• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

اللغة العربية بين الواقع المرصود والأمل المنشود

اللغة العربية بين الواقع المرصود والأمل المنشود
د. أحمد إبراهيم هندي


تاريخ الإضافة: 13/11/2011 ميلادي - 16/12/1432 هجري

الزيارات: 19611

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

قبلَ البَدْءِ في هذا الموضوعِ أحبُّ أنْ أؤكِّد على حقيقةٍ تفرَّدت بها اللغة العربيَّة من بين سائر لغات البشَر؛ فقد أختارها الله - سبحانه وتعالى - لتكون لغةَ كتابِه الكريم ولغة سنَّة رسولِه محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم -[1] وهذان الأصلان: القُرآن والسنَّة، يُمثِّلان مع ما دارَ حولهما من عُلوم وشُروح منهجَ الله - تبارك وتعالى - إلى البشريَّة عامَّة إلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها؛ فقد قال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

وقال: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158].

وقال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28].

 

ومع أنَّ العربيَّة قطعَتْ منذ بَعثة محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أكثر من ألفٍ وأربعمائة عام، إضافةً إلى مائتي عام على الأقلِّ مستوية على عُودِها قبل بَعثته - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعمرها بهذا يزيدُ على ألفٍ وستمائة عام، فما تَزال حيَّة نابضة، لغة للأدب والعلم، على حين الفترة المشار إليها لا يمكن أنْ تمرَّ على لغةٍ من لغات البشر إلا حوَّلَتْها إلى لغةٍ تاريخيَّة، أو حوَّلت لهجاتها إلى لُغاتٍ تَباعَدَ ما بينها وبين اللغة الأمِّ، حتى صارت اللغة الأمُّ لغةً متخفِّية أو لغة تاريخيَّة مقصورة على مَن يقصدها بالدراسة للعلميَّة؛ كاللاتينيَّة ولهجاتها، والساميَّة الأولى ولهجاتها، والهيروغليفيَّة مثلاً.

 

أقول: مع ذلك ما تزال العربيَّة لغةً حيَّة نابضةً تَفِي للمتكلِّمين بها بكلِّ ما يُمكِن أنْ تَفِي به لغةٌ من لغات العالم لأيِّ تجمُّع بشرى يتكلَّم لغةً ما، ممَّا عدَّه عُلَماء اللغة وظائف تُؤدِّيها كلُّ لغةٍ في حياة مَن يتكلَّمون بها.

 

وإذا كنَّا نري من غير المتكلِّمين بالعربيَّة موفقًا يُغايِر ما نجدُه من موقف المتكلِّمين بالعربيَّة؛ من اعتِزازهم بلُغتم، واهتِمامهم بها، والبذل من أجْلها، والكد في تحصيلها، والتَّعَبِ في تطويرها والحِفاظ عليها، فإنَّا نجدُ أنَّ السِّمة العامَّة لكثيرٍ من المتحدِّثين بالعربيَّة أنهم يَئِنُّون منها، مُدَّعِين صُعوبتها، وعدم صَلاحيَّتها في نظَر قومٍ منهم لِمُجاراة العصر، وما إلى ذلك ممَّا يدَّعيه بعضُهم في حقِّ تلك اللغة.

 

ولو أنَّنا نظَرْنا في تعريف العلماء المحدَثِين للغة لوجَدْنا أنَّهم يُركِّزون على أنها بنية صوتيَّة، تتنوَّع بحسَب المجتمعات والأقوام، ولها وظائف تُؤدِّيها في حياة المتكلِّمين بها، وتعريف اللغة عند ابن جني من ألف عام قد ركَّز على هذه الجوانب الثلاثة التي اهتمَّ بها المحدَثون وهم يُعرِّفون اللغة فقد قال: "اللغة أصوات يُعبِّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم"[2]، والعربيَّة في هذه الجوانب شأنها شأن كلِّ لغات البشَر، غير أنَّ كلَّ تجمُّع بشريٍّ على وجْه الأرض يهتمُّ بلغته ويُولِيها من العناية والرعاية ما يجعَلُها من أولى اهتِماماته وأهدافه في حَياته؛ ذلك أنها تُؤدِّى لهم في حَياتهم دورًا لا يمكن الاستغناءُ عنه؛ فهي تُؤدِّي لهم وظائفَ لا يمكن للمجتمع أنْ يستَغنِي عنها، إضافةً إلى كون اللغة وسيلةً من وسائل تحقيق الذات الإنسانيَّة، ودعامةً من دعامات الوحدة بين المتكلِّمين بها.

 

فما تِلكُم الوظائف التي تُؤدِّيها اللغة فني حياة هؤلاء، تلكُم الوظائف التي جعلَتْهم يعتزُّون بلغتهم ويبذلون من أجلها ويستَسهِلون الصَّعب في سبيل الحِفاظ عليها؟ وهل العربيَّة قادرةٌ على الوَفاء بها، أم أنها عاجزة عن ذلك؟

 

أوَّل تلك الوظائف: أنَّ اللغة وسيلةُ الإبلاغ والاتِّصال والتفاهُم بين أفراد المجتمع الذي يتكلَّم بها[3]، فبها يستطيع الإنسان أنْ يُفهِم الآخرين وأن يَفهَم عن الآخَرين، إنها وسيلته الأولى والأساسيَّة في الاتِّصال بأفراد مجتمعه، وهي الوظيفة الأولى من وظائف اللغة، وكلُّ لغةٍ يتحدَّث بها قومٌ فإنها تلعَبُ هذا الدور في حياتهم بصفةٍ عامَّة، والعربيَّة الفُصحَى من هذه الناحية قادرةٌ على أنْ تكون لغةَ الإبلاغ والإفهام والفهم، وقد استطاعت أنْ تلعَبَ هذا الدور بصفةٍ أساسيَّة على مَدَى تاريخها الطويل المشار إليه، بل إنها ما تَزال - عند صِدق النيَّة - قادرةً على الوَفاء بهذه الوظيفة، بل إنَّك لتعجَبُ من لغةٍ يفهم العاميُّ والمتعلِّم وأنصاف المتعلِّمين أهمَّ نُصوصِها وهو القُرآن الكريم، فعندما يستمع إليه العاميُّ فإنَّه لا يُحرَم الفهمَ، وكلٌّ يأخُذ منها على قدْر استِعداد؛ بدليل استِجابته البادية عليه عند استِماعه، وما فَهْمُ المصلِّين لخطبة الجمعة التي تُؤدَّى بالفُصحى من هذا بغريب، وصدَق الله؛ فقد قال: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، وقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ولا يُحفَظ الذِّكر إلا بحِفظ لغته التي بها نزل ومن حِفظ هذه اللغة أنَّها مُيسَّرة في ذاتها، ومُيسَّرة لنقْل المعاني التي يُراد للعربيَّة أنْ تكون وعاءَ نَقلِها ووسيلةَ إفهامها.

 

ثاني هذه الوظائف: أنها وسيلة الإنسان في التفكير؛ فالصِّلة ببن اللغة والتفكير صلةٌ قويَّة لا يمكن الفصلُ بينهما، حتى إنَّه لا يُتصوَّر أنْ يكون هناك تفكيرٌ بغير للغة[4].

 

والعربيَّة لا تقلُّ في ذلك عن أشهر لُغات الدُّنيا، فقد كانت - وما تزال - وسيلة التفكير عند عُلَماء هذه الأمَّة وعامَّتها في عصورها الزاهرة، تلك العصور التي خلَّفت عددًا لا حَصرَ له من المؤلفات في شتَّى فُروع المعرفة الإنسانيَّة التي أنارت وجْه الأرض، وكانت الأساسَ الذي بنى عليه الغَرب حَضارتهم المعاصِرة، وما تزال كذلك لغةَ التفكير عند علماء هذه الأمَّة وعامَّتها في وقتنا الحاضر.

 

ثالث هذه الوظائف: أنها من وسائل البشَر في تسجيل المعارف الإنسانيَّة، فاللغة من أهمِّ تلك الوسائل في تسجيل هذه المعارف، وهو أمرٌ يلمَسُه الجميع في شتَّى مَناحِي المعارف الإنسانيَّة، يستوي في ذلك ما كان متَّصلاً بالإنسان ذاته وما كان متَّصلاً بالكون وعُلومه.

 

ولقد ضربت العربيَّة في ذلك مثَلاً رائعًا في قُدرتها على استِيعاب العلوم، وأنْ تكون لغةً علميَّة في كلِّ ما يُكتَب بها أو يُسجَّل بها، فلقد أثبتَتْ جَدارتها ونمكُّنها في ذلك، فبها برَع عُلَماء هذه الأمَّة قديمًا في تسجيل معارفهم العلميَّة والإنسانيَّة؛ في الهندسة والحساب والجبر وحساب المثلثات والكيمياء والفيزياء والجغرافيا والطب وصناعة الدواء، كما كانت وَسِيلتَهم لتسجيل التاريخ والأدب وعُلوم الإسلام.

 

وإنها في وقتنا الحاضر ما تَزال قادرةً على تسجيل تلك العُلوم، بما في ذلك ما يُسمَّى خطأً بالعلوم الطبيعيَّة وصوابها: العلوم الكونيَّة أو العلوم الربانيَّة، ولقد خطَا بعضُ أساتذة الجامعة في هذا المِضمار خُطوات لا يُستَهان بها، وهي خُطوات شجاعة تستحقُّ منَّا أنْ نسجِّل لها هذا الجهد والسَّبق، بل إنَّ بعض بلادِ هذه الأمَّة قد أخَذ على عاتقه تدريسَ العلوم العلميَّة الحديثة؛ كالطب والهندسة، والفيزياء والكيمياء - باللغة العربيَّة، كذلك الذي نلمَسُه فيما فعَلَه أساتذة الجامعة في سوريا، فهي تُمثِّل ترجمةً حقيقيَّة ورائدة، تُبَرهِن على قُدرة هذه اللغة على أنْ تكون أداةَ العلم وتسجيله في العصر الحديث.

 

لكنَّ ذلك يحتاجُ إلى تَضافُر جُهودِ عُلَماء العربيَّة وعُلَماء العلوم الكونيَّة ومجامع اللغة العربيَّة ومعاهد وأقسام دراستها وتعليمها في شتَّى بلاد هذه الأمَّة؛ لاستغلال ما تمتَّعتْ به هذه اللغة من وسائل تجديد شَبابها؛ كالاشتقاق والنحت والتعريب، إضافةً إلى استِغلال الجذور اللغويَّة المهمَلة التي ما تزال في انتظار مَن يُحوِّل منها أبنيةً يعلق عليها ما يجدُّ من المعاني والمُستحدَثات.

 

رابع هذه الوظائف: أنَّ اللغة وسيلةٌ من وسائل تنمية المهارات اللغويَّة والأدبيَّة عند الموهوبين المتحدِّثين بها، فكلُّ لغة من لغات البشر تُمكِّن المتحدِّثين بها من تنمية قُدراتهم اللغويَّة ومهاراتهم الأدبيَّة؛ فيكثُر النِّتاج بها في هذين الجانبين.

 

ولقد ضربت العربيَّة في هذين الجانبين أروَعَ المَثَل وأصدقه علي أنها أكثَرُ لغات الأرض قُدرةً واستجابةً؛ فبها كتب العربي شعرَه ونثره، وعبَّر أصدق تعبيرٍ عن مكنونات تلك النفوس الإنسانيَّة.

 

وإنَّ الناظر والمتأمِّل فيما خلفتْه الأجيال المتعاقِبة من النِّتاج اللغوي والأدبي ليُفاجَأ بهذا الكمِّ الوافر الذي لم يتوفَّر لأيَّة لغةٍ على وجْه الأرض، فبها جاءت مُصنَّفات اللغة والأدب بأجناسه المختلفة قديمًا وحديثًا.

 

خامس هذه الوظائف: أنها تُزوِّد الإنسان بالتعابير الجاهزة المناسِبة لكلِّ موقفٍ؛ ممَّا يؤدِّى إلى التناسُق الاجتماعي بين الأفراد الذين يتكلَّمون بها.

 

ففي مواقف الفرح والسُّرور تُزوِّدك اللغةُ بالتعبير المناسب عن كلِّ موقف؛ ففي المعرس مثلاً تقول: العاقبة عندكم، وبارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خيرٍ، وفى الحجِّ مثلاً: حج مبرور وذنب مغفور، تقبَّل الله منَّا ومنكم، وفى عيد الفطر تقول: عيد مبارك، أو عيد سعيد، كل عام وأنتم بخير.

 

وفى موقف البَلاء تُزوِّدك اللغةُ التعبير المناسب لكلِّ موقعٍ شدَّةً أو بلاءً؛ ففي العَزاء مثلاً تقول: البقاء لله، إنَّ لله ما أعطى ولله ما أخَذ، أو أطال الله بقاءَكم وغفر لفَقِيدكم، وفى موقف الفقد والإصابة نحو: عوَّضَ الله عليكم، أخلَفَ الله عليكم... إلى آخِر ذلك ممَّا يمكن للإنسان من توافُق اجتماعي بينه وبين أفراد مجتمَعِه.

 

سادس هذه الوظائف: أنَّ اللغةَ تقومُ بوظيفةٍ نفسيَّةٍ للمتكلِّم، فهي النِّتاج الذي يُطلِعنا على النسيج النفسي للمتكلِّم، كما أنَّها لذلك تُطلِعنا على نسيجه العَقلي.

 

ويستطيع الإنسانُ من خِلال اللغة أنْ يتعرَّف على نفسيَّة الكاتب من ملاحظة اضطراب تلك اللغة أو استقامتها ورُسوخها، ونحو ذلك ممَّا يُؤثِّر على الجوانب المختلفة للغة في أصواتها وأبنيتها وتراكيبها ودلالات مُفرداتها.

 

والعربيَّة في ذلك الجانبِ ككلِّ لُغات البشَر قادرةٌ على أنْ تَعكِس النسيجَ العقلي والنفسي لصاحِبها لترصُد في النهاية مَلامِحَ صُورة نفسيَّة للمتكلِّم بها.

 

تلك أهمُّ الوظائف التي تقومُ بها اللغة في حياة المتكلِّمين بها، وإذا كنَّا نُلاحِظ أنَّ غير العرب من كلِّ تجمُّع بشري يعتدُّ بلغته ويُولِيها من العِناية والرِّعاية ما يجعَلُها قضيَّة قوميَّة لها الاهتمامُ الأوَّل والمنزلة الأولى من قَضايا المجتمع، فلماذا لا نجدُ عندنا هذا الاعتِدادَ والاعتِزازَ بلغتنا العربيَّة التي قامَتْ وتقومُ وما تزال قادرةً على القيام بما تقومُ به اللغات الأخرى في حياة المتحدِّثين بها؟

 

إنَّ هذا الموقف يَعكِسُ هزَّة نفسيَّة وحَضاريَّة أصابت المتحدِّثين بالعربيَّة لأسبابٍ تجمَّعت عليها وعلى المتكلِّمين بها كان من جَرَّائها أنْ أهمَلَ الكثيرون هذه اللغة وباتَ بعضُهم ينظُر إلى غيرها ليجدَ فيه ما قد يُبلِّغه أمَلَه في الحصول على مركزٍ أو مال بإجادة غيرِها.

 

لقد مرَّت على هذه اللغة فتراتٌ أهمَلَ ذوو السُّلطان وأولو الأمر شأنَ العربيَّة؛ ممَّا جعَل الناس ينصَرِفون عنها إلى غيرها ممَّا يُحصِّلون به غرضَهم من المال أو الجاه؛ فمدرِّس العربيَّة مثلاً لا يتحصَّل في بلاد هذه الأمَّة في الغالب الأعمِّ على الراتب الذي يَكفِيه ليَعِيشَ عيشةً كريمة.

 

لقد أدرَكَ أعداءُ هذه الأمَّة على مَدار تاريخها الطويل ممَّن حاوَلوا أنْ يقضُوا عليها أنها أمَّةٌ غير قابلةٍ للذَّوبان في هويَّة وذات مَن يَغزوها ويحتلُّها، ولقد أدرَكَ أنَّ تديُّن هذه الأمَّة هو سِرُّ تماسُكها واعتِصامها، وسرُّ دَوامها على هذا النَّهج؛ فكانت حملتهم على الرُّموز الكبرى والشخصيَّات العُظمى في تاريخ هذه الأمَّة؛ ليَصرِفوا الناسَ عن الاقتداء بهم والسَّيْر على نهجهم، لكنَّ هذه الحملة لم تُفلِح ولم تُؤتِ الثَّمرة المرجوَّة منها، فقد قيَّض الله مَن ردَّ على مِثل هذه الافتراءات؛ فأخرج العقاد مثلاً عبقريَّاته التي ردَّ بها على مِثل هذه الحملات.

 

لذلك فكَّر أعداءُ هذه الأمَّة في وسائل أخرى؛ لعلَّهم يستطيعون بها أنْ يُقوِّضوا سِرَّ تَماسُكها ويُفتِّتوا مادَّة وَحدتهم وقَوامهم، إضافةً إلى ما سبَق الإشارة إليه، فمنذلك:

مُحاوَلة القَضاء على مادَّة تماسُك هذه الأمَّة بقوَّة السلاح، وقد تمثَّل ذلك في حُروبٍ وحملاتٍ خاضَها أعداءُ هذه الأمَّة للقَضاء عليها بقُوَّة السلاح فما استطاعوا، وإذا بهم بعد فترةٍ يُفاجَؤون بأنَّ تلك الحملات ما هي إلا هزَّة تفيقُ من جرَّائها هذه الأمَّة، ليزداد تماسُكها وتعظُم قوَّتها من جديد.

 

ومن ذلك: عرض النموذج الأدبي للحياة الراهنة على أنَّه آخِر حلقة من تطوُّر حَيوات البشر، وأنَّ البشريَّة تمرُّ بمراحل من التطوُّر، وأنْ ذلك يتمُّ في حلقات تسلم الواحدة منها إلى الحلقة التي تَلِيها؛ فمن المجتمع البدائي، إلى المجتمع الأسطوري، إلى المجتمع المتديِّن، إلى المجتمع الحديث على نموذجٍ صَوَّرَه الغرب يقومُ على أسسٍ ومَبادئ تُخالِف في أخلاقيَّاتها وعاداتها وأعرافها ما عليه هذه الأمَّة، وقد استَطاع هذا العرض للنموذج الأوربي في الحياة جَذْبَ عددٍ غير قليلٍ، حاكَى في حَياته الغَرْبَ غالبًا في المظهَرِ لا الجوهر والمخبر، وكان أنِ اهتمَّ بلغةٍ أخرى غير لُغته القوميَّة لينقل بها ويفهم هذا النموذج الغربي.

 

ومن ذلك: أنَّ أعداء هذه الأمَّة قد أدرَكُوا أنَّ تديُّنها هو سِرُّ استِعصائها على الذوبان في هويَّة غيرها، وأنَّ اللغة هي الوسيلة إلى فهمها لدِينها، ومن هنا توجَّهت الهمم وتَبارَى المخطِّطون والمنفِّذون لتعبئة روح ونفوس ناشئة الأمَّة ضد العربيَّة، بتصويرها لغةً صعبةً مُعقَّدة، لا تُجارِي العصرَ، ولا تستطيع أنْ تُغيِّر عن مُستَحدَثاته.

 

قد اتَّخذوا لذلك وسائل شتَّى؛ فمن ذلك أنْ يظهر مدرس العربيَّة والدِّين بمظهر غير لائقٍ ولا حضاري في بعض الأعمال المسرحيَّة والمسلسلات، من جرَّائها يُعبَّأ شعور ناشئة هذه الأمَّة بالكراهية لمدرِّس اللغة العربيَّة والدِّين، ومن هنا فقَدت العمليَّة التعليميَّة أسمى أواصرها ورَوابطها، وهو عاطفةُ الاحتِرام والحب المتبادَل بين المعلِّم والمتعلِّم؛ ممَّا مهَّد لخطَرٍ عظيمٍ هو إهمالُ هؤلاء الناشئة للغة وحِصَصِها؛ فأدَّى ذلك إلى ضعفهم فيها، وصَيْرورتها عقبةً أمامهم بتقادُم العهد وطُول الزمن، ومن ذلك تخبُّطٌ لا يمكن إغفاله في مَناهج اللغة وكيفيَّة تدريسها، لقد فقدت الناشئة في هده الأمَّة مَعِينًا كان يُغذِّى فيها تمكُّنَها من اللغة، هذا المَعِين يتمثَّل في حِفظ شيءٍ من القُرآن الكريم وبعض الحديث في الكتاتيب أو دُور تحفيظ القُرآن الكريم كما يحلو لبعضهم أنْ يُسمِّيها، فكان هذا المحفوظ يُمثِّل ثروةً وزادًا لهؤلاء، منه يتعلَّمون كيفيَّة التعبير عمَّا في نُفوسهم في قوالبَ مُستَقاة من ذلك المحفوظ في سِنِّ الصِّبا والصِّغَر.

 

يُضاف إلى ذلك أنَّ المعاهد والجامعات التي تُخرِّج مُدرِّسي اللغة العربيَّة قد فشلت إلى حَدٍّ كبيرٍ في تقديم المقرَّرات الدراسيَّة التي تُؤهِّل خِرِّيجها ليكون مُدرسًا ناجحًا ونموذجًا يُحتَذى به، فكثيرٌ من المقرَّرات الدراسيَّة ما هو إلا اجتهاد شَخصي في أحسن الأحوال إنْ لم يكن تدريسًا لرسالةٍ أو بحثٍ تقدَّم به في تاريخه العلمي، لا يصلح في كثيرٍ من الأحيان - وإنْ كان ذا قيمة علميَّة لا يمكن إنكارها - لأنْ يكون لَبِنَةً أو خُطوةً في إعداد هذا المعلِّم.

 

وممَّا تعاظَم أثَرُه في هذا الجانب فتنةُ الناشئة بهذا التطوُّر العلمي الذي أحرَزَه الغرب؛ ممَّا حَدَا بقطاعٍ كبيرٍ إلى أنْ جعَل لغة علم الغرب محطَّ آمالهم ومُنتَهى اهتِمامهم راغبين في أنْ يُحرِزوا ما أحرَزُوه، وأنْ يصلوا إلى ما وصَلُوا إليه.

 

إنَّ تعلُّم لغة العلم - أيًّا كان نوعها - يُعَدُّ مَطلَبًا يجب أنْ تسعي إليه هذه الأمَّة، لكنَّ ذلك لا يكون على حِساب اللغة الأم أو اللغة القوميَّة كما بقولون.

 

ومن ذلك: سعيُ بعض المدارس والمؤسسات التعليميَّة في المراحل الأولى إلى أنْ تكون لغة التعليم الأساسي غير العربيَّة؛ كالإنجليزيَّة أو الفرنسيَّة أو الألمانيَّة، منذ استِقبال الطفل لتعليمه، فلا يجدُ العربيَّة ولا يُصادِفها إلا في حِصَصِ اللغة العربيَّة والتربية الإسلاميَّة، أمَّا برامج التعليم الأخرى فلغتها كلُّها غير العربيَّة؛ ممَّا يُلقِي في روع الناشئ أهميَّةً خاصَّة تكتسبها تلك اللغة الأخرى على حِساب لغته الأم، وخاصَّة بعد أنْ صار إتْقانُ لغةٍ من تلك اللغات مَدخَلاً واسعًا لسَعة العيش وتحصيل أسباب الرِّزق.

 

هذا ما نفعَلُه بناشِئتنا وصِغارنا، في حين أنَّ الدول التي ندفَعُ بأبنائنا إلى تعلُّم لُغاتها، تُحرِّم وتُجرِّم تدريسَ غير اللغة القوميَّة على الناشئة حتى يصلوا إلى مراحلَ مُعيَّنة من السنِّ والتعليم لتُتاح الفرصة للغة الأمِّ لتستكنَّ في نُفوس أبنانها.

 

إذا لاحَظْنا أنَّ العربيَّة تُؤدِّي ما تُؤدِّيه غيرُها من اللُّغات في حياة البشر بصفةٍ عامَّة، وقد رأينا كيف أنها تقومُ بكلِّ ذلك بتمكُّن واقتِدار، فإنها بالإضافة إلى ذلك تقومُ في حَياتنا بدورٍ خطير وفعَّال، فهي مَدخَلُنا إلى فهْم كتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وما دار حول هذين الأصلين من عُلوم على مَدَى تاريخ هذه الأمَّة، ذلك التاريخ الذي يُجاوِز ألفًا وأربعمائة عام.

 

إنَّ العربيَّة هي المدخل الطبعيُّ إلى فهْم هذه العُلوم فَهْمًا صحيحًا لا لبسَ فيه ولا غُموض، ولا زيغ ولا خطا؛ إذ إنَّه كلَّما تمكَّن الإنسان من العربيَّة كان فهمه لنُصوصها أجوَدَ وأسلَمَ، وكلَّما تدنَّى مُستَواه وتمكُّنه منها كان فهْمه أردأ وإلى الخطأ أقرب، ونحنُ بحاجةٍ ماسَّة إلي الفَهْمِ الصحيح حتى نستطيع أنْ نحسن الاتِّباع الذي أمَرَنا به خالِقُنا، وأشار إلى شيءٍ من أثَرِه علينا في نحو قوله - تعالى -: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، فحُسن الاتِّباع ينجو به صاحِبُه من الضَّلال والشَّقاء ولا يكون حُسن الاتِّباع إلا بِحُسن الفهْم ولا يكونُ حُسن الفَهم وجَوْدته إلا بأنْ يتمكَّن الإنسان من لغته العربيَّة وأنْ يَرقَى مُستواه فيها، وهو أثَر لو لم يكن غيره منها لكفى به دافِعًا لأنْ نُنزِل هذه اللغة المنزلةَ اللائقة بها، وأنْ نعتزَّ بها كما يعتزُّ غيرُنا بلغته سَواء بسواء.

 

إنَّ هذه اللغةَ تحتاجُ منَّا إلى صدق النيَّة والعمل الجادِّ إعدادًا لبرامج تعليمها، ثم للقيام بهذه البرامج على خير وجْه يحسن تقديمها إلى الناشئة وإلى كلِّ مَن يَطلُبها.

 

ثم إنَّ اللغة العربيَّة بالنسبة لِمَن يقوم بالترجمة لا بُدَّ له من أنْ يرتفع بها وأنْ يرقى مستواه فيها على الأقلِّ إلى درجة اللغة التي ينقل منها أو إليها؛ ليحسن القيام بهذه الترجمة على الوجه الأكمل.

 

نريد أنْ نكونَ مع لغنتا العربيَّة على موقف أحد رجلين تَصاحَبا في السفر؛ وجد أحدهما قطعة حجر تبرق تحث أشعَّة الشمس وتلمع، فالتقطها أحدُهما، وتفحَّصها فظنَّ أنها لا قيمةَ لها وألقى بها جاهلاً بحقيقتها، فالتقَطَها مُرافِقُه فنظر إليها فعرف أنها حجرٌ كريم، فإذا به يُخرِج منديله ويزيلُ الترابَ عنها، ولَمَّا وصل إلى بلدته أتى بلفائف من حريرٍ ووضَعَها فيها ثم عرضها على الزبائن في متجره.

 

أقول: نريد أنْ نكون على موقف أحد هذين الرجلين تجاه لغتنا العربيَّة: فأمَّا الموقف الأوَّل موقفُ الإلقاء والإهمال، فإنَّه كان لجهل ذلك الرجل بقيمة الحجر، وما أظنُّ أنَّ أحدنا يرضى لنفسه أو لأولاده أنْ يكونوا على هذا الموقف نعد أنْ بانَ أنَّ لغتنا العربيَّة تُؤدِّى من الوظائف ما يُؤدِّيه غيرها من اللغات، إضافةً إلى كونها مدخلنا لفَهْمِ كتاب الله وسنَّة رسوله وما دار حولهما من عُلومٍ، وما كُتِبَ في ظلِّ الحضارة الإسلاميَّة في شتَّى فروع المعرفة، بقي أنْ نكونَ على موقع الرجل الثاني الذي أنزل الحجر الكريم منزلتَه اللائقة به لما عرف من قيمته وحقيقته، وهو ما هدف إليه هذا البحثُ من أنْ نشعُر بقيمة ما يمكن أنْ تُؤدِّيه هذه اللغة العربيَّة في حياتنا ممَّا لا يمكن الاستغناء عنه.

 

وأختَتِم هذا البحث بأنْ أزيد من بقين قارئه بما للعربيَّة من ميزةٍ لا تدانيها لغة أخرى في العالم بأسرِه، يمكن أنْ نلمسها في بعض المواضع التي أشارت إلى حَقائق علميَّة في القرآن الكريم والسنَّة المطهَّرة؛ ممَّا يطلعنا على أنَّ لهذه اللغة قُدرةً على تأدية وحمْل مستويات متراكبة من المعنى تَحمِلها تراكيبها، ولعلَّ مثلاً واحدًا من ذلك من بين أمثلة كثيرة تطمئنُّ النفس إلى هذه الحقيقة، يتضمَّنه قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ﴾ [الزمر: 6].

 

لقد كان فهم المفسِّرين للظلمات الثلاث حتى عام 1970 أنَّ الجنين تلفُّه ظلمةُ المشيمة، والمشيمة تلفُّها ظلمةُ الرَّحِم، والرَّحِمُ تلفُّه ظُلمة جُدران البطن، وقد توصَّل العلماء التجريبيُّون في محاولاتٍ لعِلاج بعض حالات العُقم وهم يُجْرُون تجارِبَ لمحاولة التلقيح والإخصاب خارِجَ الرحم إلى أنَّ البويضة الملقَّحة المخصبة إذا تعرَّضت لأدنى نسبةٍ من الضوء في الفترة من يومٍ إلى ثلاثين يومًا فإنَّ الجنين يُصابُ بالتشوُّه التام، وقد توصَّلوا إلى ذلك بعدَ سلسلةٍ طويلة من التجارب ينمو فيها الجنين مُشوَّهًا مع أخْذ كلِّ الاحتياطات اللازمة والفُروض الممكنة، فلم يتوصَّلوا إلى النموِّ السليم للجنين إلا بعد إجْرائها في الظُّلمة التامَّة، ممَّا حدا بأحَد هؤلاء العلماء وهو يقرأ تلك الآية السابقة إلى أنْ يكتُب مقالاً علميًّا أثبَتَ فيه إشارة القُرآن الكريم إلى تلك الحقيقة التي تشيرُ إليها كلمة الظلمة في الآية السابقة.

 

إنَّ اللغة العربيَّة قادرةٌ على أنْ تحمل تراكيبُها مستوياتٍ من للمعاني تُؤدِّيها كما اتَّضح ذلك من هذا المثال، ومثل ذلك يمكن أنْ يُقال عن حَقيقة بصمات الأنامل، وهي من نتائج الكشْف العِلمي الحديث، ولعلَّه قد أُشِيرَ إليها في القُرآن الكريم في مِثل قوله - تعالى -: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 4]، لقد كان المفسِّرون يُشِيرون إلى أنَّ الله قادرٌ على أنْ يَبْعَثَ الإنسان وأنْ يعيده بأدقِّ تفاصيله، ومنها الأصابع بأطرافها بوَصفِها أعضاء مُعقَّدة التركيب تكثُر فيها المفاصل والعضلات والأعصاب، لكن بعد الكشْف الحديث لبصمات الأنامل يمكن - إضافةً إلى القول السابق - أنَّ الله يُعِيدُ هذه الأنامل ببصماتها الدقيقة التي لا تتَشابَهُ مع مُعاصرٍ أو سابق أو لاحق، فهو مستوى من المعنى أدَّتْه العربيَّة كأحسن الأداء، إلي غير ذلك من المواضع التي تُطَمئِنُ الإنسان إلى لغةٍ بارعة تمكَّنت من التعبير عن نفسك لتُفهِم الآخَرين ولتَفهَم عنهم، ولتكون لك أداة ذلولاً تُسخِّرها فتُؤدِّي لك ما تريدُ بكفاءةٍ واقتدار.

 

لكنَّ ذلك يحتاجُ إلى درجةٍ طيِّبة من التعلُّم والتدرُّب؛ حتى يسلس قِيادُ هذه اللغة لِمَن أرادَ.

 

ومن باب تيسيرِ تعليمِ هذه اللغة فإنَّ الاستفادةَ من مُعطَيات العصر لَتُعدُّ من الوسائل الممكِنة لهذا الغرض؛ كاستِعمال الحاسوب وغيره ممَّا أنتجَتْه الحضارة الحديثة.

 

إنَّ مقارنة العربيَّة بغيرها من اللغات في درجة الصُّعوبة والتعقيد لتثبت أنَّ نتيجة تلك المقارنة لصالح العربيَّة، خُذْ على ذلك مثلاً اللغة الصينيَّة، فإنَّ المتحدِّث بها لا بُدَّ له أنْ يُتقِن أكنز من ثلاثة آلاف مقطع صوتي، لكلِّ مقطعٍ صورة خطيَّة حتى يستطيع أنْ يتعامَل بهذه اللغة بحريَّة واقتِدار، ومع ذلك فإنَّ أهلَها لم يشكوا ولم يئنُّوا من تلك الصُّعوبة التي يَشعُر بها أبناء العربيَّة تجاه لُغتِهم الحبيبة؛ ذلك أنهم أدرَكُوا ما تُؤدِّيه هذه اللغة في حياتهم، وأنها وسيلةٌ من وسائل تحقيق الذات الإنسانيَّة ووسيلة من وسائل توحيدهم، فاعتزُّوا بها واصبروا عليها، فهل نحن أقلُّ من هؤلاء إدراكًا لما تُؤدِّيه لغتنا في حياتنا؟!

 

ويكفي أنْ نعلم أنَّ لغةً كالألمانية يَشِيعُ فيها الإعرابُ؛ ففيها حالة الرفع والنصب والجر والإضافة، ويَشِيع في قَواعِدها الشُّذوذُ المرصودُ على كلِّ قاعدةٍ من قواعدها، بل إنَّك لَتَجِدُ استثناءات تتخلَّل مواضع الشذوذ على كلِّ قاعدة، ثم إنَّ لكلِّ مفردٍ جمعًا ينبغي أنْ يُحفَظ عند معرفة مُفرَده؛ لأنَّ صور الجمع فيها لا تسيرُ على صورٍ وطرقٍ واحدة، فالشُّذوذ فيها والاستثناء هو الأصل، ومع كلِّ ذلك تجدُ الألمانِيَّ يعتزُّ بلغته، ولا يَرضَى بها بديلاً، ويُقبِل عليها المتعلمون والعامَّة؛ لأنهم يُدرِكون قيمة اللغة في حَياتهم، فهل نحن أقلُّ من هؤلاء إدراكًا لدور اللغة في حياتنا؟!

 

إنَّ إدراكنا لما تُؤدِّيه اللغة في حياتنا من دور عام يتمثَّل في قُدرتها على القيام بالوظائف التي تُؤدِّيها كلُّ لغةٍ في حياة المتحدِّثين بها، ثم يُضاف إلى ذلك أنها مدخلنا إلى فهْم دِيننا وما كُتِبَ من عُلومٍ في حضارة الإسلام، إنَّ ذلك يُمثِّل دافِعًا قويًّا لأنْ ينزل هذه اللغة المنزلةَ اللائقة بها، ثم إذا أضَفْنا إلى ذلك قُدرتها على أنْ تكون لغة العلم كما كانت بما تمتَّعت به من صِفاتٍ تُرشِّحها لذلك، مع الاستفادة من معطيات العصر والأخْذ بأسبابه كإدخال الحاسب الآلي في خِدمتها، كلُّ ذلك يدفَعُنا إلى أنْ نحسن اصطِناع هذه اللغة، وأنْ نكون على يقينٍ من أنها قادرةٌ على الوفاء بما نَطلُبه منها إنْ نحن وفَّينا لها بما تطلُبُه هي منَّا.

 

 

 

 

 


[1] انظُر: "المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية"؛ د. عبدالمجيد عابدين، طبعة القاهرة عام 1951م، ص 102، نقلاً عن "فصول في فقه عربية"؛ د. رمضان عبدالتواب، ص 108 طبعة الخانجي، 1980م.

[2] "الخصائص"؛ لابن جني 1/33، تحقيق: محمد على النجار، طبعة دار الهدى - بيروت بلا تاريخ، وانظر: "مدخل إلى علم اللغة"؛ د. محمد حسن عبدالعزيز ص 13-19، القاهرة عام 1983م، و"اللغة"؛ لفندريس، ترجمة: الدواخلي والقصاص، القاهرة عام 1950م ص 31، و"من أسس علم اللغة"؛ د. محمد يوسف حبلص، الطبعة الثانية القاهرة عام 1996م ص 20، 71، 72، وانظر في كون تعريف اللغة يحتاج إلى العرض للوظيفة والشكل: "التعريف بعلم اللغة"؛ لدافيد كريستل، ترجمة: د. حلمي خليل، الطبعة الأولى عام 1979م ص 89، و"علم اللغة"؛ للدكتور محمود السعران ص 51، 57 (الطبعة الثانية عام1997م).

[3] انظر في ذلك "التعريف بعلم اللغة"؛ لديفيد كريستل ص 89، 90، و"مدخل إلى علم اللغة"؛ د. محمد حسن عبدالعزيز ص 9، و"من أسس علم اللغة"؛ د. حبلص ص 63، و"اللغة"؛ لفندريس ص35.

[4] انظر: "اللغة"؛ لفندريس، ص 11، و"من أسس علم اللغة"؛ د. حبلص، ص 64.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- استفسار
هانى على محمود - مصر 02-01-2013 12:23 AM

يا دكتور لو سمحت أريد أن اعرف ماذا يعني واقع مرصود وأمل منشود

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة