• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

الرؤية الخلدونية لصناعة العربية (3)

د. فيصل الحفيان


تاريخ الإضافة: 3/10/2009 ميلادي - 13/10/1430 هجري

الزيارات: 16477

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

 (3)
النحو وعلوم اللسان

 

ليست علوم اللسان - كما يرى ابن خلدون - سواءً في أهميتها؛ ولذلك فهو يصرح بأنها "تتفاوت في التأكيد، بتفاوت مراتبها في التوفية بمقصود الكلام"[1]، التفاوت إذًا مرتبط بـ"مقصود الكلام"؛ لأن اللغة التي تقوم هذه العلوم على خدمتها، غرضُها الأساس هو التواصل، سواء في درجة الإفهام أم نوعه، وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن "النحو" هو الأهم المقدَّم؛ "إذ به يتبين أصول المقاصد بالدلالة، فيُعرف الفاعل من المفعول، والمبتدأ من الخبر، ولولاه لجُهل أصل الإفادة"[2].
 
إن كل علم من علوم اللغة يقوم بجانب من جوانب اللغة نفسها في أدائها للمقصود، وبذلك يأخذ حُكمَ هذا الجانب، ومن المعلوم أن اللغة تقوم بوظيفتين: تعبيرية، وهي الأصل، وجمالية (إمتاعية أو بلاغية)، وكذلك النحو إذا ما نظرنا إلى وظيفته قياسًا إلى العلوم اللغوية الأخرى، سنجد أنه ذو صلة وثيقة بالوظيفة التعبيرية (الأساسية) التي تقوم عليها أية وظيفة أخرى؛ بل إن أية وظيفة أخرى تفقد معناها بدون هذه الوظيفة الأساسية، وظيفة النحو، التي تجعل من الوحدات اللغوية المفرَّقة بناءً تركيبيًّا محكمًا يدلُّ على المقصود، وبدون "النحو" أو ما يمثله من وظيفة لغوية، تفقد هذه الوحدات قيمتَها؛ ولذلك فإن ابن خلدون يرى أنه لولا النحوُ لجهل أصل الإفادة.
 
وقد يتبادر إلى الذهن أن علم اللغة الذي يُعْنى بالألفاظ المفردة ومعانيها - في حدود ما رسم ابن خلدون - أولى بالتقديم؛ فالأجزاء أو الكلمات قبل الكُلِّ، أو الجُمَل؛ إذ إنها النواة لها، ولكن الأمر - حسب ابن خلدون - يدخله "أن أكثر الأوضاع باقية في موضوعاتها لم تتغير"[3]، وهو يريد بـ"الأوضاع": الألفاظ، وبـ"موضوعاتها": معانيها، خلافًا للإعراب؛ فإنه - في رأيه - "تغيَّر بالجملة، ولم يبق له أثر"، تقديم النحو إذًا لأنه انتهى كليًّا، وبالطبع هو يريد أن الإعراب انتهى على ألسنة الناس في عصره، وهذا ما أشار إليه في الفصل الخامس الذي عقده تحت عنوان: "فصل في أن لغة العرب لهذا العهد لغة مستقلة مغايرة للغة مضر وحمير"، لغة العرب هي لغة زمانه، وهذه - كما يقول - وافية ببيان المقاصد، شأنها شأن اللسان المضريّ، ولم تفقد إلا دلالة الحركات على تعيُّن الفاعل من المفعول[4].
 
أما اللغة (الألفاظ اللغوية)، فإنها لم تتغيَّر، ومن ثَمَّ فإن الجهل بعلم اللغة لا يؤدي إلى الإخلال بالتفاهم، وهذا رأي لا يستقيم من عالم اجتماع، يرصد ظاهرة اجتماعية (اللغة) والألفاظ والمعاني - جوهر هذه الظاهرة - ليست ثابتة، ثمة ألفاظ تموت، وأخرى تُولد، وثمة معانٍ تنتهي، ومعانٍ أخرى تبدأ، والعلاقات بين الألفاظ ومعانيها في حركة دائبة، سواء على مستوى الظاهرة اللغوية بمراتبها من حقيقة ومجاز، أو على مستوى متحدِّثيها وطبقاتهم الاجتماعية، وأماكنهم، وعلاقاتهم بغيرهم، وأمور أخرى.
 
ويشهد لما نقول أن ابن خلدون نفسه ناقَضَ نفسه أو كاد، فبعد أن قال: إن أكثر الألفاظ (باقية) في موضوعاتها[5]، جاء في سياق آخر ليقول: "ثم استمر ذلك الفساد (يريد فساد الإعراب) بملابسة المعجم ومخالطتهم، حتى تأدَّى الفساد إلى موضوعات الألفاظ، فاستُعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه"[6]، هناك قال: إن (أكثر) الألفاظ باقية في موضوعاتها، وهنا قال: فاستُعمل (كثير) من كلام العرب في غير موضوعه!
 
كما أن علم اللغة ليس موضوعه كما - رسم ابن خلدون- محصورًا في متنها، ألفاظها ومعانيها، أو على حَدِّ تعبيره: أوضاعها وموضوعاتها، وتلك مسألة أخرى تحتاج إلى وِقفة مستقلَّة، إن الجهل بالموضوعات (المعاني) اللغوية، يؤدِّي أيضًا إلى الإخلال بالتفاهم جملة، كما يؤدي الجهل بالإعراب إلى الإخلال بالتفاهم جملة، وإذا كان النحو (الإعراب) فيه أصل الإفادة فيما يتعلق بالمسند والمسند إليه، فإن الألفاظ فيها أيضًا أصلٌ من أصول الإفادة، ولنا أن نتصور أن السامع للفظٍ ما لا يعرف معناه، أو يعرفه على غير وجهه، أو التبس عليه، هل ينفعه بعد ذلك أن يعرف كونه فاعلاً أو مفعولاً؟!
 
وعليه؛ فإن المفاضلة بين علم النحو وعلم اللغة في غير موضعها، وبخاصة من عالم اجتماع، لا من عالم نحو، ولا من عالم لغة، فلكلٍّ من العلمين أهميتُه التي لا تقل عن أهمية الآخر، وكل منهما يُعْنَى بجانب أو بمستوى من مستويات اللغة (الألفاظ ومعانيها، وقوانين تركيب هذه الألفاظ)، ونحن نعلم أن النظريات اللغوية الحديثة كثيرًا ما تجعل فرعًا أو شعبة من الدراسات المتصلة بعلمٍ ما - وليكن النحو مثلاً - منضويةً تحت دراسة اللغة أو علم اللغة، بمجرد أن تنتقل إلى حَيِّز الدرس التاريخي أو المقارن، أو تتشابك موضوعاتها مع ظواهر اجتماعية أخرى.
 
 

(4)
النحو والملكة

 

إن من المهم أن نلفت إلى أن الحديث عن العلاقة مع الملكة اللسانية، وإلا فإن الملكة بوصفها مفهومًا عامًّا ليست لسانيةً فحسب؛ فالملكات متعدِّدة وكثيرة، وليست حكرًا على جوارح الإنسان؛ ذلك أن مفهوم الملكة يتَّسع ليشمل الكيفيات أو الهيئات النفسية، والمحسوسة، والكيفيات الاستعدادية والمتصلة بالكميَّات؛ لكنَّ عمود الملكة هو الرسوخ والاستحكام، فكلُّ ما رسخ واستحكم في الإنسان حتى صار عادةً وخُلُقًا فيه - كان ملكة، وإلا فهو حال؛ لأنها زائلة[7]، وقبل أن يكون حالاً يمر بمرحلة "الصفة"، كأن الملكة هي المستوى الثالث والأخير للكيفية، قبله الحال، وقبل الحال الصفة، فالفعل - أي فعل - "يقع أولاً، وتعود منه للذات صفة، ثم تكرَّر فتكون حالاً، ومعنى الحال أنها صفة غير راسخة، ثم يزيد التَّكرار، فتكون ملكة؛ أي: صفة راسخة"[8]، ثمة إذًا ملكة في العلم، وفي الصناعة، وفي غيرهما.
 
إن الملكة اللسانية هي القدرة على استخدام اللغة، والتحكُّم في التعبير بها، ويملك ابن خلدون رؤية واضحة؛ بل شديدة الوضوح لها، فاللغات كلها - كما يقول - ملكات شبيهة بالصناعة[9]، ويعني بـ"شبيهة بالصناعة" أنها تكتسب كالصناعات بالممارسة والتكرار، وذلك شأن الملكات جميعًا، وهي – أي: الملكة - متفاوتة، وعمودها "التراكيب" لا "المفردات"؛ ولذلك يقول : "وليس ذلك - يريد تمام الملكة أو نقصانها - بالنظر إلى المفردات، وإنما هو بالنظر إلى التراكيب"[10]، وهو في ذلك على جادَّة الصواب، فالألفاظ مفردةً ليست لغة، إن تركيبها هو الذي يجعلها لغة، ونضيف: إن الملكة طاقة لغوية شاملة بالمفهوم العام للغة، فهي ليست خاصة بقوانين التركيب المتَّصلة بالسلامة اللغوية؛ بل تشمل أيضًا قوانين التركيب الجمالية تلك التي يتطلبها مقتضى الحال، والملكة في جريان التراكيب على القواعد العربية دون معرفة أو وعي من المتكلم، فلا يحتاج اكتسابها إلى تعلُّم؛ بل "يأخذها الآخِر من الأول"[11]، ومن أهم ما يحسب لابن خلدون الْتفاتُه إلى أن وسيلة اكتساب الملكة اللسانية هي السمع، فـ"السمع أبو الملكات اللسانية"[12]، وعلى الرغم من بداهة مفهوم هذه المقولة وقربه منا، فإن الأمر يبدو بالنسبة لنا أشبه بـ"تفاحة نيوتن" التي تسقط أمام الجميع، لكن نيوتن وحده هو الذي يرتب عليها مسألة "الجاذبية"، إن مقولة السَّمع الخلدونية نقلتْنا نقلة مهمة باتجاه الوعي بوسيلة تعلُّم اللغات واكتسابها، والذائقة الأدبية والشعرية، وطلاقة اللسان، وباختصار: أصبح الربط بين اللسان والسمع أبينَ ما يكون، وإذا كانت ملكة اللسان تربَّى عن طريق الأُذن، فإن تغيُّرها أو فسادها يكون عن طريق الأذن أيضًا، واللسان العربي الذي كان عن طريق السمع، تغيَّر أو فسد كذلك بالسمع، وهذا ما أدَّى إلى نشأة صناعة العربية أو علم النحو.
 
وابن خلدون يضع الملكة اللسانية في مقابل صناعة العربية أو النحو، إنه يراهما مبتُوتَي الصلة، أو يكادان؛ ولهذا فهو يقرِّر: "تلك الملكة (اللسانية) هي غير صناعة العربية، ومستغنية عنها بالجملة"[13]، وهو - بالطبع - محقٌّ تمامًا في النَّصِّ على هذه الغيريَّة؛ فصناعة العربية هي معرفة قوانين الملكة اللسانية، وليست عَيْنَ هذه الملكة، هي إذًا "علم بكيفية، لا نفسُ كيفية"، وهي "بمثابة من يعرف صناعة من الصنائع علمًا، ولا يُحْكِمها عملاً"[14].
 
والملكة اللسانية أسبق من الصناعة - صناعة النحو - إذ هذه الأخيرة مستنبَطة منها، أو قائمة عليها، فهي - إذًا - لاحقة.
 
وهي أيضًا غايةٌ، في حين أن الصناعة وسيلة، فنحن نعرف القوانين الصناعية؛ لنصل إلى اللغة، ممارسة وفهمًا، ولولا ذلك لما كان لهذه القوانين قيمة، وتأسيسًا على هذا المعنى أخذ ابن خلدون على أولئك الذين خلَّطوا فـ"أجروا القوانين على غير ما قُصد بها، وأصاروها علمًا محكمًا، وبعدوا عن ثمرتها"[15].
 
وإذا كان النحو علمًا نظريًّا، فإن الملكة اللسانية ليست كذلك؛ بل هي "أمر وجداني حاصل بممارسة كلام العرب"[16]، الوجدان والممارسة في الملكة، في مقابل النظر في النحو.
 
وعلى الرغم من أن الملكة غايةُ الصناعة أو ثمرتها، فإن الصناعة لا تصل بنا إلى الملكة؛ ذلك أن الأخيرة وثيقة الصلة بـ"كلام العرب"، لا بقوانين النحو؛ ولذلك فإن "وجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكةَ، ويروم تحصيلها، أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم، من القرآن، والحديث، وكلام السلف، ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم... حتى يتنزَّل لكثرة حفظه لكلامهم منزلة مَنْ نشأ بينهم، ولُقِّن العبارة عن المقاصد منهم، ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عَمَّا في ضميره على حسب عبارتهم، وتأليف كلماتهم، وما وعاه وحفظه من أساليبهم، وترتيب ألفاظهم، فتحصل له هذه الملكة بهذا الحفظ والاستعمال"[17]، الملكة - إذًا - تقوم على ساقين: الحفظ، والاستعمال، أما الصناعة فإنها لا تفيد سوى العلم بقوانين تلك الملكة، وكونها المرجع أو الضابط الذي يكشف لنا صوابَ الكلام أو خطأه.
 
وخلاصة القول في العلاقة بين النحو والملكة:
• أن النحو شيء، والملكة شيء آخر مختلف؛ لكنه - على كل حال - مرتبط بها، ومستند إليها، في حين أنها مستغنية عنه.
• أنه متأخر عنها، لاحقٌ بها.
• أنه وسيلة، وأنها غاية.
• أنه علم نظري، وأنها وجدانٌ يقوم على الحفظ والممارسة.
 
 
 
 

ــــــــــــــــــ

[1] المصدر السابق، ج3، ص 1128.
[2] المصدر السابق، ج3، ص 1128.
[3] المصدر السابق، ج3، ص 1128.
[4] المصدر السابق، ج3، ص 1141.
[5] المصدر السابق، ج3، ص 1128.
[6] المصدر السابق، ج3، ص 1131.
[7] انظر: الكفوي: "الكليات"، قابله على نسخة خطية، وأعده للطبع، ووضع فهارسه، عدنان درويش ومحمد المصري، ط2، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1413هـ - 1993م، ص 752، 753، وعبدالرؤوف المناوي: "التوقيف على مهمات التعاريف"، تحقيق محمد رضوان الداية، دمشق، بيروت، دار الفكر، 1410هـ - 1990م، ص 675.
[8] ابن خلدون: "المقدمة"، مصدر سابق، ج3، ص 1140.
[9] المصدر السابق، ج3، ص 1140.
[10] المصدر السابق، ج3، ص1140.
[11] المصدر السابق، ج3، ص 1129.
[12] المصدر السابق، ج3، ص 1129.
[13] المصدر السابق، ج3، ص 1148.
[14] المصدر السابق، ج3، ص 1147.
[15] المصدر السابق، ج3، ص 1148.
[16] المصدر السابق، ج3، ص 1150.
[17] المصدر السابق، ج3، ص 1146.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- شكر
ايمن - الجزائر 24-12-2010 10:10 PM

أفضل موضوع

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة