• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

دروس في النقد والبلاغة: الدرس الرابع عشر: التقديم والتأخير في الشعر

دروس في النقد والبلاغة: الدرس الرابع عشر: التقديم والتأخير في الشعر
د. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن


تاريخ الإضافة: 5/11/2022 ميلادي - 10/4/1444 هجري

الزيارات: 3670

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دروس في النقد والبلاغة

الدرس الرابع عشر: التقديم والتأخير في الشعر

 

الشعر من أكثرِ فنون القول خروجًا على ترتيب الجملة المألوف؛ لأنَّه يخضع لوزنٍ خاصٍّ لا يتحقق للشاعر في كثيرٍ من الأحيانِ إِلَّا إذا وضع ألْفاظه في نَسَقٍ يُخالفُ نسقها في التعبير النثريِّ؛ لذلكَ نَجِدُ في الشعرِ ضروبًا كثيرةً مِنَ التقديمِ والتأخيرِ، لم يقصد بها الشاعرُ إلى شيءٍ منَ الأغراض البلاغيَّة التي ذكرناها، وإِن أكسبت قوله معَ ذلك جمالًا وقدرةً على التأثيرِ بما يكون من ائتلافِ الألْفاظِ في النَّسَقِ الشعريِّ من موسيقى تجعل للألفاظِ ظِلالًا كثيرةً مِنَ المعاني ليست لها حين تجيء مفردةً أو في كلامٍ نثريٍّ.

 

على أَننا قد نحسُّ في بعضِ هذا التقديم والتأخير مع خضوعه لضرورة الوزنِ؛ القصد إلى غرضٍ بلاغيٍّ في بعضِ الأحيانِ، من ذلكَ قول الشاعر:

قَوْمي همُ قتلوا أُمَيْمَ أخي
فَإذَا رَمَيْتُ يُصِيبُنِي سَهْمِي
فَلَئِنْ عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَلَلًا
ولئن سَطَوْتُ لأُوْهِنَنْ عظمي

 

فالشاعرُ هنا يُعبِّر عن حيرته الأليمة بينَ العفو عن قومه الذين قتلوا أخاه وبين أخذ الثأر لأخيهِ؛ لذلكَ لم يقل: "قتل قومي أخي"، بل قَدَّمَ: "قومي" ثُمَّ أكَّده بقوله: "همُ"؛ ليدل على أنَّهم هم الذين قتلوا أخاه ولم يقتُلْه أحدٌ ممن لا تربط الشاعر به هذه الصلة الوثيقة مِنَ القُربى التي تحول بينه وبين الثأرِ، فالتقديم هنا -كما ترى- للتخصيص.

 

ومنه قول المتنبي:

عيدٌ بأيَّةِ حالٍ عُدْتَ يا عيدُ
بما مَضَى أمْ لأمْرٍ فيكَ تَجْديدُ

فقد خرجَ الشاعرُ مِن مِصْرَ ليلةَ العيدِ هاربًا من كافور، بعدَ أن خابَ ما كانَ يرجو لديه مِن آمالٍ؛ فهو يحسُّ بالخَوْفِ والمرارة والوحشة في تلك الليلة التي ينعم النَّاسُ فيها بالأمْنِ والسعادةِ وصحبة الأهل والأصدقاء، فإحساسُه بالعيدِ إحساسٌ قويٌّ له في نفسهِ صورتان: صورةٌ مِنَ الماضي السعيد، وأخرى مِنَ الحاضر الشقيِّ؛ لذلكَ قَدَّم لبيتهِ بهذه الكلمة المفردة (عيد)، ثُمَّ أتبعها بسؤالهِ الذي يفيض بالمرارة واليأسِ.

 

على أَنَّ التقديم والتأخير البلاغيين في الشعرِ يجيئان أوضحَ ما يجيئان في عرضِ الموضوعِ عامَّة لا في كلماتِ العبارة الواحدة؛ لأنَّهما يخضعان في العبارة- كما رأيت- لضرورة الوزن في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ.

 

استمِعْ إلى قول "دعبل بن علي الخزاعي":

مَدَارسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِن تلاوةٍ
ومنزل وحيٍّ مُقْفِرُ العَرَصاتِ
لآلِ رسولِ اللهِ بالخَيْفِ مِن مِنًى
وبالركن والتعريف والجَمَراتِ

 

ثُمَّ إلى قول "الكميت بن زيد":

طَرِبتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطرَبُ
ولا لَعِبًَا أذُو الشَّيبِ يَلعَبُ
ولم يُلهِنِي دارٌ ولا رَسمُ مَنزِلٍ
ولم يَتَطَرَّبنِي بَنانٌ مُخَضَّبُ
وَلا أنَا مِمَّن يَزجرُ الطَّيرَ هَمُّهُ
أصَاحَ غُرَابٌ أم تَعَرَّضَ ثَعْلَبُ
ولا السَّانِحَاتُ البَارِحَاتُ عَشِيَّةً
أمَرَّ سَلِيمُ القَرْنِ أم مَرَّ أَعضَبُ
وَلكِن إِلى أهلِ الفَضَائِلِ والنُّهَى
وَخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيرُ يُطْلَبُ
إلى النَّفَرِ البيضِ الذِينَ بِحُبِّهم
إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ
بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي
بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَارًا وأغضَبُ

 

فأنتَ ترى أَنَّ دعبلًا قد بدأ قصيدته بالحديثِ عَمَّا أصابَ الهاشميين مِن تنكيل وتشريدٍ لما كان يحسُّ به من أسًى عميقٍ لهذا المصير، ومَع أَنَّ الكميت كَان يأسى لمصير الهاشميين كذلكَ، فإِنَّه بدأ قصيدته بالحديثِ عَن نفسهِ، فنفى أن يكونَ كغيرهِ مِنَ الشعراءِ الذين يبدأون قصائدهم بالغزل أو بالوقوفِ على الديار أو يصغون إلى نُذُر البَيْن أو بشائرِ اللقاءِ؛ وإِنَّمَا هو مشغولٌ عَن كل ذلكَ بحبِّ بني هاشم، وهو لا يصل إلى الحديث عَن مأساتهم إِلَّا بعدَ حديثٍ طويلٍ عَن نفسهِ ومَا يجد في حبِّهم من عداوة الأقارب والأباعدِ معًا، فيقول:

وأُرمى وأرمي بالعَدَاوَةِ أهلَها
وإنِّي لأوذَى فِيهم وأُؤَنَّبُ
مَا سَاءَني قَولُ امرئٍ ذِي عَدَاوةٍ
بِعَوراء فِيهِم يَجتَدِينِي فَيَجدُبُ
فَقُل لِلذي في ظِلِّ عَميَاءَ جَونةٍ[1]
يَرى الجَورَ عَدلًا أينَ تَذهَبُ[2]
بِأيِّ كِتَابٍ أَم بِأيَّةِ سُنَّةٍ
تَرَى حُبَّهُم عَارًا عَلَيَّ وتَحسَبُ
فَمَا لِيَ إِلَّا آلَ أحمدَ شيعةٌ
وَمَا لِيَ إلَّا مَشْعَبَ الحَقِّ مَشْعَبُ
وَمَن غَيرَهُم أرضَى لِنَفسِيَ شِيعَةً
ومن بَعدَهُم لا مَن أُجِلُّ وأُرجَبُ
أُرِيبُ رِجَالًا منهم وتُرِيبُني
خَلائقُ مِمَّا أَحدَثُوا هُنَّ أَريَبُ
إلَيكُم ذَوِي آلِ النَّبِيِّ تَطَلَّعَت
نَوَازِعُ من قَلبِي ظِماءٌ وألبَبُ
فإنِّي عَن الأمر الذي تكرَهُونَهُ
بِقَولي وَفِعلِي ما استَطَعتُ لأجنَبُ
يُشِيرُونَ بالأيدِي إليَّ وَقَولُهُم
أَلَا خَابَ هَذَا والمُشِيرُونَ أخيَبُ
فَطَائِفَةٌ قد أكفَرَتنِي بِحُبِّكُم
وَطَائِفَةٌ قَالُوا مُسِيءٌ وَمُذنِبُ
فما سَاءَنِي تَكفِيرُ هَاتِيكَ مِنهُمُ
ولا عَيبُ هاتِيكَ التي هِيَ أعيَبُ
يُعيبُونَنِي من خُبثِهِم وَضَلالِهم
على حُبِّكُم بَل يَسخرون وأعجَبُ
وقالوا تُرَابِيٌّ هَوَاهُ ورأيُه
بذلِكَ أُدعَى فِيهُمُ وألَقَّبُ
على تِلْك إجْرِيَّايَ فيكُمْ ضَرِيبَتي
ولو جَمَعُوا طُرًّا عليَّ واجلَبُوا
وأحمِلُ أحقَادَ الأَقَارِبِ فِيكُمُ
وَيُنصَبُ لِي في الأبعَدِينَ فَأنصُبُ
بِخاتِمِكُم غصبًا تَجُوزُ أُمورُهُم
فَلَم أرَ غَصبًا مِثلَهُ يَتَغصَّبُ

 

وقد أطالَ الشاعرُ الحديث عن نفسهِ -كما ترى- لأنَّ الأمويين كانوا يضطهدونه اضطهادًا شديدًا لتعصبه لبني هاشم حَتَّى أهدروا دَمَه في النهاية، فهو يحسُّ بما يلقاه من عنتٍ، وما يحمل الناس له من عداوةٍ، وهو فخورٌ بمحنته، معتزٌّ بإيمانهِ الذي يُميِّزه من غيرهِ مِن الشعراءِ الذين يقفونَ على الأطلال، فكانَ من الطبيعي أن يبدأ ذلكَ الحديث عن نفسهِ.

 

واستمع أخيرًا إلى قَوْلِ "جميل":

فليتَ رجالًا فيك قد نذرُوا دمي
وهَمُّوا بقتلي يا بُثَيْن لَقُونِي
إذا ما رأوني طالعًا من ثنيَّةٍ
يقولون مَن هذا وقد عرَفُوني

 

فقوله (وقد عرفوني) يشبه إلى حَدٍّ بعيدٍ النهاية المفاجئة في القصة القصيرة، فإن هؤلاءِ الذين يتربصونَ به ليقتلوه يعرفونه حين يرونه طالعًا من ثنيَّة الجبل؛ ولكنهم لخوفهم إياه يظهرونَ أنهم لا يعرفونه ويتساءلونَ: مَن هذا؟! حَتَّى لا يضطروا إلى لقائهِ فيبطش بهم، ولا شكَّ أَنَّ هذا النسق أبلغ مِمَّا لو كان قد قالَ: (إذا رأوني طالعًا من ثنيَّة يعرفونني ولكنهم يقولون: مَن هذا؟!).

 

وهكذا نرى أَنَّ التقديمَ والتأخيرَ في الموضوعِ يجيئان في الشعرِ ليُلائما إحساس الشاعرِ أحيانًا، أو ليكونا وسيلةً إلى إثارة انتباهِ السامعِ والتأثير في نفسهِ أحيانًا أخرى.

 


[1] سوداء، يقصد بالعمياء السوداء: العقيدة الضالة التي يدين بها خصومه.
[2] يقول: قل لهؤلاء الضالين الذين يرونَ الظلم عدلًا: أين تذهبونَ؟ لا أين؛ أي: لا وفقكم الله إلى ذهابٍ!




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة