• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

التحليل اللغوي: فكرة عامة، وتطبيق

د. إبراهيم أحمد الشافعي


تاريخ الإضافة: 19/11/2012 ميلادي - 5/1/1434 هجري

الزيارات: 143192

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التحليل اللغوي: فكرة عامة، وتطبيق


الحمد لله الذي علَّم بالقلَم، علَّم الإنسانَ ما لم يعلم، وصلاةً وسلامًا دائمَين متلازمَين على مَن أُرسِل بالخير بشيرا وهاديا للأمم، سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - خير من وطِئ الأرضَ بقدَم..

 

وبعد؛ فَلِكَيْ لا تكون اللغة "العربيةُ لغةَ الموتى"[1]، ولأننا مطالَبون جميعًا "بحماية العالم كله من خسارةٍ فادحةٍ تصيبه بما يصيب هذه الأداة العالمية من أدوات المنطق الإنساني، بعد أن بلغت مبلغها الرفيعَ من التطور والكمال"[2]، ولكي أؤكِّد بجلاء على أن بداخل كل نص أدبي إبداعاتٍ لغويةً حيةً تعيش فيه، هذه الإبداعات باقية ببقائه خالدًا تُمِدُّه بروافد الجمال، إذا استطعنا البحث فيها بأدواتنا القاصرة "أدركناها معرفةً ولم نحط بها صفةً"[3]، إنها إبداعات على جميع المستويات اللغوية، صوتية كانت أو صرفية أو نحوية أو دلالية، تشكِّل "كواليس" النص الأدبـي أو تمثِّل "المسوَّدة" الفكرية للنص الأدبـي إن جاز تعبيري.

 

عزيزي القارئ الكريم، بدأت تجربتي مع "التحليل اللغوي" مع أساتذتي في المرحلة الجامعية الأولى التي رزقني الله فيها بأساتذة كرام[4] من أقسام النحو والصرف والعروض، والبلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن بجامعة القاهرة، غرسوا بذور هذا الاتجاه في طلابهم جميعًا، وأسعدُ دائمًا بأنني كنت واحدًا من هؤلاء، ثم توالت الأيام وسَجَّلْتُ للدرجة العلمية التي يجب أن أحلِّل النصوص فيها تحليلاً لغويا يكشف عن تعانق الدلالة والنحو وتأثير كل منها في الآخر.

 

ثم كان ما كان من أمر أستاذي الدكتور صابر عبدالمنعم - أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية بجامعة القاهرة - الذي استطاع أن يُلفِتَ نظري بـ"ذائقته اللغوية" إلى أن كل صوت له معنى خاص يُضفيه على المعنى العام للكلمات داخل النص، وهذا الصوت ربما يتحكم في اختيار الكلمات في بعض الأحيان بحيث يَعدِل المبدع عن استخدام مفردة لأجل استخدام أخرى تبَعًا لوقعها الصوتي الخاص، وربما سنرى هذا واضحا من خلال المثال الذي اخترتُه للتحليل بعد قليل.

 

وإذا أردنا أن نتكلم عن "التحليل اللغوي" فمن الجدير أن ننتبه جميعًا إلى ثلاثة منطلقات رئيسية يجب على من يقوم بالدخول إلى النص بهذا النوع من التحاليل أن يكون على وعيٍ بها:

أولاً: لا يجب أن يكون المبدع أو منشئ النص الأدبي على علم بقواعد "التحليل اللغوي" التي يستخدمها المحلِّل أو حتى قواعد اللغة التي تحكم نصه؛ فمرحلة الإحاطة بالقواعد أو مرحلة إصدار الأحكام مرحلةٌ تالية على مرحلة الإبداع ذاتها.

 

ثانيًا: إن "التحليل اللغوي" هو أداة مثل أيِّ أداة للدخول إلى الجانب غير المرئي من النص الأدبي، تحلله وتفصله، وتعيد تركيبه لتَسْتَكْنِهَ مَاهِيَّتَه، وهذه الأداة - في الحقيقة - أداة وهْمية، ليست لها أي صفة في الحقيقة كالساحر الذي يُقطِّع جسم صاحبه على المسرح إلى قسمين فما يلبث هذا الصاحب حتى يقف محيِّيًا جمهورَه كاملاً غير منقوص وكَأنْ لم يحدث فيه أيُّ خدْش.

 

ثالثًا: إن اللغة التي نستخدمها في "التحليل اللغوي" تختلف بالضرورة عن اللغة التي يستخدمها مُنشِئ النص؛ فلغة المبدع فِطرية، وهي الموضوع Object-language، وتعتبر لغة التحليل لغة علمية علوية[5] Meta-language، وهذا لا يعني أن تكون لغة التحليل أضعف من اللغة المستخدمة في النص؛ وإلا لا يعقل أن تكون لغة النص جزلة وتتمتع بقدر كبير من الفصاحة، ولغة التحليل ركيكة هشة، وأرجو أن يكون الله قد مَنَّ عليَّ بما يوافق كلامي من تطبيقي.

 

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي مادحًا المعلِّمَ ومُشيدًا بدوره في بناء حضارة عظيمة:

قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا
كادَ المعلّمُ أنْ يَكُونَ رَسُولا
أعَلِمْتَ أشْرَفَ أوْ أجَلَّ مِن الَّذِي
يَبْنِي وَيُنْشِئُ أنْفُسًا وَعُقُولا
سُبْحَانَكَ، اللَّهُمَّ، خَيْرَ مُعَلِّمٍ
عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الأولَى
أخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ
وَهَدَيْتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلا
وَطَبَعْتَهُ بِيَدِ الْمُعَلِّمِ، تارةً
صَدِئَ الْحَدِيدِ، وَتَارَةً مَصْقُولا
أرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا
وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الإنْجِيلا

 

التحليل على المستوى الصوتي:

• أول ما يطالعنا به الشاعر هو تلك الدَّنة الصوتية القوية من "قُـ" المجهورة والشديدة والمضمومة و"ـمْ" المجهورةِ بِغنَّةٍ، وكأنه يوقظ نيامًا من سبات عميق مُفزِعا إياهم.

 

• حتى إذا ما وجدَ المخاطب قد فزع فعلاً فإنه يرجع ليخفف عنه ما أصابه من الفزع بما في الفعل "وَفِّهِ" من قيمة صوتية: واو تتميز بالجهر (وكأنه يقول: كن منتبهًا لأنني سوف أُرجِعكَ لطبيعتك الهادئة) والرخاوة، وفاء مهموسة رخوة مكرَّرة، وهاء بنفس سمات الفاء إلا أنَّ الكسرة تضعنا أمام إشارة يدوية من الشاعر أنْ اهدأ لتمنحَنِي طلبي.

 

• وفي البيت الثاني، وكأنَّ الشاعر قد أمسك كتِفَي مخاطَبه بيديه وحاول أن يهزه ست مرات، إن صوت الهمزة هنا يشعرنا بأشياء منها أبوية الشاعر لمخاطبه ودلالُه عليه لدرجةِ أنْ يُمسك بكتفيه ويهزه هزات حانية، ومنها أن الشاعر قد أحس من مخاطبه استنكارا لإيقاظه بهذا الشكل، وتبريره الذي لم يرتقِ عنده لدرجة القبول "كاد المعلم أن يكون رسولا"؛ وكأن المخاطب يقول: فكيف بك أيها الشاعر الأب الكريم توقظني من نومي بهذه الطريقة ثم تقول لي: "كاد المعلم أن يكون رسولا"!

 

• إذا تأملنا صوت الجيم وجدنا أنه هنا يدل على الفخامة، ولا يوجد صوت آخر يتناسب مع هذا المكان غير هذا الصوت، وتستطيع - أيها القارئ الكريم - أن تضع مكانه "أعزَّ" مثلا، وانظرْ ماذا تحس، ينضاف إلى ذلك صوت الشين في الصفة "أشرف" مع الراء التكرارية.

 

• ويدخل صوت السين لأسماعنا من "سبحانك" لنتوقع أن الشاعر في موقفه التمثيلي قد هدأ وهدأ مخاطَبُة المسكين بعد أن أجاب بإجابةٍ دُفِع إليها مرتضيا "نَعَمْ"، كما نتوقع أن يتحول الحديث من المخاطب إلى من بيده عِلْمُ المعلِّم وكينونتُه.. الله سبحانه وتعالى.

 

• ومن الملاحظ في هذا البيت كثرة التشديد (4 مرَّات) للتأكيد في إطار من الإذعان والامتنان يبدو من أصوات النون[6] (3 مرَّات) والميم (6 مرَّات) واللام (12 مرَّة).

 

• وأجدني مشدودا بإحساسي إلى تلك الواو التي في كلمة "القرون"، وكأنها تحكي قصة تلك القرون الطويلة على مدار تاريخها الطويل أيامًا ولياليَ، وأسابيع وشهورًا، وفصولاً وسنواتٍ، ثم يأتي صوت النون في نفس الكلمة، وكأنَّ السبات قد خيَّم على تلك القرون التي تطالب بإزالة هذا السبات عنها (يظهر هذا من خلال فتحة النون = نَ)، وهذا مما يحتاج إلى قوة وجهد كبيرين لإزالته، وبالتالي، يأتي دور اللام من كلمة "الأولى" التي من خصائصها الإذلاق والانحراف، وكأنها حلقة الوصل بين المشكلة وطريقة حلها، وفجأة نسقط مع الهمزة في عملية تطهيرها الطويلة أيضًا (الواو) لنخرج أيضا بسهولة وكأننا نرى معاول التطهير ونسمع صوتها (في اللام وصوت الإطلاق).

 

• ثم يعود الشاعر لصوت الهمزة من جديد بادئًا به، وكأنه يقول: إنك - يا ربي - حينما أردتَ أن تمحو عن العقل غياهب الجهل فلا مقدمات ولا دوافع، وإنما هي إرادةٌ إلهية تسير بقانون "كُنْ فيكون"، ولا أحدَ يستطيع أن يسبق علمك إلى ما تريدُ.

 

• ولكننا مؤمنون بكرمكَ وإحسانكَ - يا رب العالمين - فمن المتوقع، وقد أخرجته من ظلمات الجهل، أن تحسن إليه وتهديه صراطك المستقيم (ومحور تلك الدلالة هو صوت الهاء في "هَدَيْتَه").

 

• ويؤكد لنا صوت الطاء في على مدى قوة الطبع وعصيانه على المحو في "طَبَعْتَه".

 

• ومن الملاحظ على النص عمومًا من جانب الدلالات الصوتية أنَّ صوت اللام كان غالبا (41 مرَّة) بما يُشِيع في النص جوًّا من التماسك والالتصاق والذوق في تكوين أجزائه لأن هذا من دلالات صوت اللام أصلاً.

 

• ويأتي صوت الميم (22 مرَّة) بما فيه من جهر وغنة ليعطي قيمة موسيقية شعورية تتناسب والأبيات وجوها المفعَم بالاحترام والتبجيل.

 

• وهذا بيان بالأصوات الواردة بالنص:

الصوت

عدد المرات

الهمزة

12

الباء

11

التاء

16

الثاء

0

الجيم

3

الحاء

2

الخاء

2

الدال

7

الذال

1

الراء

11

الزاي

0

السين

6

الشين

3

الصاد

2

الضاد

0

الطاء

1

الظاء

1

العين

10

الغين

0

الفاء

5

القاف

6

الكاف

2

اللام

41

الميم

22

النون

18

الهاء

7

الواو (اللين)

8

الواو (المد)

8

الياء (اللين)

6

الياء (المد)

7

ألف المد

12

 

التحليل على المستوى الصرفي:

• وكأن الشاعر الكريم قد اعتاد على الأمر المباشر؛ فلم يستخدم المضارع المسبوق بلام الأمر مثلاً للتخفيف من حِدَّة فعل الأمر المباشر أوَّلاً، ولم يستخدم الفعل المثال (وَقَفَ) بدلاً من الفعل الأجوف (قَامَ) ثانيًا، وكأنه ضنَّ على مخاطَبِه بأن تكون له حال أو على الأقل استنكر ما تحمله الحال من معنى التغير والتَّبَدُّل (مُوَفِّيًا) ثانيًا؛ إنه استخدم (وَفِّ).

 

• وبينما ينتابه شعور بأحقيَّة هذا المخاطب المسكين في تبرير إيقاظه بهذه الطريقة أيًّا كان السبب (قم - وفِّ) بما يجعله مقتنعًا، وبينما يؤكد على أهميًّة العلم المشتق منه صفة من يقوم بهذه المهنة المقدسة (عَلِمَ)، فإنني أرى شوقي مُتَلَجْلِجًا بين وصف المعلم بالشرف أو الجلال في إشارة إلى أن أحلى الوصفين عَسَلٌ (أو)، ويزيد على ذلك استخدام المفاضلة (أشرَف - أجَلّ)، وربما يناسب المعلِّمَ صاحبَ هذه الأوصاف أن يُنشِئَ ويُربِّي أعدادًا قليلةً من الطلاب (أنفسًا)، ولكن هذه الأعداد القليلة تحمل (عقولاً) كبيرة وكثيرة.

 

وإلى اللقاء..



[1] ينظر الأستاذ أحمد العمراوي في مقاله "العربية لغة الموتى" المنشور بالشبكة الدولية (الإنترنت).

[2] ينظر: الأستاذ عباس العقاد في كتابه "اللغة الشاعرة".

[3] ينظر: الدكتور تمام حسان في كتابه "البيان في روائع القرآن".

[4] أذكر منهم الأساتذة الكرام: د. عبدالواحد علام ود. عبدالفتاح عثمان والدكتور على عشري والدكتور محمد أبو الأنوار - رحم الله الجميع - والدكتور محمد حماسة والدكتور أحمد كشك والدكتور شفيع السيد والدكتور أحمد درويش وغيرهم من الكبار.

[5] ينظر: الدكتور ياسين خليل في بحثه "منطق اللغة: نظرية عامة في التحليل اللغوي".

[6] في التحليل الصوتي، يكون التنوين ضمن القيم الصوتية أيضا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة