• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

دروس في النقد والبلاغة الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر

دروس في النقد والبلاغة الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر
د. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن


تاريخ الإضافة: 21/12/2022 ميلادي - 27/5/1444 هجري

الزيارات: 6113

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دروس في النقد والبلاغة

الدرس السابع عشر: الإيجاز والإطناب في الشعر

 

يميلُ الشعر في الغالبِ إلى الإيجاز؛ لأنَّ تقيده بالوزنِ والقافية يحدُّ في كثيرٍ من الأحيانِ من قدرة الشاعرِ على الإفاضة والإطناب، فهو يكتفي بالعبارة الدالة، والصورة الموحية، يُعينه على ذلك ما تكتسبه الألفاظ من ظلال نفسيَّة جديدة في النسقِ الشعريِّ الذي يضعها الشاعر فيه، وما لموسيقى الشعر من قدرة على النفاذ إلى وجدان السامعِ.

 

لذلك نجدُ في الشعرِ كثيرًا من الأبياتِ التي تلخص حقائق كبيرة عن الحياة في عبارةٍ محكمة تشبه الأمثال، ويكون إيجازها داعيًا إلى شهرتها بين الناس؛ فهم يحفظونها، ويتمثلون بها في المواقف المختلفة؛ ومن ذلك بيت طرفة المعروف:

ستبدي لَكَ الأيامُ مَا كُنتَ جاهلًا
ويأتيك بالأخبار من لم تزوِّدِ

وقول النابغة:

ولست بمستَبْق أخًا لا تلمُّهُ
على شَعَثٍ أيُّ الرِّجال المهذَّبُ

وقول أبي نواس:

لا أذود الطيرَ عَن شجرٍ
قد بلوتُ المرَّ من ثمرهِ

وقول المتنبي:

أعيذها نظراتٍ منكَ صادقةً
أن تحسبَ الشحم فيمن شحمُه ورَمُ

والأمثلة على ذلك كثيرة.

 

على أنَّ الإيجاز في الشعرِ يتفاوت في الدرجة حسب مذهب كل شاعر وطبيعة إحساسه، حَتَّى لَيبلغ الكلام حَدَّ الإطناب عِنْدَ بعضِ الشعراء.

 

وهاكَ ثلاثة نماذج لشعراء ثلاثة في موضوعٍ واحدٍ:

قال أبو تمام من قصيدة يرثي بها ابنًا له:

بُنَيَّ يَا وَاحدَ البنينا
غَادَرْتَنى مُفرَدًا حزينا
آلَيْتُ أنساكَ مَا تَجَلى
صُبْحُ نهارٍ لُمصْبِحينا
وَمَا دَعَا طَائِرٌ هديلا
وَرَجَّعَتْ وَالِهٌ حنينا

 

وقال ابن الرومي يرثي أوْسط أولادِهِ:

وإنِّي وإنْ مُتِّعْتُ بابْنيَّ بَعْده
لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نَجْدِ
وأولادُنا مثْلُ الجَوارح أيُّها
فقدْناه كان الفاجِعَ البَيِّنَ الفقدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يَسُدُّ اخْتلالَهُ
مكانُ أخيه في جزوعٍ ولا جَلدِ
هَلِ العَيْنُ بَعْدَ السَّمْع تكْفِي مكانهُ
أم السَّمْعُ بَعْد العيْنِ يَهْدِي كما تَهْدي
محمَّد ما شيْءٌ تُوُهِّمَ سَلْوةً
لقلبيَ إلا زاد قلبي من الوجدِ
أرى أخَوَيْكَ الباقِيينِ فإنما
يَكُونان للأَحْزَانِ أوْرَى من الزَّندِ
إذا لَعِبا في ملْعَبٍ لك لذَّعا
فؤادي بمثل النار عنْ غير ما قَصدِ
فما فيهما لي سَلْوَةٌ بَلْ حَزَازَةٌ
يَهِيجانِها دُونِي وأَشْقَى بها وحْدي

 

وَقَال أبو القاسم الشابي من قصيدة عنوانها (قلب الأم):

ها أَنْتَ ذا قَدْ جَلَّلَتْكَ سَكِينَةُ الأَبدِ الكبيرْ
وبَكَتْكَ هاتيكَ القُلُوبُ وضمَّكَ القبرُ الصَّغيرْ
وتفرَّقَ النَّاسُ الَّذين إلى المقابِرِ شيَّعوكْ
ونسُوكَ مِنْ دنياهُمُ حتَّى كأَنْ لمْ يَعْرفوكْ
إلاَّ فؤادًا ظلَّ يخفقُ في الوُجُودِ إلى لِقاكْ
ويودُّ لو بَذَلَ الحَيَاةَ إلى المنيَّةِ وافتداكْ
فإذا رأَى طفلًا بكاكَ وإن رأَى شبَحًا دَعاكْ
يُصغي لصوتكَ في الوُجُودِ ولا يرى إلا بَهَاكْ
يُصغي لنغمتكَ الجميلَةِ في خريرِ السَّاقيهْ
في رنَّةِ المزمارِ في لغوِ الطُّيور الشَّاديهْ
في ضجَّةِ البَحر المجلجِل في هَدير العاصفهْ
في لُجَّةِ الغاباتِ في صوتِ الرُّعودِ القاصِفهْ
في نُغْيَةِ الحَمَلِ الوَديعِ وفي أَناشيدِ الرُّعاةْ
بَيْنَ المروجِ الخُضْرِ والسَّفْحِ المجلَّلِ بالنَّباتْ
في آهةِ الشَّاكي وضوضاءِ الجموع الصَّاخبهْ
في شهقةِ الباكي يُؤجِّجُها نُواحُ النَّادبهْ
في كلِّ أَصواتِ الوُجُودِ طروبِهَا وكئيبِها
ورخيمِها وعنيفِها....وبغيضِها وحبيبِها
ويراكَ في صُوَرِ الطَّبيعَةِ حُلوِها وذميمِها
وحزينِها وبهيجِها....وحقيرِها وعظيمِها
في رقَّةِ الفجرِ الوَديعِ وفي اللَّيالي الحالِمَهْ
في فتنة الشَّفقِ البَديعِ وفي النُّجُومِ البَاسمهْ
في رقصِ أَمواجِ البحيْرة تَحْتَ أَضواءِ النُّجُومْ
في سِحْرِ أَزهارِ الرَّبيعِ وفي تهاويل الغُيومْ
في لمعَةِ البرق الخَفُوقِ وفي هَوِيِّ الصَّاعقهْ
في ذِلَّةِ الوادي وفي كِبْرِ الجبال الشَّاهقهْ
في مشهَدِ الغابِ الكئيبِ وفي الورود العاويهْ
في ظُلْمَةِ اللَّيل الحزين وفي الكُهوف العاريهْ
أَعَرفتَ هذا القلبَ في ظلماءِ هاتيكَ اللُّحُودْ
هوَ قلبُ أُمِّكَ ... أُمِّكَ السَّكْرَى بأَحزانِ الوُجُودْ
هو ذلك القلبُ الَّذي سيَعيشُ كالشَّادي الضَّريرْ
يشدو بشكوَى حزنِهِ الدَّاجي إلى النَّفَسِ الأَخيرْ

 

فأنت ترى كيف اشترك الشعراء الثلاثة في التعبير عن إحساسٍ واحدٍ؛ هو دوام الحزن على من فقدوا، وتجدُّدُه كلما صادفوا ما يُذكِّرهم به.

 

ولكن أبا تمام اكتفى من ذلك بقوله: إنه سيذكر ابنه كلما انقضى يوم وجاء آخر، وكلما سمع غِناء طائر حزين يبكي أليفه أو حنينَ ناقةٍ ثكلى إلى ولدها الفقيد.

 

أَمَّا ابن الرومي - وهو معروف بميله إلى الإطنابِ - فقد أسهبَ في تصوير إحساسهِ بفقدهِ ولده الأوْسطَ، وما يُثيره في نفسه رؤيته لولديه الباقيين من لوعة الذكرى، وساقَ على ذلك برهانًا من واقع الحياة، فشبَّه الأولادِ بالحواس إذا فقدنا إحداها، شعرنا بضرورتها شعورًا قويًّا، ولم يُغنِنا عنها ما بقي لنا من حواسَّ أخرى.

 

وأَمَّا الشابيُّ، فشاعر حديث، والشعر الحديث في الغالب أكثر ميلًا إلى الإطنابِ من القديمِ؛ لأنَّه لا يلتزمُ قافية واحدة تحدُّ من قدرة الشاعر على التفصيلِ والإفاضة، ولأن القصيدة منه أصبحت تعبر عن تجربة نفسية واحدة يبسطها الشاعر، ويوضح جوانبها المختلفة؛ لذلك عمد الشاعر إلى رسم صور كثيرةٍ متقابلة للطبيعة في جمالها وقبحها، وهدوئها وصخبها، وجلالها وحقارتها، كلها تُذكِّر الأم بولدها الفقيد، فإذا ذكر أبو تمام ولده، كلما طلع صباح جديد، أو بكى طائرٌ أليفه، وإذا ذكر ابن الرومي ابنه، كلما حنت الإبل، أو رأى ولديه الباقيين - فإِنَّ هذه الأم الثكلى تذكر ولدها في كلِّ مَا تدركه حواسها من الطبيعة والحياة، وكأنَّها أصبحت تلك الصور الفنيَّة عندَ الشاعرِ شيئًا يُقصَد لذاته يعبِّر بها عن طاقته الشعريَّة، وإحساسه هو بالطبيعة والحياة.

 

وهكذا ترى كيف اختلف الشعراء الثلاثة في التعبير عن إحساس واحدٍ - إيجازًا وإطنابًا - كلٌّ يعبِّرُ بأسلوبٍ يُناسب طبيعته ومذهبه الفنيَّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة