• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

شرح مقصورة ابن دريد بين ضياعين

شرح مقصورة ابن دريد بين ضياعين
د. مازن المبارك


تاريخ الإضافة: 8/7/2024 ميلادي - 1/1/1446 هجري

الزيارات: 3335

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح مقصورة ابن دريد بين ضياعين

(ضياع نسختها الخطيَّة مدَّة نصف قرن، وضياعها علميًّا في طبعة المجمع)

 

كتبتُ في مقدِّمة الطبعة المجمعيَّة لشرح المقصورة الدُّرَيدية كيف فُقدت النسخةُ الخطية التي ألفها الشيخ عبدالقادر المبارك، والتي أهديناها إلى المجمع بعد أن اطَّلعَ عليها د. منير العجلاني، وهو الذي حلَّ محلَّ المبارك في المجمع. ووصفها في الكلمة التي ألقاها في حفل استقباله، ونُشرت في مجلة المجمع آنذاك.

 

وبقيتُ أبحث عنها نصف قرن دون جدوى! ثم وجدتُّ أوراقًا منها متفرِّقة، فتتبَّعتُ جمعَها حتى استكملتُ ما استطعت منها، فكانت في (230) مئتين وثلاثين بيتًا.

 

وكانت لجنةُ أعمال المؤسِّسين في المجمع تُعِدُّ كتبًا عن سِيَرهم وآثارهم، ورأت أن "شرح المقصورة" للمبارك لم يُطبَع سابقًا، فأوصَت بإخراجه وأحالته إلى لجنة المخطوطات وإحياء التراث. وأخذ الكتابُ مجراه الإجرائي والطبيعي الذي يُطبَّق على مطبوعات المجمع من مراجعة وتحكيم وغيره، حتى انتهت الإجراءاتُ إلى التوصية بطبعه ضمن مطبوعات مجمع اللغة العربية.

 

ولمَّا كانت الطباعةُ متعثِّرةً في هذه السنوات العِجاف، نظرًا لما تمرُّ به البلادُ من اضطرابٍ فقد رُكنَ الكتاب مع غيره من كتب المجمع المُعَدَّة للطباعة في انتظار دوره، وفي هذه الأثناء يعلم موظفٌ في المجمع [اسمه محمود الحسن] وهو موظفٌ لا عَلاقة له بموضوع الكتاب ولا بعمل التحقيق العلمي، وما مارس التحقيقَ في حياته، ولا عَلاقة له بلجنة المخطوطات وإحياء التراث، ويرفع كتابًا إلى رئيس المجمع [الدكتور مروان المحاسني] يتطاول فيه على مؤلف الشرح [الشيخ عبدالقادر المبارك] - لجهله بحقيقة الغرض من تأليفه كما سنرى - ويتطاول على محقِّق الشرح [الدكتور إبراهيم عبدالله]، وهو أستاذ جامعي، له عدَّة كتب محقَّقة تجاوزت أجزاؤها العشرة - واثنان من كتبه المحقَّقة نشرهما له المجمع - ويصفه الموظفُ في كتابه بعدم التزام منهج صحيح في التحقيق! ويصفه بالتعالم، ويتَّهمه بتعمُّد زيادة عدد الصفحات طمعًا في زيادة المكافأة! مع أن المحقِّق كلَّفَ تنضيدَ الكتاب الموظَّفَ الفنِّيَّ الذي يكلِّفه المجمعُ عادةً تنضيدَ كتُبه!

 

ومن أعجب العجب أن يقبلَ المجمع ما جاء في الكتاب من موظف متقحِّم غريب عن العمل، لم يسبق له أن تطوَّع للنظر في واحدٍ من عشرات الكتب التي أخرجها المجمع، وراجعها المجمعيُّون، وجاءت حافلةً بالأخطاء!

 

ومن أعجب العجب ألا يسألَ المسؤولون عن كرامة عضوٍ مؤسِّس أرادت اللجانُ المجمعية تكريمَه بطبع كتابه! وألا تسألَ عن كرامة لجنة المخطوطات فتكلِّفَ الموظفَ إعادةَ النظر في الكتاب، "واختصار ما لا حاجةَ إليه من الحواشي بحذفها أو نقلها إلى متن الكتاب". ووضع الموظف المكلَّفُ تقريرَه، ورفعه إلى رئيس المجمع بتاريخ 12/ 2/ 2012م. وأنجز عملَه فيه نهشًا وحذفًا شافيًا غَليلَه من خصمه اللَّدود، محقِّق الكتاب الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله.

 

لقد حذف الفهارسَ كلَّها!! وحذف ما لم يرَ حاجةً إليه من حواشي التحقيق!! وهنا نصل إلى حقيقة تطوُّع د. محمود الحسن للنظر في الكتاب!!

 

لقد سبق أن كتب د. محمود بحثًا لنشره في مجلَّة المجمع، فحُوِّل البحث إلى د. إبراهيم عبدالله لتحكيمه، فجاء تقريرُه سلبيًّا يتَّهم فيه الباحثَ بالأخذ أو النقل من كتاب د. فخر الدين قباوة، فقامت قيامةُ الباحث، ولكنَّ هيئة التحرير قبلت تقريرَ المحكَّم ورفضت البحث! وأراد الباحث ردَّ اعتباره فنشر بحثَه في مجلَّة في المملكة العربية السعودية، ولكنَّه بقي محتفظًا بحقد لا ينضُب، وحبٍّ للانتقام لا ينتهي تعبِّر عنها كلماتُه كلَّما ذُكر.

 

فلمَّا علم بأنه محقِّق المقصورة سارعَ ليُنشِبَ أظفاره فيه، وساعده على الاستجابة لدواعي الحقد، دواعي الرغبة من الأيدي المغلولة عن الإنفاق على العلم في مؤسسة علمية غير ربحية.

 

وأترك الآن موضوعَ الردِّ العلمي على ما جاء في تقرير د. محمود الحسن عن التحقيق - ومعظمُه غير صحيح علميًّا - أتركه إمَّا ليردَّ عليه المحقِّق نفسُه، وإمَّا لموضعٍ آخرَ أتحدَّث فيه عن التحقيق وما يتطلَّبه في مثل المقصورة. ولكنِّي أقف عند حديث هذا الموظف الغِرِّ عن تأليف الكتاب، وما كنت لأقفَ لولا أن المسؤولين قبلوا كلامَه، وتجاوزوا من أَوْلَوا إليهم العملَ من أعضاءٍ مجمعيِّين، وخبراء تحقيق في لجنة المخطوطات وإحياء التراث.

 

أسئلة لا بدَّ منها

وأقف أوَّلًا لأسألَ كيف سارت إجراءاتُ طبع الكتاب في المجمع، ولماذا خُصَّ من بين مطبوعات المجمع كلِّها بخروجه عن المألوف وعن العُرف وعن النظام؟!

 

1- كيف يوافق المجمع؟ ولماذا يوافق على أن يُقحمَ في العمل موظفًا لا خبرةَ له في التحقيق، ولا عَلاقةَ له بلجنة المخطوطات، ويكلِّفه عملًا علميًّا لا يجوز لأحدٍ أن يتدخلَ فيه إلا كاتبُه المحقِّق الذي كلَّفه المجمع القيامَ بالتحقيق، أو اللجنة المختصَّة المُعيَّنة من قِبَل المجمع، وفيها أربعةُ أعضاءٍ مجمعيين واثنان من الخبراء في التحقيق؟!

 

2- هل يعلم المسؤولون في المجمع عَلاقةَ الخُصومة الشديدة بين الموظَّف الذي أقحَموه في العمل وبين الأستاذ الذي كلَّفوه التحقيق؟ وكيف لا يعلمون ذلك وأمين المجمع [الدكتور مكي الحسني] لا شكَّ عارفٌ بأمر الإقحام الغريب، وهو عضوٌ في لجنة المجلَّة، يحضُر جلَساتها ويسمع ما يدور فيها، وإن غابَ يومًا فمَحاضرُ الجلَسات تُنبئه بما حدث ودار، وما قُبل من الأبحاث وما رُفض؟!

 

3- أما كانت الأمانةُ والاستقامة والأخلاق الحَميدة تفرِضُ على د. محمود الحسن أن يعتذرَ عن النظر في عمل خصمٍ له، معتذرًا عن عدم التحكيم بأنه إذا أثنى عليه قيل: إنه يتذلَّل إليه ليُصالحَه، وإذا ذمَّه قيل: إنه حاقدٌ عليه؟ فكيف إذا كان د. محمود هو نفسُه الذي تطفَّل على العمل، وأقحم نفسَه فيه، وطالبَ أن يكونَ هو المُحكَّم؟! أليس في هذا ما يثير الشكَّ والارتياب؟

 

4- أنجز الموظَّف المُقحَم وضعَ تقريره في 12/ 2/ 2012م، وطُبع الكتاب أواخرَ الشهر التاسع وأوائل العاشر 9 و10 من سنة 2014.[1] ومعنى ذلك أن التقرير الحاقد بقي محفوظاً قريبًا من سنتين في خزانة المسؤولين المجمعيين. فلماذا لم تُبعَث بنسخة منه إلى المحقق أو إلى اللجنة مطالبةً ببيان الرأي؟ أليس في كِتمانه طَوالَ هذه المدَّة دليل مؤامرة على الكتاب وعلى اللجنة؟!

 

5- كيف يوافق أمين المجمع [الدكتور مكي الحسني] على إرسال الكتاب إلى المطبعة بشكله الأخير دون إعلام اللجنة بما انتهى إليه أمرُ الكتاب ووضعُه وحجمه وحذفُ حواشيه وفهارسه؟! إنه طلب إلى مخرج الكتاب إطلاعي على الغلاف للموافقة عليه، وهو يعلم بالتقرير المقحَم وبما تمَّ في الكتاب، ويعلم أن اللجنة لا تعلم شيئًا عمَّا تمَّ بالكتاب. فهل هناك سببٌ يدعو إلى هذه السرِّية وهذا الكتمان. ألا يعلم السادةُ المسؤولون في المجمع أنه لا يجوز قانونيًّا ولا يصح أخلاقيًّا ولا يُقبل إنسانيًّا أن يُجعلَ خصم قاضيًا أو حاكمًا على خصمه؟! إن هيئات المحاكم في القضاء تحوِّل القضيَّة والمحاكمة إلى محكمة أُخرى إذا ثبت أن بين القاضي المعيَّن والمتَّهم صلة من قرابة أو خصومة أو عَداء.

 

وإن الجامعاتِ تغيِّر تشكيل لجان المناقشة لرسائل الماجستير والدكتوراه إذا ثبت ادِّعاء الطالب صاحب الرسالة أن بينه وبين أحد أعضاء اللجنة خصومة أو عَداء. فما بالُ المجمعيين يمكِّنون الخصمَ الحاقد من الحُكم على خصمه؟ بل يزيدون فيُمسِكونه له مكبِّلين يدَيه، مُلجمين فمَه، عاصبين عينيه، إذ يُخفون عنه وجهه وشتائمه له بالغشِّ والطمع والاستغلال حين يخفون عنه التقريرَ الذي كتبه عنه لئلَّا يردَّ عليه ويُبطلَ كيده، ويخفونه عن اللجنة التي هي المرجع في الموضوع، بل عن مجلس المجمع الذي هو السُّلطة العليا في المجمع حتى لا يدافعَ عن المتَّهم أحد أو يرفعَ صوته بحق!! ويقبلون بالسَّير في إجراءات منحرفة لم يسبق أن سار المجمع فيها أو في مثلها في حياته.

 

6- قلتُ إن معظم ما جاء في تقرير موظفكم عن الكتاب وعن مناهج التحقيق خطأ فاضح يدلُّ على جهله بمناهج التحقيق، ولو عرضتم تقريره على خبراء التحقيق في لجنة المخطوطات لبيَّنوا لكم عَواره. ولكنَّ الذي أسأل عنه هنا هو أنه رأى تغييرَ المنهج حذفًا ونقلًا إلى المتن، وأجرى يده في هذا فعلًا ونفَّذه قائلًا: "كان الأَولى أن يكونَ في المقدِّمة إشارة إلى ذلك". فهل عدَّل كلامَ المحقق في حديثه عن منهج التحقيق؟ ما ذنبُ القارئ؟ وما ذنبُ المحقق؟ حين نرى مقدِّمة الكتاب ومنهج التحقيق مخالفَين لما جاء في الكتاب؟!

 

أليس تركُ الكتاب يختلف ما في مقدِّمته وما جاء في وصف منهج التحقيق عمَّا جاء في الكتاب نفسه بعد تعديله وتعديل منهجه، إساءةً إلى الكتاب نفسه؟!

 

إن هذا الأسلوبَ وهذه الإجراءاتِ الغريبة، بعيدةٌ عن أخلاق العلماء، ولا تليق بالمجمع الذي يعلِّق رئيسُه في كل مناسبة أنه لا يقبل الانفرادَ باتخاذ القرار، وأن المجلس هو أعلى سُلطة في المجمع، وأن اللجنة العلمية هي المرجع في اختصاصها، وإذا اختُلف في أمر يتصل باختصاصها، فالمجلسُ هو الحكم الفصل في الأمر. فلماذا يكون الحكمُ الفصل في هذه المرَّة كلامَ موظَّف لا عَلاقة له بالأمر أصلًا لا من قريب ولا من بعيد؟! ولماذا يُهرَّب الكتاب تهريبًا -بعد تخبئة التقرير المقحَم مدَّة سنتين- إلى المطبعة وكأنه مادَّة مهرَّبة أو مسروقة تخفونها عن أعين أصحابها؟!

 

وإني إذ لا أسمح لنفسي أن أقفَ عند التقرير المقحَم وما فيه من نقد أو حقد، لا فرقَ بينهما فيه، وأترك لغيري أو لمناسبة أُخرى أن أجلوَ حقيقة ما جاء فيه، أجد لزامًا عليَّ أن أقفَ عند كتاب شرح المقصورة نفسه، دون تحقيقه، لأظهرَ براءته ممَّا نسبه إليه تقرير (العلَّامة) الناشئ الذي سمح له المسؤولون التطاول على من أرادوا تكريمَه ولكنَّهم لم يفرِّقوا بين التكريم والتعريض!

 

قصَّة تأليف شرح المقصورة

وما كنت لأوردَه بتفصيل إلا ليُعلمَ أين يقع كلام د. محمود الحسن من الشرح ومن حديثه عنه، ومغالطته فيه، ومن قَبول المجمعيِّين المسؤولين لذلك الرَّشاش الذي أصاب المؤلفَ نتيجة الحقد الدفين على المحقِّق، وهو كلام سيكون نافعًا إن شاء الله من عدَّة جوانب.

 

الجانب الأول: أن يتعلَّم أبناؤنا وشبابنا ألا يكتبوا بداعٍ من دواعي الحقد أو الرغبة في الانتقام.

 

الجانب الثاني: ألا يكتبوا وهم في حالة انفعال حتى لا تختلطَ عليهم الأمور فإذا اختلطت خلطوا فاتُّهموا بالتدليس.

 

من ذلك مثلًا أن د. محمودًا نقل عن الصَّفدي أنه قرأ جميع المقصورة في مجلس واحد على أبي حيَّان، وعقَّب أنه وقع في نفسه إمَّا أن كلام الصفدي غيرُ صحيح، وإمَّا أن الشرح الذي يريد المجمع طبعَه لا حاجةَ إليه!! وواضح أن تعقيبه يدلُّ على أنه واهم يقرأ ما يتمنَّاه ويوافق هواه، ويفهم ممَّا يقرأ ما في نفسه وما يمليه عليه هواه، فيجعل قراءة (المقصورة) قراءةً (لشرح المقصورة)! وإلا فماذا في قراءة المقصورة كلِّها في مجلس واحد؟ وما عَلاقة هذا بالشرح الذي يريد المجمعُ أن يطبعه حتى يصبحَ لا حاجة إليه؟ وهل سأله المجمع أن يقوِّم الشرحَ نفسه أم طلب إليه اختصار مقتضيات التحقيق؟! لقد طفَحَ الحقد على المحقِّق حتى أصاب المؤلِّفَ نفسَه وأصاب الكتابَ كلَّه، وأصبح الشابُّ الغِرُّ حاكمًا على الكتاب ومنهجه، وعلى التحقيق ومنهجه، وعلى لجنة المخطوطات وعملها، وعلى المجمع الذي قبِلَ رأيه المزوَّر ونفَّذه.

 

ومن ذلك أنه قاربَ فهم الغاية من وضع الشرح ثم ابتعدَ عنها أو غابت عنه، فجعل الكتاب مقصودًا به الطبقةَ الدنيا وليس لأمثاله من المختصِّين والباحثين! إذ -على حدِّ قوله- لو وُضع للمختصِّين لاكتفى بنصف صفحة لكل بيت، لأن معظم الألفاظ التي شرحها لا تحتاج إلى شرح! وهذا يعني أنه جهلَ الغاية من وضع الشرح، وعدَّه للباحثين والمختصِّين!! وأيُّ باحثين؟ وأي مختصِّين من أمثاله كانوا منذ مئةٍ وثلاثين سنة؟ وقد كانت البلادُ وأهلها تحت سُلطة تركيَّة غيَّبت لغتَهم وفرضت لغتها. لقد غاب عنه أن المجمع يكرِّم واحدًا من مؤسِّسيه، ويطبع كتابًا يُعَدُّ حَلْقةً في تاريخ التعريب وإحياء العربية، ويبيِّن واحدًا من الأساليب التي اتَّبعها المعرِّبون المجاهدون لإزاحة سِتارة التتريك والعودة بالبلاد وأهلها إلى حِضْن العروبة ولغتها.

 

وانتهى الناقد المحقِّق بعد كل ذلك إلى نتيجة أنهى بها كلامه -الذي ليته لم يقُله- وهي خلاصة تدلُّ على أنه قرأ كلام الصفدي ولم يفهمه، أو أنه يدلِّس ويزوِّر كلامه، قال فيها: «وهذا يعني أن كلام الصَّفدي صحيح ولا يحتاج (شرح) المقصورة إلى أكثرَ من مجلسٍ واحد» وأقحم كلمة (شرح) على كلام الصَّفدي زُورًا وبهتانًا.

 

ثم انتقل من الكلام على الشرح ليتكلَّم بتعالُم عجيب على مناهج التحقيق الصحيحة التي أرانا مثالًا منها في جملة واحدة من أمانته وعلمه وفهمه في التحقيق.

 

الجانب الثالث: ألَّا يقبل مسؤول كلامًا في حقِّ أحدٍ قبل العودة إلى ذي علم يعرض عليه الكلامَ الذي قيل.

 

قصَّة تأليف الكتاب

كانوا ثلَّةً من الرجال جمعهم حبُّ العرب والعربية، والإخلاصُ لأمَّتهم، والرغبة في إحياء حضارتها وتراثها ولغتها، في عصر هيمنَت على بلادهم فيه سياسةُ التتريك في كل مجال وفي كل ميدان من ميادين الحياة.

 

كان منهم الشيخ طاهر الجزائري، والأستاذ محمد كُرد علي، والشيخ عبد القادر المغربي، والأستاذ عز الدين التنوخي، والأستاذ سليم الجندي، والشيخ عبد القادر المبارك، وربَّما كان معهم غيرُهم ممَّن نسيت أسماءهم.

 

وكانت الإرهاصات تبشِّر بقرب انقشاع السحابة التركيَّة المخيِّمة على البلاد، والناس يموجون في بحر متلاطم الآراء من قوميٍّ عربيٍّ يُؤثِرُ الانسلاخَ عن الحُكم التركي وينادي بالتحرُّر والاستقلال، ومن مُنادٍ بالبقاء مع دولة الخلافة، ومن قائل بوجوب المطالبة بالإصلاح دون المناداة بالاستقلال.

 

ولم يكن لهذه الآراءِ جميعها أثرٌ فيما اتفقت عليه تلك الثلَّة من الرجال الذين جمعهم حبُّ العرب ولغتهم، والسعيُ إلى إحياء أمجاد الحضارة وكتب التراث، ونشر العربية على الألسنة والأقلام. وكانت نتيجة ما آلَ إليه أمرُهم قُبَيل تأسيس المجمع العلمي بسنوات قليلة أن تواصَوا أن يقوم كل منهم بالدور الذي يتمكَّن منه حيثما وُجد.

 

فقام الشيخ طاهر الجزائري والأستاذ كرد علي بمحاولات تأسيس المكتبة الظاهرية، وجمع ما يمكن من الكتب شراءً واستهداءً، والعمل على إحياء مختاراتٍ من كتب التراث. أما الجزائري فلُوحِقَ وغادر الشام بعد أن تركَ فيها حَلَقاتٍ من الشباب الذين تحدَّثوا فيما بعد كيف غرَس في نفوسهم حبَّ العرب والعربية، وكيف فتح عيونهم على وعيٍ وطني ما كانوا يعرفونه، (وقد ذكرتُ ذلك مفصَّلًا في شهاداتهم في كتاب أشهر الأمثال للشيخ طاهر الجزائري الذي حقَّقتُه، ونشرَته دار الفكر بدمشق).

 

وأما الأستاذ كرد علي فتابع الطريق إصدارًا للصُّحف ونشرًا للكتب وتعريفًا بـ«الحضارة العربية الإسلامية»، وتأسيسًا للمجمع العلمي العربي، وإلقاءً للمحاضرات وكتابة المقالات، وحضًّا للشباب على نشر التراث وإحيائه. ومن هنا كان أ. صلاح المنجِّد وتاريخ ابن عساكر.

 

وأما الشيخ المغربي فكان من أكثرهم نشاطًا في المقالات والمحاضرات التي تنشر طرفًا من تاريخ العرب والعربية وضرورات الحياة الاجتماعية وما إليها، إضافةً إلى ما خُصَّ به من الكتابة للأبحاث النظرية عن اللغة العربية وكونها قادرةً على مواكبة العصر بما تتصفُ به من وسائل التوليد، فكان كتابه عن «الاشتقاق والتعريب».

 

وأما الأستاذ التنوخي فكان عليه أن يستبدلَ بالكلمات التركية والفرنسية الشائعة على الألسن والأقلام كلماتٍ عربيةً فصيحة، لمعرفته اللغتين الفرنسية والتركية، وكان عليه أن يشاركَ في نشر الكتب، ومن يقرأ الكتابَ الذي يُعِدُّه المجمع اليوم عن سيرته وآثاره يعرف مقدار دوره وجهاده في هذا السبيل.[2]

 

وأما الأستاذ الجندي، فقد تولَّى ملاحقة الأخطاء في دوائر الدولة ومؤسساتها، وفي الصحف، فكان منشئًا ومميِّزًا لغويًّا. كما كان عليه أن ينشرَ ما يستطيع من مفردات اللغة فراح يضع رسالة «الكَرْم» ورسالة «الطُّرُق» ولم يكن الجندي مزارعًا ولا مهندسًا ولا مِعماريًّا ولا مسَّاحًا ولكنه ألَّف ما ألَّف ليضعَ بين أيدي العالِمين في تلك الميادين ما يحتاجون إليه من ألفاظ عربية يعبِّرون بها في مِهنهم بدل الكلمات التركية الفاشية في مؤسساتهم ومراكز أعمالهم.

 

وأما الشيخ المبارك فطُلب إليه أن يشاركَ في التعريب ونشر المفردات العربية الفصيحة ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فاتخذ لنفسه ثلاثةَ أساليبَ يحقِّق بها تلك الغاية:

أمَّا الأسلوب الأول فكان استثمارَ دروسه في مكتب عنبر والرشدية العسكرية وغيرها، وقد حدَّثنا بذلك تلامذتُه كالطنطاوي في (ذكرياته) والقاسمي في (مكتب عنبر) وقالوا: إنه كان يهدِرُ بمفردات اللغة كالسَّيل الهادر، ولعلَّ أهم ما يعنينا ونحن بصدد الحديث عن شرحه للمقصورة أن نعرفَ عمله في نشر المفردات.

 

قال القاسمي: «عرَف مكتب عنبر الشيخ عبدالقادر المبارك سنينَ طويلة، اتصلت من أيام التُّرك إلى العهد الفيصلي إلى أيام الانتداب...». و«كان أعلمَ أهل زمانه بالمفردات، وقد شاع عنه ذلك». وقال: «أشهد أني كنت أختار ألفاظًا غريبة فأسأله عنها فيُجيبني رحمه الله بنصِّ عبارة القاموس أو فقه اللغة للثعالبي؛ فقد عُرفَ عنه أنه كان يحفظ فقه اللغة، والألفاظ الكتابية، والقاموس المحيط عن ظهر قلب...»[3].

 

وقال: «وكان له غرامٌ بالمُترادف، يقصِفُ به لسانه كالرَّعد، دون توقف ولا تلعثُم»[4].

 

وقال: «كان مكتب عنبر في أيام العهد الفيصلي وأول أيام الانتداب يستعمل بعض الألفاظ التركية، فمحاها واستبدل بها ألفاظًا عربية فصيحة»[5].

 

وأمَّا الأسلوب الثاني فكان في الدروس والحلَقات الخاصَّة التي كان يعقدها في البيوت، وقد حدَّثني أستاذي الشيخ بدر الدين عابدين أنه كان يأتي مع بعض زملائه المعلِّمين إلى دار والدي في العمارة، عقبَ صلاة الفجر من كل يوم ليقرأ لهم مقامةً من مقامات الحريري، ويضبطها ويشرح مفرداتها، ويُملي عليهم مرادفاتها، ويطلب إليهم تعليمَها لطلَّابهم. ومثل ذلك كانت حلَقاتُ دروسه في البيوت عقب الفجر وعقب المغرب من معظم أيام الأسبوع.

 

وأمَّا الأسلوب الثالث فنشرُ الكتب التي تُعنى بمفردات اللغة، وكان من أغزرها في تراثنا النثري مقامات الحريري، وكفاية المتحفِّظ ونهاية المتلفِّظ لابن الأجدابي الذي شرحه[6]، ومقصورة ابن دريد في تراثنا الشِّعري فعمل على شرحها، وتحفيظها للطلَّاب، ونشرها بين المعلِّمين.

 

ونقف لنقول للأخ الدكتور محمود الحسن الذي وقف عند كلمة (الشرح) هنا على حين زادها من عنده حين نقل عن الصفدي، إن الشيخ المبارك لم يُرِد الشرح أصلًا، وهل يريد الشرحَ لكتاب له في عصره أكثرُ من عشرين شرحًا؟! ولكنَّه ركب الشرحَ ظاهرًا ومَظهرًا ليركبَه سفينةً يصل بها إلى عُباب البحر اللغوي الواسع، فينشر المفردات وهو عمله وغايته وديدنه طَوالَ حياته، إنه يريد أن يُحلَّ العربية محلَّ التركية، فاستثمر مفردات المقصورة، وهي من أغنى الشعر بمفردات اللغة، فكان يشرح المفردةَ بما لا يُحصى من المفردات، بل كان يستشهد بالآيات وبالأحاديث وبالشواهد لغايةٍ واحدة هي شرح مفرداتها بعددٍ آخرَ من الكلمات فيغني بها الكتاب.

 

ولمَّا غابت عن الناقد هذه الغايةُ الأصيلة اتَّهَم المؤلِّفَ بالإسهاب والإطالة، وأن الشرحَ لا يحتاج إلى أكثرَ من نصف صفحة للبيت!! ولو كان الشيخ المبارك يريد الشرحَ الذي تفهمه أنت لاكتفى بسطر أو سطرين يشرح بهما البيتَ بأجمل بيان وأوضح معنى، كما فعل عندما شرح قصيدة الإربلي وهي تبلغ مئةً وعشرين بيتًا، جاءت بشرح مفرداتها ومعانيها ومقدِّمتها بما لا يزيد على خمسٍ وستين صفحةً من الحجم الصغير جدًّا، وهو حجم الكفِّ[7]!! هناك يا أخي تجد الشرح الذي تريد للشعر، أمَّا المقصورةُ فشرحها غير مقصود لذاته، ولكنَّ لغتها هي المقصودة، وما وراء لغتها هو المقصود من أخَواتٍ للمفردات التي جاءت في الكتاب بالمئات.

 

وأما الحَلْقةُ الدنيا التي توهَّمتَ أن الكتابَ لها فكانت في وَهَمِك وخيالك؛ لأن معظم المثقفين في عصر تأليف الكتاب لم يكونوا يعرفون ما تعرف الحَلْقةُ الدنيا اليوم، ولو اطَّلعتَ على الكتب التي كانت ترِدُ إلى العلماء ثم إلى المجمع ولجان التعريب فيه من دوائر الدولة للهاتف وللمواصلات وللنقل وللأشغال العامة والزراعة والصحَّة والدفاع، لتسألَ عن كلمات تريد أن تستبدلها بكلماتٍ تستعملها لهالَكَ الأمر، ولعلمت أيَّ جهادٍ جاهد أولئك الرجالُ النبلاء لنشر العربية وجعلها على الأقلام وعلى الألسنة في مدَّة قصيرة من عمر الأمَّة وعمر الزمان! ولعلمت أن المبارك لم يكن يؤلف لأمثالكم في هذا العصر الذي عِشتُم فيه بفضلهم عارفين ما تعرفون من ألفاظ.

 

لقد سأل طالبٌ الشيخ المبارك في آخر عمره عن معنى كلمة، فقال له الشيخُ بعد أن رنا بنظره إلى السماء: يا بنيَّ، هذه كلمة كلَّف وصولها إليك مئة ليرة سورية. وكانت المئة آنذاك تشكِّل جزءًا كبيرًا من راتب موظَّف كبير. إن أكثر ما يدور على لسانك اليومَ من إنتاج أولئك الذين ألَّفوا للحَلْقة الدنيا! ولم يكتبوا للمثقفين والباحثين من أمثالكم!! إنهم مساكينُ دراويش كانوا «على قدّ حالهم» ولم يكن أحدهم يدري أن عملاقًا من عمالقة الثقافة والإحصاء والنقد والتحقيق سيأتي بعد مئةٍ وخمسين سنة ليقولَ فيهم وفي كتبهم لا حاجةَ بنا إليها!!!

 

لقد اصطلحَ علماء تلك الأيام على أن أول خُطوة لنهضة الأمَّة إحياء لغتها، ونشر مفرداتها على ألسن الناس وأقلامهم في صُحفهم ومؤسساتهم الرسمية، ولا بدَّ من تعدُّد الوسائل لذلك، فليأخذ كل مجاهد دوره، وليعمل على تقديم لغة خفيفة سليمة، عربية فصيحة، وليعمل على تقديم اللفظ ومعه معناه، وليُكثِر ما استطاع، ليَكثُرَ الإحياء من اللغة، وليختارَ كلٌّ من المتكلِّمين والكتَّاب ما يحبُّ ويختار.

 

ألم يكن من الحكمة أن يفعلَ الشيخ المبارك والأستاذ الجندي وغيرُهما ما فعلوا، وما اصطلح علماء تلك الفترة على شيء اصطلاحَهم على ما قاموا به، وأفنَوا حياتهم فيه؟ وما عرَفنا سرعةً في تغيير مجتمعٍ للغةٍ غلبت عليه كما عرفناها في سرعة التعريب في الشام بعد التتريك الذي كان غالبًا حتى علَّم هؤلاء الأشياخُ أنفسَهم شريعةَ ربهم وأحكامها، وقواعد لغتهم وبلاغتها باللغة التركية!! وما تزال أمالي الشيخ بالتركية لدروسه في التربية الإسلامية وقواعد اللغة العربية محفوظةً عندي!!

 

وهذا الذي تراه لا يصلُح للمثقفين والباحثين، وتراه في مستوى الحَلْقة الدنيا، هو الذي كان الناسُ من آبائك وأجدادك أحوجَ الناس إليه... كانوا يسألون عنه ويتحرَّقون للوصول إليه، وما كانت الحكمةُ إلا فعلَه... وما كان أذكاكَ في إنكاره ومناصبته العَداء... فما أنصفَكَ وما أكثرَ وفاءك!!

 

ليس عدلًا ولا وفاءً أن يُقالَ عن الشرح ما قيل!

 

وليس عدلًا ولا وفاء أن يُقبلَ هذا الذي قيل من مجمعيِّين!

 

وليس عدلًا ولا وفاءً أن يُقبلَ إهدارُ كرامات الناس، وهم الذي ذهبت أعمارُهم وعَشِيَت أبصارُهم ورضُوا بأقلَّ من الكَفاف لهم ولأهليهم وأولادهم ليُحيوا أمَّتهم بإحيائهم لسانها! ولا إهدارُ كرامات أناسٍ أنتم كلَّفتموهم العملَ والتحقيق!! ولا إهدارُ كرامات زملائكم المجمعيِّين المختصِّين بشأن الكتاب في لجنة المخطوطات، ولا تهميش الخبراء الذين تعاقدتم معهم لمثل هذا العمل! ولا إهدارُ كرامات أعضاء لجنة المخطوطات بإخفاء تقرير موظفكم المتقحِّم قريبًا من سنتين!! في خزانة تفوح منها رائحةُ الحقد والبخل اللذَين تآمرا على الحقِّ وعلى الكرامة وعلى النظام والعُرف!

 

ليس من الحكمة أن تُسندَ العمل إلى من ليس أهلَه، وعندك أهلُه.

 

وليس من الحكمة أن تُسلِّمَ من وثقَ بك إلى خصمه، ليُنشِبَ أظفاره فيه، وأن تُعينَه على أن يشفيَ غليله، وأنت طرفٌ لا عَلاقة لك بخصومتهما.

 

وليس من الحكمة ولا من الوفاء أن نكتُمَ الأمر عن أصحابه.

 

وليس صحيحًا أن نقبلَ بقبول نظر العاجزين الذين لا يفرِّقون في أحكامهم بين عصر وعصر، واهمين أن الطبقات الدنيا والعليا هي هي في كل عصر وكل زمان جاهلين أن (دنيا) اليوم أعلى من (عليا) الأمس.

 

ليس مقبولًا أن نأخذَ من لا يعرف حياة تلك الأيام حَكَمًا على أعمال أهلها! إن صاحبكم وقاضيَكم يظنُّ أن المكتباتِ كانت ميسَّرةً وأن المعجماتِ كانت مبذولة، وأن هذه اللغةَ التي ينشرها الكِتاب ويُذيعها ويُكثر من ذكر مفرداتها لا حاجةَ إليها، وهو يجهل، كما يجهل كثيرون غيرُه، أنه لم تكن في الشام مكتبةٌ واحدة!

 

وأن المكتبة الظاهرية من جهد بعضهم، وأنها كانت أفقرَ إذ ذاك من مكتبة أيِّ أستاذ جامعي أو مجمعي اليوم! وأن بعض الناس كانوا يمشون من الصالحية إلى العَمارة ليسألوا رجلًا يملك نسخةً من تاج العروس عن معنى ثلاث كلمات! وأن نُسَخ المعجم -أيَّ معجم كان- كانت أندرَ من عدد الأوفياء اليوم! وأن بعض العلماء سمعوا أن نسخةً من أحد الكتب اللغوية وصلت إلى حلب، فبعث من دمشقَ من اشتراها له بليرتين ذهبيتين.

 

ليس معقولًا أن نجعل الغِرَّ من الشباب يمثِّل دور القوَّة والجَبَروت، ويُطلق الأحكام على من هم في منزلة أساتذته، وليس مقبولًا أبدًا أن تُقبلَ أحكامه دون عَرضها على من قُبلت فيهم أو رُدَّت عليهم، وسنترك الحديث في الردِّ عليه وفضح باطلها إلى موضع آخر.

 

ورحم الله الأستاذ البِزِم، وهو واحدٌ من تلك النخبة التي كانت تجاهد لإحياء الأمَّة ولغتها، وكان يعمل على إحياء أسلوبها الشعري الجَزْل، فقد كان يقول: «إننا نعمل اليوم على إنهاض اللغة العربية من تحت الرَّدْم، وإن الكتابة اليوم لم تأخذ حظَّها منها، بل لم تعرفها بعدُ لتأخذَ منها ما تأخذه وتدَعَ ما تدَع».

 

فهل علم صاحبكم وقاضيكم لِمَ كان الشيخُ وأترابه ينشرون اللغة ويبعثونها من تحت الرَّدْم؟! هل علم أن العربية غَبَرت زمانًا طويلًا غائبةً عن ألسُن الناس وعن حياتهم، وأحيانًا عن وعي عامَّتهم، فكانت في حاجة إلى من يبعثها حيةً في حياتهم، سهلة على ألسنتهم، واضحة في أذهان كتَّابهم. فقام على ذلك نفرٌ من علمائهم ومرشديهم، عرَفنا منهم طائفةً كانت في مكتب عنبر، وطائفةً كانت في المجمع العلمي العربي، كالجندي والمبارك وسلام والبزم والتنوخي والمغربي وغيرهم... ولو سألتَ عنهم جميعًا لرأيتهم فقراء، زهدوا في الدنيا، وجاعوا خبزًا لتشبعَ أنت وأمثالك لغةً، وأنفقوا ما معهم من ليرات ليكثُرَ ما لديك من مفردات!

 

سامحكم الله، يا من قلتم، ويا من قبلتم، فلقد سدَّدتُّم سهامًا طائشة أصابت من أردنا تكريمَه عن جدارة واستحقاق، أمضى حياته في مؤسستكم -يوم كانت مجمعًا للغة العربية بحق- ولم يتقاضَ في حياته ليرةً واحدة من المجمع عن عملٍ أو لجنة أو محاضرة أو تأليف. وكان يكتب على نور السِّراج (الكاز) ولم تدخل الكهرباء بيته إلا بعد ثلاثين سنةً من تأليف شرح المقصورة، وكان يدور على بيوت أقاربه وأصحابه، ويوزِّع عليهم من كتب المقامات والمقصورة ويقول: إن كل شابٍّ يحفظ سطرين من المقامة أو بيتًا من المقصورة فله ليرة سورية، ويعيد الزيارةَ ويسمع ما حفظوه، ويعطي كل من لم يلحَن في قراءته ليرةً على كل بيت، وكان راتبه إذ ذاك سبعًا وثلاثين ليرة، وعنده زوجةٌ وثمانية أولاد! هل من حرَج إذا قلت لكم اليوم إن الشيخ كان والله يستدين ليُطعمَ أولاده، ويوزِّع ثلثَ راتبه ليحفظ الشباب لغة المقصورة!!

 

سامحك الله أيها الشيخُ وأيها الأبُ وأيها المعلِّم، وسامحني إذ عرَّضتك لما عرَّضتك له بتقديم كتابك إلى من حسِبتُهم بأخلاق صَحبِك من العلماء المخلِصين، وحسبت مجمعَهم كمجمعكم! وأسأل الله أن يرحمكَ وأن يثيبك كِفاءَ ما قدَّمت وأن يُلحقَني بك لأعتذرَ إليك، ولأنجوَ بكرامتي ممَّا أنا فيه.

 

سامحني الله، وسامح من أساء إليَّ، وأمَّا الإساءة إليك، والإساءة إلى المحقِّق، والإساءة إلى العلم بتشويه نشره ومسخ كتبه، والإساءة إلى سُمعة المجمع الذي قَبِلَ الكلام فيَّ وفيك وفي كتابك وفي المحقِّق وأخلاقه، فلستُ أنا الذي أملك المسامحةَ فيه، فلا حولَ ولا قوَّة إلا بالله، والله المستعانُ على ما يفعلون.

 

طبعة المجمع الناقصة المشوَّهة                                       الطبعة التامَّة في مجلدين

 

العلامة الشيخ عبد القادر المبارك مؤلف شرح المقصورة                      الدكتور مازن المبارك كاتب المقالة



[1] بعد صدور نشرة المجمع المشوَّهة من الكتاب بعنوان (شرح مقصورة ابن دريد)، أعاد محقِّقه د. إبراهيم عبد الله نشره في طبعة علمية تامَّة على النحو الذي أراده مؤلفه، صدرت في مجلَّدين عن دار سعد الدين بدمشق، عام 1439هـ/ 2018م، بعنوان (شرح المقصورة الدريدية).

[2] صدر الكتاب عن المجمع بتأليف الأستاذ إبراهيم الزيبق، عام 1436هـ/ 2015م.

[3] مكتب عنبر ص 48.

[4] مكتب عنبر ص 49.

[5] مكتب عنبر ص 050

[6] طُبع في دار الفكر بدمشق سنة 2003 بتحقيق د. غازي مختار طليمات، ود. مازن المبارك.

[7] طُبعت في دار الفكر بدمشق سنة 1990 بعناية د. مازن المبارك، وطبعت ثانية سنة 2001.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة