• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

بحوث في العَروض والقافية (1)

بحوث في العَروض والقافية (1)
أ. د. أحمد محمد عبدالدايم عبدالله


تاريخ الإضافة: 10/10/2011 ميلادي - 12/11/1432 هجري

الزيارات: 72638

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بحوث في العَروض والقافية

أ - "البحور الشعرية المهملة"

"بين الواقع المستعمل والفرْض المستحيل"

 

الحمدُ الله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسَّلام على سيِّدنا محمَّد النبيِّ الأمِّي الأمين، وعلى إخوته الأنبياء والمرسَلين، ورضِي الله عن آله وصحْبه أجمعين.

 

أما بعد:

فلقد قمتُ بتحقيق (كتاب البارِع في عِلم العَروض) للعلامة الإمام ابن القطَّاع الصقلي (ت 515هـ)، وأثناء قيامي بعملية التحقيقِ استرعَى انتباهي كثرةُ ما أورده مِن بحور مهْمَلة استخرجها مِن نظام الدوائر العروضيَّة التي اخترعَها الخليل، فلقد زاد على البحور الستِّ التي استخرجها الخليل واحدًا وعشرين بَحْرًا مهملاً، وأورد لكلِّ بحر مهمل شواهدَه، ولقدْ حيَّرني هذا الأمر وأقضَّ مضجعي، وأوقف قلمي كثيرًا، وألحَّ على ذِهني سؤال مؤدَّاه: كيف تكون كلُّ هذه البحور وبهذه الكثرة مهمَلة؟!


وأحسستُ أنَّ في الأمر وهمًا كبيرًا، وآليتُ على نفْسي أن أتفرَّغ لهذه القضية بمجرد الانتهاء مِن تحقيق الكتاب.

 

وأثناء التحقيق استوقفني مصطلحٌ عَروضي يعرفه كلُّ مَن درَس العروض ذلك المصطلح هو: (الخزم).

 

والخزم: زيادة حرْف أو حرفين أو ثلاثة أو أربعة مِن حروف المعاني على صدْر البيت أو عجُزه، لا تحتسب في وزنِه العَروضي، وحذفها لا يُغيِّر المعنى ولا يُفسده، ومن هنا التقطتُ أوَّل الخيط الذي هَداني - على ما أعتقد - إلى إبطال تلك الأُسطورة، التي ما زالتْ تُخيِّم على عَروضنا العربي، وأعني بها البحور المهمَلة.

 

ومِن هنا بدأت التجربة.

 

ولقدْ بدأت النتائج باهِرة، خرجتُ مِن خلالها كثيرًا مِن البحور المهملة ورددتُها إلى أصل مستعمل، بل الأغرب مِن ذلك كله أنَّه بالخزم هذا، وبعد حذْفه وزنًا، يصير البحر المهمل بحرًا مستعملاً، أو مجزوءًا لبحْر مستعمل، والأروع مِن هذا كله أنَّ كل تلك الخزوم التي حذفتُها، مِن حروف المعاني كما قال العَروضيُّون، والتي حذفها من الوزن لا يَضير، ولا المعنى يختل.

 

ولقد عرضتُ تجرِبتي هذه بنتائجها على كثيرٍ مِن العلماء والأساتذة، ومِن هؤلاء العالِم الكبير الأستاذ الدكتور رمضان عبدالتواب الذي أشادَ بهذا العمل وأثْنى عليه، وكذلك الدكتور شعْبان صلاح، والدكتور أحمد كشك، المدرِّسَيْن بقسم النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم، فأعجبهما هذا العمل وأشادَا به، وأشار عليَّ الجميع بنشره.

 

والآن أضَع تجرِبتي هذه ونتائجها تحتَ يدِ الدارسين والعلماء، وأطلب منهم الهُدى إنْ كنت ضللْت، والمؤازرةَ إن كنت نجحْتُ، وإن ثبت لديهم فشلي فحسْبي أنني اجتهدتُ ولي أجرُ مَن اجتهَد وأخطأ، والحمدُ لله، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله، وما توفيقي إلا به، هو حسْبي، وعليه أتوكَّل وبه أستعين.

 

واضع الدوائر العَروضيَّة:

لا شكَّ عندي أنَّ الخليل بن أحمد الفراهيدي هو صاحِب فكرة الدوائر العَروضيَّة، على الرغم مِن أنَّ هناك مِن القدماء مَن يُنكر هذا، ويدَّعي أنَّ الخليل لم يبتكرْ هذا العِلم[1]، وأعتقد أنَّ الباعِث على هذا الإنكار الخلافُ المعروف بين مدرسة البصرة، ومدرسة الكوفة، حيث يحاول فرسانُ كلِّ مدرسة إثباتَ الفضل لعلمائهم على أنقاض هدْم الآخرين.

 

ولقد يكون عِلمُ الخليل بالمنطق وعِلم الحساب والرياضيات تمهيدًا لظُهور هذا العِلم، فلا شكَّ أنَّ نِظام الدوائر العَروضيَّة هو نوعٌ مِن أنواع الرياضة العقليَّة، لجأ فيه الخليل إلى نظام قلْب الصِّيغ الذي يجيده ببراعة، ولماذا نذهَب بعيدًا؟! أليس الخليل واضعَ خُطَّة تأليف معجَم العين، الذي جرتْ فيه عمليةُ تقليب للصيغ الثنائيَّة والثلاثيَّة والرباعيَّة والخماسيَّة على حروفِ الهجاء، وبذلك حصَر جميعَ الكلمات ممَّا نطقتْ به العرَب، وما لم تنطق؟!

 

أليست فكرة التعاديل والتوافيق الرياضية مطبقة تمامًا في نِظام الدوائر الرياضية؟


ثم: أليستْ لفظة (دائرة) نفْسها تُوحي باللانهائيَّة، وتوحِي بأنَّها عملٌ رياضي بحت، ومِن صُلب الدراسات الرياضية؟!


آراء حول الهدف مِن وضع الدوائر:

تنوَّعت آراء العلماء حولَ الهدف مِن وضع الدوائر، فمِنهم مَن خطَّأ الخليل، ومنهم من لم يُخفِ إعجابه به، انظرْ مثلاً ما قاله الدكتور عبدالله الطيِّب المجذوب: "وقد أخطأ الخليل في هذا التوهُّم - يقصد البحور المستعملة - مِن حيث المنهج التعليمي، كما أخطأ مِن حيث الاستقراء؛ إذ لا معنى للنصِّ على ما لا وجودَ له"، ومع هذا فقدْ أنصفَه في موضع آخَر حينما قال: "وكان الخليل يعلمُ بذوقه وإدراكه أنَّ الأوزان ما هي إلا أشكال موسيقيَّة، فالتمس لها نموذجَ الكمال في الدائرة"[2].

 

ولكني أعتقد أنَّ الدكتور الطيب قد تسرَّع بهذا الحُكم، فلا أظنُّه يُنكر أنَّ نظام الدوائر وإخراج البحور التي استعملتْها العرب والأخرى التي أهملتْها قد فتَح الباب واسعًا أمامَ الشُّعراء، وخصوصًا على عهد الخليل عصر ظُهور المحدثين ومِن بعدهم مِن المولدين الراغبين في التجديد؛ كي يجدوا - إذا أرادوا - في الأوزان حسبَ إرادتهم الفنيَّة متَّسعًا للتجديد والإبداع.

 

أليس في هذا تجديدًا في قوالب الشِّعر، كي ينظمَ الشعراء شعرَهم إن أرادوا في بحور أهملتها العرَب؟ وقد حدَث هذا فعلاً.

 

قد يقولُ قائل: إنَّها محاولات لم تنجحْ - فنقول: وإنْ كانت لم تنجحْ فإنها تبقَى محاولة حدثتْ بعد دوائر الخليل، وهذا يكفي.

 

ومِن العلماء مَن يعتبر نظام الدوائر شيئًا طريفًا من طرف العَروض وهو محقٌّ لا شك في هذا، وأيَّة طرافة تفوق دوائر الشِّعر العربي؟! أليس طريفًا أن تجمع الأوتاد والأسباب وترتبها فيخرج بحْر، ثم تُعيد ترتيبها مع شيءٍ مِن التقديم والتأخير فيخرُج بحر آخَر؟!


يقول الأستاذ محمود مصطفى - رحمه الله -: ومهما يكُن مِن أمر هذه الدوائر فإنَّها طرفة من طرف العَروض، ودليل على قوة مَلَكة الوضع والتأليف التي امتازَ بها هذا العالِم الجليل"[3].

 

ويحدثنا الأستاذ محمود مصطفى عن هدفِ الخليل من الدوائر فيقول:

"الخليل أراد بها أن يُشيرَ إلى أنَّ لأوزان الشِّعر العربي نسبًا ترجِع إليه، وأصولاً تضمُّها، وأنَّ كل دائرة مِن هذه الدوائر وشيجة تفرَّعت عنها جملةٌ مِن الأوزان قد يكون فيها المستعمل الذي حصَر الخليل قواعدَه، والمهمل الذي لم يرَ العربُ أن يَنظِموا عليه لنبوِّ طباعهم عنه"[4].

 

ويقول الدكتور أمين السيد: "إنَّ حصْرهم جميع الشِّعر في الدوائر المذكورة دلَّ على ما اختص به الله العرَبَ دون مَن عداهم، فكان ذلك سرًّا مكتمًا في طباعهم أطْلع الله عليه الخليلَ واختصَّه بإلهام ذلك وإن لم يشْعُروا ولا نووه، كما لم يشعروا بقواعدِ النحو والتصريف"[5].

 

ولكن، ما موقف العلماء مِن جواز استخدام البحور المهملة؟! وبمعنًى آخَر، هل يجوز لشاعِرٍ في عصرنا هذا أن ينظِم قصيدةً على بحر مهمل مِن البحور التي فكَّها الخليل أو غيره من العَروضيِّين، من الدوائر العَروضيَّة؟


اختلفت وجهةُ نظر العلماء في هذا الشأن، فقدْ أجاز الخليلُ التجديدَ وإنشاء مَن يريد مِن الشُّعراء الشِّعر على البحور المهمَلة، ولكن ابن عبد ربه صاحِب "العقد الفريد" أنْكر على الخليل هذا، واعترَض عليه في أرجوزةٍ شهيرة، ولقد قوَّى ابن عبد ربه رأيه بما ذهَب إليه من عدمِ جواز استخدم البحور المهملة في الشِّعر بأن قاس البحور المهملة على الألفاظ المهملة في اللُّغة، فكما أنَّه لا يجوز استخدام الألفاظ المهملة في اللغة، كذلك لا يجوز استخدامُ البُحور المهملة في الشِّعر حيث يقول:

وَأنَّهُ لَوْ جَازَ فِي الْأَبَيَاتِ
خِلاَفُهَا لَجَازَ فْي اللُّغَاتِ[6]

 

ولكن الزمخشري كان له رأيٌ آخَر يؤيِّد فيه رأي الخليل على جواز النَّظْم على البحور المهملة، حيث يقول: "بناء الشِّعر العربي على الوزن المخترَع الخارج مِن شعر العرَب لا يقدح في كونه شِعرًا عند بعضهم، وبعضهم أبَى ذلك، وزعَم أنَّه لا يكون شِعرًا حتى يُجاءَ به على وزن مِن أوزانهم، والذي ينصر المذهب الأول أنَّ حد الشِّعر لفظ موزون مقفًّى يدلُّ على معنًى، فهذه أربعة أشياء: اللفظ - المعنى - الوزن - القافية"[7]، وهذا متوفِّر فيما يُصاغ من شِعر على الأوزان المهملة.

 

ولا شكَّ عندي أنَّ رأي الزمخشري هو الرأي الصحيح، وأنا أَميل إليه، فلا مجالَ لقياس المخترَع من بحور الشِّعر على المهمل مِن ألفاظ العرَب كما زعَم ابن عبد ربه، فإنَّ بحور الشعر شيءٌ محدود يُفيد في فتْح المجال للتأليف على منوالها، أمَّا ألفاظ العرَب فكثيرة المترادِفات عديدة المعاني، حيث يُغني لفظ عن آخَر - كما أنَّ المستعمل منها وحْدَه لا يستطيع المرء أن يُحيط به، فكيف إذا أُضيف إليه المهمل: أليس يشكِّل عبئًا ثقيلاً؟!


ولكن السؤال: هلِ استعملتِ العربُ هذه المهملات قبل إخراج الخليل لها؟


على الرغمِ مِن أنَّ هناك كثيرين يقرُّون هذا، فإني أُنكره، وهذا هو القناني صاحب "الكافي في عِلمي العروض والقوافي"[8] يقول: "اعلم أنَّ البحور على ثلاثة وأربعين بحرًا، لكنَّها على قسمين: قسم أنشدتْ عليه العرب وأهملتْه، وذلك سبعة وعِشرون بناء[9]، وقِسم استعملتْه العرَب وكثُر فيه أشعارهم ولم تهمله، والوارد منها عن فصحاء العرَب خمسة عشر بحرًا بالاتِّفاق، والسادس عشر فيه خلاف، وقدْ أعلَّت العرب جميع هذه البحور، ولم تقلْ على شيءٍ بكماله إلا على أربعة أبْحُر[10].

 

وهذا هو محمَّد عامر تقدَّم برسالة لنيل درجة الماجستير عن الدوائر العَروضيَّة يقر الرأي السابق الذي ذهَب إليه القناني، حيث يرى أنَّ العرب قد نَظَموا قديمًا الشِّعر على بعض البحور المهملة، ثم حدَث تنقيحٌ وتعديل كبير، حتى استقرَّ النظم على الحال التي تراه عليها الآن[11].

 

وكما قلت: فأنا أُنكر ذلك بشدَّة، وأرَى أنَّ هذه الآراء نوعٌ مِن الظن والتخمين، فلا أظنُّ أحدًا من القائلين بها قد وقَع على أبيات نُظِمت على البحور المهملة، حتى يُقرِّر مثل هذا الرأي الخطير، ولكن الذي نَميل إليه هو أنَّ الخليل بن أحمد اخترَع هذه المهملات ووضَع شواهدها مِن عنده، وجاء بعدَه ابن القطَّاع وأضاف واحدًا وعشرين بناءً، ووضع شواهدَها مِن عنده أيضًا، ونفس تلك الشواهد هي التي أرجعتها إلى أصول مستعملَة، فبعدت بذلك عن كونها شواهدَ لبحور مهمَلة كما سترَى في هذا البحْث.

 

ولا غَضاضةَ في ادِّعائنا بأنَّ الخليل وابن القطاع قد ألَّفَا شواهد ما استخرجاه مِن بحور مهملة مِن الدوائر العَروضيَّة، ما دام نظام الدوائر والتقليب في الأسباب والأوتاد يسمح بهذا، وهما بهذا التأليف قد سمحَا للشُّعراء بما أتاحاه لهم مِن بحور جديدة أن يَنظموا - إن أرادوا النظمَ - عليها.

 

بين الخليل وابن القطاع في المهملات:

لقدْ قرَّر ابن القطاع أنَّ البحور المهملة سبعة وعشرون بحرًا، وتناقلها عنه أغلبُ من جاءَ بعده من العَروضيِّين، مثل أحمد بن عباد القناني وابن السراج[12]، يقول ابن السراج: "إنها سبعة وعشرون بحرًا"، وأتى بشاهدٍ لكلٍّ من هذه البحور المهمَلة، وقال بعدها: "فهذه جملةُ ما أهملتِ العرب من الأبنية ولم يأتِ لها عليه شِعر ألبتَّة، أخبرني بهذه المهملات شيخُنا الفقيه العلاَّمة جمال العلماء أبو محمَّد عبدالله بن بري بن عبدالجبار الهذلي، عن مخترِعها أبي القاسم علي بن جعفر السَّعْدي المعروف بابن القطَّاع - رحمه الله"[13].

 

ولقدْ أفْزَعتْ لفظةُ ابن السراج "عن مخترعها" كثيرًا مِن الدارسين واتَّهموا ابنَ القطاع بالتزيُّد وحبِّ السَّبْق والابتكار واتَّهموه بالخطأ، وهذا هو الأستاذ محمد عامر يقول: "وظن أنَّه بهذا العمل الخاطئ قدِ استدرَك على الخليل هذه البحورَ المهملة، وأنه المبتكر الذي أتى بجديدٍ في ميدان العَروض"[14].

 

ولا شكَّ عندي أنَّه إن كان للخليل فضلُ السبق فإنَّ لابن القطاع فضلَ الإضافة، فمِن المعلوم أنَّ الخليل أخرج ستةَ أبحر مهمَلة منه المتدارك، بينما نرى ابن القطاع قد أخْرَج سبعة وعشرين بحرًا مهملاً - بالقطع ستَّة الخليل منها، وأنَّ فضل ابن القطاع - لا شكَّ - في إخراج واحدٍ وعشرين بحرًا مهملاً.

 

ولقدْ لاحظْنا أنَّ الخليل يبدأ فكه للأبحر مِن بداية وتدٍ أو بداية سبب، وحافظ على هذا النمط في استخراجِه مهملاتِه، بينما نرى ابنَ القطَّاع لا يلتزم هذه القاعدة تمامًا؛ لأنه سار على نِظام المقطَع الصوتي، فكلُّ حرَكة عند مقطع مستقل يصحُّ البَدءُ منه، ومع هذا فقدِ اتبع طريقة الخليل في استخراج عشرين بحرًا، ومنها ستة الخليل، أمَّا طريقة المقطع الصوتي فاستخرج بها سبعةَ أبحُر فقط، وهو بهذا استخدم منهجين إيقاعيَّيْن مختلفين، وعلى الرغم من أنَّ الكثيرين يرفُضون هذا، إلا أنَّني لا أرَى غضاضةً في طريقة الفك حسبَ طريقة المقطع الصوتي.

 

رأي في مهملات الدوائر:

لقد قرَّر العروضيُّون ومنهم ابن القطَّاع، أنَّ الخزم جائزٌ في الشِّعر العربي، والخزم هو زيادة تَلْحَق أوَّل صدر البيت أو أول العجُز وتتمثَّل في زيادة حرْف أو حرفين أو ثلاثة، وأقْصى زيادة أربعة أحرُف، وقد أورد ابنُ القطَّاع لهذا الخزم أمثلةً متعدِّدة، وقال عنه: "وقد جاء عن العرَب الخزم، أُخِذ مِن خزمت البعير إذا جعلت في أنْفه خزامة، وهو زيادةُ حرْف في أوَّل جِزء من البيت ويكون بزيادة ثلاثة أحرف، ويكون بزيادة أربعة، كما رُوي عن علي - رضي الله عنه - في أول جزءٍ من البيت أنه قال[15]:

اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ فَإِنَّ المَوْتَ لاَقِيكَا

اشدد حيازيم كللموت فإن نلمو تلاقيكا

مفاعيل مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن       خزم

وعلق قائلاً: "اشدد" كلها خزم، والبيت من الضرْب الأول في الهزج، وطبقتُ قاعدة الخزم هذه على مهملات الدائرة الثانية في أوَّل الأمر على سبيلِ التجرِبة، فوجدتُ شيئًا جديدًا مهمًّا ورائعًا، هو أنه يمكننا التخلُّص من هذه المهملات، وإرجاعها إلى البحور المستعملة.

 

فانظرْ معي المهمل الأول مِن الدائرة الثانية وهو[16]:

البناء الأول: على مفتعلات ستة أجزاء موقوف الضرْب، هكذا:

مفتعلات مفتعلات مفتعلات.. مفتعلات مفتعلات مفتعلات

 

وشاهده:

مَا وَلَدَتْنِي النُّجَبَاءُ مِنْ مُضَرٍ
إِذَا حَمِي الْوَطِيسُ وَلَمْ أُنَادِ نَزَالِ

 

 

وسأقطِّعه عروضيًّا حسب نظريتي كالآتي:

ما ولدتنن نجباء من مضرن إذا حميل وطي سولم أنا دنـزالي

/ه///ه//ه ///ه//ه ///ه//ه ///ه//ه ///ه//ه ///ه/ه

خزم. متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن

وهو الضَّرْب الثاني مِن الكامل.

 

أليس هذا رائعًا؟!

المهمل الثاني: مفاعلات ستة أجزاء موقوف الضرْب هكذا:

مفاعلات مفاعلات مفاعلات مفاعلات مفاعلات مفاعلات

 

وشاهده:

 

وَمَا غَنَاءُ فَتًى يَجُودُ بِكُلِّ مَا مَلَكَتْ يَدَاهُ وَلَيْسَ يَبْخَلُ بِالنَّوَالِ

وما غنا فتى يجود بكل مام لكت يداه وليس يبخ لبننوال

مفاعلات مفاعلات مفاعلات مفاعلات مفاعلات مفاعلات

 

أما حسب نظريتي فيكون تقطيعه كالآتي:

ما. غناء فتن يجود بكل لما ملكت يداه ولي سيبخلبن نوالي

/ه. //ه///ه //ه///ه //ه///ه //ه///ه //ه///ه //ه/ه

خزم. مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن فعولن

سالمة مقطوفة

وهو كما ترَى مِن الوافر عروضه صحيحة وضرْبه مقطوف.

 

والمهمل الثالث: فاعلاتك ستَّة أجزاء موقوف الضرْب هكذا:

فاعلاتك فاعلاتك فاعلاتك فاعلاتك فاعلاتك فاعلاتك

 

وشاهده:

مَا لَقِيتُ مِنَ الجَآذِرِ بِالجَزِيرَةِ إِذْ رَمَيْنَ بِأَسْهُمٍ جَرَحَتْ فُؤَادِي

ما لقيت م نلجأ اذر بلجزيرة إذرمين ب أسهمن جر حت فؤادي

/ه//ه// /ه//ه// /ه//ه// /ه//ه// /ه//ه// /ه//ه/ه

فاعلاتك فاعلاتك فاعلاتك فاعلاتك فاعلاتك فاعلاتك

 

ولقد ورد بهامش النُّسخة (ب) من نسخ كتاب البارع في علم العروض الذي حققتُه ما يدعم وجهةَ نظري هذه، بخصوص البيت السابِق حيث قطَّعه مجهول هكذا[17]:

مَا لَقِيتُ مِنَ الجَآذِرِ بِالْجَزِيرَةِ إِذْ رَمَيْنَ بِأَسْهُمٍ جَرَحَتْ فُؤَادِي

ما لقيت م نلجاذر بالجزيرة إذ رمين ب أسهمن جر حت فؤادي

/ه//ه// /ه//ه// /ه//ه// /ه//ه// /ه//ه// /ه//ه//

تن مفاعل تن مفاعل تن مفاعل تن مفاعل تن مفاعل تن مفاعل

 

فإذا اعتبرنا (تن) الأولى والتي تقابل "ما" وهي حرف مِن حروف المعاني خزمًا، فإنَّه سيتبقى من التفعيلة الأولى "مفاعل " ثم نضمُّ (تن) التي هي أوَّل الجزء الثاني إلى آخر لأصبحت (مفاعلتن) ثم أضفْنا كل (تن) بعدَ ذلك إلى آخِر ما قبلها، لنتج لنا تفعيلات هي (مفاعلتن) التي يتكوَّن منها بحر الوافر.

 

لذلك لزم أن أصوغ البيتَ السابق هكذا حسب فِكرتي:

ما لقيت منل جأذربل جزيره إذ رمينبأس همن جرحت فؤادي

خزم //ه///ه //ه///ه //ه/ه خزم //ه///ه //ه///ه //ه/ه

مفاعلتن مفاعلتن فعولن مفاعلتن مفاعلتن فعولن

مقطوفة مقطوف

وهو كما ترَى من الوافِر المقطوف العَروض والضَّرْب.

 

ولقد استهوتني الفِكرة وبهرتني، وخصوصًا بعدَ النجاح الذي حدَثَ مِن تطبيقها على الدائرة الثانية.

 

وكم كان مفيدًا أن أصِلَ إلى نتائج أكبرَ ممَّا تصورت، وبدأتُ مكابدة العمَل، فليس الأمر هينًا ميسورًا، حيث أقضِي الساعاتِ الطوالَ في تجميع المظانِّ وتقليب الأمور على نواح متعدِّدة مختلفة تخفق أحيانًا كثيرة، ولكن المهم أن تنجحَ في نهاية الأمر.

 

وهأنذا أقوم بدِراسة الدائرة الأولى:

مهملات الدائرة الأولى:

ذكَر الخليل لهذه الدائرة بحْرين مهملين، وأضاف ابنُ القطاع ثلاثة أبْحُر، وأصبحتْ جملة البُحور المهملة خمسة:

أولاً: بحر الخليل:

(1) المستطيل: وهو عكس الطويل، وتفعيلاته:

مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن

 

(2) الممتد: وهو عكَس المديد، وتفعيلاته:

فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن

 

ثانيًا: أبحر ابن القطاع: ولم يُسمِّها:

(1) الأول على التفعيلات الآتية:

مفعولات مفعول مفعولات مفعول مفعولات مفعول مفعولات مفعول

 

(2) الثاني مقلوب الأوَّل، وتفعيلاته:

مفعول مفعولات مفعول مفعولات مفعول مفعولات مفعول مفعولات

 

(3) الثالث مجزوء الطَّويل، وتفعيلاته:

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

 

وإليك نقض مهملات هذه الدائِرة:

أولاً: المهمل الأول:

وأورد له ابنُ القطاع هذا الشاهد:

لَقَدْ أَبْدَتْ سُلَيْمَى غَدَاةَ الجَزَعِ وَجْهًا
كَبَدْرِ التَّمِّ حُسْنًا وَضَوْءِ الشَّمْسِ نُورًا

 

ألا يمكن أن يكون هكذا؟:

لَقَدْ أَبْدَتْ سُلَيْمَى غَدَاةَ الجَزَعِ وَجْهَا

كَبَدْرِ التَّمِّ حُسْنًا وَضَوْءِ الشَّمْسِ نُورَا

 

ألاَ يمكن وإن اختلفَا في القافية؟!

أما تقطيعهما فكالآتي:

لقد أبدت سليمى غداة الجز ع وجها

//ه/ه/ه //ه/ه //ه/ه/ه //ه/ه

مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن

كبدر تتم محسنن وضوء ششم سنورا

//ه/ه/ه //ه/ه //ه/ه/ه //ه/ه

مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن

 

وبهذا يخرُج مِن دائرة الإهْمال إلى دائرةِ الاستعمال دون استخدام للخزم، ويدخُل تحت عَروض الوافِر الثانية وضرْبها إذا قطفت.

 

وشاهدها عندَ ابن القطَّاع[18]:

وإن يهلك عبيد فقد باد القرون

وإنيهلك عبيدو فقدبادل قرونو

//ه/ه/ه //ه/ه //ه/ه/ه //ه/ه

 

ثانيًا: المهمل الثاني:

وأورد له ابنُ القطَّاع هذا الشاهد:

قَدْ رَمَتْنِي سُلَيْمَى بِسِهَامِ الجُفُونِ
ثُمَّ قَالَتْ دَعُوهُ فَالسَّمَا كَانَ دُونِي

 

 

ألاَ يُمكن أن يكونَ هكذا؟

قَدْ رَمَتْنِي سُلَيْمَى بِسِهِامِ الجُفُونِ

ثُمَّ قَالَتْ دَعُوهُ فَالسَّمَا كَانَ دُونِي

 

أليسا بيتين مِن قافية واحدة؟!

وهذا البيت يُمكن تخريجه على جهتين:

الأولى: على اعتباره مِن بحْر المضارع (مفاعيلن فاعلاتن)، ودخله (الشتر) وهو اجتماع الخرْم والقبْض وتقطيعهما كالآتي:

قَدْ رَمَتْ نِي سُلَيْمَى بسِها مِلْجُفُونِي

/ه//ه /ه//ه/ه ///ه /ه//ه/ه

فاعلن فاعلاتن فعلن فاعلاتن

أشتر سالم أشتر مضمر سالم

 

ثم قالت دعوهم فالسسما كان دوني

/ه//ه /ه//ه/ه /ه//ه /ه//ه/ه

فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن

أشتر سالم أشتر سالم

 

ولقدْ مثَّل ابن القطَّاع لهذا النَّوْع في بحْر المضارع الذي دخَله الشتر بقول الشاعِر[19]:

سَوْفَ أُهْدِي لِسَلْمَى ثَنَاءً عَلَى ثَنَاءِ

سوف أهـ دي لسلمى ثنا ءن ع لا ثنائي

/ه//ه /ه//ه/ه //ه/ه/ /ه//ه/ه

فاعلن فاعلاتن مفاعيل فاعلاتن

أشتر سالم مكفوف سالم

 

الثانية - قيل: إنَّ أبا العتاهية زاد في بحْر الخفيف عَروضًا مجزوءة مقصورة تَصير فيها "مستفع لن" إلى (متفع ل)، وتُحوَّل إلى (فعولن)، وجعل ضرْبها مثلها فصار البيتُ عنده على وزن (فاعلاتن فعولن فاعلاتن فعولن) [20].

 

وعليه قوله:

عُتْبُ مَا لِلْخَيَالِ خَبِّرِينِي وَمَالِي

عتبمالل خيالي خبريني ومالي

/ه//ه/ه //ه/ه /ه//ه/ه //ه/ه

فاعلاتن فعولن فاعلاتن فعولن

 

وقياسًا على بيت أبي العتاهية يُمكننا تقطيعُ المهمل الثاني وتخْريجه هكذا:

قد رمتني سليمى بسهام الجفون

قد رمتني سليمى بسهامل جفوني

/ه//ه/ه //ه/ه ///ه/ه //ه/ه

فاعلاتن فعولن فعلاتن فعولن

ثم قالت دعوه فالسماكان دوني

ثم قالت دعوهو فسماكا ندوني

/ه//ه/ه //ه/ه /ه//ه/ه //ه/ه

فاعلاتن فعولن فاعلاتن فعولن

 

وبذلك يخرج مِن الإهمال إلى دائرة الاستعمال.

 

ثالثًا: المهمل الثالث:

ومثَّل ابن القطَّاع لهذا البحْر بالشاهِد التالي:

مَا بِالدَّارِ مِنْ حَاجِزٍ لَمَّا دَخَلْنَا بِهَا
إِلاَّ الْمَهَا تَرْتَعِي كَالخَرِدِ العَيِّنِ

 

 

وهو على "مفعولات مفعول" ثمانية أجزاء، وهذا البيت يمكن تقطيعه كالآتي:

ما بالدار من حاجز لما دخلنا بها إلا المها ترتعي كالخرد العين

خزم بدار من حاجزن لممادخل نابها إلللمها ترتعي كلخرردل عيني

/ه/ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه /ه/ه

مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعل

 

وهو كما ترى تام العروض مخبون الضرب.

 

ولقدْ أورد ابنُ القطَّاع في كتابه "البارِع في عِلم العَروض" شاهدًا للبسيط جاءَ تام الضرْب مخبون العَروض، وهو قول الشاعر[21]:

وَبَلْدَةِ مَجْهَلٍ تَمْشِي الرِّيَاحُ بِهَا لَوَاعِبًا وَهْيَ فِي أَعْرَاضِهَا خَاوِيَهْ

وبلدتن مجهلن تمشر ريا حبها لواعبن وهيفي أعراضها خاويه

//ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه ///ه //ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه

مفاعلن فاعلن مستفعلن فعلن مفاعلن فاعلن مستفعلن فاعلن

 

كما أنَّه أورد بيتًا آخَر في نفْس الكتاب شاهدًا على البسيط جاءَ تامَّ الضرب والعَروض، وهو قول الشاعر:

يَا رُبَّ ذِي سُؤْدَدٍ قُلْنَا لَهُ مَرَّةً إِنَّ الْمَعَالِي لِمَنْ يَبْغِي بِنَاءَ العُلاَ

يا رببذي سؤددن قلنالهو مرتن اننلمعا لي لمن يبغي بنا ألعلا

/ه/ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه /ه/ه//ه /ه/ه/

مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن

وهذا كله يؤكِّد ما ذهبْنا إليه في تخريج المهمل الثالث.

 

رابعًا: المهمل الرابع:

وهو على "مفعول مفعولات" ثمانية أجزاء، ومثَّل له ابنُ القطَّاع بهذا الشاهِد:

إِنَّ الغَزَالَ الْأَغَيْدَ أَضْنَى مُهْجَتِي بِاهْتِزَازِ
الغُصْنِ فِي الحِقْفِ لَمَّا انْهَالَ

 

 

وهذا البيت يمكن تقطيعه حسبَ نظريتي على أساس أن "إن" في أوَّله خزمًا، وعلى الصورة التالية ليخرج من دائرة الإهمال:

إن الغزال الأغيد الجيد أضنى مهجتي باهتزاز الغصن في الحقف لما انهال

خزم نلغزالل اغيدل جيدأضنى مهجتي باهتزازل غصنفل حقفلمن هالا

/ه//ه/ه /ه//ه /ه//ه/ه /ه//ه /ه//ه/ه /ه//ه /ه//ه/ه /ه/ه

فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعل

 

ويُمكننا أن نعتبرَ هذا البيت مِن بحر المديد التامّ، بل هو كذلك، وقد يقول قائِل: إنَّ العرَب لم تستعملْه تامًّا، فأقول: لقدِ استشهد ابن القطَّاع على إنشادهم عليه، وهو قول الشاعِرة أخت تأبط شرًّا قالت:

ليتَ شِعْرِي: ضَلَّةً أَيُّ شَيْءٍ قَتَلَكْ
أَمَرِيضٌ لَمْ تُعَدْ أَمْ عَدُوٌّ خَتَلَكْ؟

 

 

خامسًا: المهمل الخامس:

"مجزوء الطويل" وشاهده عند ابن القطاع:

لَعَمْرِي لَقَدْ نَادَى أَخَاهُ سُوَيدٌ فَلَمْ يَسْمَعْ نِدَاهُ

لعمري لقدنادى أخاهو سويدن فلم يسمع نداهو

//ه/ه //ه/ه/ه //ه/ه //ه/ه //ه/ه/ه //ه/ه

فعولن مفاعيلن فعولن فعولن مفاعيلن فعولن

 

ولا أدري لماذا اعتبره ابن القطَّاع مهملاً، ما دام بناؤه التام قد ورَد عندَ العرب؛ لأنَّه عندي أنَّه إنْ صحَّ الكل فقد صحَّ الجزء بالضرورة وإماكنية النَّظْم عليه قائِمة، فهو ليس مهملاً، إنما هو نادِر.

 

مهملات الدائرة الثالثة:

لقدْ ذكَر لها ابن القطَّاع ثلاثة أبْحُر مهملة، بينما لم يذكُر لها الخليل مهملات، وأرَى الحقَّ مع الخليل، وأنَّ ابن القطَّاع قدْ جانبه الصَّواب، كما سيأتي بيانه.

 

المهمل الأول: وهو أصلُ دائرة الهزَج، وشاهِده:

بِنَفْسِي مَن إِذا يَبْدُو وَرَأَيْتُ البَدْرَ للتَّمِّ عَلَى غُصْنٍ مِنَ البَانِ

بنفسي من. إذا يبدو. ورأيت البد. رللتم. على غصن. من الباني

مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن

أي على "مفاعيلن" ستة أجزاء.

 

ولا أعتقد أنَّ هذا يُعتبر مهملاً؛ لأنَّ المجزوء منه مستعمل، بل يُمكننا أن نقول هذه الأبيات هكذا:

بِنَفْسِي مَنْ إِذْ يَبْدُو = رَأَيْتُ البَدْرَ لِلتَّمِّ

عَلَى غُصْنٍ مِنَ البَانِ

 

وفِي هذه الحالة قد ردَّ إلى الجزء المستعمل، وهذا النوع مِن البناء الشِّعري يقرُّه البناء الشعري للقصيدة العربية، ولا يُعاب هذا الورود، فقدْ أضْحَى هذا التَّقسيم قرين التغييرات التي حدثتْ في العصْر العباسي مِن تغيير في نمطِ القافية، وهو عصْر سبق ابن القطَّاع.

 

المهمل الثاني: وهو أصلُ دائرة الرَّمَل (فاعلاتن) ستَّة أجزاء، وقدْ أورد له ابنُ القطَّاع الشاهِد الآتي:

ما لقلبي. لا يبالي. بملام. في سليمى. لا ولا يعطي. قيادا

/ه//ه/ه /ه//ه/ه ///ه/ه /ه//ه/ه /ه//ه/ه /ه//ه/ه

فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

 

وهذا مستعمل أيضًا، وقد أورد له ابن القطاع شاهدًا عروضه محذوفة وهو[22]:

مِثْلُ سَحْقِ البَرْدِ عَفَا بَعْدَكَ اقْطُرْ مُغَنَّاهُ وَتَأْوِيبِ الشَّمَالِ

مثل سحقل برد عففا بعد كل قطر مغنا هو وتأوي بششمالي

/ه//ه/ه /ه//ه/ه /ه//ه /ه//ه/ه /ه//ه/ه /ه//ه/ه

فاعلاتن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

 

بل يُمكننا أن نصوغَ مهمل ابن القطَّاع حسبَ نظرية الخزم هكذا:

ما لقلبي لا يباليب ملامن في سليمى لا ولا يعطي قيادا

خزم //ه/ه/ه //ه/ه/ //ه/ه خزم //ه/ه/ه //ه/ه/ه //ه/ه

مفاعلتن مفاعلت فعولن مفاعلتن مفاعلتن فعولن

 

وهو مِن الوافِر المعصوب، شاهِدُه أيضًا عندَ ابن القطَّاع في كتابه "البارع في علم العَروض"[23]:

إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ
وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ

 

 

المهمل الثالث: "على" "مفعولات" ستَّة أجزاء، موقوف الضَّرْب، وشاهده:

قَالَتْ جَارَتِي لَمَّا رَأَتْ وَشْكَ النَّوَى فِي الْقَلْبِ مِنِّي مِثْلَ لَفْحِ النَّارِ

وهذا يمكن تقطيعه على نظرية الخزم كالآتي لنثبت أنه غير مهمل:

قا لت جارتي لممارأت وشكننوى فل قلبمن نى مثللف حنناري

خزم /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه/ه/ه

مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مفعولن

 

وهو مِن الضَّرْب الثاني للرَّجَز المقطوع وعَروضه تامَّة، والرِّدف لازم، وشاهِده عند ابن القطاع في كتابه "البارع في عِلم العروض".

الْقَلْبُ مِنهَا مُسْتَرِيحٌ سَالِمٌ وَالْقَلْبُ مِنِّي جَاهِدٌ مَجْهُودُ

القلب من ها مستري حن سالمن والقلب من ني جاهدن مجهودو

/ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه/ه//ه = /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه/ه/ه

مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن مفعولن

أمَّا الدائرة الرابعة والخامسة ففيهما قولٌ كثير، وأرَى أن أخصَّهما ببحثٍ مستقل - وسيأتي دورُه - إنْ شاء الله.

 

مصادر البحث

أولاً: المطبوعة:

(1) الإقناع في العَروض، للصاحب بن عباد.

(2) أهدى سبيل إلى عِلمي الخليل، للأستاذ محمود مصطفى بدون.

(3) البارع في علم العروض، لابن القطاع الصقلي تحقيق د. أحمد عبدالدايم، المكتبة الفيصلية - مكة المكرمة 1985م.

(4) البحوث والمحاضرات مؤتمر الدورة التاسعة والعشرين للمجمع اللغوي.

(5) الزحاف والعلل في عَروض الشعر العربي، د. أحمد كشك.

(6) العروض للأخفش، تحقيق د. أحمد عبدالدايم، المكتبة الفيصليَّة - مكة المكرمة 1985م.

(7) العقد الفريد، لابن عبد ربه، دار الفكر - بيروت.

(8) العمدة لابن رشيق القيرواني، بيروت 1974م.

(9) العيون الغامزة في خبايا الرامزة، للدماميني، تحقيق الحساني عبدالله 1973م.

(10) فن التقطيع الشعري والقافية، للدكتور صفاء خلوصي.

(11) في عِلمي العروض والقافيه، للدكتور أمين السيد، القاهرة 1974م.

(12) الكافي في العروض والقوافي للتبريزي، تحقيق الحساني عبدالله القاهرة 1969م.

(13) محيط الدائرة في عِلمي العروض والقافية، للأب فان ديك.

(14) المرشد إلى فَهْم أشعار العرب، الدكتور عبدالله الطيب المجذوب.

(15) معجم الأدباء، ياقوت الحموي 1357هـ.

(16) موسيقا الشعر، للدكتور إبراهيم أنيس 1972م.

 

ثانيًا: المخطوطة:

(1) تقويم البيان لتحريرِ الأوزان لابن السرَّاج - دار الكتب.

(2) الدوائر العَروضيَّة محمد عامر - رسالة ماجستير 1974م.

(3) الكافي في العروض والقوافي لابن القطاع - دار الكتب.

(4) الكافي في عِلمي العروض والقوافي، لأحمد بن عباد القناني المعروف بالخواص، دار الكتب.



[1]انظر بمعجم الأدباء: ترجمةَ برزخ بن محمد العَروضي.

[2]البحوث والمحاضرات: مؤتمر الدورة التاسعة والعشرين للمجمع اللغوي (62 – 63م).

[3]"أهدى سبيل إلى علمي الخليل" (ص: 114).

[4]المرجع السابق.

[5]في "علمي العروض والقافية" (ص: 161).

[6]انظر: "العقد الفريد" (5/441)، و"الدوائر العَروضيَّة" لمحمد عامر (ص: 99).

[7] "الدوائر العروضية" لمحمد عامر (ص: 100).

[8]أطلق عليه محمد عامر اسم "القول الوافي"، وهذا خطأ.

[9]يسير القناني على طريقة ابن القطَّاع ويقرُّ مذهبَه في مهملات الدوائر.

[10]انظر: كتاب "الكافي في علمي العروض والقوافي" لأحمد بن عباد القناني، المعروف بالخواص، مخطوطة بدار الكتب، تحت رقم (عروض وقوافي 136)، ونسخة أخرى (عروض تيمور 5).

[11]انظر الدوائر العروضية لمحمد عامر ص100).

[12] في كتابه (تقويم البيان لتحرير الأوزان) مخطوطة بدار الكتب المصرية.

[13]انظر مخطوطة (تقويم البيان لتحرير الأوزان) لابن السراج و(البارع في علم العروض) لابن القطاع.

[14]الدوائر العروضية (ص: 114).

[15]انظرْ ذلك في كتاب "البارِع في علم العروض" لابن القطاع، وورد البيت في العيون الغامِزة شاهدًا على مجيء الخزْم بأربعة أحرُف، انظر (ص: 97).

[16] انظر مهملات الدوائر الثانية في كتاب "البارع في علم العروض" (ص: 141).

[17]انظر (ص: 142) مِن كتاب "البارع في علم العروض" لابن القطاع.

[18] انظر: "البارع في علم العروض" (ص: 129).

[19]انظر: "البارع في علم العروض" (ص: 188).

[20]انظر: "أهدى سبيل إلى علمي الخليل" (ص: 81).

[21] "البارع" (ص: 116).

[22] انظر: "البارع في علم العروض" (ص: 157).

[23] انظر: "البارع في علم العروض" (ص: 124).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
4- شكر وتقدير ثم طلب
صالح أبوبكر البجوغي - NIGERIA - نيجيريا 01-04-2017 08:37 AM

الحمد لله أولا، ثم الصلاة والصلام على من تلقى القرآن من لدن حكيم خبير.
أما بعد:
قد فرحت برؤية هذا البحث، وإنه لبحث قيّم جدا ومساعدٌ سيما أنا الذي كنت الآن في صدد بحثي لمستوى الجامعي (الليسانس) وأمثالي.
فجزى الله الأستاذ الدكتور على غاية جوده الذي بذله للأمة الإسلامية على العموم، وللطلبة العربية على الخصوص.
كيف يمكن لِىَ أو أقول ولأمثالي الحصول على هذه المراجع المذكورة تحت هذا البحث القئم المعين.
قد نواجه المشاكل الإدراية سيما قسم اللغة العربية، ما لنا مساعد إلا الله، ألا هو خير مستعان!!! أما الدراسة فمتطلباتها معروفة لدى أصحابها الملمين في شأنها.
1. ما المخرج لأمثالي على حالة دراساتنا؟
2. كيف نحصل على مثل هذه الكتب التي رتبت تحت المراجع؟
3. ما السبيل إلى ازدياد العلم في مثل حياتنا هذه في مثل موقفنا هذا؟
والله المستعان على كل شيء، وهو المفرج لكل ضيق.
والسلام عليكم ورحمة الله. أخوكم - سنيٌّ (تمييزا لا تزكية).

3- علم العروض والقافية
نسمة يوسف أحمد - السودان 20-06-2016 09:33 AM

علم العروض علم سامي يحتاج إلى شاعر ذو حس وموهبة
وبحتاج إلى فنان له ذوق رفيع لأنه علم سماعي يعتمد على النغم

2- شكر
محمد فافة - الجزائر 14-07-2014 04:32 PM

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته ، أما بعد.والله ما استرحت من هواجس التشكيك في المهملات من البحور إلا بعد أن طالعت ما أفادني في بحثك هذا. فشكرا و ألف شكر , وألف تحية

1- نص للعروضي
حسام الدين 11-03-2014 03:58 PM

في آخر باب الخزم في كتاب الجامع لأبي الحسن العروضي ص 183 نص رائع يؤيد ماذهبتم إليه أستاذنا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة