• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر (8)

د. عيد محمد شبايك


تاريخ الإضافة: 12/4/2010 ميلادي - 27/4/1431 هجري

الزيارات: 14011

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(8) الاستعارة الإعلانية

ذكرنا من قبل "أنَّ الثقافة ذات طبيعة اتِّصاليَّة: فالثقافة تحدث بالاتِّصال، والاتصال يحدث بالثقافة"[1]..

 

ولوسائل الإنتاج الثقافي - وبخاصة الإعلان - حيلها التي توهم المتلقي أنها تقدم لكل فرد ما يتطلبه هو تحديدًا ويحتاجه.

 

ومن هذه الحيل ما يرجع إلى شخصية مؤدي الإعلان كأن يكون من النجوميين، أو من الإعلاميين المشاهير - ولا داعي لذكر الأسماء - وهي ظاهرة تدفعنا إلى أن نستبدل بعبارة أرسطو "والصالحون هو المصدقون سريعًا بالأكثر"[2]، عبارة: والمشاهير من الإعلاميين هم المصدقون سريعًا بالأكثر، كذلك الحال التي يبدو عليها مؤدي الإعلان لها دورها في استدراج المشاهدين أو بعبارة أرسطو "كيفية المتكلم وسمته"[3]، ومن هذه الحيَل ما يصدر عن مؤدي الإعلان من حركات إشارية وتلوينات صوتية ووصف للمنتج (السلعة) وما تحققه للمستهلك من معانٍ نفسية واجتماعية واقتصادية وجمالية وبخاصة إعلانات السيارات والمحمول وشهادات الاستثمار.

 

وبهذا تقسر المرء على الانضواء مع الآخرين حيث يجري استغلال مفهوم الاختلاف واللعب به بحيث تجد نفسك مدعوًّا للتميُّز والتفرد عبر قبولك المنتج، وفي الوقت ذاته هناك من يقول لك: إنك لكي تكون مثل غيرك، فعليك أن تقبل بالمعروض أمام عينيك[4].

 

هكذا يدرك أصحاب كل فن قيمة الحيل في بث المعاني لامتلاك النفس، ويهتمون بمعرفة مداخلها ومخاتلتها حتى يتمكن منا البيان / الأثر / الهدف، وينقاد له، ويظل فاعلاً فيها.

 

وكثيرًا ما يعتمد الإعلان في إنشاء المعنى على تقنيات (التشبيه والاستعارة والكناية)، ويظهر هذا - أكثر ما يظهر في إعلانات السيارات؛ إذ كثيرًا ما ترد عناوينها في جمل جذابة؛ مثل:

♦ جاجوار F تايب.. القطة الشرسة.

♦ أوبل استرا الجديدة، نجمة في سماء أوبل.

♦ بيجو 206 تشرق في سماء مصر.

♦ BMW تبرز مفاتنها وتسعد عشاقها.

♦ سوزوكي ماروتي، ملكة السيارات الصغيرة.

♦ فيرنا عربية تستحق التحية.

♦ متعة الحياة.. ميتسوبيشي.

 

ومثل هذه الصور الاستعارية هي أقرب ما تكون إلى الصور الشائعة في لغة الحياة اليومية أو "الاستعارات التي نحيا بها" على حد تعبير لايكوف وجونسون[5]، ناهيك عما تتضمنه من حسن تخْييل.

 

والجدير بلفت الانتباه ما تشتمل عليه الصورة المقدمة من تقنيات عبر الصور الفوتوغرافية؛ حيث يرد في الإعلان صورتان:

إحداهما: للسلعة المعلن عنها.

والثانية: لكائن / شخص / حيوان / قوي أو شيء ما يجسد المعاني التي يراد إبرازها أو إضفاؤها على السلعة، ومن ثم يكون المشاهد إزاء تشبيهات مرئية أو استعارات مجسمة ومشخَّصة، ويسهم الخط واللون والمساحة - وطريقة العرض وتفنن مبدع الإعلان في اختيار العبارة الجذابة المؤثرة في نفس المتلقي - في تعميق الربط بين التصورين المشبه والمشبه به، أو المستعار له والمستعار منه، وغالبًا ما تعتمد الصورة الإعلانية على عنصري المبالغة والإبهار من أجل إعطاء الصورة قوة أكبر لإثارة انفعال التعجُّب لدى المشاهد.

 

وأحيانًا تحذف الإعلانات صورة المشبه به، وتأتي بصورة لازمة من لوازمه أو جزءٍ من أجزائه، فتكون إزاء (استعارات مكنية مرئية)[6]، ، كما في بعض الصور الملحقة بخاتمة البحث.

 

فالاستعارة الأولى تشبه الكارت بخادم الفانوس السحري (العفريت)، والاستعارة الثانية تشبه السيارة بالدولفين، والاستعارة الثالثة تشبه تكييف باور بالعقار / الدواء السريع المفعول، وذلك من خلال خروج الكارت من الفانوس (السحري) في الأولى، وقفز السيارة من البحر في الثانية، وصورة تكييف باور الجديد في الثالثة، لإنتاج معاني: الاتصال غير المحدود (في الاستعارة الأولى)، والانطلاقة المثيرة (في الاستعارة الثانية)، والراحة التامة والسرور الصافي (في الاستعارة الثالثة).

 

ويسهم مجال الإعلام بثقافاته المتعددة عن طريق إشراك عناصر أخرى لها دورها في تكثيف لغة الإعلان، وجعلها مؤثرة، كما نلاحظ في الاستعارة الأولى - اختيار عفريت، يخرج من الفانوس السحري ويخترق حدود الزمان والمكان، مما يوحي إلى المخاطب أنه في إمكانه الاتصال بكل ما هو غائب وبعيد آلاف الأميال، متجاوزًا الزمان والمكان، ومحققًا الوظيفة أو الفائدة التي يراد الإعلان عنها، وهي تلبية الحاجات وتحقيق الأمنيات - مهما كان تصور بعدها أو استحالتها - وقد جاء القول (شبيك لبيك مصر والعالم بين إيديك) متناصًا - على نحو منحرف - مع القول الشعبي المعتقد في الأساطير بصدوره عن العفريت (شبيك لبيك عبدك ملك إيديك)، وهو تناص يؤكد المزج بين الكارت والعفريت من جهة، ويحدد الوظيفة التي هي بمثابة وجه الشبه بينهما من جهة ثانية، ويوحي بأن تحقيق هذه الوظيفة هو من قبيل تحقيق الأمنيات والمعجزات.

 

وقد جاءت اللغة الواصفة لهذا الكارت متسقة أو مبنية على هذه الصورة الاستعارية: (الكارت السحري إيجيبت تلي كارد بلا حدود)، فضلاً عن تنوع الشكل الطباعي للكلمات التي تكوِّن جمل الإعلان، لا شك أن كل ذلك له أثره في تكثيف لغة الإعلان.

 

وفي الاستعارة الثانية جاء الشكل الطباعي للكلمات محاكيًا للصورة الاستعارية ومعناها، حيث طبعة جملة (قفزة من الخيال إلى الواقع) في شكل منحني كمنحنى قفزة الدولفين الذي يتركب نصفه - أو أكثر - من جسد السيارة في الصورة تأكيدًا للمزج بينهما من جهة، وإمعانًا في توضيح المستعار له توضيحًا يُثير انتباه المشاهد.

 

وفي الاستعارة الثالثة صورة الشخص الذي يُفَكِّر بعمق في الأسعار وارتفاعها وعدم القدرة على دفْع الثمن كله فورًا، (يشير إلى ذلك كله وضع رأسه بين يديه، واستغراقه في تفكير عميق، ويظهر في الإعلان تجْسيم الأفكار التي تتعاوره في رأسه (الأسعار، المقدم، القسط، الضمان... إلخ)، كل ذلك إمعانًا في إظهار حالة الضيق والهم على من ليس عنده تكييف باور، وكأن هذه الحالة تنطبق على كل من لا يملك مثل هذا التكييف، ثم تأمل عبارة "أكثر من 40 نظام تقسيط"، تريحك من التفكير في نظام التَّقْسيط، حيث تجد الفرصة في اختيار نظام التقسيط الذي يريحك ويحقق لك رغبتك بدءًا من 123 جنيهًا وحتى 238 جنيهًا، ثم كلمة (برستيج) (Prestige)، وقد كتبت بالعربية وبالإنجليزية بلونين مختلفين حيث توحي إليك بأنه من الممكن الحصول على التكييف الذي يتناسب ومركزك، يتناسب ومسكنك، يتناسب وطبقتك الاجتماعية، ثم يقدم إليك رقم تليفون مجاني ليسهل عليك الاتصال دون أدنى تكلفة، ثم يستخدم عبارات الإغراء الواصفة لتكييف باور في صورة استعارية مكنية تخاطب مشاعر المشاهد، وتحثه على الإقبال على شراء السلعة المعلن عنها دون روية أو تفكير.

 

♦ "فكر ما تشاء ولكنك ستختار تكييف باور"

♦ "تكييف هواء POWER القمة في أجهزة التكييف".

♦ "لا تنتظر موجة الحر القادم، واغتنم الفرصة".

 

وعبارة "فكر ما تشاء ولكنك ستختار تكييف باور" تمثل لونًا من توجيه فكر المخاطب إلى هذا النوع من التكييف، وكأنه يقول لك: اختصر الوقت والجهد، ووفر المال، فهذا طلبك بين يديك، ثم يركز على هذه المعاني بعبارة أخرى أشد تأثيرًا: "لا تنتظر موجة الحر القادم، واغتنم الفرصة" من أجل تكثيف الأثر الإعلامي في نفس المخاطب، فإذا تكرر الإعلان عن السلعة مرات ومرات، كان له أكبر الأثر في دفع المخاطب إلى شراء السلعة المعلن عنها، وما أصدق المثل القائل: "الزن على الودان أقوى من السحر"، ثم إن ما في الإعلان من ابتكار وغرابة وتقنيات مستحدثة لتقسر انتباه المخاطب وتستثير فضوله لمتابعة الإعلان، فيقع تأثيره في نفسه "كموقع البشرى عند صاحبها"[7]، ومن ثَمَّ يُسارع إلى شراء السِّلعة المعلَن عنها.

 

ولعل من الواجب ذكره الإشارة إلى أن استعارات الإعلان تكون من قبيل (الاستعارات المكنية)؛ لأنه لا يصح حذف المستعار له (السلعة المعلن عنها أو الخدمة)، فهو الموضوع المطلوب حفره في وعْي الجمهور العام عنه ظهورًا بَيِّنًا، كما يقتضي وضوح المعاني المراد إضفاؤها عليه، سواء عبر الصورة التشبيهية أو الصورة الاستعارية أو غيرها، ومن ثم تجد التعبير عن المشبه به بصورة واضحة المعنى، والتعبير عن المستعار منه بصورة واضحة الدلالة عليه.

 

وهكذا تتعاون العناصر الثقافية والحضارية من عناصر الإنتاج الثقافي والحضاري في تشكيل الصورة الاستعارية وإبرازها إبرازًا واضح الدلالة، "إن مهمة الصورة أن تستكشف شيئًا بمساعدة شيء آخر، والمهم فيها هو ذلك الاستكشاف ذاته؛ أي: معرفة غير المعروف، لا المزيد من معرفة المعروف"[8]، وبذلك تصبح الصورة ليست وسيلة للنقل بقدر ما هي الشعور نفسه، أضف إلى ذلك دور التقنيات المتعددة التي تسهم في تقديم الصورة الإعلانية من تشبيه واستعارة، فهي تعتمد في جانب كبير منها على عنصر التخيُّل بما له من أبعاد نفسية ودلالات إيحائية تحدث تأثيرها في نفس المتلقي / المشاهد من حيث إحداث الاستجابة المطلوبة، وهذا ما نص عليه ابن سينا حيث يقول:

"إن الكلام المخيل تذعن له النفس فتنبسط عنه أمور من غير روية وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالاً نفسانيًّا"[9].

 

ولو تأمَّلْنا في دلالة قول ابن سينا: "من غير روية وفكر واختيار"، لأدركنا ما لتقنيات الإعلان من سحر وخلابة وإثارة انفعال التعجب لدى المشاهد؛ بحيث تدفعه إلى تصديق ما يقدمه الصورة الإعلانية، فيُقبل على شراء السلعة دون روية أو تفكير، وكأنها قد فرضت عليه.

 

ويُعَلِّل لنا حازم القرطاجنِّي إذعان النفس وانبساطها للتخيُّل من غير روية أو تفكر بأن "التخييل يشغل النفس عن تفقد مواضع الكذب والمبالغة في الكلام"[10].

 

وكثيرًا ما يأتي الإعلان معتمدًا على اللغة ذات التوازيات الصوتية من سجع وإيقاع وقافية؛ لأنَّ صناعة الإعلان تعتمد في الغالب الأعم على الحيل النفسية؛ أي مخاطبة الجانب النفسي والانفعالي لدى الجمهور، لحثه على شراء السلعة أو اقتنائها، وتعد مخاطبة هذا الجانب - فيما يذكر ديفلير وروكتش - إحدى إستراتيجيات ثقافة الإعلام في الإقناع (الإستراتيجية الديناميكية النفسية)، وهو ما يعيدنا بقوة إلى الحديث عن الآثار النفسية لبعض تقنيات البديع؛ كالسجع، والجناس، والعكس، والتبديل، والازدواج، والتوازن الصوتي، وغير ذلك من فنون الدراسات البلاغيَّة، فقد افترض أن مفتاح الإقناع الفعال يكْمُن في تعلُّم جديد من خلال ثقافات متعددة، يُقدمها الإعلام في صورة مغْرية مؤثرة، يفترض أن تُغيّر منَ التركيب النفسي الداخلي للمشاهد، ممثلاً في (الاحتياجات - المخاوف - التصرُّفات - الأمنيات)، مما يؤدِّي إلى السلوك العلَني المرغوب[11]، نلاحظ ذلك في الإعلان التالي:

مفيش وش زي وش.

في ناس بوش وناس بوشين.

في وشوش بتكش - وش بيتغير ويفش.

في وش تحبه، وش صافي ما بيبهتش ما بيتغيرش.

الوش منه بألف وش.

بويات جي إل سي، الوش منها بألف وش.

هنا تتدرج لغة الإعلان من إجمال وعموم إلى تفصيل وخصوص، لاستدراج الجمهور من عالم إلى آخر من (عالم البشر) إلى (عالم البويات)، فيبدأ بالعالم الأول وبما هو معلوم لدى المشاهد عن هذا العالم من تباين في الصفات الخلقية، حيث الصدْق والكذب، الإخلاص والخداع، الثبات والتقلُّب، وما يتولد لدى القارئ من التباين في الموقف إزاء هذه الصفات حيث يقبل الصفات الحميدة ويرغب فيها، ويرفض الصفات الذميمة ويرغب عنها.

 

هذه الصفات والمعاني تعبر عنها العامية المصرية بتعبيرات استعارية قوامها لفظة: وش، (المستعار منه) ليسحب مدلولها على عالم البويات، ويعبر عن ذلك التباين القائم على عالم البشر، وما يتولد عنه من تباين في المواقف، فتكون البويا التي تدهن وشًّا يعتريه الكش والفش والتبدل والتغير (وهو المستعار منه) صورة للإنسان الكاذب المخادع المتقلب، فيترتب على ذلك رد الفعل لدى الجمهور من رفض ونفور، وتكون البويا التي تدهن وشًّا صافيًا لا يعتريه كش ولا فش ولا تغيير ولا تحويل، صورة للإنسان الصادق المخلص الثابت على أصالته، ومن ثَمَّ يترتب على ذلك رد الفعل لدى الجمهور من قبول وتفضيل، وتوازن في القيم فكل منهما يعدل ألفًا من سواه، وبويات جي إل سي الوش منها بألف.

 

إذًا فقوام لغة النص هو لفظة "وش"، حيث التلاعب بدلالاتها المختلفة بين عالم البشر وعالم البويات حيث يقترن (بويات جي إل سي) بمعاني الصدق والإخلاص والثبات وعدم التغير، وما يترتب على ذلك من معاني الحب والتفضيل، وحيث التكرار الصوتي لكلمة "وش"، والإتيان بها في صيغها الصرفية العددية، بين إفراد وتثنية وجمع، وتجانسها مع خمس كلمات منتهية بحرف الشين، فكان التفشي الطاغي للصوت وش، ونصفه الثاني الشين باعثًا على تفشِّي تأثير الإعلان في نفس المخاطب وعقله، ولا سيما أننا نعرف أن صوت الشين من الناحية الصوتية صوت احتكاكي يمكن امتجاج النفس به، وأن ما في الإعلان من جرس الألفاظ وانسجام توالي المقاطع، وتردد بعضها إثر بعض يحدث نوعًا من الموسيقا، تستميل المتلقي - أيا كان مستواه الفكري - وبخاصة الأطفال إلى ما هو منتظم منسجم من الكلام الموزون؛ لأنَّ الكلام الموزون يثير فينا انتباهًا عجيبًا، وذلك لما فيه من توقع لمقاطع خاصة تنسجم مع ما نسمع من مقاطع متسلسلة الحلقات، فنكون كالداعي الحثيث الذي يستحوذ على شعور المتلقي، ويحمله على قبول المعروض.

 

ألا ترى أن كلمات الإعلان موزونة مقفاة؟ وذلك "من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكره إليها ما قصد تكريهه، لتحمل على ذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمن من حسن تخيُّل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيئة الكلام أو قوة صدقه أو قوة شهرته أو بمجموع ذلك كله"[12]..

 

يضاف إلى ذلك دلالة المقابلة التي يشتمل عليها نص الإعلان، فقد جاءت ليتميز بعضها ببعض، وليتأكد حكم الضد بضد الحكم، فإذا انكشفت لعقل المشاهد وعينه هذه المتقابلات، وجد طريقه إلى المقارنة، فيرجح ويختار.

 

إن الاستعارة حسب هذا التحْليل وسيط فعَّال بين الإنسان وتطوير أنساقه التصويرية ومعارفه وثقافته، وذلك بواسطة تعْميم المعلوم على المجهول، وإسقاط المشهور على الجديد.

 

كم من عناصر ثقافية تعاونتْ في تشكيل هذه الاستعارة الإعلانية، من لغوية وغير لغوية معتمدة لغة العامية التي يتواصل بها الناس ويتعاملون، "وكل ثقافة تحدد واقعًا اجتماعيًّا عند الناس الذين يقومون بأدوار تعطيهم معنى، ويتمكنون بمقتضاها من التفاعل اجتماعيًّا، وبما أن جزءًا مهمًّا من واقعنا الاجتماعي يفهم بطريقة استعارية، وبما أن تصورنا للعالم الفيزيائي استعاري جزئيًّا، فإن الاستعارة تلعب دوْرًا دالاًّ في تحديد ما هو واقعي وحقيقي عندنا"[13].

 

وإذا سِرْنا وراء إقراء علماء الحضارة الذين يروْن فيها التشكيل المادي للثقافة، ومن خلال النماذج التي سبق تحليلها وظهر فيها استثمار لكثير مِن الأشكال المادية للثقافة؛ مثل: تنويع الخط، والرسوم التشكيلية، والألوان، والإضاءة، وشخصية ملقي الإعلان، والحركات الجسديَّة، والإيماءات التعبيرية أمكننا أن نقررَ أنه لم يعد من الصواب دراسة المكون الاستعاري بمعزل عن هذه الأبعاد الحضارية التي ينتجها نسق ثقافي ما.

 

وما دامت المشابهة / الاستعارة رفيقًا يوميًّا للإنسان تساعده على التواصُل وتجاوز الحبسات، وما دام الطفلُ يجد فيها مساعدًا في التعلُّم، فإننا نرى ضرورة استثمارها في برامج التربية والتعليم، وفي طرُق التلقين والحوار واللعب، وبخاصة لدى الأطفال.

 

وما دامت الاستعارة تعبيرًا تلقائيًّا عن كينونة البشر وهويته، وكثيرًا من كلامنا استعارات اضطرارية تعكس الرغبة في الاقتصاد، وأخرى جذرية لا ننتبه إلى جانبها الاستعاري في أغلب الأحيان وأخرى تمثيلية تعكس المأثور الشفاهي والواقع المعاش، لذلك نذهب إلى أن الإنسان كائن استعاري.



[1] عبدالله الغذامي، "النقد الثقافي" صـ 26.

[2] أرسطو، "الخطابة" صـ 10.

[3] نفسه صـ 10 (راجع "شعرية الإعلان" صـ 54 ).

[4] Baudrillard: Selected Writing 39 and Keller ap-Cit 40.

[5] في كتابهما: "الاستعارات التي نحيا بها"؛ ترجمة عبدالمجيد جحفة ط1 دار توبقال للنشر 1996 م صـ 65 هامش.

[6] انظر: "الإعلانات بالملحق" صـ 50 - 52 من البحث.

[7] ابن طباطبا، "عيار الشعر" صـ 17.

[8] عز الدين إسماعيل، "التفسير النفسي للأدب" صـ 70، دار المعارف، ط1/1963 م.

[9] ابن سينا، "المجموع" صـ 21.

[10] حازم، "منهاج البلغاء" صـ 64.

[11] ديفلير وروكتيش، "نظريات وسائل الإعلام" صـ 383 (بتصرف)، وانظر: "شعريَّة الإعلان" صـ 52.

[12] حازم القرطاجني، "منهاج البلغاء" صـ 71، تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة تونس.

[13] "الاستعارات التي نحيا بها" صـ 151.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة