفظة (حالل) نافرة في موضعها، وكانت له مندوحة عنها؛ لأنه لو استعمل عوضًًا عنها لفظة (ناقض) لجاءت اللفظة قارَّة في مكانها غير قلقة ولا نافرة[90].

ومن ذلك أيضًا قول الشاعر:

مَهْلاً أَعَاذِلَ قَدْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقِي        أَنِّي  أَجُودُ   لِأَقْوَامٍ   وَإِنْ   ضَنِنُوا

والحق أن مسألة (المخالفة) أو الخروج عن مألوف الصيغة، قد أخذت جانبًا كبيرًا من جدل القدماء، واختلافهم بين (مُخرِّج) للرواية، وبين (رافض) لها، ويبدو أن بعض (النقَّاد) كانت لهم نظرة دقيقة في هذا المجال؛ حيث اعتبروا الإبداع الشعري ذا خصوصية صياغية، تتيح لصاحبها إمكانية إبداع تراكيبه على نحوٍ فيه كثيرٌ من التسامح.

وفي حوار يجريه صاحب "الوساطة" مع بعض معاصريه يقول: "وللفصحاء المدلين في أشعارهم ما لم يُسمَع من غيرهم، كقول امرئ القيس (دِيمَةٌ هَطْلاءِ)، وذي الرُّمة (أُدْمَانَة) يعني (أَدْمَاء)، وفي شعر ابن أحمر وأمية (الهَيْنَمان) و(البلقوس) و(القساوِسة) في جمع قِسٌّ، ومثل هذا أكثر من أن يحصى"[91].

ويكفي أن نقرأ كلام الخليل الذي يرى فيه أن: "الشعراء أمراء الكلام، يصرِّفونه أنَّى شاؤوا، ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم"[92]، من ضرورات الشعر، وتصريف الكلام ها هنا عنوان كبير يدخل تحته أشياء كثيرة لا بُدَّ أن حرية التركيب واحدة من أهمها.

ويؤيِّد هذا قولُ سيبويه في (باب ما يحتمل الشعر): "وقد يبلغون بالمعتل الأصل، فيقولون: (رادِد) في (رادٍّ)، و(ضَنِنوا) في (ضنُّوا) وذكر البيت"[93]، فالشاعر عنده لا يخرج عمَّا عليه الاستعمال اللغوي للألفاظ والعبارات إلا ليبلغ بالتعبير مستوًى آخر من مستويات الاستعمال الواقعة في اللغة[94].

ونقل السيوطي عن أبي حيان: "يعنون بالضرورة أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر، المختصَّة به، ولا يقع ذلك في كلامهم النثري، وإنما يستعملون ذلك في الشعر خاصَّة دون الكلام... لأنه ما من لفظٍ إلا ويمكن الشاعر أن يغيِّره"[95].

والنظرة النقدية الحديثة ترى أن النقد الذي يقوم على تعقُّب ما يسمَّى بالأخطاء أو السقطات في العمل الأدبي لا مبرِّر له قبل الوقوف على غرَض صاحبه وتفهُّمه كاملاً، والإحاطة به من جميع الوجوه[96].

بناءً على ما سبق نستطيع القول: إن من الألفاظ ما تقرُّه القاعدة ويمجُّه الذوق، وهذا ما دعا ابن الأثير (ت637هـ) إلى تحكيم الذوق في مثل هذه الألفاظ، يقول: "ونحن في استعمال ما نستعمله من ألفاظ واقفون مع الحسن لا مع الجواز، وهذا كلُّه يرجع إلى حاكم الذوق السليم؛ فإن صاحب هذه الصناعة يصرِّف الألفاظ بضروب من التصريف، فما عَذُبَ في فمه منها استعمله، وما لفظه فمه تركه... ومؤلِّف الكلام من كاتب وشاعر إذا مرَّت به ألفاظٌ عرَضَها على ذوقه الصحيح، فما يجد الحسَن منها مُوَحَّدًا وحَّده، وما يجد الحسَن منها مجموعًا جمعه، وكذلك يجري الحكم فيما سوى ذلك من الألفاظ"[97].

والواقع أن الثقة في حكم الذوق الصحيح وتغليبه على القاعدة أحيانًا، له جذوره العميقة في تاريخ الشعر العربي؛ فإن فحول شعراء الجاهلية أبدعوا جياد قصائدهم في غيبة القواعد، وفي حضور الذوق السليم، وكما أن صحة الطبع تغني عن العلم بالعروض، فإن صحَّة الذوق تُضفِي على الشعر قدرًا كبيرًا من الصحة اللغوية والجمال المؤثِّر، فإن اعْتلَّت الأذواق مسَّت الحاجة إلى القاعدة، وإن اعتَلَتِ الأذواق قلَّت الحاجة إلى القاعدة.

ومهما يكن من أمر "فاللفظ - مهما تكن وضعيته - محدود الكينونة، له مادِّيته المستقرَّة فيه، ومهمَّة الفنان - شاعرًا أو ناثرًا - أن يُطلِق قوَاه الحبيسة في إطار حروفه لتتحوَّل إلى دينامية تستخدم حرارتها وحركتها من خلال السياق العام، وعن سبيل هذا الوثاق الوثيق بين اللفظ وما سبَقَه وما لحقه ينمو خطٌّ نفسي يشعُّ بكل العطاء الفني"[98].

ومن الخير أن نسارع ابتداءً فنقرِّر أن المعاني هي حصيلة خبراتنا بتلك الأشياء التي تدلُّ الألفاظ عليها، غير أن معاني هذه الألفاظ وإيحاءاتها القريبة والبعيدة تختلف - كما يقول علماء النفس - باختلاف السن والثقافة والذكاء، ومدى الاتِّصال بالناس، وعلاقاتنا بالأشياء بحيث يجب علينا التمييز بين المعنى السيكولوجي والمنطقي للكلمات عند كل تفسيرٍ للنص: "فالأول معنى ذاتي خاص بالشخص الذي يحمله ويملكه؛ أي: إنه مثقل بكثيرٍ من الصور الحيَّة والمشاعر والذكريات، أمَّا المعنى المنطقي فهو المعنى الذي يحاول العلم تحديده، وهو معنى موضوعي محدَّد"[99].

واستخدام الشاعر للألفاظ يعتمد فيما يعتمد على المعنى السيكولوجي لها - أعني: دلالتها الارتباطية الذاتية والجماعية - ولكنَّه اعتماد يتَّجه فنيًّا بهذه الإيحاءات الخاصة إلى سياق أوسع وأشمل، ليفكَّ ارتباطها التقليدي فيتحوَّل على يده كلُّ ما هو ذاتي وخاص من دلالات الألفاظ إلى كلِّ ذي طابع عام[100]، "وذلك في الجهاد الفني فوز غير قليل"[101].

وتحفل مصنفات نقدية عديدة مثل "طبقات فحول الشعراء"، و"الشعر والشعراء"، و"عيار الشعر"، و"الوساطة"، و"الموازنة"، و"الموشح"، و"المنهاج"، وغيرها - بالشواهد التطبيقية التي تُنبِّه إلى سقطات الشعراء وهفواتهم، وتنبِّه على عيوب القوافي، وتوضِّح الجائز من المرخص، كذلك أشادت برهافة الذوق الموسيقي - لدى هذا الشاعر أو ذاك - والقافية القارَّة بمكانها... كما تؤكِّد أن قدامَى نقَّادنا لم يتركوا هذا الجانب من ثقافة الشاعر للعروضيين واللغويين، بل أسهموا فيه بالجهد الوفير تنظيرًا وتطبيقًا[102].

"فالكاتب المبدع - والشاعر بصفة خاصة - يتمتَّع بحرية فريدة من بين مستخدمي اللغة"[103]؛ لأنه لا يتلقَّى اللغة تلقيًا سلبيًّا، بل له عليها أثر إيجابي بطبيعة ما بينهما من علاقة جدلية، فهو يتأثَّر باللغة ويؤثر فيها.

فالشاعر يغيِّر في اللغة بحكم ما له عليها من أثر إيجابي تتحقَّق به المحافظة على روح اللغة ونموِّها معًا، ثم إنه يبحث في اللغة عمَّا يمكن أن يفي بالمطالب التي تتطلَّع إليها الغاية الشعرية؛ لأن اللغة هي المادة الأولى التي يصنع منها الأديب عمله، على ما هو مقرَّر في الدراسات[104] الأدبية. 

ومن الطرق التي تلجأ إليها الدراسة الأسلوبية للعمل الأدبي البحث في الخصائص الفردية التي يختلف بها النظام اللغوي في العمل الأدبي عن أيِّ نظام سواه، وذلك "بملاحظة مواطن الخروج ومناهضة الاستعمال الجاري عليه الكلام، ثم محاولة الكشف عن العلل الاستاطيقية الباعثة على ذلك[105]".

ويعد "ليوسبتزر" من علماء الألمان، رائدًا في هذا الباب؛ فهو "يبحث عن روح الكاتب أو الشاعر في لغته على ما تظهر في الخصائص التي يخرج فيها عن المعايير اللغوية الشائعة ويتجاوَزها، بحيث يلوح منها الطريق التاريخي الذي يختطُّه والتغيُّر الطارئ عليه من روح العصر والثقافة في الصورة اللغوية الجديدة[106]".

ومن هذه الجهة كان البحث عنده من قبيل البحث السيكولوجي اللغوي، يتبلوَر معه المضمون الروحي في الصورة، فكأنه يرجع إلى ما يقتضيه مذهب كروتشه وكارل فوسلر من إيجاد العلاقة الوثيقة بين إدراك الجمال الفطري وأحوال النفس من جهة، ثم الخصائص اللغوية للكاتب ومسلكه الروحي من جهة أخرى، فالبحث عن إدراك الحمال أو تقديره لا يخلو من تعليق العمل الأدبي لصاحبه على نحوٍ من الأنحاء؛ موضوعي، أو ذاتي، أو نفسي[107].

ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: "لسان العرب"، و"المختار الصحاح"، و"أساس البلاغة"، مادة (فصح).
[2] "الصناعتين": ص 15، 16.
[3] نفسه: ص 16.
[4] "فلسفة الجمال في البلاغة العربية": ص 324.
[5] "دلائل الإعجاز": ص 422، 423.
[6] "الإيضاح في علوم البلاغة": ص 21، تح/ محمد خفاجي.
[7] يقتضي غيابها صلاحية الدالِّ للحلول في الخطاب الأدبي، وحضورها أو حضور بعضها يقتضي عدم الصلاحية.
[8] انظر في ذلك: مناقشتنا وتحليلنا لكلمة (مستشزرات) عند امرئ القيس، وكلمة (جحيش) عند تأبَّط شرًّا.
[9] "المثل السائر": 1/91.
[10] هذه كلمة ثقيلة لا يُستَطاب دورانها على الألسنة، إلاَّ أن يكون شجرًا كريهًا مرًّا، لا يُطَاق طعمه، كأنه هذه الكلمة التي لا يُطَاق النطق بها، والتي تحكي صوت المتقيِّئ، ولِمَ لا يكون لفظًا مخترعًا للثقل، وأنه لا معنى له، وهم يخترعون كلمات للمعاياة؟ قال ابن الشميل في كلمة هعخع نقلاً عن أبي الدقيش: إنها معاياة ولا أصل لها، "عروس الأفراح" (ضمن شروح التلخيص) 1/78، وراجع: "خصائص التراكيب" ص 31، 32.
[11] "المزهر": 1/191، وانظر أيضًا: "مناهج البحث في اللغة": ص 135.
[12] الغدائر: ذوائب الشعر، والعقاص: الأمشاط.
[13] "المزهر في علوم اللغة وأنواعها": 1/185، و"شروح التلخيص": 1/79، 80.
[14] انظر: "المثل السائر": 1/90 وما بعدها، و"الطراز": 1/108 وما بعدها، و"سر الفصاحة": ص 92 وما بعدها، و"البيان والتبيين": 1/72 وما بعدها.
[15] ابن فارس، "الصاحبي في فقه اللغة": ص 82.
[16] "المثل السائر": 1/91.
[17] "المثل السائر": 1/173.
[18] "صبح الأعشى": 2/256.
[19] "الطراز": 1/108، 109.
[20] "التصوير الفني في القرآن": ص 92.
[21] "البيان والتبيين": 2/7، 8.
[22] مقدمة "التحرير والتنوير": 1/113.
[23] انظر: "الطراز": 3/244، و"المثل السائر": 1/205، 206، و"شروح التلخيص": 1/ 78.
[24] الغدائر: ذوائب الشعر، والعقاص: الأمشاط.
[25] "قراءة ثانية في شعر امرئ القيس": ص 187.
[26] جاء في "تاج العروس" في أسماء الأسد: "وأورد له ابن خالويه وغيره أكثر من خمسمائة اسم، قال شيخنا: ورأيت مَن قال: إن له ألف اسم، وأورد منها المصنف كثيرًا في "الروض المسلوف فيما له اسمان إلى الألوف"، "تاج العروس": مادة (أسد).
[27] مصطفى إبراهيم عبدالله: "نظرية السياق السببي في المعجم العربي": ص 196، وقد طبَّق ذلك على أسماء الخمر حيث بلغت واحدًا وثلاثين اسمًا، وأسماء الأسد حيث بلغت خمسة وستين اسمًا، تتبع شرح المعاجم لهذه الأسماء مستعينًا بالسياق السببي فيما ذكرته المعاجم من استخدامات الكلمة، ومن أشعارٍ تضمَّنت هذه الأسماء، حيث يلحظ في هذه الاستخدامات وجوه مختلفة للتسمية، راجع في المصدر السابق (أثر السياق السببي في الترادف): ص 185 وما بعدها.
[28] "إبداع الدلال في الشعر الجاهلي": ص 45.
[29] "الشعر الجاهلي: منهج في دراسته وتقويمه": ص 45، وراجع: "إبداع الدلالة": ص 47.
[30] "خصائص التراكيب": ص 34.
[31] "البيان في روائع القرآن": ص 293، والجملة المعترضة من تصرفنا، وانظر: شواهد قرآنية لمثل هذه الألفاظ المقصودة في سياقها ص 293، وما بعدها.
[32] "ديوانه" (المعلقة) ص 15؛ تحقيق: محمد أبو الفضل.
[33] "شرح ديوان المتنبي": 1/ 227.
[34] القصيدة التي منها هذا البيت أنفَذَها المتنبي إلى سيف الدولة ردًّا على رسالته التي أرسلها إليه وهو بالكوفة يطلب منه المسيرة إليه، فأجابه المتنبي بهذه القصيدة، "شرح ديوان المتنبي": 1/225- 232.
[35] 137 Brincibles of literary criticism p.
[36] انظر: "النظرية الألسنية عند رومان جاكوبسون"؛ فاطمة الطبال، ص 29، المؤسسة الجامعية، بيروت، ط1، 1993م.
[37] "الموشح"؛ للمرزباني، ص 142، ونسب القول إلى المبرد، وانظر: مقدمة "التحرير والتنوير": 1/113.
[38] المتديِّروها: المتَّخذوها دارًا، "ديوان المتنبي": 2/357، و"يتيمة الدهر": 1/197.
[39] "يتيمة الدهر": 1/159.
[40] "ثقافة الشاعر": ص 41.
[41] "مدخل إلى علم الجمال الأدبي": ص 100.
[42] "علم اللغة مقدمة للقارئ العربي": ص 265.
[43] "المغني في أبواب التوحيد والعدل": 16/199.
[44] "الكتاب": 2/241.
[45] "الخصائص": 2/152، 153.
[46] "فقه اللغة وسر العربية": ص 261، دار الفكر، 1968م، والبيت في "ديوان البحتري".
[47] ويترجمها الدكتور النويهي بـ(الحكاية الصوتية)، د/ النويهي: "الشعر الجاهلي": 1/70، 71، ويترجمها بعض الباحثين بـ(تقليد أصوات الطبيعة)، د/ السعران: "علم اللغة": ص 400، ويترجمها أحد الباحثين بـ(الألفاظ ذات الجرس المعبِّر) د/ ظاظا: "اللسان والإنسان": ص 21، راجع: "علم الفصاحة العربية": ص 302، وما بعدها، ويطلق عليها بعض اللغويين (حكاية الصوت للمعنى) د/ تمام حسان: "البيان في روائع القرآن": ص 286، ويطيب لنا أن نطلق عليها (الألفاظ التصويرية)؛ لموافقة اللفظ الصورة المعبر عنها.
[48] "الشعر والتأمل"؛ روستريفور هاملتون، د/ محمد مصطفى بدوي ص 93.
[49] "التكرير بين المثير والتأثير": ص 59، 60.
[50] "البيان والتبيين": 1/144.
[51] "خصائص التراكيب": ص 35.
[52] "سر الفصاحة": ص 59.
[53] "ديوان الفرزدق": 2/713، والشرنبث في الأصل الغليظ، أراد أنها قبيحة منكرة في الأصل.
[54] المشمخرُّ: الجبل العالي، والكنَهْوَر: وصف للسحاب المتكاثف، "المثل السائر": 1/183، 184.
[55] الخبر في "الأغاني": 3/190.
[56] (اطلخمَّ الأمر) اشتدَّ وتفاقم و(عشواء) وصف لمحذوف؛ أي: ليلة عشواء؛ بمعنى: شديدة الظلمة، و(غبسا) جمع غبساء، وهي الليلة الشديدة الظلمة كعشواء، و(الدهاريس) الدواعي، يريد أن يمثِّل لاشتداد الأمر عليه بالليالي الحوالك المتتالية المليئة بالأحداث الجِسَام.
[57] د/ عبده بدوي: "أبو تمام وقضية التجديد في الشعر": ص 119، ط الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1981.
[58] "الأعلام": 2/165.
[59] "الموازنة": 1/25، 26، حيث ذكر الآمديُّ عدَّة شواهد من غريب أبي تمام.
[60] "جوهر الكنز": ص 37.
[61] "الصورة الفنية في شعر أبي تمام": ص 243.
[62] "ثقافة الشاعر": ص 45.
[63] د/ يوسف خليف، "تاريخ الشعر في العصر العباسي": ص 118، دار الثقافة، القاهرة، 1981م.
[64] "معاهد التنصيص": 1/15، و"شروح التلخيص": 1/84.
[65] "معاهد التنصيص": 1/15.
[66] "بلاغة العطف في القرآن الكريم": ص 151.
[67] "البيان والتبيين": 1/96.
[68] انظر: "الطراز": 1/114.
[69] انظر: "المثل السائر": 1/181.
[70] "ديوان الحماسة": 1/ 22، 23.
[71] "ديوان الحماسة": 1/ 22، 23.
[72] "لسان العرب"، مادة (جحش).
[73] عن دور السياق السببي في إثراء مترادفات اللغة، انظر: "نظرية السياق السببي في المعجم العربي": ص 185، وما بعدها.
[74] د/ النويهي: "الشعر الجاهلي": 1/81، 82، بتصرُّف.
[75] "الوساطة": ص 17، 18.
[76] لمزيد من التفاصيل انظر ترجمة تأبَّط شرًّا: "الشعر والشعراء": 1/220 – 318.
[77] "الوساطة": ص 18.
[78] "بديع القرآن": ص 77، 78.
[79] "فلسفة الجمال في البلاغة العربية": ص 285.
[80] "بلاغة العطف في القرآن الكريم": ص 148.
[81] "سر الفصاحة": ص 69، 70.
[82] "البرهان": 1/397.
[83] "شرح ديوان المتنبي": 3 / 229، 230.
[84] "البيان في روائع القرآن": ص 297، وانظر: شواهد لهذا الإيحاء ص 297، وما بعدها.
[85] "المثل السائر": 1/299.
[86] "المثل السائر": 1/297.
[87] "الموشح": للمرزباني: ص 146.
[88] "قضايا ومواقف في التراث البلاغي": ص 35، 36.
[89] راجع: "المثل السائر": 1/40، 41، وفيه قول الشاعر عندك 22.
[90] "المثل السائر": 1/316.
[91] "الوساطة": ص 452.
[92] حازم القرطاجني: "منهج البلغاء": ص 143.
[93] "الكتاب": 1/10، 11.
[94] "الضرورة الشعرية دراسة أسلوبية": ص 13.
[95] "الأشباه والنظائر": 1/224، 225، وراجع: "الوساطة": ص 452 وما بعدها.
[96] Style and Stylistics - Graham Hough. London. 1969 P. 63
[97] "المثل السائر": 1/300، 305.
[98] "في البلاغة العربية": ص 53.
[99] د/ أحمد عزت راجح: "أصول علم النفس": ص 300، ط11، دار المعارف، القاهرة، 1977م.
[100] "بلاغة العطف في القرآن الكريم": ص 151، بتصرف.
[101] "دفاع عن البلاغة": ص 83.
[102] انظر في ذلك: "عيار الشعر": ص 10، 11، 18، و"العمدة": 1/134، 200، 2/266، 292، و"المثل السائر": 1/61، 62، 180، 182، 295، 299، و"منهاج البلغاء": ص 40، و"الموشح": ص 127، 139، 310، 311، و"طبقات فحول الشعراء": ص 67، 68، و"الوساطة": ص 457، و"الشعر والشعراء": 1/95، 212، 213، 234، 264، 268.
[103] G. N. Leech Alinguistic guid of English Poetry
[104] Theory of Literature p.174 
[105] Ibid ،P.180
[106] "التركيب اللغوي للأدب": ص 109
[107] لمزيد من التفصيل في ذلك راجع: "دراسات في علم النفس الأدبي": ص 97، وما بعدها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- فصاحة
يوسف عبدالله - السعودية 19-12-2013 08:02 AM

جداً رائع ومفيد خاصة من ناحية اللغة والبلاغة ..
لكن لو فيه تحليل بلاغي مفرد لكل آية يكون أجمل .. بارك الله في جهودكم

2- رأيي
صفية - الجزائــر 27-11-2013 11:07 AM

والله موضوع ممتاز .أفادني كثيرا

1- ناقش مايلي
هدى - الجزائر 04-01-2011 03:50 PM

ما هذه البلاغة التي فيكم فقال شيى تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة